من كلام العلماء

* قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: «... فالتقوى فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه، ولهذا قال الله تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55]؛ فأمره مع الاستغفار بالصبر؛ فإن العباد لا بد لهم من الاستغفار أولهم وآخرهم؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: «يا أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فوالذي نفسي بيده إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وقد ذكر عن آدم أبي البشر - عليه السلام - أنه استغفر ربه وتاب إليه فاجتباه ربه فتاب عليه وهداه، وعن إبليس أبي الجن - لعنه الله - أنه أصر متعلقًا بالقدر فلعنه وأقصاه؛ فمن أذنب وتاب وندم فقد أشبه أباه، ومن أشبه أباه فما ظلم.
... ولهذا قرن الله - سبحانه - بين التوحيد والاستغفار في غير آية؛ كما قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].
وقال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ}. [فصلت: 6].
وفي الحديث الذي رواه ابن أبي عاصم وغيره يقول الشيطان: «أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون؛ لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا».
وقد ذكر سبحانه عن ذي النون أنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}. [الأنبياء: 87]، قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88]، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «دعوة أخي ذي النون ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربه»(1).
__________
(1) مجموع الفتاوى: (3/120).

* وقال أيضًا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها إذا أصبح موقنًا بها فمات في يومه دخل الجنة، ومن قالها إذا أمسي موقنًا بها فمات من ليلته؛ دخل الجنة»؛ فالعبد دائمًا بين نعمة من الله يحتاج فيها إلى شكر وذنب منه يحتاج فيه إلى الاستغفار، وكل من هذين من الأمور اللازمة للعبد دائمًا؛ فإنه لا يزال يتقلب في نعم الله وآلائه ولا يزال محتاجا إلى التوبة والاستغفار، ولهذا كان سيد ولد آدم وإمام المتقين محمد يستغفر في جميع الأحوال، وقال في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري: «أيها الناس توبوا إلى ربكم؛ فإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
وقال عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما: «كنا نعد لرسول الله في المجلس الواحد يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور» مائة مرة.
ولهذا شرع الاستغفار في خواتيم الأعمال قال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}. وقال بعضهم: أحيوا الليل بالصلاة. فلما كان وقت السحر أمروا بالاستغفار، وفي الصحيح: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام». وقال تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} إلى قوله: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 198، 199]. وكفارة المجلس التي كان يختم بها المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك»(1).
__________
(1) مجموع الفتاوى: (10/88).

وقال أيضًا: وخاتمة المجلس: «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». إن كان مجلس رحمة كانت كالطابع عليه، وإن كان مجلس لغو كانت كفارة له. وقد روي أيضًا: أنها تقال في آخر الوضوء بعد أن يقال: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين»، وهذا الذكر يتضمن التوحيد والاستغفار فإن صدره الشهادتان (1).
* وقال أيضًا: وأما الاعتراف بالذنب على وجه الخضوع لله من غير إقلاع عنه فهذا في نفس الاستغفار المجرد الذي لا توبة معه، وهو كالذي يسأل الله تعالى أن يغفر له الذنب مع كونه لم يتب منه، وهذا يأس من رحمة الله ولا يقطع بالمغفرة له؛ فإنه داع دعوة مجردة، وقد ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «ما من داع يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا كان بين إحدى ثلاث؛ إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخر له من الجزاء مثلها، وإما أن يصرف عنه من الشر مثلها». قالوا: يا رسول الله: إذًا نكثر. قال: «الله أكثر».
فمثل هذا الدعاء قد تحصل معه المغفرة، وإذا لم تحصل فلابد أن يحصل معه صرف شر آخر، أو حصول خير آخر فهو نافع كما ينفع كل دعاء.
وقول من قال من العلماء: الاستغفار مع الإصرار توبة الكذابين. فهذا إذا كان المستغفر يقوله على وجه التوبة، أو يدعي أن استغفاره توبة وأنه تائب بهذا الاستغفار؛ فلا ريب أنه مع الإصرار لا يكون تائبًا؛ فإن التوبة والإصرار ضدان، الإصرار تضاد التوبة لكن لا تضاد الاستغفار بدون التوبة (2).
__________
(1) مجموع الفتاوى: (10/262).
(2) مجموع الفتاوى: (10/318).

