عودة

 

 الحلقة الثانية

حقائق عن قضية فلسطين

 

للحاج أمين الحسيني رحمه الله

 

 

الضغط البريطاني على الدول العربية

كيف حالت السلطات الاستعمارية دون دخولي فلسطين

 

 

السؤال السادس :

أ- يتساءل بعض الناس : لماذا لم تعودوا إلى فلسطين ولا سيما أثناء المعركة ؟

ب- لماذا لم تكن الهيئة العربية العليا في فلسطين أثناء معركتها ، ولماذا لا تقيم الآن فيها ؟

الجواب :

هذه فرية يفتريها على الأعداء، وهي أني ضننت بنفسي عن الذهاب إلى فلسطين طول هذه السنين، ولبثت في مصر قرير العين ناعم البال. ولو كنت ممن يضنون على وطنهم بأنفسهم وبما يملكون لما سلكت هذا الطريق الوعر منذ البداية . والحق أن أعز أمنية لدي هي العودة إلى تلك البلاد العزيزة التي ارتبط بها قلبي ، وأوليتها حبي، ووقفت لها حياتي، وقضيت زهرة عمري في سبيل خيرها وسعادتها .

 

وطني لو شغلت بالخلد عنه         نازعتني إليه في الخلد نفسي

 

الوصول من فرنسا إلى مصر واحتجاج الإنجليز :

وقد قمت بمجازفة خطيرة حين غادرت فرنسا بتاريخ  29 مايو 1946 رغم الحراسة الشديدة ، وتوسلت بكل الوسائل للوصول إلى مصر تمهيداً لدخولي فلسطين والاشتراك في معركتها المقبلة التي كنت أتوقعها .

احتجاج البريطانيين :

فلما هبطت مصر وقامت السلطات البريطانية تطالب بالقبض عليّ، لم تسمح مصر الكريمة بذلك، فلما يئس الإنجليز من تسليمي وتحديد إقامتي في إحدى الجزر النائية كما كانوا يريدون ، شددوا على الحكومة المصرية بمنعي من القيام بأي نشاط سياسي، ومنعي من مغادرة مصر إلى أي مكان آخر. واضطر رئيس الوزارة حينئذ المرحوم إسماعيل صدقي إلى أن يتعهد رسمياً بذلك.

 

المحاولات المتعددة للسفر إلى فلسطين :

وفي خريف عام 1947 حاولت السفر إلى فلسطين، فطلب مني الأمين العام لجامعة الدول العربية حينئذ - باسم الصالح العام وصالح قضية فلسطين - أن أثريت ، وقال : إن ذهابك إلى فلسطين في الظروف الحاضرة سيكون سبباً في تحول المعركة المتوقع نشوبها بين العرب واليهود، إلى معركة بين العرب وبين الإنجليز واليهود معاً ولكن حينما ينتهي انتداب إنجلترا على فلسطين في 15 مايو عام 1948 لا يحول أحد دون سفرك .

ولكني لم أقنع بهذا القول وصمت على المضي في خطتي ، وبينما كنت أتهيأ للسفر زارني الأستاذ محمد كامل عبد الرحيم وكيل وزارة الخارجية المصرية حينئذ ، وأبلغني أن الوزير المفوض في السفارة البريطانية بالقاهرة قام بزيارة لوزارة الخارجية المصرية حاملاً إليها رسالة من السفير البريطاني بالاحتجاج الشديد على إزماعي السفر إلى فلسطين، وأن السفير طلب من الحكومة المصرية أن تحول دون ذلك . فاضطررت للبقاء على مضض لكيلا أسبب حرجاً للحكومة المصرية التي كانت في ذلك الحين تقوم بمفاوضاتها مع الحكومة البريطانية بشأن القضية المصرية ، معللاً النفس بقرب حلول فرصة ملائمة .

كان هذا قبل نشوب معركة فلسطين . ثم شرعت وبعض أعضاء الهيئة العربية العليا الذين كانوا يعملون معي خارج فلسطين، في إعداد العدة للسفر فور انتهاء الانتداب البريطاني الذي أوشك أن يحل موعده المقرر، وسافرنا إلى دمشق وتخيرنا المكان الذي عولنا على الإقامة به في فلسطين ، كما أعددنا ما كانت تقضي به الضرورة من الوسائل واللوازم .

 

بريطانيا تضغط على الدول العربية :

وفي 14 مايو 1948 بينما كنا على وشك السفر ، فوجئنا بضغط شديد من إنجلترا على بعض الدول العربية ، وعلى الجامعة ، لمنعي من السفر ، فطلب مني عدد من رؤساء وزارات الدول العربية ووزراء خارجياتها ورجال الجامعة أن لا أسافر في هذه الفترة إلى فلسطين قائلين : "إن ذهابك الآن والجيوش العربية على وشك خوض المعركة سيحبط خطة إنقاذ فلسطين ، ويفرق كلمة الدول العربية ، وستتحمل مسئولية فش هذه المعركة المباركة التي ستحرر فلسطين وتنهي قضيتها بالفوز المبين ، ولما رأوا مني الإصرار على السفر طلبوا من رئيس الجمهورية السورية حينئذ ، أن يكلمني في الموضوع، فكلمني وطلب مني باسم مصلحة فلسطين أن أؤجل السفر .

