موسوعة شعراء العربية
المجلد السابع - الجزء الاول
شعراء الفترة الراكدة ( المظلمة )
بقلم د فالح الكيلاني
(2 )
نظم شعراء هذا العصر في معظم أغراض الشعرالعربي فمثلا كان لشعر الحماسة منزلة عظيمة بسبب الصراع القائم بين العرب المسلمين مع التتار والفرنجة في الحروب الصليبية والنعرات الطائفية بين الصفويين والعثمانيين إذ حمل الشعراء على عاتقهم مهمة تحميس الجند من أجل الجهاد ، وكانت المعارك التي وقعت بين المسلمين من جهة والتتار والصليبين من جهة ثانية مادة حية لهذه الأشعار والمتصفح لشعر الجهاد في هذا العصر يجد كماً كبيراً من الأشعار بعضها يبكي سقوط الخلافة الاسلامية ، وبعضها يدعو إلى الجهاد من أجل استعادتها
كقول الشاعر تقي الدين اسماعيل التنوخي:
لسائل الدمع عن بغداد أخبارُ
فما وقوفك والأحباب قد ساروا
تاج الخلافة والربع الذي سرُفت
به المعالم قد عفّاه إقفارُ
ومن ذلك أيضاً قول شهاب الدين محمود الكوفي:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني
من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم
ما راقه نظر إلى إنسان
وكان الزنكيون والأيوبيون قد تولوا عبئ الصراع مع الفرنجة ، و المماليك قد تولوا عبئ الدفاع عن البلاد ومنازلة المغول ، وقد استطاع الملك المملوكي ( قطز) أن يقضي على المغول ويردّ زحفهم بعد احتلالهم حلب وحماة ودمشق ،وقد قام الامير ( قطز ) بقتل رسل المغول الذين جاؤوا يدعونه إلى الاستسلام ، وكانت ( عين جالوت )المعركة الحاسمة إذ اعتبرت من أهم معارك المسلمين ، مثلها مثل معركة اليرموك و القادسية والزلاقة ، ومن الشعراء الذين ارخوا لتلك الفترة الشاعر شرف الدين الأنصاري في مدح المنصور الثاني:
جرّدت يوم الأربعاء عزيمة
خفيت عواقبها عن الإدراك
وأقمت في يوم الخميس مبالغاً
في الجمع بين طوائف الأتراك
قعّدت أبطال التتار بصولةٍ
تركهم كالصّيد في الأشراك
وقد فتح المماليك بعد (الظاهر بيبرس )بزعامة المنصور ( قلاوون) طرابلس الشام، وبناها من جديد بعد أن خربها التتار وفتحت (عكا ) من قبل الأشرف (خليل ابن منصور قلاوون) .
ولمّا هاجم الفرنجة مدينة (الاسكندرية ) عام \767هجرية – 1365 ميلادية أسروا ونهبوا وقتلوا قسماً كبيراً منها، رثى شهاب الدين ابن مجلة هذا الثغر قائلاً:
أتاها من الإفرنج ستون مركباً
وضاقت بها العربان في البرّ والبحر
أتوا نحوها هجماً على حين غفلة
وباعهم في الحرب يصر عن فتر
وقد صور شعر الحماسة الأحداث العامة في ذلك العصر وعبّر عن الآلام والآمال واتجه نحو التصنع والتلاعب اللفظي، وقد كان شعراء ذلك العصر يشعرون بالغربة في أوطانهم الا أن العواطف في شعر ذلك العصر كانت صادقة بسبب الأحداث الجليلة الجسام .
وفي شعرالمديح كانت هناك المدائح النبوية قيلت في مدح الرسول محمد عليه صلى الله عليه وسلم وقد راج سوقها بسبب رجوع الناس الى الدين بسبب سوء احوال البلاد وكثرة مصاعبها
وقد دفعت هذه العوامل الناس إلى الالتصاق بالدين والاستشفاع بالرسول الحبيب المصطفى لتفريج الكروب والشفاء من الامراض، وقد شجع المماليك اتجاه الاحتفالات الدينية مما جعل هذا اللون من أنشط الألوان الأدبية.