* وقال رحمه الله تعالى: فليس لأحد أن يظن استغناءه عن التوبة إلى الله والاستغفار من الذنوب؛ بل كل أحد محتاج إلى ذلك دائمًا قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 72، 73]؛ فالإنسان ظالم جاهل، وغاية المؤمنين والمؤمنات التوبة، وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم، وثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لن يدخل الجنة أحد بعمله» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»... ومن ظن أن الذنوب لا تضر من أصر عليها فهو ضال مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والأئمة؛ بل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}
[الزلزلة: 7، 8].
وإنما عباده الممدوحون هم المذكورون في قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
[آل عمران: 133-135].

* وقال أيضًا: وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان؛ فإن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وعليه بإقامة الفرائض ظاهرًا وباطنًا ولزوم الصراط المستقيم مستعينًا بالله متبرئًا من الحول والقوة إلا به (1).
* وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن قوله: «ما أصر من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة»: هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ أو أنه إذا استغفروا ينوي بالقلب أن لا يعود إلى الذنب؟
فأجاب: الحمد لله؛ بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له كما في الحديث الآخر: «لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار»؛ فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة وإذا تاب منها غفرت قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية(2).
__________
(1) مجموع الفتاوى: (11/390).
(2) مجموع الفتاوى: (11/699).

* وقال أيضًا: فإن الاستغفار هو طلب المغفرة، وهو من جنس الدعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: «أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي. فقال الله تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب. ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي. فقال تعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي» وفي رواية لمسلم: «فليفعل ما شاء»، والتوبة تمحو جميع السيئات وليس شيء يغفر جميع الذنوب إلا التوبة؛ فإن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء، وأما التوبة فإنه قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، وهذه لمن تاب، ولهذا قال: {لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}: لا تقنطوا من رحمة الله بل توبوا إليه، وقال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر: 54]، وأما الاستغفار بدون التوبة فهذا لا يستلزم المغفرة؛ ولكن هو سبب من الأسباب (1).
__________
(1) منهاج السنة النبوية: (6/210).

* وقال ابن القيم - رحمه الله تعالى: وجماع ذلك أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض؛ فإن تذكر فيها نقصًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح، ثم يحاسبها على المناهي؛ فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية، ثم يحاسب نفسه على الغفلة؛ فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشت إليه رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه: ماذا أرادت بهذا، ولمن فعلته، وعلى أي وجه فعلته؟ ويعلم أنه لا بد أن يُنشر لكل حركة وكلمة منه ديوانان: ديوان لمن فعلته، وكيف فعلته؛ فالأول سؤال عن الإخلاص، والثاني سؤال عن المتابعة، وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر: 92، 93]، وقال تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} [الأعراف: 6]، وقال تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8]؛ فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين؟!(1).
* الإصرار على الصغيرة قد يساوي إثمه إثم الكبيرة أو يربى عليها.. وأيضًا فإنه قد يتخلص من الكبيرة بالتوبة والاستغفار (2).
__________
(1) إغاثة اللهفان: (1/83).
(2) إغاثة اللهفان: (2/151).

* يذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته: تقول: «اللهم اغفر لنا وله». ذكره البيهقي في الدعوات الكبير وقال: في إسناده ضعف، وهذه المسألة فيها قولان للعلماء - هما روايتان عن الإمام أحمد - وهما: هل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب، أم لا بد من إعلامه وتحليله؟ والصحيح: أنه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، والذين قالوا: لابد من إعلامه، جعلوا الغيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر؛ فإن الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه فإن شاء أخذها وإن شاء تصدق بها، وأما في الغيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع - صلى الله عليه وسلم - ؛ فإنه يوغر صدره ويؤذيه إذا سمع ما رمى به ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله فإن الشارع الحكيم - صلى الله عليه وسلم - لا يبيحه ولا يجوزه فضلاً عن أن يوجبه ويأمر به، ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها لا على تحصيلها وتكميلها والله تعالى أعلم(1).
* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الفائدة العاشرة ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة أن ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد إلى ملهم الصواب ومعلم الخير وهادي القلوب أن يلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة؛ فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق.
__________
(1) الوابل الصيب: (1/219).