فلما رأيت أن لا سبيل للسفر إلى فلسطين من سورية ، عدت إلى القاهرة في 22 مايو مزمعاً السفر فوراً . فلما وصلت إليها كلمني المغفور له السيد أحمد محمد خشبة - وكان يومئذ وزيراً للخارجية - وضرب لي موعداً عاجلاً لمقابلته في سراي الزعفران التي كان يقوم فيها مفاوضاته مع السفير البريطاني السر رونالد كامبل بشأن السودان، وأعلمني أن رسولاً خاصاً وصل إلى القاهرة من قبل جلالة الملك عبد الله - هو وزير الدفاع الأردني - حاملاً رسالة إلى الملك (السابق) طالباً فيها أن تحول الحكومة المصرية دون سفري إلى فلسطين .

ثم تلا ذلك مقابلة أخرى مع الأستاذ إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان وقتئذ أبلغني خلالها طلب الملك (السابق) مني أن لا أسافر إلى فلسطين في الظروف الحاضرة لأن سفري يضر بقضية فلسطين ضرراً كبيراً ، ويضر بوحدة جبهة الدول العربية التي تقوم اليوم بالحرب لإنقاذها ، وحذرني من مغبة ذلك!

 

دخول منطقة غزة :

فاضطرتني هذه الموانع المتتابعة إلى التريث قليلاً ، ولكن عزيمتي على السفر إلى فلسطين في أول فرصة لم تهن وعولت على أن لا أرضخ لأية محاولة لمنعي من الوصول إليها، وقد سنحت الفرصة مساء الاثنين الواقع في 27 سبتمبر 1948، فسافرت إلى فلسطين ، واستعنت ببعض الضباط الأحرار المصريين وغيرهم من المخلصين الأبرار، وغادرت القاهرة خفية رغم ما اتخذته السلطات المصرية القائمة حينئذ من وسائل لمنعي من السفر، من حراسة قوية ، وتدابير احتياطية على الطرق المؤدية إلى سيناء وحدود فلسطين .

وقد وصلنا غزة صبيحة اليوم التالي 28 سبتمبر 1948 وأقمنا بها فترة قصيرة انعقد خلالها المجلس الوطني الفلسطيني ، وتألفت فيها حكومة عموم فلسطين ، وشرعنا مع إخواننا في تظيم مجاهدي فلسطين وتجهيزهم وتجنيد جميع القادرين على الجهاد في كافة المدن والقرى الفلسطينية التي لم يحتلها اليهود ، من رفح إلى جنين ، وقد تقاطرت وفود الفلسطينيين ومجاهدوهم من سائر فلسطين إلى غزة استعداداً لاستئناف الكفاح والجهاد ضد العدو .

 

تدخل السلطات الاستعمارية :

وفي الخامس من أكتوبر وصل إلى غزة اللواء السابق حسين سري عامر الذي كان مديراً لسلاح الحدود، وزارني حيث كنت أقيم بمنزل الوطني الكبير السيد موسى الصوراني الذي اتخذناه مركزاً للعمل، وأبلغني رسالة من المرحوم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزارة حينئذ بتكليفي بالعودة إلى مصر لضرورة ماسة ، وزاد حسين سري عامر على ذلك بأن رئيس الوزارة العراقية السيد مزاحم الباجه جي والمرحوم محسن البرازي وزير الخارجية السورية موجودان بالقاهرة ، وأنه يرغب في محادثتي معهما بشؤون مهمة تتعلق بقضية فلسطين. فأبلغته أنني لا أستطيع الذهاب في هذه الظروف إلى القاهرة لضرورة بقائي في غزة بسبب تنظيم المجاهدين ومقابلة الوفود القادمة من أرجاء البلاد، وطلبت منه أن يبلغ عذري لرئيس الوزراء .

وفي مساء اليوم الثاني أي في 6 أكتوبر أبلغني حسين سري عامر النقراشي يريد محادثتي بالتليفون ، وطلب إلى الذهاب إلى مقر الحاكم الإداري في غزة ، وكان مقره أشبه بقلعة حصينة كانت سابقاً مركزاً للبوليس الحربي لحكومة الانتداب البريطاني ، فأضطررت الذهاب إليها، ولما دخلتها حال الجنود دون دخول الحرس الذي كان معي ، واتصلت بالنقراشي الذي ألح على بالحضور حالاً قائلاً إن الضرورات السياسية والعسكرية تقضي بذلك ، وأحالني على الفريق محمد حيدر وزير الحربية حينئذ ، الذي كان عنده ، فحادثني الفريق محمد حيدر وأصر عليّ بالحضور فوراً إلى القاهرة محتجاً بأن منطقة غزة هي منطقة حربية، وعندئذ أدركت أنهم يريدون منعي من البقاء في أي جزء من فلسطين بسبب ضغط الاستعمار ، فاحتججت على ذلك، وأبديت أشد اللوم على الطريقة التي اتخذوها معي، ولكني لم أشأ أن أعارض في السفر لأني خشيت أن يقع صدام مسلح بين القوات المصرية والمجاهدين الفلسطينيين الذين كان عددهم في غزة لا يستهان به، ولم يمهلني حسين سري عامر إلا ساعة ريثما أحضروا لي بعض حقائبي، كما أنه لم يمكني من الخروج من القلعة إلا إلى السيارة العسكرية التي حملتني إلى القاهرة بحراسة قوية من سيارات البوليس الحربي المسلحة وعلى رأسها حسين سري عامر وذلك عند منتصف ليل 6-7 أكتوبر سنة 1948 فوصلت القاهرة ظهر اليوم السابع من أكتوبر.

وعقب وصولي إلى القاهرة زيدت الحراسة على بيتي حتى أصبح عدد الجنود المحيطين به سبعين جندياً وثلاثة من الضباط ، وهكذا حيل بيني وبين العودة إلى فلسطين .

