عيد الفطر لدى العراقيين، له مذاق خاص يختلف عن باقي الأعياد، إذ أن نسبة كبيرة من العراقيين قضوا شهرا كاملا تحملوا فيه الجوع والعطش، ولاسيما حين يصادف الشهر في موسم الصيف. فنراهم يستقبلون العيد بكل ما امتلكوا من فرحة وبهجة وسرور، وايام العيد العراقية هي ايام من التراحم والتواد يفتتحها العراقيون بالمحبة وفض النزاعات ووضع حد للمخاصمات بين افراد العوائل والمحلات المتنازعة. ايام العيد ايام زمان.. مقترنة بالضحك والابتسامات ، فالعيد من السرور في ذاكرة الاطفال بمرح الاراجيح والألعاب والـ (عيديات) والهدايا. وللكبار هي فرصة ثمينة للتزاور وتبادل الواجبات وهو فرصة لم شمل، وهي مراسيم فرح وطقوس محبة بين ابناء الديانات والمذاهب هي بهجة العيد في محلات واحدة. كما ان أيام العيد مصحوبة بنكهة (الكليجة) العراقية. قديما كانت الزيارات والخروج سويا هي السفريات للعراقيين أيام الأعياد، ولاسيما بغداد إذ تنتشر المناطق الملائمة للسفرات على أطرافها منها: سلمان باك، الفحامة، الراشدية. واذ ابتعدنا قليلا فهناك الصدور في محافظة ديالى، والرزازة في كربلاء والحبانية في الأنبار والثرثار في صلاح الدين، فضلا عن المتنزهات التي كانت تنتشر على طول قناة الجيش. وقسم من الشباب اصطحاب المطبگ والناي، وأحيانا يشكلون دائرة يتوسطهم أحدهم ، فتكون يسمو فيها الحب والفن والأدب ، وألفة العراقيين فالجميع ويأكلون من خيرات العراق ويشربون ماءه، وكان ما يمتلكونه من الحب والفرح. أما السينمات قبل التلفزيون كانت قائمة في شارع الرشيد والسعدون، فقد كانت محط اهتمام على اختلاف أذواقهم وثقافاتهم وميولهم ومستوياتهم الاجتماعية. ، حيث كان لكل سينما نمط خاص من الأفلام التي تعرضها. وكم كانت متعتهم جميلة حين يقضون كل نهارهم ، ولايفوتهم طبعا اصطحاب (چيس كرزات) الى داخل الصالة مع مناداة بياع الـ (ببسي) داخلها. أما المرأة فكن يستمتعن بتبادل الزيارات في المحللات والأزقة التي يسكنّها، ويتبارين في جودة الطبخ، حيث تبذخ كل واحدة بكل ما أوتيت من فنون الطبخ والطهي، سواء في الأكلات الـ (دسمة) او الحلويات، اما الأكلات الدسمة فكانت تتصدرها أصناف للصغار والكبار مثل؛ الـ (پاچه) و الـ (دولمه) والـ (برياني) والـ (شيخه محشي) والـ (تبسي) بأنواعه. أما لو كانت من ضمنهن امرأة (مصلاوية) فالأمر يأخذ جانبا أكثر تشوقا حيث تطرح من الأكلات المصلاوية ما لذ وطاب مثل؛ الممبار والكِبايات وكبة البرغل. وكذلك من المشويات أشهاها مثل الكباب والتكة والمعلاك والفشافيش .
الحلويات هي الأخرى تعد من مستلزمات أيام العيد، حيث يقدم المستضاف لضيوفه أشهى ما تمكن من جلبه اليهم، على رأسها البقلاوة والزلابية والبرمة والكنافة والقطائف. فضلا عن الكليچه التي يكاد لا يخلو منها بيت من البيوت العراقية خلال أيام العيد.
والعصائر لها حديث آخر، بين رمضان والعيد فمزارع العراق من شماله الى جنوبه مرورا بوسطه كانت تزهو بأصناف أشجار الفواكه كالبرتقال والتفاح والخوخ والعنب والأجاص والعرموط.
وكانت ساحات الألعاب تنتشر بكثرة في المحلات والأزقة على بساطة أدوات اللعب وميكانيكيتها، وكانت تسمى الـ (فرجة) وهي الساحة التي يجتمع فيها الاولاد ايام العيد حول بعض الالعاب البسيطة والماكولات الشعبية في كل منطقة من مناطق بغداد القديمة.. وكان القائمون على هذه الساحات يبدأون بالتحضيرات ونصب دواليب الهواء والمراجيح قبل ايام من العيد وكذلك يزين اصحاب العربات التي تجرها الخيول او اصحاب الربلات عرباتهم بوسائل الزينة البسيطة المتاحة في تلك العقود. وكانت كل عربة تقوم بجولة في المناطق القريبة وهي تحمل عددا كبيرا من الاطفال مقابل مبالغ زهيدة، وكذلك يتجمع الباعة المتجولون منذ الصباح الباكر، فمنهم من يبيع (الشعر بنات)، ومنهم من يبيع الداطلي ، وغيرها من الحلويات، واخرون يبيعون اللبلبي والازبري ، وهي مرطبات تعد حين طلبها بادوات يدوية .
وكانت بساطة العيش والالفة والمحبة والامان الدائم على رؤوس البغداديين عقودا طويلة من الزمن فعاشوا متحابين متآزرين في السراء والضراء. اليوم في القرن الواحد والعشرين وفي ظروفنا التي نمر بها وسبب وصول الامريكي ببعد المسافات بين الدول الى اراضي كثيرة من اسيا ودول اخرى ، فقدت المحبة والامان في العراق والمسلمين ، كون الحي السكني الامريكي بدون عائلة لفترة اعمارهم وهي لا تسودها ما ذكر وانما اتصال بمراهقين مغلقة التصرف لسنوات بدون العائلة وقلوبهم المرض والفساد اين سيقضي العراقيون أيام عيدهم؟ وأين ستكون وجهتهم لو أرادوا التمتع والترفيه؟ هذه الأسئلة وغيرها الكثير على أولي الأمر في سدة الحكم الإجابة عليها، وعليهم إرجاع ما كان متوفرا في أيام يطلقون عليها أسماءً عدة منها العهد البائد.. أيام الملوكية.. زمن النظام السابق.. ولا ندري ماذا سيطلق على أيامنا بعد عقود او قرون او عهود.. وكل عام والجميع بألف خير.