وما أجدر من أمل فضل ربه أن لا يحرمه إياه! فإذا وجد من قلبه هذه الهمة؛ فهي طلائع بشرى التوفيق؛ فعليه أن يوجه وجهه ويحدق نظره إلى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد؛ وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة؛ فيستغفره وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها؛ فإن ظفر بذلك أخبر به وإن اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والإكثار من ذكر الله؛ فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده، والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أو تكاد ولابد أن تضعفه.
وشهدت شيخ الإسلام قدس الله روحه إذا أعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجوء إليه واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته؛ فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه بأيتهن يبدأ، ولا ريب أن من وفق هذا الافتقار علمًا وحالاً وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطي حظه من التوفيق ومن حرمه فقد منع الطريق(1).
* وأما من أصر على الذنب وطلب من الله مغفرته فهذا ليس باستغفار مطلق؛ ولهذا لا يمنع العذاب؛ فالاستغفار يتضمن التوبة، والتوبة تتضمن الاستغفار، وكل منهما يدخل في مسمى الآخر عند الإطلاق، وأما عند اقتران إحدى اللفظتين بالأخرى فالاستغفار: طلب وقاية شر ما مضى. والتوبة: الرجوع وطلب وقاية شر ما يخافه في المستقبل من سيئات أعماله؛ فها هنا ذنبان: ذنب قد مضى؛ فالاستغفار منه: طلب وقاية شره، وذنب يخاف وقوعه؛ فالتوبة: العزم على أن لا يفعله.
__________
(1) إعلام الموقعين: (4/172).

والرجوع إلى الله يتناول النوعين: رجوع إليه ليقيه شر ما مضى ورجوع إليه ليقيه شر ما يستقبل من شر نفسه وسيئات أعماله، وأيضًا فإن المذنب بمنزلة من ركب طريقًا تؤديه إلى هلاكه ولا توصله إلى المقصود فهو مأمور أن يوليها ظهره، ويرجع إلى الطريق التي فيها نجاته والتي توصله إلى مقصوده وفيها فلاحه فها هنا أمران لابد منهما: مفارقة شيء والرجوع إلى غيره؛ فخصت التوبة بالرجوع والاستغفار بالمفارقة وعند إفراد أحدهما يتناول الأمرين(1).
* عن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين قال - لما قال له سفيان: لا أقوم حتى تحدثني - قال جعفر: أما إني أحدثك وما كثرة الحديث لك بخير يا سفيان، إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت بقاءها ودوامها، فأكثر من الحمد والشكر عليها؛ فإن الله عز وجل قال في كتابه: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار؛ فإن الله عز وجل قال في كتابه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح: 10-12]، في الآخرة يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فأكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة، فعقد سفيان بيده وقال: ثلاث، وأي ثلاث؟! قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله ولينفعه الله بها وبه (2).
__________
(1) مدارج السالكين: (1/308).
(2) تهذيب الكمال: (5/85).

* قال ابن رجب - رحمه الله تعالى: السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظمت الذنوب، وبلغت الكثرة عنان السماء، وهو السحاب. وقيل: ما انتهى إليه البصر منها. وفي الرواية الأخرى: «لو أخطأتم حتى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغفر لكم»، والاستغفار: طلب المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شر الذنوب مع سترها. وقد كثر في القرآن ذكر الاستغفار، فتارةً يؤمر به، كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ}.
وتارة يمدح أهله، كقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}، وقوله: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}، وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]. وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذ عبارةً عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلوب والجوارح.

وتارة يفرد الاستغفار، ويرتب عليه المغفرة، كما ذكر في هذا الحديث وما أشبهه، فقد قيل: إنه أريد به الاستغفار المقترن بالتوبة، وقيل: إن نصوص الاستغفار المفردة كلها مطلقة تقيَّد بما ذكر في آية (آل عمران) من عدم الإصرار؛ فإن الله وعد فيها المغفرة لمن استغفره من ذنوبه ولم يصر على فعله، فتحمل النصوص المطلقة في الاستغفار كلها على هذا المقيد، ومجرد قول القائل: اللهم اغفر لي، طلب منه للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدعاء، فإن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه، لاسيما إذا خرج عن قلب منكسر بالذنب أو صادف ساعةً من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات.
ويروى عن لقمان - عليه السلام - أنه قال لابنه: يا بني عود لسانك: اللهم اغفر لي؛ فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً، وقال الحسن: أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وعلى موائدكم، وفي طرقكم، وفي أسواقكم، وفي مجالسكم أينما كنتم، فإنكم ما تدرون متى تنزل المغفرة (1).
* وقال أيضًا: وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة كما في حديث شداد بن أوس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال: سيد الاستغفار أن يقول العبد: «اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت». [خرجه البخاري]، وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمرو أن أبا بكر الصديق - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله، علمني دعاء أدعو به في صلاتي، قال: «قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم»(2).
... ومن زاد اهتمامه بذنوبه، فربما تعلق بأذيال من قلت ذنوبه، فالتمس منه الاستغفار.
__________
(1) جامع العلوم والحكم: (42/8).
(2) جامع العلوم والحكم: (42/14).