وبعد انتهاء الحركات الحربية في منطقة غزة وإبرام هدنة رودس طلبت السماح لي بالإقامة في تلك المنطقة ، فلم يسمح لي بذلك .

وقد منعت كما منع أعضاء الهيئة العربية العليا في بعض البلاد العربية من زيارة مخيمات اللاجئين بحجة أن ذلك يثير حماسة اللاجئين. بينما تريد دول الاستعمار السيطرة على هيئة الأمم المتحدة ولجنة الإغاثة تهدئتهم تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية .

لقد استطاع الأعداء أن يحولوا بيننا وبين دخول بلادنا وأن يشردونا طول هذه الأعوام وأن يحرمونا من العيش في موطننا .

فقد اضطروني إلى الخروج خفية من القدس عام 1937 إلى لبنان حيث أقمت سنتين ولما أشتد علي ضغط الأعداء غادرت لبنان إلى العراق حيث أثمت سنة ونصف سنة ، ولما حدثت حرب العراق عام 1941م خرجت مع من خرج من العراق من أحرار العرب، من عراقيين وسوريين وفلسطينيين وغيرهم ودخلت إيران، ولما احتل الإنجليز والروس إيران ، أعلن المارشال ويفل الذي كان قائداً عاماً للقوات البريطانية في مصر والشرق الأوسط ثم في الهند، جائزة قدرها خمسة وعشرون ألف جنيه لمن يقبض علي ا, يفضي بمعلومات تؤدي إلى إلقاء القبض عليّ . فاضطررت إلى مغادرة إيران خفية . ولما لم استطع الالتجاء إلى أفغانستان أو تركيا أو غيرهما من الأقطار الإسلامية فقد اضطررت أن أسافر إلى أوربا مع عدد من أخواني المجاهدين وبقيت فيها خلال مدة الحرب .

إلى هذا الحد بلغ تعسف الأعداء معنا في الوقت الذي جمعوا فيه مئات الألوف من غرباء اليهود المشردين وهو أشد ما يبلغه بغي وعدوان، ولئن استطاعوا أن يرمونا بأنواع الرزايا والبلايا والمصاعب والمصائب . فما لينوا منا قناة صليبة، ولا استطاعوا أن يمنعونا من الكفاح الدائم ، والدأب المستمر في سبيل هذا الوطن الحبيب، ولن يستطيعوا منعنا من العودة إليه والمشاركة في معركته المقبلة متى آن الأوان ، وهو قريب إن شاء الله .

 

لماذا لم تكن الهيئة العربية العليا في فلسطين أثناء المعركة ؟

ولماذا لا تقيم الآن فيها ؟

تألفت الهيئة العربية العليا لفلسطين من رؤساء ومندوبي الأحزاب والمنظمات العربية الفلسطينية في يونيو 1946 بقرار من مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في بلودان (سوريا) ونالت تأييداً إجماعياً من عرب فلسطين ، وخلفت اللجنة العربية العليا في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية ، وانضم إليها صفوة من كرام الوطنيين الفلسطينيين الذين عرفوا بكفاحهم وحسن بلائهم في سبيل القضية ، وكانوا مشردين خارج فلسطين - ما بين معتقل، أو مبعد عن وطنه- لمقاومتهم سياسة الاستعمار البريطاني اليهودي .

وبما أن القاهرة أصبحت محور العمل للقضايا العربية ، ولعدم استطاعتي وبعض إخواني دخول فلسطين بسبب إصرار السلطة البريطانية التي كانت سيطرة عليها في ذلك الحين، فقد رؤى أن تتخذ الهيئة العربية من القاهرة مركزاً رئيسياً لها يعمل فيه الأعضاء الممنوعون من دخول فلسطين ، وأن تتخذ لها في القدس مركزاً آخر يعمل فيه الأعضاء الذين لم يكونوا ممنوعين من الإقامة بفلسطين .

 

جهود الهيئة في إعداد البلاد للمعركة المقبلة :

وقامت الهيئة بإدارة دفة القضية الوطنية خلال ظروف دقيقة صعبة، قرابة عامين، كانت السياسة الإنجلوأمريكية تعمل خلالها بالتفاهم التام مع اليهود لتحقيق سيطرتهم على فلسطين. فخلال هذين العامين لم تدخر الهيئة جهوداً في جمع شمل أهل فلسطين وتنظيم صفوفهم وإعداد البلاد للمعركة المقبلة بين العرب واليهود بتزويدها بالسلاح والعتاد وكل ما تحتاج إليه المعركة من وسائل، حسب استطاعتها . ولم يكن هذا أمراً سهلاً على الهيئة في ظروفها الدقيقة فقد كانت السلطات البريطانية تحول بكل وسائلها بين العرب والتسليح ، بينما هي تساعد اليهود عليه. ومع ذلك فقد استطاعت الهيئة بوسائلها القليلة ومواردها المالية الضئيلة ، ورغم منع السلطة البريطانية، اشتراء كمية كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة والأعتدة ونقلها في مشقات ومخاطر جسيمة مئات الكيلومترات عبر الصحاري والحدود لايصالها إلى فلسطين . وكان الحصول على هذه الأسلحة وإيصالها إلى فلسطين عسيراً في بادئ الأمر ، حتى أن بعض من عهدت إليهم الهيئة العربية بهذه المهمة قد سجنوا في عام 1946 وفي النصف الأول من عام 1947 . ثم استطاعت الهيئة فيما بعد تذليل بعض العقبات القائمة في هذه السبيل .

