الأطعمة الوظيفية.. تعزز صحة الجسم
دورها الإيجابي الصحي أحد أسباب انتشارها
|
|
|
جدة: د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
تعني الأطعمة الوظيفية، الأغذية أو أحد مكوناتها التي تقوم بوظيفة وقائية أو علاجية، علاوة على الوظيفة الغذائية. وقد كان استعمال الغذاء في الوقاية أو العلاج من الأمراض معروفا منذ عدة قرون، إذ كان ذلك مبنيا على الاعتقادات، أو العادات، أو العرف، من دون قاعدة أو أساس علمي. ولكن خلال العقود الأخيرة، خصوصا في العقد الماضي، أظهرت الدراسات الوبائية والدراسات السريرية (الإكلينيكية) أدلة على فاعلية بعض المركبات الكيميائية الفعالة بيولوجيا الموجودة في الأطعمة في الوقاية والعلاج لبعض الأمراض. هناك بعض المركبات الكيميائية الموجودة في الأطعمة تقل أو تنعدم فاعليتها العلاجية أو الوقائية أو قد تتعارض نتائجها. بالإضافة إلى ذلك فإن الإفراط في تناول هذه المكونات أو تناولها بصورة مزمنة قد يؤثر سلبا على صحة الفرد. لذلك ما زلنا نحتاج لمزيد من الأبحاث لمعرفة التأثير طويل المفعول على مدى سلامة هذه المركبات على جسم الإنسان.
حول هذا الموضوع تحدث إلى «صحتك» الدكتور خالد بن علي المدني، استشاري التغذية العلاجية ونائب رئيس الجمعية السعودية للغذاء والتغذية سابقا، وكان الحديث مقتصرا على التجربة الأميركية في هذا المجال، لكونها طبقت منذ عدة سنوات بعض الأنظمة الخاصة بتداول هذه الأطعمة، في حين أن بعض البلدان، ومنها المملكة العربية السعودية بدأت مؤخرا في وضع الأسس الأولية لتنظيم هذه الأطعمة.
* انتشار الأطعمة الوظيفية
* قد ترجع زيادة انتشار الأطعمة الوظيفية خلال السنوات القليلة الماضية إلى زيادة الوعي الصحي الغذائي، وارتفاع متوسط العمر المأمول، مما زاد نسبة المسنين في المجتمع، كما أدى ارتفاع تكاليف العلاج التقليدي إلى اتجاه المستهلك نحو العلاج البديل. وأدى إصدار المواصفات والمقاييس الخاصة بالأطعمة الوظيفية في بعض الدول إلى سهولة تداولها وزيادة انتشارها، وكذلك ظهور الأبحاث الكثيرة التي تدعم دور الغذاء في مكافحة أو الحد من ظهور بعض الأمراض. كما ظهرت من بداية إلى منتصف التسعينات من القرن الماضي تقنيات حديثة في مجال التقنيات الحيوية والهندسة الوراثية وسرعة وزيادة كمية الإنتاج، مما ساعد شركات الصناعات الغذائية في إنتاج وتصنيع أطعمة صحية بكميات كبيرة.
وأضاف د. المدني أن هناك الكثير من البحوث التي درست أسباب زيادة تحول المستهلك إلى طلب الأطعمة الوظيفية، ويرجع تفضيلها إلى عدة أسباب، منها زيادة اهتمام الفرد بصحته، والاعتقاد بأن هذه الأطعمة تمثل نوعا من الوقاية والعلاج لبعض الأمراض المستعصية أو تحتوي على نسبة أعلى من المغذيات وأكثر أمانا، وأفضل طعما من الأطعمة التقليدية.
* تصنيف الأطعمة الوظيفية
* يقول د. المدني، هناك عدة طرق لتصنيف هذه المواد الفعالة بيولوجيا، فقد تصنف بناء على مصدرها الغذائي، أو آلية التأثير، أو طبيعة التركيب الكيميائي، أو التأثير الوظيفي على جسم الإنسان. وسوف يتم تصنيفها في هذا المقال بناء على مصادرها الغذائية إلى ثلاث مجموعات، وهي المصادر النباتية، والمصادر الحيوانية، والمصادر من الكائنات الحية الدقيقة.