من ذلك ما قاله البوصيري :
أمن تذكر جيران بذي سلم
مرجت دمعاً جرى من مقلة بدم
أم هبّت الريحُ من تلقاء كاظمةٍ
وأومض البرق في الظلماء ومن إضم
وقد حذّر الشاعر في قصيدته من هوى النفس فقال:
النفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حبّ الرضاع وإن تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
إنّ الهوى ما تولّ يصم أو يصم
وكذلك كثر المدح طلباً للعطاء والنوال ولبلوغ المراتب الوظيفية عند السلاطين ولن تقعد معانيه عن الشجاعة والكرم والحكم والعلم، وقد أغار شعراء هذا العصر على معاني غيرهم واستباحوها ورجعوا إلى ظاهرة الوقوف على الأطلال أو الغزل أو وصف الطبيعة. من ذلك قول ابن نباته مادحاً الشهاب محمود الشاعر الذي كان من كباركتاب الإنشاء وكاتب سر الملك :
إمامٌ إذا هزّ اليراع مفاخراً به
الدّهر قال الدهر لست هناكا
علوت فأدركت النجوم فصفتها
كلاماً ففقت القائلين بذاكا
كذلك كثرمدح الاصدقاء والاقرياء والمعارف وغالباً ما يكون أقرب إلى الصدق وإن كانت المبالغات تغزو معانيه، وتسيطر عليه الصنعة الشعرية و البديعية.
اما في شعرالوصف فقد وصفوا المعارك وما يتعلق بها ، والطبيعة وما تحتوي والمظاهر المدنية كالأسواق والولائم والألم وآلام الجوع وتقلبات الزمن ودقائق الامور.
يقول النواجي القاهري في وصف مخدة:
هي نفع ولذة للنفوس وحياة و راحة للجليس
كم نديم أراحته باتكاء وتواضعت عند رفع الرؤوس
ويقول ابن نباته واصفاً الفقر :
أشكو إلى الله ما أقاسي من شدة الفقر والهوان
أصبحت من ذلةٍ وعُريٍ ما فيّ وافٍ سوى لساني
وكذلك الغزل فقد أكثر منه الشعراء في العصر المملوكي حيناً بقصائد مستقلة وأحياناً في مطالع مدائحهم وقد كان الغزل يطل برأسه من خلال الافتتان والشكوى واللوعة تعبيراً عن المشاعر ويحمل في طياته التقليد حيناً والتجديد أحياناً أخرى، وقد انطلق شعراء هذا العصر بغزلهم من مفاهيم جمالية تقليدية وفيه وصف الحبيب فشبّهوا وجهه بالبدر والشمس وشعره بالليل، ورحيق الثغر بالخمر، ونظرات العيون بالسهام والحواجب بالقسي، وقدّه بالرماح وصدغه بالعقرب.