 

الضباط الأحرار يقدمون أنفسهم للدفاع عن فلسطين :

ومما هو جدير بالذكر أن عدداً من ضباط مصر الأحرار كانوا يرغبون في مساعدة حركة الجهاد الفلسطيني ، وأذكر أن حضرة البكباشي أركان الحرب السيد جمال عبد الناصر، زارني أكثر من مرة في أوائل عام 1948 ومعه المرحوم الصاغ المتقاعد محمود لبيب وعرض على استعداه وإخوانه من الضباط الأحرار للمشاركة في حرب فلسطين وقيادة حركة الجهاد، فشكرت له هذه العاطفة الكريمة والشعور الفياض واتفقت معه مبدئياً ولكن السلطات في ذلك الحين عارضت في ذلك ، غير أنها لم تستطع أن تمنعهم من الاشتراك في الجهاد بفلسطين بعد دخول الجيش المصري، فبذلوا من جهودهم وأراقوا من دمائهم الزكية في ثرى فلسطين ما يسجل فهم بالشكر والتقدير .

وكذلك أقامت الهيئة في مصر عدة مصانع وورش ومخازن لإصلاح السلاح وصيانة وتخزينه لأن أكثره من مخلفات الجيوش أو كان مدفوناً في باطن الأرض أو ملقي في الصحراء، وأنشأت أيضاً مصنعاً لتعبئة الذخيرة في دمشق ومستودعات في دمشق وبيروت وصيدا والساوم ومرسي مطروح والحمام والعريش وكثيراً من أمثالها في داخل فلسطين . وقامت الهيئة العربية بإنشاء جيش الجهاد المقدس، بقيادة الشهيد المرحوم السيد عبد القادر الحسيني يساعده عدد من المشهود لهم بالبسالة والخبرة من قوات المناطق في فلسطين ، وأكثرهم من الذين تدربوا عسكريا في العراق وبعضهم في ألمانيا ، ويساعدهم عدد من الضباط سوريين وعراقيين . فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .

 

الهيئة العربية تنقل السلاح بالطائرات :

ولما اشتد خطر الهجوم اليهودي على القدس وقضت الحالة بسرعة إيصال السلاح والعتاد إلى المجاهدين الفلسطينيين ، عمدت الهيئة إلى استئجار بعض الطائرات، كما تفضلت الحكومة اليمانية المتوكلية فإعارتها ثلاث طائرات بدون مقابل، ونقلت السلاح بواسطتها من القاهرة ودمشق إلى فلسطين وبذلك تمكن المجاهدين المدافعون عن القدس من صيانتها وحفظها من السقوط في أيدي القوات اليهودية المهاجمة، كما تمكنوا من دفع العدو في بعض الجهات الأخرى .

وظل الذين في داخل فلسطين من أعضاء الهيئة يقومون بأعمالهم الوطنية خير قيام، إلى حين تدخل الجيوش العربية، وإعلان المغفور له الملك عبد الله - بصفته القائد العام - حل جيش الجهاد المقدس ، وإلغاء الهيئة العربية العليا ..

وقد اشترك بعض أعضاء الهيئة في الوفود والبعثات السياسية التي أوفدتها الهيئة إلى أوربا وأمريكا وغيرهما للدفاع عن القضية الفلسطينية .

فمنذ سيطرت القوات العسكرية الأردنية بقيادة الجنرال جلوب على المنطقة الواقعة بين الخليل جنوباً ، وجنين شمالا ، لم تعد الهيئة العربية العليا تملك حرية العمل في فلسطين في ذلك الظرف ، بعد ما أصبح قيامها غير مشروع في نظر السلطات الأردنية، وبعدما حلت هذه السلطات جيش الجهاد المقدس التابع للهيئة وصادرت سلاحه ومعداته، وطاردت كثيرين من جنوده وضباطه، فاضطرت الهيئة أن تقفل مركزها الذي كان في القدس، وأن تعزز مكاتبها في دمشق وبيروت وغزة، بالإضافة إلى مكتبها المركزي في القاهرة .

أما لماذا لم ترجع الهيئة العليا إلى فلسطين لتمارس أعمالها في شتى نواحي القضية الوطنية ، فلأنها منعت من ذلك وحرمت من حرية العمل في القسم الذي استولت عليه السلطات المهيمنة على البلاد بقيادة الجنرال جلوب الذي يسيطر على كافة القوات المسلحة من جيش وشرطة وعشائر .

ولهذه المناسبة استرعى النظر إلى الحقيقة الواقعة الآتية : وهي أن الحكومة البريطانية التي أعلنت رسمياً انتهاء انتدابها على فلسطين وانسحابها منها في 15 مايو 1948م ، لم تنسحب عمليا إلا من المناطق التي تسلمها لليهود . أما بقية المناطق الفلسطينية - ما عدا منطقة غزة - فإنها لم تنسحب منها، وما تزال تسيطر عليها سيطرة عملية شاملة بالقوات المسلحة المذكورة ، وبالهيمنة على جميع شؤونها الأخرى . ولها في القدس ونابلس وغيرهما قنصليات أو مراكز استخبارات . ولها في الحقيقة السلطة العليا الكاملة التي لا معقب لحكمها . وهي لا تمكن أهل فلسطين ولا الأردن من إعداد العدة الكافية من تسليح وتحصين وتنظيم لرد عادية اليهود المحدقة ، بل تعمل جهدها للتمهيد لتسليمها إلى اليهود كما سلمتهم الشطر الأول منها وفقا للمؤامرة اليهودية الاستعمارية المعروفة .

