الخطبة السابعة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى وسبحان الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى وأراه من آياته العظيمة الكبرى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا الذي خلق الأرض والسماوات العلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فضله الله بالعلم والرشد فما ضل وما غوى وأدبه فأحسن تأديبه فما زاغ بصره وما طغى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليما .

أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى والآلاء الجسيمة العظمى فإن نعم الله علينا سابغة وآلاءه متوالية متتابعة لقد جعلنا الله خير أمة أخرجت للعالمين وفضل نبينا على سائر الأنبياء والمرسلين واختصه بخصائص لما ينلها أحد من البشر ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر . فمن خصائصه العظيمة ذلك المعراج الذي فضله الله به قبل أن يهاجر من مكة فبينما هو نائم في الحجر في الكعبة أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانا تهيئة لما سيقوم به ثم أتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها البراق يضع خطوه عند منتهى طرفه فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين حتى وصل بيت المقدس فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما كل الأنبياء والمرسلين يصلون خلفه ليتبين بذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وأنه الإمام المتبوع ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح له فوجد فيها آدم فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا على يمين آدم أرواح السعداء وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح . . . إلخ . فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابنا الخالة كل واحد منهما ابن خالة الآخر فقال جبريل هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلم عليهما فردا السلام وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فقال جبريل هذا يوسف فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها إدريس صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا إدريس فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا هارون فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح . . إلخ . فوجد فيها موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا موسى فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك قل أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي فكان بكاء موسى حزنا على ما فات أمته من الفضائل لا حسدا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح . . . الخ . فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . وإنما طاف جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء تكريما له وإظهارا لشرفه وفضله صلى الله عليه وسلم وكان إبراهيم الخليل مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون في اليوم الثاني يأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرضي بذلك وسلم ثم نزل فلما مر بموسى قال ما فرض ربك على أمتك قال خمسين صلاة في كل يوم فقال إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت فوضع عني عشرا وما زال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس فنادى مناد أمضيت فريضتي وخففت على عبادي .

وفي هذه الليلة أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة بغلس وصلى فيها الصبح فلما أصبح أخبر قريشا بما رأى فكان في ذلك امتحان لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب وقالوا كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا في الذهاب وشهرا في الرجوع فهات صف لنا بيت المقدس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم حيث جلاه الله له فجعل ينظر إليه وينعته لهم فبهتوا وقالوا أما الوصف فقد أصاب وجاء الناس إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال إن كان قاله فقد صدق . ثم جاءه وحوله المشركون يحدثهم فكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال أبو بكر صدقت فسمي الصديق من أجل ذلك رضي الله عنه وأرضاه .

فاعتبروا أيها المؤمنون بهذه الآيات العظيمة واشكروا الله على هذه النعم الجسيمة واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات وأن يحشركم في زمرة أوليائه وحزبه فإن حزب الله هم المفلحون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * إلى قوله * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . . الخ .

الخطبة الثامنة في صفات النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي من على من شاء من عباده بصفات الكمال ورفع بعضهم على بعض درجات ليبلوهم فيما أعطاهم من تلك الخصال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكبير المتعال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال وسلم تسليما .

أما بعد : أيها الناس اتقوا ربكم واعلموا ما له من الحكم البالغة في شرعه وخلقه وجزائه فله الحكمة البالغة الصادرة عن علم تام ورحمة واسعة شرع الشرائع فأحكمها وخلق المخلوقات فأتقنها ووضع الجزاء على وقف الحكمة والعدل والفضل : * وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ * وضع الرسالة العظمى في محمد صلى الله عليه وسلم و : * اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ * وضعها فيمن أكمله الله خلقة حيث جاء جسده كاملا متناسبا حسنا جميلا فكان صلى الله عليه وسلم ربعة من الرجال ليس بالطويل البائن ولا القصير بعيد ما بين المنكبين ضخم الأعضاء بتناسب رحب الصدر وكان أحسن الناس وجها أزهر اللون مشربا بحمرة مستدير الوجه مع سهولة الخدين أكحل العينين أدعجهما أسبغ الحواجب في غير قرن بينهما دقيق الأنف حسن الفم مفلج الأسنان براق الثنايا كث اللحية حسنها . قال أنس بن مالك رضي الله عنه توفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء إنما كان شمط عند العنفقة وفي الصدغين والرأس يسيرا له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى مكنبيه كان يسدله ثم عدل إلى تفريقه على جانبي الرأس هذه صفاته الخلقية أكمل صفات الرجال بينتها لكم لتكون لكم آية عندما ترونه في النوم لأن من رآه في المنام على صفته الثابتة عنه فقد رآه حقا لأن الشيطان لا يتمثل به .

