التخفيف من الفقر والتنمية
2010/05/05 الساعة 16:20:02عادل معزباعتمدت "إستراتيجية التخفيف من الفقر (2003-2005)" منظومة الإدارة والحكم الصالح كأحد الاستراتجيات الناجحة في سبيل التخفيف من ظاهرة الفقر في اليمن، من خلال توفر الحكم الجيد والإدارة الكفؤة والمؤسسات المستجيبة لاحتياجات أفراد المجتمع يعتبر شرطاً ضرورياً لنجاح جهود التخفيف من الفقر، ولهذا ستسعى الحكومة لتطوير المجالات المتعلقة بهذا الجانب من خلال مقاربات متعددة هي:
· إصلاح الخدمة المدنية
· تعزيز الديمقراطية
· تطبيق القوانين والأنظمة
· الدفع بالسلطة المحلية واللامركزية
· دعم المؤسسات الحكومية والأهلية المناصرة للفقراء
من جهته، أشار تقرير البنك الدولي بعنوان "النمو الاقتصادي في الجمهورية اليمنية: المصادر، العوائق، والإمكانيات" الصادر عام 2002، إلى أن مستوى أداء بنية الحكم الصالح في اليمن كان ضعيفا، فحين تم تحديد مركز اليمن في دراسة كبيرة شملت 188 بلدا في العالم تمت في العام 2001 من خلال ستة أبعاد لأساليب الحكم المتبعة، جاءت اليمن ضمن مجموعة الدول التي تشكل 25% من العينة، والتي حصلت على أدنى مستويات.(ص 62، 63)
يشير مفهوم إدارة شئون الدولة والمجتمع (أو مايطلق عليه أحيانا الحكم الصالح أو الحكم الجيد أو الرشيد) إلى ممارسة السلطة السياسية والاقتصادية والإدارية لإدارة شؤون بلد ما على جميع المستويات. وبمعنى أدق، ينصرف مفهوم الحكم الصالح إلى منظومة الحكم التي تعزز وتدعم وتصون رفاه الإنسان وتقوم على توسيع قدرات البشر وخياراتهم وفرصهم وحرياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولا صيما بالنسبة لأكثر أفراد المجتمع فقراً وتهميشاً. وعلى ذلك يمكن تعريف الحكم الصالح الذي يستهدف تحقيق مصلحة عموم الناس في المجتمع (كما جاء في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2002) على أنه "نسق من المؤسسات المجتمعية، المعبرة عن الناس تعبيرا سليما، تربط بينها شبكة متينة من علاقات الضبط والمساءلة بواسطة المؤسسات، وفي النهاية بواسطة الناس.
وبذلك، يشمل مفهوم الحكم الصالح جميع المؤسسات في المجتمع بحيث يشمل أجهزة الدولة وهيئات المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص. كما لا ينحصر مفهوم الحكم الصالح في الاهتمام بآثار التنمية الحالية، بل يشمل التنمية طويلة الأمد، والممتدة على مدى أجيال متعددة. وتتمثل أبعاد الحكم الصالح في حكم وسيادة القانون والشفافية والاستجابة والمشاركة والإنصاف والفعالية والكفاءة والمساءلة والرؤية الإستراتيجية.
ولإدراك تقرير التنمية الإنسانية بأن مفهوم الحكم الصالح السابق هو حالة مثالية لم يصل إليها مجتمع بشري حتى اللحظة، فإنه يدعو الدول المختلفة إلى تحديد أكثر السمات الأساسية أهمية من خلال بناء توافق مجتمعي عريض. فعلى سبيل المثال، يرى التقرير ضرورة توفر اتفاق مبدئي حول القضايا المجتمعية الأساسية مثل اختيار التوازن المطلوب بين الدولة وقوى السوق؛ أو بين السلطة والحرية؛ أو اختيار أفضل الأساليب والطرق الناجعة للوصول إلى مجتمع المعرفة والانخراط في العولمة الجديدة. الأمر الذي يستدعي بالضرورة توفر البني السياسية والاجتماعية والسياسية القائمة على الحرية والمشاركة والمساءلة والشفافية والتي يمكن من خلالها تطبيق منظومة الحكم الصالح.
الجدير بالذكر، أن مقاربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الواردة في تقارير التنمية الإنسانية العربية المتعاقبة، تقوم على دمج أهداف الحكم الصالح مع نموذج التنمية البشرية المستدامة. وفي هذا السياق، يرى الأمين العام للأمم المتحدة (كوفي أنان) أن "الحكم الصالح هو العامل الأهم الذي يمكن من محاربة الفقر وتعزيز التنمية".
وعلى هذا، يسعى نموذج التنمية الإنسانية المستدامة والمرتكز على منظومة الحكم الصالح إلى توسعة خيارات جميع فئات المجتمع، بما في ذلك الفئات الأكثر تهميشا مثل النساء والفقراء، مع الاهتمام في نفس الوقت بحق الأجيال القادمة في حياة كريمة، مع التشديد على تحقيق قدر أكبر من الدمج بين المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى مشاركة أكبر للقوى الفاعلة على الصعد المحلية والقومية والإقليمية والعالمية.
وفي هذا السياق، تؤكد تقارير التنمية الإنسانية العربية المتعاقبة على أهمية قيام نماذج الحكم الصالح على مقاربات وممارسات محلية تستلهم الطبيعة الخاصة بكل بلد على حده، مع التأكيد على ضرورة النظر بايجابية وانفتاح إلى التجارب الإقليمية والعالمية الناجحة. جاء في التقرير الذي بين أيدينا:
إن بناء التنمية الإنسانية يطلب إعمال إبداع اجتماعي، لا يقدر عليه إلا أهل كل مجتمع عربي لأنفسهم، بأنفسهم، كما تدعو التنمية الإنسانية. ولذلك يكتفي التقرير برسم الملامح الرئيسية لما يمكن أن يعد رؤية إستراتيجية، تنير الطريق لبناء التنمية الإنسانية، على أن تتعهدها القوى الحية في أي مجتمع عربي بالنقاش الجاد أولا، اختلافا قبل الاتفاق حين يكون مبررا، ثم لترى بعد ذلك ما هي فاعلة بشأنها. من غمار عملية الإبداع الاجتماعي هذه يمكن أن تنشأ حركة مجتمعية تقوم على إطلاق الطاقات البشرية الخلاقة في المجتمع المعني، وتوظفها بكفاءة في بناء التنمية الإنسانية.
في الوقت نفسه، تؤكد تقارير التنمية الإنسانية المتعاقبة أيضا على ضرورة إعطاء الوقت اللازم لنضوج التجارب الوطنية في مجالات الحكم الصالح والتي لا يمكن الوصول إليها بين ليلة وضحاها. وفي هذا السياق، يؤكد التقرير على الشروط اللازمة للوصول إلى مجتمع المعرفة ، غير أن استعادة تلك المكانة المتميزة تتطلب مكافحة فعالة لإرث عصر انحطاط قد طال بأكثر مما يحتمل. ويقتضي تكامل نموذج عربي عام، أصيل، منفتح، ومستنير إصلاحات جوهرية في السياق المجتمعي لمنظومة المعرفة في البلدان العربية
ساحة النقاش