وهذه السلطة الاستعمارية، ولا أقول الحكومة الأردنية ، هي الحائل الحقيقي لعودة الهيئة العربية إلى ذلك القسم من فلسطين ولقيامها بأي نشاط سياسي أو غير سياسي . ولذلك أصبحت الهيئة مضطرة أن تمارس نشاطها خارج فلسطين في بلاد يكون لها فيها حرية العمل ، شأنها في ذلك شأن الحكومات والهيئات التي تضطرها الظروف إلى الخروج من بلادها وممارسة أعمالها في بلاد أخرى. ولو كان للهيئة العربية أن تختار لما اختارت غير فلسطين مقرا لها وميدانا لجهادها . وقد أوجزت لكم سابقاً المحاولات العديدة التي قمت بها للسفر إلى فلسطين وانتهت بإعادتي من غزة في العهد السابق ولعلي بذلك أكون قد قمت صورة صحيحة للرأي العام العربي علن الظروف والملابسات التي أحاطت بموقف الهيئة العربية من هذا الأمر .

 

 

مواقف أمريكا من قضية فلسطين

موقف عداء للعرب وتحيز لليهود

أمريكا وافقت على الانتداب واحتضنت مشروع التقسيم ودافعت عنه

 

السؤال السابع :

ما هي حقيقة موقف الولايات المتحدة الأمريكية من قضية فلسطين، وماذا يطلب العرب من أمريكا ؟

وهل تعتقدون أن في الاستطاعة حمل هذه الدولة - بالطرق الدبلوماسية والسياسية وبالدعاية - على العدول عن موقفها ؟

الجواب :

كان العرب يعتقدون أن الشعب الأمريكي صديق لهم ، وحريص على احترام مبادئ العدل والحرية والمساواة التي قامت الثورة الأمريكية على أساسها، وعلى مبادئ الرئيس ولسون الأربعة عشر التي أعلنها خلال الحرب العالمية الأولى . وكانت الشعوب العربية تنظر إلى الولايات المتحدة كموئل لتلك المبادئ بدليل أنها أوفدت عام 1919 لجنة (كنغ - كرين) لاستفتاء الشعب العربي في الأقاليم المنسلخة عن الدولة العثمانية ، في تقرير مصيره ، والاطلاع على حقيقة شعور سكان تلك الأقطار ومطالبهم.

 

موافقة أمريكا على تصريح بلفور :

غير أن العرب - ولاسيما أهل فلسطين - أخذوا يفقدون ذلك الشعور على مر الأيام ، وأصيبوا بخيبة الأمل للموقف العدائي الذي وقفته السياسة الأمريكية منهم . وجاء أول دليل على ذلك في برقية أرسلها الكولونيل هاوس مستشار الرئيس ولسون إلى وزارة الحرب البريطانية بتاريخ 16 أكتوبر 1917، (ولم يعرف العرب أمر هذه البرقية إلا فيما بعد) يعلنها فيها بموافقة الرئيس ولسون والحكومة الأمريكية على نص تصريح بلفور، الذي كان قد رفع إلى الرئيس الأمريكي للحصول على رأيه فيه وموافقته عليه .

 

موافقة أمريكا على الانتداب البريطاني :

ثم استبان العرب أن أمريكا وافقت على فكرة "الانتداب" الشيطانية التي ابتكرها دهاقنة الاستعمار، لستر نياتهم الحقيقية، والتمويه على الشعوب المستضعفة ، فإنها ما لبثت أن أقرت السياسة العامة لمجلس الحلفاء الأعلى عام 1919 في شأن الأقطار العربية .

وفي 30 يونيو 1922 أصدر الكونغرس الأمريكي قراراً رسمياً بالموافقة على وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني . ووقع الرئيس هاردنج ( الذي خلف الرئيس ولسون) ذلك القرار في 20 سبتمبر 1922 وبذلك أصبحت سياسة إنشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين خطة التزمت بها الولايات المتحدة الأمريكية التي أضحت فيما بعد من أهم المراكز لنشاط الحركة الصهيونية اليهودية ، وأعظم مصدر لتمويل المؤسسات اليهودية ، العاملة على اشتراء أراضي فلسطين واستثمارها ، حتى أن ثلاثة أرباع الأموال التي دخلت صناديق تلك المؤسسات كانت من تبرعات الأمريكيين يهودا وغير يهود .

 

وأذكر فيما يلي بعض الوقائع الثابتة على تحيز الولايات المتحدة للاستعمار واليهود ضد العرب:

1- عندما انعقد مؤتمر المائدة المستديرة بين العرب والإنجليز في لندن عام 1939 وبدا من الحكومة الإنجليزية بعض الميل إلى تعديل سياستها في فلسطين لصالح العرب، تحت ضغط الظروف الدولية ، وتلبد الجو السياسي ، تدخل الرئيس الأمريكي لدى الحكومة الإنجليزية تدخلاً حال دون الوصول إلى اتفاق .

2- تقدم عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي إلى لجنة الشؤون الخارجية بمشروع قرار بإلغاء الكتاب الأبيض لفلسطين لعام 1939 وتحويل فلسطين إلى دولة يهودية . وخشي المستر جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكية .. الذي تقلد حينئذ مركز رئيس أركان حرب الجيش الأمريكي - من إثارة ذلك الاقتراح شعور العرب، فكتب إلى لجنة الشؤون الخارجية طالباً عدم بحث الاقتراح ، فنزلت اللجنة عند طلبه، ولكن مارشال لم يلبث بعد ما تبدل مجرى الحرب لصالح الحلفاء أن أرسل كتاباً إلى المستر واغنر عضو اللجنة المذكورة قال فيه : إن الاعتبارات التي حملته في السابق على معارضة اللجنة للاقتراح آنف الذكر قد زالت الآن .