أما صفاته الخلقية فكان أكمل الناس خلقا في جميع محاسن الأخلاق قال الله تعالى : * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * ففي الكرم كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس يعطي عطاء لا تبلغه الملوك سأله رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة قال جابر رضي الله عنه ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا وعلق به الأعراب يسألونه أن يقسم بينهم في مرجعه من حنين فقال صلى الله عليه وسلم لو كان لي عدد هذه العضاه نعما - يعني عدد هذه الأشجار إبلا- لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا . وكان يؤثر على نفسه فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار . أهديت إليه شملة فلبسها وهو محتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه إياها فلامه الناس فقالوا كان محتاجا إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال إنما سألتها لتكون كفني . وكان كرمه صلى الله عليه وسلم في محله ينفق المال لله وفي الله إما لفقير أو محتاج أو في سبيل الله أو تأليفا على الإسلام أو تشريعا للأمة .

وفي الشجاعة كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأمضاهم عزما وإقداما كان الناس يفرون وهو ثابت قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما التقى المسلمون والكفار يعني في حنين وولى المسلمون مدبرين طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وكان يقول حينئذ « أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب » وقال علي رضي الله عنه كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه . قال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول « لن تراعوا » ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيما فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح قال أنس خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته . وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويضعهم في حجره وربما بال الصبي في حجره فلا يعنف . وكان يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وكان يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين ورسول الله يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال « صدق الله ورسوله : * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ * نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما » . قال الحسين بن علي رضي الله عنهما سألت أبي عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس راجيه لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم عنده أنصتوا له حين يفرغ وكان يصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام . وكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا . قال أنس دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحته وسادة من أدم وحشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم « ما يبكيك يا عمر قال ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى قال هو كذلك » .
هذه أيها المسلمون درر من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوها نبراسا لكم تأتمون بها وتأخذون وتسيرون عليها وتهتدون فإن الله جبله على مكارم الأخلاق وأمرنا بالاقتداء به : * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * . رزقنا الله وإياكم محبة هذا النبي الكريم ووفقنا لاتباع هديه وسننه حتى يأتينا اليقين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . . . . الخ

الخطبة السابعة في معراج النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي أنعم علينا بنعم لا تحصى ودفع عنا من النقم ما لا يعد ولا يستقصى وسبحان الذي أسرى بعبده محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وعرج به بصحبة جبريل الأمين إلى السماوات العلى وأراه من آياته العظيمة الكبرى وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الأسماء الحسنى والصفات الكاملة العليا الذي خلق الأرض والسماوات العلى وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فضله الله بالعلم والرشد فما ضل وما غوى وأدبه فأحسن تأديبه فما زاغ بصره وما طغى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء وعلى التابعين لهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء وسلم تسليما .