* المصادر النباتية
* يطلق عليها «Phytochemicals» وهذه تعني المواد الكيميائية المتوفرة في النبات؛ حيث إن كلمة «Phyto» باليونانية تعني «نباتيا»، وهذه تشمل:
* الصبغيات والفلافنويدات
* الكاروتينيدات Carotenoids: وهي عبارة عن صبغات طبيعية توجد في الكثير من الفواكه والخضروات، مثل الجزر، والطماطم، والسبانخ، والبرتقال، والخوخ. وقد أظهرت الدراسات الوبائية أن زيادة استهلاك الأطعمة الغنية بالكاروتينيدات لها علاقة وثيقة بانخفاض خطورة حدوث الكثير من الأمراض. ويوجد أكثر من 600 مركب من الكاروتينيدات تم التعرف عليها في الأصناف المختلفة من الفواكه والخضروات (القمصاني والمدني، 2004).
وأهم عناصر هذه المجموعة هي ألفا - كاروتين، وبيتا - كاروتين، وبيتا - كريبتوزأنثين، والليكوبين Lycopene، والليوتين Lutein، والزيازانثين Zeaxanthin. وتعمل بعض هذه المجموعة كطلائع لفيتامين «أ» (A)، وكمضادات للأكسدة، وزيادة الاتصال بين الخلايا كآلية كيميائية محتملة لتفسير التأثيرات الوقاية من السرطان.
* الفلافنويدات Flavonoids: تعتبر الفلافنويدات أكثر المجموعات شيوعا وأوسعها توزيعا بين كثيرة الفينولات Polyphenols النباتية، وأكثرها وفرة في الأطعمة، ومن أهم الأطعمة الغنية بالفلافنويدات البصل، والتفاح، والتوت الأزرق، والعنب، والشاي. وتشير البيانات التي صدرت حديثا إلى أن بعض أنواع الكاكاو والشوكولاته تعتبر مصادر غنية بالفلافنويدات. وقد تم التعرف على أكثر من أربعة آلاف صنف منها تختلـف في تركيبها، وكذلك في فاعليتها.
وتشمل أهم هذه المجموعة الكاتيشينات Catechins، والأنثوسينادينات Anthocyanidins، وبروأنثوسينادينات Proanthocyanidins، والفلافينولات Flavonols، والفلافونات Flavones، والفلافانونات Flavanones. وتعمل هذه المجموعة كمضاد للأكسدة، مما يمثل نوعا من الوقاية لأمراض القلب والأوعية الدموية وبعض أنواع السرطان، كما تعمل على تقوية جدار الشعيرات الدموية.
* الاستروجينات النباتية
* الاستروجينات النباتية Phytoestrogens: تعتبر الاستروجينات النباتية من المجموعات الفعالة التي توجد في الأطعمة الوظيفية. وهي عبارة عن مركبات ذات تأثير استروجيني ضعيف على الجهاز العصبي المركزي، وتعمل على تنبيه ونمو الجهاز التناسلي لدى إناث الحيوانات. وقد تم التعرف على هذه المواد في بعض البقوليات والحبوب والفواكه.
وتنقسم الاستروجينات النباتية إلى عدة مجموعات، أهمها مجموعة الإيزوفلافونات Isoflavones، وتوجد أساسا في فول الصويا Soybean. وأهم المركبات التابعة لهذه المجموعة هي الديادزين Daidzein والجينيستين Genistein. وكذلك مجموعة اللجنانات Lignans التي توجد بتركيز عال في بذور الكتان Flaxseed، وأهم المركبات التابعة لهذه المجموعة هي سيكوإيزلريسيريزينول Secoisolariciresinol ومتايريزينول Matairesinol.
ويتشابه التركيب الكيميائي للاستروجينات النباتية مع الاستروجينات الطبيعية والصناعية، وقد أظهرت الكثير من الدراسات الحديثة، التي أجريت على الإنسان والحيوان، وعلى مزارع الأنسجة أن زيادة تناول هذه المواد لها دور مهم في الوقاية من أعراض انقطاع الطمث قصيرة الأجل، مثل الدفقات الحارة عند المرأة، كذلك المشكلات الصحية طويلة الأجل مثل هشاشة العظام وأمراض القلب والأوعية الدموية.
* الستيرولات والصابونيات
* الستيرولات النباتية Phytosterols: توجد هذه المركبات في الزيوت النباتية والنقوليات والبقوليات والحبوب وأهم الستيرولات النباتية بيتا سيتو ? - Sitosterol، وكمبيستورل Camesterol، واستجماسترول. وتعمل هذه المجموعة على تقليل امتصاص الكولسترول من القناة الهضمية، وتقليل نسبة حدوث بعض أنواع السرطان.