3- لما نشبت الحرب العالمية الثانية ، وقفت الولايات المتحدة موقفا صريحا في تأييد الاستعمار البريطاني والقضية اليهودية على الرغم من ادعائها الحياد . وأوفد الرئيس روزفلت عام 1941 الكولونيل دونافان إلى سورية ولبنان ، والعراق ، والكولونيل هو سكينز إلى الجزيرة العربية بصفتهما مندوبيه الشخصيين للاتصال بزعماء العرب وإقناعهم بضرورة الوقوف إلى جانب بريطانيا في الحرب . وفي بغداد طلب دونافان مقابلتي بواسطة السيد توفيق السويدي وزير خارجية العراق حينئذ فقابلته في 13/2/1941 وكان معه المستر نابنشو القائم بأعمال السفارة الأمريكية ، فذكر ضرورة تأييد السياسة البريطانية . فقلت له كيف يمكننا تأييد السياسة التي تعمل لتهويد بلادنا ؟ فأجاب : أن هذه المسألة يمكن تسويتها بعد انتهاء الحرب .

 

تأييد أمريكا لقرار المؤتمر الصهيوني العالمي :

4- عقد المؤتمر الصهيوني العالمي دورة استثنائية في نيويورك بفندق بلتمور في مايو 1942 واتخذ في جلسة 11 مايو قرارا "بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية (كومنولث) وإجلاء سكانها العرب إذا كانوا يعارضون في ذلك ، فرحبت الصحافة الأمريكية بذلك القرار وأيدته بحماسة وقوة، وأعلن الرئيس روزفلت وغيره من رجال السياسة الأمريكيين تأييدهم لذلك القرار .

واجتمع مؤتمر الحزب الجمهوري في 27 يونيو 1944 فرشح المستر جون ديوي لرئاسة الجمهورية . وانعقد مؤتمر الحزب الديمقراطي في 24 يونيو 1944 ورشح لها المستر روزفلت وقرر كل من المؤتمرين - وهما يمثلان شعب الولايات المتحدة - تأييد القرار اليهودي آنف الذكر . وأرسل روزفلت إلى السناتور واغنر كتاباً في أكتوبر 1944 قال فيه : إنه إذا أعيد انتخابه للرئاسة فإنه سيبذل كل جهوده لتنفيذ قرار تحويل فلسطين إلى دولة يهودية وكذلك قطع المرشح الجمهوري ديوي على نفسه عهداً مماثلاً .

5- بعد تسنم ترومان مركز رئاسة الجمهورية خلفاً لروزفلت أصبحت سياسة أمريكا أشد إمعانا وإيغالا في تأييد الصهيونية ، حتى أن رجال الكنيسة البروتستانتية أخذوا يتدخلون متشددين لتأييد القضية اليهودية ، ووقع نحو خمسة آلاف قس منهم معروضاً إلى الحكومة في فبراير 1945 طالبين فتح أبواب فلسطين للهجرة اليهودية .

وكذلك قدمت أكثرية أعضاء مجلس النواب والشيوخ طلباً بتاريخ 2 يوليو 1945 بإنشاء دولة يهودية في فلسطين ، وأرسل الرئيس ترومان نفسه بتاريخ 31 أغسطس 1945 كتابا إلى المستر كليمنت أتلى رئيس الوزارة البريطانية يطلب فيه إدخال مائة ألف يهودي دفعة واحدة إلى فلسطين ، وأن تفتح أبواب فلسطين فيما بعد دون قيد أو شرط للهجرة اليهودية .

 

تأييد أمريكا لمشروع تقسيم فلسطين :

6- برز تأييد أمريكا لمشروع تقسيم فلسطين وتشكيل دولة يهودية فيها بروزاً قوياً ، فقد احتضنت أمريكا مشروع التقسيم الذي أشارت به اللجنة الموفدة إلى فلسطين في مايو 1947 من قبل الجمعية العمومية للأمم المتحدة ، وقامت بالدفاع عنه في دورة الجمعية في خريف ذلك العام ، حتى حملتها بالتعاون مع بريطانيا، على إصدار قرارها الظالم بتقسيم فلسطين في 29 نوفمبر 1947 .

 

ملكيون أكثر من الملك :

وقد ذكر وايزمان في مذكراته حادثاً يدل على أن الأمريكيين كانوا ملكيين أكثر من الملك في تأييدهم لليهود . فقد حدث خلال مناقشات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة لمشروع التقسيم أن اقترح بعض الوفود - ومنها الوفد الأمريكي - تقسيم أراضي النقب بين العرب واليهود، وإعطاء العقبة للعرب . فذهب وايزمان إلى واشنطون وقابل الرئيس ترومان في 19 نوفمبر 1947 وباحثه في أمر فلسطين . وأبلغه أن اليهود يقبلون بتقسيم النقب بينهم وبين العرب على أن تكون العقبة نفسها من نصيب اليهود . ولكن ترومان أصدر تعليماته للوفد الأمريكي في الجمعية العمومية بأن يعمل على أن يكون النقب كله (ومساحته نحو ثلاثة ملايين فدان) والعقبة أيضا من نصيب اليهود !

