1962
الرقاق والأخلاق والآداب
الجنة والنار
سعد بن عبد الله العجمة الغامدي
الطائف
سعيد الجندول
ملخص الخطبة
1- السلف رأوا الجنة وكأنها بين ظهرانيهم. 2- أبواب الجنة. 3- دخول أهل الجنة إليها. 4- بعض نعيم أهل الجنة. 5- آخر رجل يدخل الجنة.
الخطبة الأولى
أيها المؤمنون: إن الحديث عن الجنة شيِّق ومحبّب إلى النفوس المؤمنة, الجنة تلك الأمنية الغالية التي يسعى إليها الساعون من المؤمنين على مر العصور, الجنة التي كانت في قلوب السلف الصالح شعلة تحركهم لضرب أعلى أمثلة البطولة في الجهاد والتضحية, الجنة تلك الغاية الكريمة التي ترنو إليها العيون الحالمة, وتهفو إليها الأرواح والنفوس المؤمنة في كل زمان ومكان يستعذبون العذاب من أجل الحصول عليها. إنها أعظم مرغوب عند المؤمن, ودخولها والانتهاء إليها أمل يتراءى له في رحلة العمر التي تستغرق حياته كلها. وما أكثر ما كانت حافزاً إلى الخير والحق مهما كان في الطريق من المخاطر والعقبات والأشواك, بل لو كان فيها الموت المحقّق.
لقد كان هذا أيام النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر أنس رضي الله عنه قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر, وجاء المشركون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه)). فدنا المشركون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض)). قال عمير بن الحمام الأنصاري رضي الله عنه: يا رسول الله: جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: ((نعم)). قال: بخٍ بخٍ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ ؟)) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها !! قال: ((فإنك من أهلها)). فأخرج تمرات من قرنه, فجعل يأكل منهن, ثم قال: لئن حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة !! فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل رضي الله عنه.
فيا أيها المؤمنون: إن الجنة هي دار المتقين, دار الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, دار جنانها تجري من تحتها الأنهار, دار قصورها لبنة من ذهب, ولبنة من فضة, طينها _ وقيل ملاطها _ المسك الأذفر _ الجيّد غاية الجودة _ وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت, وتربتها الزعفران وخيامها اللؤلؤ المجوف, هي نور يتلألأ, وريحانة تهتز, وفاكهة وخضرة, فيها الزوجات الخيرات الحسان, فيها العباد المنعمون الذين يأكلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون بل يخرج ذلك منهم مسكاً عندما يكون منهم جشاءٌ, فيها المنعمون الذين يضحكون ولا يبكون, ويقيمون ولا يظعنون, ويحيون ولا يموتون, فيها الوجوه المسفرة الضاحكة المستبشرة, فيها الجمال المبين والحور العين, فيها النعيم الدائم, فيها المزيد حيث يُرفع الحجاب فينظر الفائزون إلى وجه العزيز الوهاب, فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت, ولا خطر على قلب بشر.
نتناول الحديث عن الجنة وسعتها وأبوابها وأنهارها وخدمها ومطاعمها ومشاربها وعن أهلها وعن سائر ألوان النعيم فيها من القرآن العظيم ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورد عن عرضها وريحها قول الله عز وجل: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاواتُ وَالاْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]. وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وإن ريحها ليوجد من مسيرة مائة عام)).
وأبواب الجنة ثمانية أبواب فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أنفق زوجين في سبيل الله من ماله نودي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير, وللجنة ثمانية أبواب, فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة, ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد, ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان, ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة)). فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي يا رسول الله: ما على من دعي من تلك الأبواب من ضرورة, فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: ((نعم وأرجو أن تكون منهم)).
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في الجنة ثمانية أبواب, باب منها يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل غيرهم)).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء)). هكذا وردت في الحديث موضحة العدد ومفسرة للقرآن حيث وردت مجملة في قوله تعالى: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: 73]. وهذه الأبواب في غاية الوسع والكبر وإن ما بين المصراعين مسيرة أربعين سنة وهي مع ذلك سوف تكتظ وتزدحم بأفواج الداخلين إليها، وحلق أبوابها من ياقوت أحمر, وهي قائمة على صفائح من ذهب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة, وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام)). وقال صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن أهل الجنة: ((وينتهون إلى باب الجنة فإذا حلقه من ياقوتة حمراء على صفائح الذهب)).
وعند باب الجنة شجرة عظيمة ينبع من أصلها عينان, خصصت إحداهما لشراب الداخلين, والثانية لتطهيرهم فإذا شربوا من الأولى جرت في وجوههم نضرة النعيم فلا يبأسون أبداً, وإذا توضأوا من الثانية لم تشعث أشعارهم أبداً, قال تعالى: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً [الإنسان: 21]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث عن الجنة: ((وإذا شجرة على باب الجنة ينبع من أصلها عينان فإذا شربوا من إحداها جرت في وجوههم نضرة النعيم، وإذا توضأوا من الأخرى لم تشعث أشعارهم أبداً)).
ودخول الجنة يكون زمراً ويتفاوتون في حسن هيئتهم وجمال وجوههم لتفاوت أعمالهم في الدنيا في كمياتها وكيفياتها ويكونون جرداً مرداً بيضاً مكحلين أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنة, الطول ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر, والذين يلونهم على أشد كوكب درّي في السماء إضاءة, لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون ولا يتفلون, أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك, ومجامرهم الألوة, أزواجهم الحور العين, أخلاقهم على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم ستون ذراعاً في السماء)). وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل أهل الجنة جرداً مرداً بيضاً جعاداً مكحلين أبناء ثلاث وثلاثين, وهم على خلق آدم ستون ذراعاً في عرض سبعة أذرع)). ويعطى الواحد منهم قوة مائة رجل في الجماع, وأفئدتهم في الرقة والخوف والهيبة مثل أفئدة الطير, لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير)). وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا من الجماع, قيل: يا رسول الله أويطيق ذلك؟ قال: يعطى قوة مائة)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس, ولا تبلى ثيابه, ولا يفنى شبابه)).
وتستقبل الملائكة وفود الرحمن عند دخولهم إلى دار السلام, إلى جنات النعيم, وأول المستقبلين هو رضوان خازن الجنان, ثم الملائكة الموكّلون بنعيم الجنة وأهلها. قال تعالى: وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ هَاذَا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ [الأنبياء:103]. وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: 73]. وقال تعالى: وَالمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مّن كُلّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد: 23، 24].
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فأورد بعض الأحاديث ولو أن إيرادها بكاملها أفضل وأكمل ولكن لمناسبة المقام وعدم الإطالة, وعلى المسلم أن يراجع التفسير والأحاديث ليزداد شوقاً إلى الجنة وإلى العمل الصالح ويرجو رحمة الله ومغفرته, وسوف تكون خطبة أخرى بل خطب إن شاء الله لإكمال ما تبقى من هذا الإيجاز الذي لم يكن في الإمكان الابتعاد عنه نسأل الله القبول وحسن الخاتمة.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 6 سبتمبر 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

296,398