الصابونينات Saponins: مجموعة من المركبات النباتية المتنوعة تتميز بتكوين رغوة مع الماء، وتشترك في بعض الصفات مثل الطعم المر، والقدرة على إذابة خلايا الدم الحمراء، والتفاعل مع أحماض الصفراء Bile Acids والكولسترول.
وتوجد الصابونينات أساسا في النبات، كما توجد في عدد من الحيوانات البحرية. وتحتوي على أكثر من 100 عائلة نباتية على الصابونين، الذي يوجد بصفة عامة في صورة مركبات معقدة تختلف في التركيب البنائي، والكمية، والفاعلية. وتعتبر الصابونينات الموجود في فول الصويا Soyasponins من أهم الصابونينات المعروفة في النبات، ويوجد الصابونين أيضا في أنواع أخرى من البقوليات، مثل الفاصوليا، واللوبيا، والفول، والعدس، كذلك يوجد في الشاي والثوم، والبصل، والطماطم. وتعمل هذه المركبات على تقليل امتصاص الكولسترول في القناة الهضمية، كما تعمل كمضاد للأكسدة.
* مركبات الكبريت
* مركبات الكبريت العضوية Organosulfur Compounds:
وتوجد هذه المركبات في الثوم والبصل، وتعمل على تطهير الأمعاء، كما تخفض من نسبة الكولسترول في الـدم، وقد تقلل من حدوث بعض أنواع السرطان.
* المصادر الحيوانية
* ويطلق عليها Zoochemicals، وهذه تعني المواد الكيميائية الموجودة في المصدر الحيواني، حيث إن كلمة Zoo تعني بالإنجليزية حيواني، وتشمل هذه المجموعة على:
«أوميغا - 3».
الأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3» (Fatty Acids Omega – 3): تعتبر الأحماض الدهنية كثيرة اللاتشبع (الكثيرة غير المشبعة) Polyunsaturated Fatty Acids من المكونات الطبيعية المتوفرة من المصادر الحيوانية والنباتية.
وتعتبر زيوت الأسماك ولحوم الأسماك الدهنية من المصادر الجيدة للأحماض الدهنية كثيرة اللاتشبع، وخصوصا الأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3»، كما توجد هذه الأحماض الدهنية في الزيوت النباتية. وهناك بعض الأبحاث التي تظهر الدور الإيجابي الصحي للأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3»، حيث إنها:
- تعد ضرورية لتطور العقل في مراحل الحياة الأولى، وكذلك التكوين العقلي السليم.
- تساعد على تشكيل الجزء الأكبر من شبكية العين التي تعتبر مركز الرؤية.
- تتحول إلى مركبات شبيهة بالهرمون داخل الجسم وهذه المركبات تنظم الكثير من وظائف الجسم، مثل ضغط الدم، ونسبة الشحوم في الدم، والاستجابة المناعية، والاستجابة للالتهابات الناجمة عن الجروح والعدوى.. إلخ.
- تقلل من تكوين جلطات الدم التي تمنع سريان الدم في الأوعية الدموية بشكل طبيعي، مما قد يؤدي إلى فشل الأعضاء الرئيسية في جسم الإنسان، مثل القلب والدماغ والكلى.
- لها تأثير صحي على انتظام خفقان القلب.
- تساعد على تكوين أغشية الخلايا.
- تخفض نسبة البروتينات الشحمية منخفضة الكثافة جدا، التي تعتبر المادة المكونة (طلائع) للكولسترول الضار.
ونظرا للفوائد الكثيرة للأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3»؛ فإن المختصين في علوم الغذاء والتغذية يوصون بتناول حصتين من الأطعمة البحرية أسبوعيا، ومع ذلك لا ينصحون بتناول المكملات الغذائية من زيت السمك في شكل صيدلاني بصورة عشوائية، وذلك للأسباب التالية:
- الإفراط في تناول الأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3» يؤدي إلى زيادة سيولة الدم، وقد يؤدي ذلك إلى النزيف.
- يحتوي زيت السمك على نسبة عالية من فيتامين «إيه» (A)، وفيتامين «دي» (D)، حيث إنهما من الفيتامينات الذائبة في الدهون، ويؤدي الإفراط في تناولهما إلى تكدسهما في الكبد، مما يؤثر سلبا على وظائفه.
- دهن جلد وكبد الأسماك الذي يستخرج منه زيت السمك هو مكان تجمع السموم والملوثات والمبيدات في الأسماك.
- الأحماض الدهنية من النوع «أوميغا - 3» من أسرع الدهون فسادا بالأكسدة، مما قد يؤثر على صحة الإنسان.