 

مصرع الكونت برنادوت :

وفي سبتمبر عام 1948 وقع حادث مصرع الكونت فولك برنادوت الذي عينته الأمم المتحدة وسيطاً لها لحل قضية فلسطين بعد وقف القتال بموجب الهدنتين الأولى والثانية . وقد جاء مقتله دليلاً على الأهمية التي يعلقها اليهود على استيلائهم على النقب واستغلاله وفقاً لمشروع (لاوذر ملك) بريه من المياه العربية الآتية من روافد نهر الأردن من سورية ولبنان والعراق وشرقي الأردن. فبعدما درس الكونت برنادوت القضية درساً وافياً قدم للأمم المتحدة تقريرا أوصى فيه بضم النقب إلى العرب . فثار اليهود عليه بسبب ذلك الاقتراح وقتلوه غيلة في أحد شوارع القدس . فمات بموته مشروع جعل النقب من نصيب العرب . (انظر الصفحة التالية)

7- لما نشب القتال في فلسطين على إثر صدور قرار التقسيم ، هب الأمريكيون إلى مساعدة اليهود بجميع الوسائل فجمعوا لهم الأموال الطائلة ، وسخروا الصحف ومحطات الإذاعة للدعاية لهم ، وتطوع عدد من الأمريكيين في القوات اليهودية في فلسطين ، ونقلت الطائرات الأمريكية من الولايات المتحدة كميات من المعدات والأسلحة إلى يهود فلسطين عن طريق (براغ) ، وأنزلت باخرة أمريكية اسمها السهم الطائر Flying Arrow في ميناء حيفا في مارس 1947، (54) دبابة تحت ستار "جرارات زراعية" ! وما أذكره هنا هو غيض من فيض من المساعدات التي قدمها الأمريكيون لليهود .

 

اقتراح وضع فلسطين تحت الوصاية :

8- ولما حاقت الهزيمة بيهود القدس في مارس 1948 وأطبق عليهم المجاهدون من كل الجهات حتى رفعوا رايات التسليم ، كان قنصل الولايات المتحدة العام في مقدمة رجال الهيئة الدبلوماسية الذين تدخلوا لرفع الحصار عنهم ، وأعلن المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة في 19 مارس 1948 عدول حكومته عن تأييد قرار التقسيم مقترحاً وضع فلسطين تحت وصاية دولية ، فلما تبدل الموقف العسكري في فلسطين في أوائل أبريل بسبب حرمان المجاهدين الفلسطينيين من السلاح والذخيرة ، وقيام اليهود بأعمالهم الإجرامية في دير ياسين وغيرها لم يظهر أي استنكار أمريكي رسمي أو غير رسمي لتلك الفظائع ، بل عادت أمريكا إلى المغالاة في تأييد اليهود، ورجعت إلى تأييد سياسة التقسيم .

 

إسراع ترومان للاعتراف بالدولة اليهودية :

9- ومن أعجب مظاهر السياسة الأمريكية إسراع الرئيس ترومان للاعتراف بالدولة اليهودية في 15 مايو بعد مرور بضع دقائق من إعلان اليهود لها، بالرغم من أن هذه الدولة قامت على أساس البغي والعدوان والاجتياح (وهي أمور تدعي أمريكا أنها حاربتها في كوريا) وبالرغم من أنها لم تكن قد توفرت لها المقومات الأساسية التي تحيز الاعتراف بها .

 

مساعدة اليهود مالياً وسياسياً وعسكريا :

10- وبعد قيام الدولة اليهودية ، اجتاحت الولايات المتحدة موجة عارمة من الجهود والمساعي الحثيثة لمدها بالمساعدات المالية والعسكرية والسياسية، حتى أنها سمحت لها بطرح سندات قروضها للبيع في الأسواق المالية الأمريكية ، وأذنت لبنك الإصدار بتزويدها بالقروض الضخمة، ولم تحل المراكز الرسمية والمناصب السياسية دون اشتراك الرجال الرسميين من الأمريكيين في الدعاية للدولة اليهودية والقيام بأعمال الجباية لها كما صنع المستر باوكلي ، وهو في منصب نائب رئيس الجمهورية . وقرر كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي ، في مؤتمريهما المنعقدين في شيكاغو في صيف 1952 تأييد الدولة اليهودية ومواصلة مساعداتها .

 

ألف مليون دولار لليهود :

11- أعلن مستر "أندرسن" وكيل وزارة التجارة في حكومة الرئيس ايزتهاور في 15 مارس 1953، أن حكومة الولايات المتحدة وشعبها قدما ليهود فلسطين في المدة الواقعة بين سنتي 1948-1952 نحو ألف مليون دولار (بليون دولار) هبات وعطايا وقروضاً .

وكذلك أعلن السناتور "رايلي" رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي في 29 مارس 1953 في خطبة له في مؤتمر مساعدة إسرائيل، أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الدولة اليهودية ،القاعدة الأساسية للشؤون العسكرية والاقتصادية والديمقراطية في الشرق الأوسط .

12- تجاوزت الولايات المتحدة في مساعداتها لليهود نطاقها الداخلي إلى الحيز الدولي ، وعملت جاهدة عامدة على منع السلاح عن البلاد العربية ، على حين أغدقته إغداقاً على اليهود، مما حملهم على التمادي في غلوائهم واعتداءاتهم المتواصلة على العرب. وعند رغبتها في منح مساعدات مالية للأقطار المختلفة في ميدان الحضارة والتقدم وضعت الأمة العربية كلها بقضها وقضيضها ودولها في كفة ، ويهود فلسطين في كفة أخرى، وساوت بين الطرفين في المبالغ المقترح منحها لهما . وأخيراً رجحت كفة اليهود واعتبرتهم أمريكا أعظم شأناً وأكثر أهمية من العرب جميعاً، وطفقت تزودهم بالأموال والقروض ، بينما هي تضن بشيء منها على العرب .