وكان عمر يطلب من الصبيان الاستغفار، ويقول: إنكم لم تذبنوا.
وكان أبو هريرة يقول لغلمان الكُتَّاب: قولوا: اللهم اغفر لأبي هريرة، فيؤمن على دعائهم.
قال بكر المزني: لو كان رجل يطوف على الأبواب كما يطوف المسكين يقول: استغفروا لي، لكان قبوله أن يفعل.
ومن كثرت ذنوبه وسيئاته حتى فاقت العَدَّ والإحصاء، فليستغفر الله مما علم الله، فإن الله قد علم كل شيء وأحصاه، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6].

وفي حديث شداد بن أوس، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب». وفي هذا يقول بعضهم:

استغفر الله مما يعلم الله
إن الشقي لمن لا يرحم الله
ما أحلم الله عمن لا يراقبه
كلٌّ مسيءٌ ولكن يحلم الله
فاستغفرِ الله مما كان من زلل
طوبى لمن كف عما يكره الله
طوبى لمن حسنت فيه سريرته
طوبى لمن ينتهي عما نهى الله (1)

* عن عبد الوهاب بن المنذر الصبي أنه قال: لكل شيء أول، وأول الخير الاستغفار، قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]. يعني لا يزال يغفر للمستغفرين(2).
* يحيى بن أيوب قال: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه قالوا: كان وكيع لا ينام حتى يقرأ ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل، ثم يجلس فيأخذ في الاستغفار حتى يطلع الفجر فيصلي ركعتين(3).
*... أربعة تجلب الرزق؛ قيام الليل وكثرة الاستغفار بالأسحار وتعاهد الصدقة والذكر أول النهار وآخره(4).
__________
(1) جامع العلوم والحكم: (42/17).
(2) حلية الأولياء: (4/443).
(3) صفة الصفوة: (1/342).
(4) زاد المعاد: (4/372).

* وقال يوسف بن الحسين: سمعت ذا النون يقول: الاستغفار جامع لمعان: أولهما: الندم على ما مضى، الثاني: العزم على الترك، الثالث: أداء ما ضيعت من فرض الله، الرابع: رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها، الخامس: إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام، السادس: إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية (1).
* قال محمود بن والان: سمعت عبد الرحمن بن بشر، سمعت ابن عيينة يقول: «غضب الله داء ولا دواء له». قلت: والكلام للذهبي - دواؤه كثرة الاستغفار بالأسحار والتوبة النصوح (2).
__________
(1) سير أعلام النبلاء: (11/535).
(2) المرجع السابق: (12/344).

* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وقلت لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يومًا: سئل بعض أهل العلم أيما أنفع للعبد: التسبيح أو الاستغفار؟ فقال: إذا كان الثوب نقيًا فالبخور وماء الورد أنفع له، وإن كان دنسًا فالصابون والماء الحار أنفع له. فقال لي رحمه الله تعالى: فكيف والثياب لا تزال دنسه؟ ومن هذا الباب أن سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، ومع هذا فلا تقوم مقام آيات المواريث والطلاق والخلع والعدد ونحوها بل هذه الآيات في وقتها وعند الحاجة إليها أنفع من تلاوة سورة الإخلاص، ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده؛ لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء، فهذا أصل نافع جدا يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها؛ لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها؛ فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، وينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها إن كان ذلك وقته؛ فتفوته مصلحته بالكلية لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثوابا وأعظم أجرا، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال، وتفاوتها، ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه وتنزله في مرتبته وتفويته لما هو أهم منه أو تفويت ما هو أولى منه وأفضل لإمكان تداركه والعود إليه وهذا المفضول إن فات لا يمكن تداركه فالاشتغال به أولى، وهذا كترك القراءة لرد السلام وتشميت العاطس وإن كان القرآن أفضل؛ لأنه يمكنه الاشتغال بهذا المفضول والعود إلى الفاضل؛ بخلاف ما إذا اشتغل بالقراءة؛ فاتته مصلحة رد السلام وتشميت العاطس، وهكذا سائر الأعمال إذا تزاحمت والله تعالى الموفق(1).
__________
(1) الوابل الصيب: (1/124).