- أنها غير مدعومة بأي ادعاءات طبية من وكالة الغذاء والدواء الأميركية.
- لا تصرف كبسولات زيت السمك في كندا إلا بوصفة طبية، إضافة إلى أنها غالية السعر.
حمض اللينولييك المقترن Conjugated Linoleic Acid (CLA): يعتبر هذا الحمض من مجموعة من الأحماض الدهنية كثيرة اللاتشبع، حيث تظهر بصورة نظائر لحمض اللينولييك. وأهم مصادره منتجات الحيوانات المجترة، مثل لحوم الأبقار والخرفان، ومنتجات الألبان، حيث يصنع هذا الحمض بواسطة البكتيريا الموجودة بالحيوانات المجترة من حمض اللينولييك، كما يوجد بكميات أقل في أنواع أخرى من الأطعمة، مثل المأكولات البحرية، والديك الرومي، والزيوت النباتية. وقد أظهرت بعض الأبحاث تأثير حمض اللينولييك المقترن في تثبيط حدوث سرطان المعدة والثدي في حيوانات التجارب. كذلك في تخفيض خطورة أمراض القلب والأوعية الدموية. وقد أظهرت دراسة على فئران التجارب تأثير حمض اللينولييك المقترن في تخفيض الوزن، بواسطة تخفيض ترسب الدهون وزيادة الكتلة العضلية بالجسم، كذلك تثبيط الإصابة بداء السكري, وزيادة فاعلية الإنسولين.
مصادر الكائنات الحية الدقيقة الكائنات الحية الدقيقة المفيدة Probiotics: هناك بعض الكائنات الحية الدقيقة التي تعمل على الوقاية أو العلاج من المرض وتحسن صحة الفرد، ومنها مجموعة اللاكتوباسليس Lactobacillus، والبفيدوبكتريم Bifidobacterium، حيث تعمل بعض شركات الصناعات الغذائية إلى إضافتها للحليب ومنتجات الألبان. وقد تؤدي هذه الكائنات الحية الدقيقة الفوائد الصحية التالية:
- تحسين وتنظيم عملية الهضم عن طريق إعادة التخلص من الفضلات طبيعيا.
- تعزيز النظام المناعي ضد الأمراض المعدية.
- زيادة امتصاص الجسم للمعادن، والفيتامينات، والعناصر الغذائية الأخرى.
- تكوين بعض الفيتامينات.
- الحماية من الكائنات الحية الدقيقة الضارة.
وهناك أطعمة تعمل على تغذية ونمو الكائنات الحية الدقيقة المفيدة في القولون يطلق عليها البريبايتيك Prebiotics، وهي عبارة عن مواد كربوهيدراتية لا يتم هضمها في الأمعاء الدقيقة وتصل إلى الأمعاء الغليظة، حيث تتم الاستفادة منها من قبل الكائنات الحية الدقيقة المفيدة، وتشمل الألياف الغذائية من الخضراوات والفواكه، وأيضا السكريات قليلة سلسلة الفركتوز، التي منها عسل النحل، والبصل، والموز، والبيرة، والشوفان، والقمح. وفي حالة تناول الكائنات الحية الدقيقة المفيدة مع الأطعمة التي تغذي وتنمي هذه الكائنات، يطلق على هذه الأطعمة سمبيتيك Symbiotic (Roberfroid, 1998).
ما زال استنتاجنا عن كيفية تناول الكائنات الحية الدقيقة المفيدة في معالجة الأمراض وتحسين الصحة يحتاج لمزيد من التوسع؛ فالآن يمكن للإنسان البالغ السليم تناول اللبن الزبادي أو شرب الحليب المحتوي على مزرعة فعالة، للحصول على جرعة من الكائنات الحية الدقيقة المفيدة في الأطعمة. ولكن في المستقبل قد نتناول هذه الكائنات المفيدة بدلا من المضادات الحيوية، لتقضي على الكائنات الدقيقة الممرضة في الأمعاء. وربما نهتم بما نتناوله من أطعمة لزيادة عدد هذه الكائنات المفيدة، كما نهتم بما نتناوله لأنفسنا.
يبقى علينا أن نتعرف على سلامة الأطعمة الوظيفية، وهل هي آمنة؟ وهل هناك حد أعلى لها؟ وما هو القدر الأمثل منها؟ وكيف يمكن تنظيم تداولها؟
سوف نتطرق إلى هذا الموضوع لأهميته في لقاء مقبل.
(المراجع: عدد من الكتب والدراسات والمجلات العربية والأجنبية، المحلية والعالمية)
ساحة النقاش