أما بعد : أيها الناس اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من النعم الكبرى والآلاء الجسيمة العظمى فإن نعم الله علينا سابغة وآلاءه متوالية متتابعة لقد جعلنا الله خير أمة أخرجت للعالمين وفضل نبينا على سائر الأنبياء والمرسلين واختصه بخصائص لما ينلها أحد من البشر ولن يصل إليها أحد ممن تقدم أو تأخر . فمن خصائصه العظيمة ذلك المعراج الذي فضله الله به قبل أن يهاجر من مكة فبينما هو نائم في الحجر في الكعبة أتاه آت فشق ما بين ثغرة نحره إلى أسفل بطنه ثم استخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانا تهيئة لما سيقوم به ثم أتي بدابة بيضاء دون البغل وفوق الحمار يقال لها البراق يضع خطوه عند منتهى طرفه فركبه صلى الله عليه وسلم وبصحبته جبريل الأمين حتى وصل بيت المقدس فنزل هناك وصلى بالأنبياء إماما كل الأنبياء والمرسلين يصلون خلفه ليتبين بذلك فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرفه وأنه الإمام المتبوع ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به فنعم المجيء جاء ففتح له فوجد فيها آدم فقال جبريل هذا أبوك آدم فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح وإذا على يمين آدم أرواح السعداء وعلى يساره أرواح الأشقياء من ذريته فإذا نظر إلى اليمين سر وضحك وإذا نظر قبل شماله بكى ثم عرج به جبريل إلى السماء الثانية فاستفتح . . . إلخ . فوجد فيها يحيى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وهما ابنا الخالة كل واحد منهما ابن خالة الآخر فقال جبريل هذان يحيى وعيسى فسلم عليهما فسلم عليهما فردا السلام وقالا مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الثالثة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها يوسف عليه الصلاة والسلام فقال جبريل هذا يوسف فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الرابعة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها إدريس صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا إدريس فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء الخامسة فاستفتح . . الخ . فوجد فيها هارون بن عمران أخا موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا هارون فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح ثم عرج به جبريل إلى السماء السادسة فاستفتح . . إلخ . فوجد فيها موسى صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا موسى فسلم عليه فسلم عليه فرد عليه السلام وقال مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح فلما تجاوزه بكى موسى فقيل له ما يبكيك قل أبكي لأن غلاما بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر ممن يدخلها من أمتي فكان بكاء موسى حزنا على ما فات أمته من الفضائل لا حسدا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ثم عرج به جبريل إلى السماء السابعة فاستفتح . . . الخ . فوجد فيها إبراهيم خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم فقال جبريل هذا أبوك إبراهيم فسلم عليه فسلم عليه فرد السلام وقال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح . وإنما طاف جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم على هؤلاء الأنبياء تكريما له وإظهارا لشرفه وفضله صلى الله عليه وسلم وكان إبراهيم الخليل مسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء السابعة الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون ويصلون ثم يخرجون ولا يعودون في اليوم الثاني يأتي غيرهم من الملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله ثم رفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى فغشيها من أمر الله من البهاء والحسن ما غشيها حتى لا يستطيع أحد أن يصفها من حسنها ثم فرض الله عليه الصلاة خمسين صلاة كل يوم وليلة فرضي بذلك وسلم ثم نزل فلما مر بموسى قال ما فرض ربك على أمتك قال خمسين صلاة في كل يوم فقال إن أمتك لا تطيق ذلك وقد جربت الناس قبلك وعالجت بني إسرائيل أشد المعالجة فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك قال النبي صلى الله عليه وسلم فرجعت فوضع عني عشرا وما زال يراجع ربه حتى استقرت الفريضة على خمس فنادى مناد أمضيت فريضتي وخففت على عبادي .

وفي هذه الليلة أدخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة فإذا فيها قباب اللؤلؤ وإذا ترابها المسك ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى مكة بغلس وصلى فيها الصبح فلما أصبح أخبر قريشا بما رأى فكان في ذلك امتحان لهم وزيادة في الطغيان والتكذيب وقالوا كيف تزعم يا محمد أنك أتيت بيت المقدس ورجعت في ليلة ونحن نضرب إليه أكباد الإبل شهرا في الذهاب وشهرا في الرجوع فهات صف لنا بيت المقدس فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصفه لهم حيث جلاه الله له فجعل ينظر إليه وينعته لهم فبهتوا وقالوا أما الوصف فقد أصاب وجاء الناس إلى أبي بكر فقالوا إن صاحبك يقول كذا وكذا فقال إن كان قاله فقد صدق . ثم جاءه وحوله المشركون يحدثهم فكلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قال أبو بكر صدقت فسمي الصديق من أجل ذلك رضي الله عنه وأرضاه .

فاعتبروا أيها المؤمنون بهذه الآيات العظيمة واشكروا الله على هذه النعم الجسيمة واسألوه أن يثبتكم على الإيمان إلى الممات وأن يحشركم في زمرة أوليائه وحزبه فإن حزب الله هم المفلحون أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * إلى قوله * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى * .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم . . الخ .

الخطبة الثامنة في صفات النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي من على من شاء من عباده بصفات الكمال ورفع بعضهم على بعض درجات ليبلوهم فيما أعطاهم من تلك الخصال وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الكبير المتعال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المبعوث ليتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تعاقبت الأيام والليال وسلم تسليما .