* وقال رحمه الله تعالى: إن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك؛ فمن أراد الله به خيرًا فتح له باب الذل والانكسار، ودوام اللجوء إلى الله تعالى والافتقار إليه، ورؤية عيوب نفسه وجهلها وعدوانها، ومشاهدة فضل ربه وإحسانه ورحمته وجوده وبره وغناه وحمده؛ فالعارف سائر إلى الله تعالى بين هذين الجناحين لا يمكنه أن يسير إلا بهما؛ فمتى فاته واحد منهما؛ فهو كالطير الذي فقد أحد جناحيه.
قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل، وهذا معنى قوله في الحديث الصحيح من حديث بريدة - رضي الله عنه - : «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي؛ إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»؛ فجمع في قوله: «أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي» مشاهدة المنة ومطالعة عيب النفس والعمل؛ فمشاهدة المنة توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان، ومطالعة عيب النفس والعمل توجب له الذل والانكسار والافتقار والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلسًا، وأقرب باب دخل منه العبد على الله تعالى هو: الإفلاس؛ فلا يرى لنفسه حالاً ولا مقامًا ولا سببًا يتعلق به ولا وسيلة مِنْهُ يَمُنُّ بها؛ بل يدخل على الله تعالى من باب الافتقار الصرف والإفلاس المحض دخول من كسر الفقر والمسكنة قلبه حتى وصلت تلك الكسرة إلى سويدائه فانصدع، وشملته الكسرة من كل جهاته، وشهد ضرورته إلى ربه عز وجل وكمال فاقته وفقره إليه وأن في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وضرورة كاملة إلى ربه تبارك وتعالى، وأنه إن تخلى عنه طرفة عين هلك وخسر خسارة لا تجبر إلا أن يعود إلى الله تعالى عليه ويتداركه برحمته.

ولا طريق إلى الله أقرب من العبودية، ولا حجاب أغلظ من الدعوى، والعبودية مدارها على قاعدتين هما أصلها؛ حب كامل، وذل تام، ومنشأ هذين الأصلين عن ذينك الأصلين المتقدمين؛ وهما مشاهدة المنة التي تورث الذل التام، وإذا كان العبد قد بنى سلوكه إلى الله تعالى على هذين الأصلين لم يظفر عدوه به إلا على غرة وغيلة، وما أسرع ما ينعشه الله عز وجل ويجبره ويتداركه برحمته(1).
* وقال أيضًا: ولهذا أمر الله سبحانه رسوله والمؤمنين باتباع ما أنزل إليهم وهو طاعته، وهو المقدمة الأولى، وأمر بانتظار وعده وهو المقدمة الثانية، وأمر بالاستغفار والصبر؛ لأن العبد لابد أن يحصل له نوع تقصير وسرف يزيله الاستغفار ولابد في انتظار الوعد من الصبر؛ فبالاستغفار تتم الطاعة، وبالصبر يتم اليقين بالوعد؛ وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر: 55](2).
* وقال أيضًا: وأما تأثير الاستغفار في دفع الهم والغم والضيق فلما اشترك في العلم به أهل الملل وعقلاء كل أمة: أن المعاصي والفساد توجب الهم والغم والخوف والحزن وضيق الصدر وأمراض القلب؛ حتى إن أهلها إذا قضوا منها أوطارهم وسئمتها نفوسهم ارتكبوها دفعًا لما يجدونه في صدورهم من الضيق والهم والغم؛ كما قال شيخ الفسوق:

وكأس شربت على لذة    وأخرى تداويت منها بها

وإذا كان هذا تأثير الذنوب والآثام في القلوب فلا دواء لها إلا التوبة والاستغفار(3).
* وسأل رجل ابن الجوزي رحمه الله تعالى: أيما أفضل: أسبح أو أستغفر؟ قال: الثوب الوسخ أحوج إلى الصابون من البخور (4).
__________
(1) المرجع السابق: (ص14).
(2) إغاثة اللهفان: (2/187).
(3) الطب النبوي: (1/162).
(4) سير أعلام النبلاء: (21/371).