يقول الشاعر التلعفري :
لو تنعق الشمس قالت وهي صادقة م ما فيَّ فيها، وما فيَّ الذي فيها
هبني أماثلها نوراً وفرط سناً م من أين أملك معنى من معانيها
وكذلك جعلوا المحبّ بحزن وشوق وصبابة، وجعلوا المحبيبة قاسية ظالمة لا تلين، وجعلوا وصله أبعد من الثريا . وشكو من متاعب وعثرات الحب واتهموا العذال بالبلادة، و أعين الرقباء مخيفة نظارتها حاقدة حاسدة، وتغيرت النظرة لجمال العيون فاحبوا العيون الضيقة
يقول ابن نباتة :
بهت العذول وقدر رأي ألحاظها
تركية تدع الحليم سفيهاً
فثنى الملام وقال دونك والأسى
هذي مضايق لست أدخل فيها
وفي زيارة طيف المحبوب وخياله في المنام واليقظة يقول الحلّي:
ما بين طيفك والجفون تواعد
فيفي إذا خُيّرت أني راقد
إني لأطمع في الرُّقاد لأنه
شرده يصار به الغزال الشاردُ
و نظراً للأحداث الجسام التي مرت على الأمة الإسلامية وما حصل من معارك نتج عنها الموت والقتل والتخريب فقد نشط فن الرثاء،
فمانت فيه المراثي الخاصة كرثاء الاحبة والاباء والازواج ومن ذلك رثاء يحيى شرف الدين لزوجته فاطمة التي عرفت بالفضل والكرم :
وما فاطمٌ إلاّ الحور أخرجت
لنعرف قدر الحور قمّت ردّت
ورثاء صفي الدين الحلّي لعبدٍ مملوك له، ربّاه من صغره حتى
صار كاتباً فطناً:
هدّ قلبي من كان يؤنس قلبي إذ نبذناه بالعراء سقيماً
ونأى يوسفي فقد هذبت عبد منا ي من حزنه وكنت كظيماً
وكذلك رثاء الملوك والامراء وفيه الإشادة بصفات المرثي وكريم مزاياه
من خلال المبالغة والصنعة من ذلك رثاء الملك المؤيّد اذ رثاه ابن نباتة فقال فيه :
ليت الحمام حبا الأيام موهبة ف فكان يفني بني الدنيا ويبقيه
لهفي على الخيل قد وقت صواهلها ح حقَّ العزا فهو يشبجيها وتشجيه
وكذلك نلاحظ المدن والامصاركما في رثاء بغداد التي سقطت بيد المغول:
إن لم تقرح أدمعي أجفاني
من بعد بعدكم فما أجفاني
إنسان عيني مذ تناءت داركم
فما راقه نظرٌ إلى إنسان
وأيضاً قول بهاء الدين الهائي يرثي دمشق:
لهفي على تلك البروج وحسنها
حفّت بهن طوارق الحدثان
كانت معاصم نهرها فضية
والآن صرن كذائب العقيان
اما الهجاء فقد ظهر بصورته الفردية واختفى بصورته القلبية وركّز في المثالب ومزج السخرية.
وقد كثرشرب الخمور وأصبح نوعاً من التحضر والرقي وانتشرت في المجتمع الشبابي فلسفة انهزامية تدعوا إلى الاستمتاع بالحياة قبل زوالها نتيجة ماحلَّ من تشريد وقتل وتدمير وخراب، وكثرت مجالس الخمرة وزال الحياء عند بعض الناس فاقيمت النوادي مصحوبة بالرقص والغناء في المنازل أو على برك الأنهار علانية .
يقول الشاب الظريف:
ناوليني الكأس في الصّبح ثمّ غنّي لي على قدحي
واشغلي كفّيك في وترٍ لا تهدّيها إلى السّبح
بالمقابل كثر التزمت من الزمن بسبب انتشار الفقر والحرمان وغدر الزمان، يقول ابن نباته:
أشكو لأنعمك التي هي للعفاة سحائب
حالي التي يرثي العدوّ لها فكيف الصاحب
وذلك الشعراء قالوا في الطرد والصيد و وصف الخيول والفهود والكلاب المدربة. يقول صفي الدين الحلّي في وصف صقر:
والطير في لجّ المياه تسري كأنها سفائن في بحر
حتى إذا لاذت بشاطئ النهر دعوت عبدي فأتى بصقري
من الغطاريف الثقال الحمر مستبعد الوحشة حجمّ الصّبر
وكذلك قيل الشعر في الألغاز والأحاجي مثل قول ابن نباته للغز
في (علي):
أمولاي ما أسمٌ جليٌّ إذا تعوّض عن حرفه الأول
لك الوصف من شخصه سالماً فإن قلعت عينه فهو لي
اما الشعر التعليمي وهو شعر المنظومات التي قالها العلماء في علوم الصرف والنحو والبلاغة والعروض والمنطق والحديث والصرف مثل ألفية ابن مالك في النحو والصرف:
كلامنا لفظٌ مفيدٌ كاستقم اسم ، وفعل ثم حرف الكلم
اميرالبيـــــــــان العربي
د فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلـــــــد روز
***************************************