أما بعد : أيها الناس اتقوا ربكم واعلموا ما له من الحكم البالغة في شرعه وخلقه وجزائه فله الحكمة البالغة الصادرة عن علم تام ورحمة واسعة شرع الشرائع فأحكمها وخلق المخلوقات فأتقنها ووضع الجزاء على وقف الحكمة والعدل والفضل : * وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ * وضع الرسالة العظمى في محمد صلى الله عليه وسلم و : * اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ * وضعها فيمن أكمله الله خلقة حيث جاء جسده كاملا متناسبا حسنا جميلا فكان صلى الله عليه وسلم ربعة من الرجال ليس بالطويل البائن ولا القصير بعيد ما بين المنكبين ضخم الأعضاء بتناسب رحب الصدر وكان أحسن الناس وجها أزهر اللون مشربا بحمرة مستدير الوجه مع سهولة الخدين أكحل العينين أدعجهما أسبغ الحواجب في غير قرن بينهما دقيق الأنف حسن الفم مفلج الأسنان براق الثنايا كث اللحية حسنها . قال أنس بن مالك رضي الله عنه توفاه الله وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء إنما كان شمط عند العنفقة وفي الصدغين والرأس يسيرا له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى مكنبيه كان يسدله ثم عدل إلى تفريقه على جانبي الرأس هذه صفاته الخلقية أكمل صفات الرجال بينتها لكم لتكون لكم آية عندما ترونه في النوم لأن من رآه في المنام على صفته الثابتة عنه فقد رآه حقا لأن الشيطان لا يتمثل به .

أما صفاته الخلقية فكان أكمل الناس خلقا في جميع محاسن الأخلاق قال الله تعالى : * وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ * ففي الكرم كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس يعطي عطاء لا تبلغه الملوك سأله رجل فأعطاه غنما بين جبلين فرجع إلى قومه فقال يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى فاقة قال جابر رضي الله عنه ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا وعلق به الأعراب يسألونه أن يقسم بينهم في مرجعه من حنين فقال صلى الله عليه وسلم لو كان لي عدد هذه العضاه نعما - يعني عدد هذه الأشجار إبلا- لقسمته بينكم ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا . وكان يؤثر على نفسه فيعطي العطاء ويمضي عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار . أهديت إليه شملة فلبسها وهو محتاج إليها فسأله إياها رجل فأعطاه إياها فلامه الناس فقالوا كان محتاجا إليها وقد علمت أنه لا يرد سائلا فقال إنما سألتها لتكون كفني . وكان كرمه صلى الله عليه وسلم في محله ينفق المال لله وفي الله إما لفقير أو محتاج أو في سبيل الله أو تأليفا على الإسلام أو تشريعا للأمة .

وفي الشجاعة كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأمضاهم عزما وإقداما كان الناس يفرون وهو ثابت قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لما التقى المسلمون والكفار يعني في حنين وولى المسلمون مدبرين طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته نحو الكفار وأنا آخذ بلجامها أكفها إرادة أن لا تسرع وكان يقول حينئذ « أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب » وقال علي رضي الله عنه كنا إذا اشتد البأس واحمرت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه . قال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس لقد فزع أهل المدينة ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا قد سبقهم إلى الصوت واستبرأ الخبر على فرس لأبي طلحة عري والسيف في عنقه وهو يقول « لن تراعوا » ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيما فلم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ولا يجزئ بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح قال أنس خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته . وكان يمازح أصحابه ويخالطهم ويحادثهم ويداعب صبيانهم ويضعهم في حجره وربما بال الصبي في حجره فلا يعنف . وكان يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر وكان يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتن أمه وكان يحمل ابنة بنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين ورسول الله يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال « صدق الله ورسوله : * إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ * نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما » . قال الحسين بن علي رضي الله عنهما سألت أبي عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جلسائه فقال كان دائم البشر سهل الخلق لين الجانب يتغافل عما لا يشتهي ولا يؤيس راجيه لا يتكلم إلا فيما رجا ثوابه وإذا تكلم عنده أنصتوا له حين يفرغ وكان يصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته ولا يقطع على أحد حديثه حتى يتجوزه فيقطعه بانتهاء أو قيام . وكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا . قال أنس دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحته وسادة من أدم وحشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم « ما يبكيك يا عمر قال ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال بلى قال هو كذلك » .
هذه أيها المسلمون درر من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذوها نبراسا لكم تأتمون بها وتأخذون وتسيرون عليها وتهتدون فإن الله جبله على مكارم الأخلاق وأمرنا بالاقتداء به : * فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * . رزقنا الله وإياكم محبة هذا النبي الكريم ووفقنا لاتباع هديه وسننه حتى يأتينا اليقين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم . . . . الخ

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 71 مشاهدة
نشرت فى 22 مايو 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

298,183