* واستطال رجل على أبي معاوية الأسود رحمه الله تعالى فقال: أستغفر الله من الذنب الذي سلطت به علي (1).
* قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: ويأس الإنسان أن يصل إلى ما يحبه الله ويرضاه من معرفته وتوحيده كبيرة من الكبائر؛ بل عليه أن يرجو ذلك ويطمع فيه؛ لكن من رجا شيئًا طلبه، ومن خاف من شيء هرب منه، وإذا اجتهد واستعان بالله تعالى ولازم الاستغفار والاجتهاد فلابد أن يؤتيه الله من فضله ما لم يخطر ببال، وإذا رأى أنه لا ينشرح صدره ولا يحصل له حلاوة الإيمان ونور الهداية فليكثر التوبة والاستغفار وليلازم الاجتهاد بحسب الإمكان؛ فإن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وعليه بإقامة الفرائض ظاهرًا وباطنًا ولزوم الصراط المستقيم مستعينًا بالله متبرئًا من الحول والقوة إلا به؛ ففي الجملة ليس لأحد أن ييأس بل عليه أن يرجو رحمة الله، كما أنه ليس له أن لا ييأس؛ بل عليه أن يخاف عذابه؛ قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 57](2).
__________
(1) عيون الأخيار: (1/120).
(2) الفتاوى: (10/262).

* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: الباب الرابع عشر في مفتاح الجنة... وفي المسند من حديث معاذ ابن جبل قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة»، قلت: بلى. قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله». وقد جعل الله سبحانه لكل مطلوب مفتاحًا يفتح به؛ فجعل مفتاح الصلاة الطهور؛ كما قال: مفتاح الصلاة الطهارة، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد، ومفتاح العلم حسن السؤال وحسن الإصغار، ومفتاح النصر والظفر الصبر، ومفتاح المزيد الشكر، ومفتاح الولاية المحبة والذكر، ومفتاح الفلاح التقوى، ومفتاح التوفيق الرغبة والرهبة، ومفتاح الإجابة الدعاء، ومفتاح الرغبة في الآخرة الزهد في الدنيا، ومفتاح الإيمان التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه، ومفتاح الدخول على الله إسلام القلب وسلامته له والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك، ومفتاح حياة القلب تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب، ومفتاح حصول الرحمة الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده، ومفتاح الرزق السعي مع الاستغفار والتقوى، ومفتاح العز طاعة الله ورسوله، ومفتاح الاستعداد للآخرة قصر الأمل، ومفتاح كل خير الرغبة في الله والدار الآخرة، ومفتاح كل شر حب الدنيا وطول الأمل، وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم وهو: معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحًا وبابًا يدخل منه إليه (1).
__________
(1) حادي الأرواح: (1/48).

* وقال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية - رحمه الله تعالى: الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه إلى الفعل المحبوب ومن العمل الناقص إلى العمل التام، ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه والأكمل؛ فإن العابد لله والعارف بالله في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة يزداد عملًا بالله وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه وشرابه ونومه ويقظته وقوله وفعله ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية وإعطائها حقها؛ فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار، بل هو مضطر إليه دائمًا في الأقوال والأحوال، في الغوائب والمشاهد؛ لما فيه من المصالح وجلب الخيرات ودفع المضرات وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية والبدنية اليقينية الإيمانية، وقد ثبتت دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله من أولهم إلى آخرهم ومن آخرهم إلى أولهم ومن الأعلى إلى الأدنى، وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم وهم فيها درجات عند الله ولكل عامل مقام معلوم؛ فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله دقه وجله خطأه وعمده أوله وآخره وسره وعلانيته، وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه، والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته ويمحو الذنب الذي هو من شعب الشرك؛ فإن الذنوب كلها من شعب الشرك فالتوحيد يذهب أصل الشرك والاستغفار يمحو فروعه فأبلغ الثناء قول: لا إله إلا الله، وأبلغ الدعاء قول: أستغفر الله.
وقال: التوبة من أعظم الحسنات والحسنات كلها مشروط فيها الإخلاص لله وموافقة أمره باتباع رسوله والاستغفار من أكبر الحسنات، وبابه واسع فمن أحس بتقصير في قوله أو عمله أو حاله أو رزقه أو تقلب قلبٍ فعليه بالتوحيد والاستغفار؛ ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص، وكذلك إذا وجد العبد تقصيرًا في حقوق القرابة والأهل والأولاد والجيران والإخوان فعليه بالدعاء لهم.