 

حمل ألمانيا الغربية على تعويض اليهود بمبلغ (875) مليون دولار :

13- وكانت الولايات المتحدة عاملاً قوياً في حمل حكومة ألمانيا الغربية على القبول بدفع تعويضات مالية عظيمة لليهود تبلغ نحو 875 مليون دولار بموجب اتفاقية عقدتها مع ممثلهم ، وهي اتفاقية باغية قدمت الهيئة العربية العليا بشأنها عدة مذكرات للدول العربية والأمم المتحدة.

وأخيراً رأينا السياسة الأمريكية ترمي إلى غايتين خطيرتين بالنسبة إلى كل من العرب واليهود: الأولى المحافظة على الكيان اليهودي في فلسطين وضمان استقراره وازدهاره ، والأخرى تصفية قضية عرب فلسطين والنعقية على آثار اللاجئين لإزالة المظهر الأخير من مظاهر الجريمة النكراء التي اقترفتها السياسة الاستعمارية الغربية في فلسطين وأهلها، والقضاء على كل مصدر من المصادر التي تظن فيها الخطر على الدولة اليهودية . ففي الناحية الأولى ساهمت أمريكا في إصدار البيان الثلاثي في مايو 1951 لضمان حدود الدولة اليهودية . وبذلت جهوداً كثيرة لحمل العرب على عقد الصلح مع اليهود والاعتراف بدولتهم، منها اشتراكها في تقديم مشروع صلح بين العرب واليهود للأمم المتحدة في عام 1952 دون التقيد بمقررات الأمم المتحدة بشأن فلسطين ، وما كان تقديمها قضية عدوان اليهود الهمجي على قرية (قبية) لمجلس الأمن إلا تمهيداً لاستصدار قراره المعروف بإجراء مفاوضات مباشرة بين الأردن واليهود . وكانت الولايات المتحدة (التي ما برحت تدعي الإخلاص لميثاق الأمم المتحدة، وأنها حاربت في كوريا احتراما منها لمقرراتها ) هي نفسها التي أغضت عن تحدي اليهود المتواصل لمقررات الأمم المتحدة بشأن فلسطين، واستمرارهم في أعمالهم العدوانية على المناطق العربية.

 

تصريح خطير لمساعد وزير الخارجية :

وما أكثر الذين صرحوا من الساسة الأمريكيين بأن الولايات المتحدة ستقف في صف اليهود في فلسطين، وأنها تؤيد كيانهم وبقاء دولتهم بكل الوسائل. وآخر تصريح من هذا القبيل ما أدلى به المستر "بايرود" مساعد وزير الخارجية الأمريكية في مؤتمره الصحفي (في 2فبراير 1954) في واشنطن بقوله : "إن إسرائيل وجدت هناك لتبقى، وإن أمريكا هنا لتؤمن حياتها" .

يحاولون تصفية قضية فلسطين :

ومن الناحية الأخرى فإن "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين، التي تعمل بتأييد أمريكا وإرشادها تدل جميع أعمالها وأساليبها على أن لها خطة مرسومة في تصفية قضية فلسطين ، وذلك بإبعاد اللاجئين الفلسطينيين عن حدود بلادهم ، وتقويض كيانهم، إما عن طريق تجويعهم وإضعافهم صحياً وروحياً، وإما عن طريق إدماجهم في الأقطار العربية . ولهذه الأهداف نشأت مشروعات الأشغال التي تقوم بها الوكالة، وتمول القسم الأكبر منها الولايات المتحدة، ومن هنا نشأت فكرة ، مشروع جونستون ، الذي تواصل أمريكا مساعيها لحمل الدول العربية على القبول به .

وأذكر أن الولايات المتحدة خصصت عشرات الملايين من الدولارات لانفاقها في مشاريع إسكان اللاجئين خارج ديارهم ، فلما رأت إحجام الدول العربية عن القبول بالاشتراك في تلك المؤامرة ضد الفلسطينيين ، هددت بلسان مندوبها في الأمم المتحدة بسحب تلك الأموال ووقف مساعدتها المالية لإغاثة اللاجئين .

 

الولايات المتحدة والاستعمار :

ولم يخف المسئولون الأمريكيون حقيقة أهداف أمريكا الاستعمارية بصورة لا تدع مجالا للشك في أن أمريكا تؤيد الاستعمار وتسير سياستها الخارجية على رغباته . فقد صرح المستر "دالاس" وزير الخارجية في يونيو 1953 عقب زيارته للشرق الأوسط بأن أية حرية تعطى للشعوب التي تطالب بها "يجب أن لا تخرج عن نطاق الوحدة الغربية " .

وكذلك صرح المستر بايرود مساعد وزير الخارجية ، في نوفمبر 1953 بأن لأمريكا مصلحة في تأييد الدول المستعمرة ، وأن عليها أن تعالج المسائل الاستعمارية على ضوء صالحها الخاص، وأن استقلال الشعوب الساعية إلى الحرية لن يخدم مصالح الولايات المتحدة ولا مصالح العالم الحر.. وأن لأمريكا مصلحة في قوة واستقرار بعض الدول الأوربية التي تمارس نفوذا في مناطق غير مستقلة، وعلى ضوء تصريحات المستر دالاس والمستر

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 87 مشاهدة
نشرت فى 27 أغسطس 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,454