الستار الستير

13-08-2012

بقلم: أحمد أحمد جاد

 

 بسم الله والحمد لله ، فإن من أسماء الله الحسنى "الستار والستير" وقد أشار القرآن العظيم إلى هذا الاسم في قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا)(الكهف: 90) أي لم نجعل لهم ما يسترهم من جبال أو بناء أو لباس، فالله سبحانه هو الذي خلق وجعل للإنسان ما يستره، لأنه "الستار" قال تعالى: (وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ 80 وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ 81)(النحل: 80 / 81) وهذا الستر من لباس وغيره إنما هو نعمة من نعم الله تعالى، ولكن(يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ)(النحل: 83) لكن ورد في السنة الشريفة الصحيحة أحاديث كثيرة تفيد أن الله هو"الستار" وأنه "الستر" الذي يستر عباده المؤمنين في الدنيا والآخرة. و "الستار" صيغة مبالغة أي أنه كثير الستر، يستر العيوب، ويستر الذنوب مهما كبرت ومهما كثرت.

ومعنى الستر: الستر ما يستر به، وسَتَر الشيء أخفاه، والستر معناه تغطية عيوب المسلم وإخفاء زلاته، والستر هو الحياء، وهو العقل، يقال: ما لفلان ستر ولا حِجر، أي لا حياء ولا عقل، ومن أسمائه تعالى: الستير، أي كثير الستر لعيوب عباده، وفي الحديث: "إن الله حيي ستِّير يحب الحياء والستر.." (رواه أبو داود: 4012وأحمد : 5 / 224 / 224)،  ومن أسمائه الغفار، والمغفرة تعني الستر، وغفر: ستر، والغفر: وبر الثوب الذي يستر اللحمة والسدى، ومغفرة الرأس ما يستر جلد الرأس.

فضيلة الستر: إن الله "الستار" يستر عباده ويحب أن يستر المسلم أخاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى عورة فسترها كان كمن أحيا موءودة.." (أبو داود: 4891)، فمن رأى قبيحًا في مؤمن أو معصية لم يتجاهر بها فسترها كان ثوابه كثواب من رأى حيًّا في قبره، فأنقذه كي لا يموت، فالساتر دفع عن المستور الفضيحة التي هي كالموت؛ ذلك لأن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة، وفي الحديث: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة" (ابن ماجه: 2544)، فالجزاء من جنس العمل، والعكس: "من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" (السابق برقم: 2546) والحديث قدم أخوَّة المسلم للمسلم ثم ذكر تكاليف هذه الأخوة وتبعاتها.

إن المسلم إذا أصاب حدًّا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عذبه، وإن أقيم عليه الحد فهو كفارة ذنبه (راجع البخاري: 2442 والترمذي 2625، ومسلم: 1709)، والله تعالى يستر ذنوب عبده المؤمن في الدنيا وفي الآخرة، ففي الحديث: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا، فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم.." (البخاري: 2441، وأحمد: 2 / 74)، وفي الحديث: "كل أمتي معافى إلا المجاهرون وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله، فيقول: يا فلان عملتُ البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه". (البخاري 6069ومسلم: 2990)، والحديث صرح بذم من جاهر فيستلزم مدح من يستر.

 وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستتر المسلم عند النكاح وعند الغسل والبول والحاجة وأمر بستر الميت.

الستر على أهل الحدود:

 ففي الحديث: "أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود" (أبو داود: 4375)، أي اعفوا لأصحاب المروءات والخصال الحميدة زلاتهم، إلا الحدود؛ لأنه يعفى عنها ما لم تبلغ الحاكم، وقال: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب" (أبو داود: 4376)، أي تجاوزوا الحدود فاعفوا عنها فإذا وصلت للإمام فلا يجوز له العفو، وفي الحديث: "من أصاب من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله، فإنه من يبدي لنا صفحته، نقم عليه كتاب الله" (مالك في الموطأ في الحدود: 12)، وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصبت حدًّا فأقمه عليَّ، قال: "توضأت حين أقبلت؟" قال: نعم، قال: "هل صليت معنا حين صلينا؟" قال: نعم، قال: "اذهب فإن الله قد عفا عنك" (أبو داود: 4381) ومثله (عند البخاري: 6823)، فهذا الرجل لم يفصح بما يوجب الحد، ولعله كان بعض الصغائر فظن أنه يوجب الحد عليه، وروي أن رجلاً قبَّل امرأة فأتى الرسول صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له فنزلت (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) (114) (هود) (رواه البخاري: 4687: وراجع تفسير ابن كثير..)، وروي في سبب النزول أن رجلاً قبَل امرأة وفعل بها كل شيء غير أنه لم يجامعها، فنزلت الآية (راجع مسلم: 2763 وأحمد: 5 / 445)، فمن فعل ما دون الحد وستره الله فلا يفضح نفسه ويتوب ويفعل الحسنات فإنها تذهب السيئات، وكذلك إذا ارتكب ما يوجب الحد ولم يصل إلى الحاكم: فإنه حين أصاب ماعز الحد أخبر هزَّال، فأشار على ماعز أن يذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيخبره بما وقع منه، وأقرَّ ماعز عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مرات فرجمه وقال لهزّال: "لو سترته بثوبك كان خيرًا لك" (أبو داود: 4377 ومالك في الحدود: 3 بلفظ ".. بردائك..").

 

إن الإسلام أمر بالستر وجعله فضيلة، والستر يشمل المعاصي والحدود ما دام لم يُجاهر بها ولم تصل إلى الحاكم، ومع ذلك نجد البعض يعيِّر أخاه بالذنب، ويتتبع عوراته، ويكشف ستره، أو نجد من كان في جماعة واطلع على عورات فكشفها، والصحافة تنشر وتذيع، فهذا ليس من أخلاق الإسلام، وقد اشتكى لي موظف أنه كان ينافسه آخر على منصب كبير فذهب إلى رئيسه وأخبره بعيوب صاحبه، صادف ذلك هوى عند رئيسه فلم يسمع ولم يحقق، وحرمه من الترقية، واستودع رجل عند غيره سرًّا، فلم يحافظ عليه وفضحه!.

النهي عن التعيير وكشف العورات:

فالإسلام كما أمر بالستر نهى عن التعيير وتتبع العورات ففي الحديث: "إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ولا يثرب.." (البخاري: 6839 ومسلم: 1703 وأبو داود: 4470) "لا يثرب: لا يعنف ولا يؤنب ولا يعير، أي: فلا يجمع عليها الجلد والتعيير"، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى بصوت رفيع: "يا معشر من قد أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله.." (الترمذي: 2032)، حسن وفى الحديث: "لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم" (أبو داود: 4880) وفي الحديث " من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته " (رواه أحمد : 5 / 279)، وفي الحديث: "من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله"، "قال أحمد: من ذنب قد تاب منه"  (رواه الترمذي: 2505، والجامع الصغير: 8869 حسن)، وفي الحديث: "تعوذوا بالله من ثلاث: جار سوء إن رأى خيرًا كتمه، وإن رأى شرًّا أذاعه، وزوجة سوء إن دخلت عليها لسنتك، وإن غبت عنها خانتك" (الجامع الصغير: 3334 للبيهقي ضعيف)، وقال العلماء: 

                    لسانَك لا تذكر به عورة امرئٍ***فكلك عورات وللناس ألسنُ.

 وقال الفضيل بن عياض: المسلم يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعيِّر، أي يفضح ولا ينصح.

الخطأ من شأن الإنسان:

 فهل برئ هذا الذي يعير بالذنب، هل برئ من الذنوب؟ هل سلمت من الخطأ؟، ففي الحديث: "كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" (الترمذي 2499 وابن ماجه: 4251 وأحمد: 3/198) وغيرهم، وفي الحديث: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم" (مسلم: 2749، والترمذي: 3539 حسن، وأحمد: 2/ 309) صحيح؛ ذلك لأن الله تعالى من شأنه أن يغفر ويستر، فإذا كان الإنسان لا يذنب فَلِمَن يغفر؟، ولِمَن يستر؟!

 ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم " ..... اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني ... " (ابن ماجه:3871).

اللهم استر العيوب، واغفر الذنوب، وتب علينا لنتوب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 54 مشاهدة
نشرت فى 12 ديسمبر 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,559