وسئل رحمه الله عن قوله - صلى الله عليه وسلم - : «ما أصرَّ من استغفر وإن عاد في اليوم والليلة سبعين مرة». هل المراد ذكر الاستغفار باللفظ، أو أنه إذا استغفر ينوى بالقلب أن لا يعود إلى الذنب، وهل إذا تاب من الذنب وعزم بالقلب أن لا يعود إليه وأقام مدة ثم وقع فيه أفيكون ذلك الذنب القديم يضاف إلى الثاني أو يكون مغفورًا بالتوبة المتقدمة...؟
فأجاب: الحمد لله؛ بل المراد الاستغفار بالقلب مع اللسان فإن «التائب من الذنب كمن لا ذنب له» كما في الحديث الآخر «لا كبيرة في الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار»؛ فإذا أصر على الصغيرة صارت كبيرة، وإذا تاب منها غفرت؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} الآية، وإذا تاب توبة صحيحة غفرت ذنوبه؛ فإن عاد إلى الذنب فعليه أن يتوب أيضًا وإذا تاب قبل الله توبته أيضًا (1).
* قال ابن القيم - رحمه الله تعالى: فصل- وأما الاستغفار فهو نوعان: مفرد، ومقرون بالتوبة؛ فالمفرد كقول نوح - عليه السلام - لقومه: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 10، 11]، وكقول صالح لقومه: {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل: 46]، وكقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 199]، وقوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
__________
(1) الفتاوى: (11/391).

والمقرون كقوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} [هود: 3]، وقول هود لقومه: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [هود: 52]، وقول صالح لقومه: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ} [هود: 61]، وقول شعيب: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود: 90]؛ فالاستغفار المفرد كالتوبة بل هو التوبة بعينها مع تضمنه طلب المغفرة من الله وهو محو الذنب وإزالة أثره ووقاية شره، لا كما ظنه بعض الناس أنها الستر؛ فإن الله يستر على من يغفر له ومن لا يغفر له؛ ولكن الستر لازم مسماها أو جزؤه؛ فدلالتها عليها إما بالتضمن وإما باللزوم، وحقيقتها وقاية شر الذنب، ومنه "المغْفر" لما يقي الرأس من لأذى والستر لازم لهذا المعنى وإلا فالعمامة لا تسمى "مغْفرًا" ولا القبع ونحوه مع ستره فلا بد في لفظ المغفر من الوقاية.
وهذا الاستغفار هو الذي يمنع العذاب في قوله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33]؛ فإن الله لا يعذب مستغفرًا(1).
* قال الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - قلت: الطريقة المثلى هي المحمدية، وهو الأخذ من الطيبات، وتناول الشهوات المباحة من غير إسراف، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون: 51].
__________
(1) مدارج السالكين: (1/308).

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وآتي النساء، وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني»؛ فلم يشعر لنا الرهبانية، ولا التمزق ولا الوصال بل ولا صوم الدهر، ودين الإسلام يسر وحنيقية سمحة، فليأكل المسلم من الطيب إذا أمكنه، كما قال تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7]، وقد كان النساء أحب شيء إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك اللحم، والحلوى، والعسل، والشراب الحلو البارد، والمسك، وهو أفضل الخلق وأحبهم إلى الله تعالى، ثم العابد العري من العلم، متى زهد وتبتل وجاع، وخلا بنفسه، وترك اللحم والثمار، واقتصر على الدقة والكسرة، صفت حواسه ولطفت، ولازمته خطرات النفس، وسمع خطابًا يتولد من الجوع والسهر، لا وجود لذلك الخطاب والله في الخارج، وولج الشيطان في باطنه وخرج، فيعتقد أنه قد وصل، وخوطب وارتقى، فيتمكن منه الشيطان، ويوسوس له، فينظر إلى المؤمنين بعين الازدراء، ويتذكر ذنوبهم، وينظر إلى نفسه بعين الكمال، وربما آل به الأمر إلى أن يعتقد أنه ولي، صاحب كرامات وتمكن، وربما حصل له شك، وتزلزل إيمانه؛ فالخلوة والجوع أبوجاد الترهب، وليس ذلك من شريعتنا في شيء؛ بلى السلوك الكامل هو الورع في القوت، والورع في المنطق، وحفظ اللسان، وملازمة الذكر، وترك مخالطة العامة، والبكاء على الخطيئة، والتلاوة بالترتيل والتدبر، ومقت النفس وذمها في ذات الله، والإكثار من الصوم المشروع، ودوام التهجد، والتواضع للمسلمين، وصلة الرحم، والسماحة وكثرة البشر، والإنفاق مع الخصاصة، وقول الحق المر برفق وتؤدة، والأمر بالعرف، والأخذ بالعفو، والإعراض عن الجاهلين، والرباط بالثغر، وجهاد العدو، وحج البيت، وتناول الطيبات في الأحايين، وكثرة الاستغفار في السحر. فهذه شمائل الأولياء، وصفات المحمديين، أماتنا الله على محبتهم (1).
__________
(1) سير أعلام النبلاء: (12/89).

