القناعة بما قدر من أمور الدنيا
ثم هناك أمر ثالث يدخل في الرضا بالله تعالى، أو قد يكون جزءاً من الرضا بالقدر؛ لكنه وجه آخر، وهو: أن يقنع الإنسان بما أعطاه الله عز وجل من الأمور الدنيوية؛ فالإنسان أُعطي أشياء هي عبارة عن مواهب أو ملكات أو أعطيات من عند الله تعالى، ليس للإنسان يد في زيادتها ولا في نقصها.
فمثلاً العقل، ليس للإنسان قدرة أن يزيد من عقله أو ينقصه، وكذلك الأشياء الخلقية الطبيعية التي لا يمكن تغييرها، فهذه الأشياء ليس للإنسان يدٌ فيها، بل هي من عند الله تعالى، فلا بد أن يرضى الإنسان بالله رباً؛ فيقنع بهذه الأشياء؛ ولذلك قال الله عز وجل في سورة النساء: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32] يعني: إذا رأيت إنساناً فضل عليك -مثلاً- بالجسم أو بالعقل أو بأي أمر آخر ليس مكتسباً يمكن التنافس فيه؛ وإنما هو هبة من الله عز وجل؛ فلا تتمنى ما أعطى الله فلاناً، أو تتسخط مما أعطيت، بل اسأل الله من فضله.
ولذلك قال سبحانه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32] ولذلك على ضوء الآية كون المرأة ترى ما فضل به الرجال، فتسخط كونها خلقت امرأة، وتتمنى أن تكون رجلاً؛ فهذا ينافي كمال الرضا وحقيقة الرضا بالله رباً؛ لأنه لا سبيل إلى تغيير ذلك، ومثل ذلك كون الإنسان رجلاً أو امرأة يتمنى -من هذه الأشياء الفطرية- ما عند فلان وفلان؛ مع أنه لا سبيل إلى تغيير هذه الأمور، فهي أمور ممنوحة من الله تعالى.
فهذا الأمر الأول: هي أشياء خلقية من الله تعالى.
والأمر الثاني: أمور دنيوية: من المال، ومن الجاه، ومن المنزلة، ومن السلطان , ومن المكانة الاجتماعية، ومن غيرها.
فقد تجد إنساناً فضل عليك بهذه الأشياء هو أغنى منك، وأوسع منك في الدنيا، وأحسن منك في المكانة الاجتماعية؛ وقد ترى المرأة امرأةً أخرى فضلت عليها بأشياء من هذه الأمور الدنيوية؛ فأيضاً يقنع الإنسان بما أُعطي من هذه الأمور ويرضى بها، ولا ينظر إلى من هو فوقه.
ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: {انظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم} فأنت في أمور الدنيا إذا نظرت إلى من هو دونك -وجرب ذلك- شعرت بحقيقة النعمة التي أنت فيها؛ لكن إذا نظرت إلى من هو فوقك شعرت بالحسرة على أنه فاتك ما عنده.
ولذلك من نظر إلى من هو دونه؛ رضي بما أعطاه الله، وأذكر في هذه المناسبة قصة وقعت لأحد الناس، وهي أنه كان رجلاً لا يولد له إلا الإناث، فسخط من ذلك وضاق به صدره، حتى إن زوجته لاحظت عليه هذا الأمر، وتمنت من أعماق قلبها أن تلد ذكراً، لكن الأمر ليس بيدها، ففي أحد المرات أُدخلت زوجته المستشفى للولادة، وكان عازماً على أنها إن ولدت أنثى أنه سيطلقها ويتزوج غيرها، أو ما أشبه ذلك.
وكانت زوجته خائفةً من ذلك، فلحظت عليها القابلة هذا الأمر، فسألتها فأخبرتها بالخبر، فأخبرت هذه المرأة الطبيب بذلك، وكان الزوج في الغرفة ينتظر خبر الولادة، فولدت المرأة أنثى، فقال الطبيب للمرأة: اطمئني لن يقع -إن شاء الله- إلا كل خير، فذهب إلى زوجها، وقال له: أبشر! قد ولد لك غلام، فتهلل وجه الرجل وفرح واستبشر، فقال له: ولكن هذا الغلام مشوه، فيه ارتجاج في المخ، وفيه تشويه في وجهه وفي يديه وفي رجليه، وفي سائر جسده، وبدأ يعدد له -من العيوب الخلقية في هذا الطفل المزعوم- أشياء كثيرة، حتى انقلب هذا الفرح في نفس الأب إلى حزن عميق، وعاد على نفسه يلومها، ويقول لنفسه: هذه عقوبة من الله عز وجل لي؛ حيث لم أرض بما رزقني من الإناث فعاقبني بهذه العقوبة، ونبهه هذا الأمر -الذي سمعه- وهذا الخبر، إلى تقصيره في السابق، وأن الواجب أن يرضى بما كتبه الله له، والخير فيما اختاره الله تعالى.
فوطَّن نفسه على الصبر والرضا والتسليم، وبعد أن هدأت نفسه وركن إلى الله عز وجل ورضي به، قال له الطبيب: إنما ولدت لك أنثى ليس فيها عيب؛ وإنما أحببت أن تضع نفسك في موضع من هو دونك، فتصور نفسك في موقع رجل لا يولد له إلا أولادٌ مشوهون، فيهم من العاهات والآفات الشيء الكثير، فتحمد الله عز وجل؛ أو تجعل نفسك في موقع إنسان لا يولد له ألبته، فترضى بما قسمه الله لك.
فلا بد أن يعرف الإنسان أن من كمال وتحقيق الرضا بالله رباً؛ أن يقنع الإنسان بما كتب له في هذه الدنيا، ولا ينظر إلى من هو فوقه في الأمور الدنيوية.
أما في القضايا الدينية: من عبادة وطلب علم، ومسابقة إلى الخيرات، فينبغي أن ينظر إلى من فوقه حتى يزيده ذلك إقبالاً وحرصاً على الخير، في حين أنه لو نظر إلى من دونه لقال: أنا في خير ونعمة، وأنا أحسن من فلان وفلان، فبقي على ما هو عليه، وربما قصر في بعض الطاعات.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 77 مشاهدة
نشرت فى 18 أكتوبر 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,415