♡ الوفاء و القدر♡
كعادته في كل صباح ...يستيقظ على صوت المنبه الذي يوافق وقت صلاة الفجر ...بعد أن ينتهي من وضوءه يلبس جلبابه الصوفي... و يخرج بخطى وئيدة -إلى المسجد -كي لا يزعج الجيران الذين يتقاسم معهم الدار التي يسكنها...كان الرجل السبعيني يكتري بيتا متواضعا، ظل فيه وحيدا لأربع سنوات خلت بعد وفاة زوجته التي انتقلت إلى دار البقاء ...قضت نحبها أثناء الولادة جراء خطأ طبي فادح ...منذ تلك الحادثة و السيد صالح أسير الوحدة داخل زنزانة بيته ...كان الرجل يحب زوجته حبا نقيا طاهرا ...تمنى لو يفديها بروحه و لكن إيمانه القوي بقضاء الله تعالى و قدره، خفف شيئا ما من أحزانه ...و كان يواسي قلبه بزيارة قبر رفيقة حياته صباح كل جمعة...ليتلو بعض آيات القرآن الكريم و يبتهل ببعض الدعوات إلى الله كي يرحمها و بجمعه مع محبوبته في جنة الخلد...كان السيد صالح من عمار المسجد لا تفوته صلاة في اليوم ...و بعد نهاية كل صلاة يخرج بعض الدريهمات و يتصدق بها على المحتاجين الذين يجلسون بجانب المسجد....ذات يوم استوقفه مشهد جعله يقف طويلا متأملا و متفحصا...كانت أمام المسجد شابة كالزهرة في ريعانها تستجدي صدقة من المحسنين....ظنها صالح أول وهلة شبحا او طيفا من الخيال...لأن الفتاة كانت تشبه زوجته على نفس الصورة..لم يصدق بادىء الأمر ..تقدم نحوها فمنحها كل الدريهمات التي كانت معه...فسألها : هل انت غريبة عن هذه المدينة؟ أجابته باستحياء: أجل يا سيدي،ولا أعرف حادا في هذه المدينة ،و قد توفي والدي الفقيرين ..و ليس لي من يعينني على نوائب الدهر ،إلا ما أستجديه من مثل امثالك الصالحين...رق لحالها و تألم لمصيرها....غادرها مطأطأ الرأس، و قد اختلطت ذكريات ماضيه بحاضره....لما وصل إلى بيته تناول عشاءه و خلد للنوم...لكن صورة الفتاة لم تفارق مخيلته ...بعد صراع مع الأرق استطاع أن ينام، فرأى في منامه زوجته ضاحكة مسبشرة و بجانبها فتاة كالبدر يوم تمامه و كانت هي نفس الفتاة التي رآها بالقرب من المسجد ...و قالت له هذه هديتي إليك زوجي المصون..انتبه فزعا من نومه ..توضأ وصلى ركعتين و قرأ بعض القرآن الكريم...ظنا منه انه رأى كابوسا. ...تكرر معه نفس المشهد للفتاة و هي أمام المسجد و الرؤيا التي كان يراها ثلاثة ايام بلياليها..فقرر استشارة إمام المسجد. ..فقال له بأن رؤياه صادقة و عليه أن يتزوج بتلك الفتاة اليتيمة ويصون عرضها...فقبل الأمر بعد أخد و رد خاصة و أنه رجل سبعيني و قد عاهد نفسه من قبل أن يبقى وفيا لزوجته الاولى ..فكيف يحدث هذا و الفتاة لا زالت في العشرينات من عمرها....و أثناء نومه رأى زوجته في أبهى حلة مشرقة المحيا باسمة الثغر ...ألحت عليه ليقبل هديتها. ..و أعطت أمارة كي يتأكد بأنها موافقة على زواجه ،أن اسم الفتاة هو "عتيقة" ...و هو نفس اسم زوجته الاولى...انتبه من سباته على آذان صلاة الفجر...توضأ و توجه كعادته إلى المسجد ...بعد آداء الصلاة توجه نحو الفتاة و حياها بأحسن تحية..سألها عن اسمها ،فقالت : عتيقة...انبهر الرجل و كاد لا يصدق ...وفي الليلة الموالية رأى نفس الرؤيا...و عند الصباح ..بعد انتهاء الإمام من الصلاة توجه الرجل نحو الإمام و قص عليه القصة...فخرج الإمام من محرابه و نادى على الفتاة و طلب منها الإذن بالزواج من السيد صالح فوافقت على استحياء و هي لا تكاد تصدق...و في اليوم الموالي عقد القران... و أقيمت وليمة كبيرة ...و بارك الحاضرون للرجل و زوجته الشابة. ...انتهت الوليمة و تفرق الناس منهم المتعجب و الحاسد و الفرحان...و بقي الزوجان مع بعضهما يتسامران ..و في المنام رأى صالح زوجته تهديه طبقا من اللؤلؤ والزمرد و الياقوت و المرجان كدليل على رضاها...
بقلمي: علال النوري
✒...آسفي. المغرب.