* عن محمد بن المنكدر، عن أنس مرفوعًا: «إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها الاستغفار»(1).
* ذكر محمد بن مسرور عن أبيه قال: سمعت سليمان بن أسود القاضي يقول: قد برز الناس للاستسقاء في بعض أيام سعيد بن سليمان، فلما ابتدأ خنقته العبرة، وأشكلت عليه الخطبة، فاختصرها، وكثر من الاستغفار، والضراعة، ثم صلى، وانصرف، فسقى الناس ليومهم (2).
* قال أعرابي: من أقام بأرضنا فليكثر من الاستغفار، فإن مع الاستغفار القطار (3).
* قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : عجبت لمن يهلك والنجاة معه. قيل: وما هي: قال الاستغفار (4).
* حدث يزيد بن أبي عطاء أنه سمع عمر بن عبد العزيز وهو يخطب الناس على المنبر في خلافته يقول: يا أيها الناس، من ألم بذنب فليستغفر الله وليتب إليه؛ فإنما الهلاك في الإضراب عن الاستغفار؛ فإني قد علمت أن الله قد وصف في رقاب أقوام خطايا قبل أن يخلقهم، لابد لهم أن يعملوا بها، فمن ألم بذنب فليستغفر الله، وليتب إليه (5).
* عن سفيان الثوري قال: قال الربيع بن خيثم: داء البدن الذنوب ودواؤها الاستغفار وشفاؤها ألا تذنب في الدنيا (6).
* وقال أبو عبد الله جعفر الصادق - رضي الله عنه - : «من استبطأ رزقه فليكثر من الاستغفار»(7).
* وقال وكيع بن الجراح رحمه الله تعالى: طريق الله بضاعة لا يرتفع فيها إلا صادق، وكان إذا آذاه شخص يرفع التراب على رأس نفسه، ويقول: لولا ذنبي ما سلطت هذا علي، ثم يكثر من الاستغفار حتى يسكن ذلك المؤذي عنه (8).
__________
(1) ميزان الاعتدال: (4/263).
(2) المقتبس من أنباء الأندلس: (1/15).
(3) عيون الأخبار: (1/243).
(4) عيون الأخبار: (1/872).
(5) مختصر تاريخ دمشق: (8/542).
(6) بغية الطلب في تاريخ حلب: (3/469).
(7) الطبقات الكبرى للشعراني: (1/29).
(8) الطبقات الكبرى للشعراني: (1/60).

* عن علي بن ربيعة قال: جعلني علي خلفه ثم سار بي في جبانة ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال: اللهم اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب أحد غيرك، ثم التفت إلي فضحك؛ قال: جعلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خلفه ثم سار بي في جانب الحرة ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال: «اللهم اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب أحد غيرك». ثم التفت إليَّ فضحك فقلت: يا رسول الله، استغفارك ربك والتفاتك إليَّ تضحك؟ قال: «ضحكت لضحك ربك لعجبه لعبده أنه يعلم أنه لا يغفر الذنوب أحد غيره»(1).
* قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «... بل ها هنا من الأدوية التي تشفي من الأمراض ما لم يهتد إليها عقول الأطباء ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم وأقيستهم من الأدوية القلبية والروحانية وقوة القلب واعتماده على الله تعالى والتوكل عليه والانطراح والانكسار بين يديه والتذلل له والصدقة والدعاء والتوبة والاستغفار والإحسان إلى الخلق وإغاثة الملهوف والتفريج عن المكروب؛ فإن هذه الأدوية قد جربتها الأمم على اختلاف أديانها ومللها فوجدوا لها من التأثير في الشفاء ما لا يصل إليه علم أعلم الأطباء ولا تجربته ولا قياسه، وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورًا كثيرة ورأيناها تفعل ما لا تفعل الأدوية الحسية...»(2).

__________
(1) المطالب العالية للحافظ ابن حجر العسقلاني: (9/312).
(2) زاد المعاد: (4/10-11).

 

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 526 مشاهدة
نشرت فى 22 فبراير 2014 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,407