نحو عالم افضل

2013-04-29 محمد الغزالي 308

نحو عالم أفضل


 إن الإسلام جاء لينتقل بالبشر خطوات فسيحات إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، وأنه اعتبر المراحل المؤدية إلى هذا الهدف النبيل من صميم رسالته، كما أنه عد الإخلال بهذه الوسائل خروجا عليه وابتعادا عنه. فليست الأخلاق من مواد الترف، التى يمكن الاستغناء عنها، بل هى أصول الحياة التى يرتضيها الدين، ويحترم ذويها.. وقد أحصى الإسلام بعدئذ الفضائل كلها، وحث أتباعه على التمسك بها واحدة واحدة. ولو جمعنا أقوال صاحب الرسالة فى التحلى بالأخلاق الزكية لخرجنا بسفر لا يُعرف مثله، لعظيم من أئمة الإصلاح. وقبل أن نذكر تفاصيل هذه الفضائل، وما ورد فى كل منها على حدة، نثبت طرفا من دعوته الحازة، إلى محامد الأخلاق، ومحاسن الشيم. عن أسامة بن شريك قال: كنا جلوسا عند النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ كأنما على رءوسنا الطير، ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟ قال: "أحسنكم خلقا" . وفى رواية: "ما خيرُ ما أُعطى الإنسان؟ قال: خلق حسن" . وقال: "إن الفحش والتفحش ليسا من الإسلام فى شىء، وإن أحسن الناس إسلاما، أحسنهم خلقا". وسئل: "أى المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال: أحسنهم خلقا" . وعن عبد الله بن عمرو: سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ألا أخبركم بأحبكم إلىَّ، وأقربكم منى مجلسا يوم القيامة؟ ـ فأعادها مرتين أو ثلاثا ـ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقا " . وقال: "ما من شىء أثقل فى ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، إن الله يكره الفاحش البذىء. وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة" . ص 014

هذا التصريح لو صدر عن فيلسوف يشتغل بشئون الإصلاح الخلقى فحسب لما كان مستغربا منه، إنما وجه العجب أن يصدر عن مؤسس دين كبير. والأديان ـ عادة ـ ترتكز فى حقيقتها الأولى على التعبد المحض. ونبى الإسلام دعا إلى عبادات شتى، وأقام دولة ارتكزت على جهاد طويل ضد أعداء كثيرين، فإذا كان ـ مع سعة دينه، وتشعب نواحى العمل أمام أتباعه ـ يخبرهم بأن أرجح ما فى موازينهم يوم الحساب، الخلق الحسن. فإن دلالة ذلك على منزلة الخلق فى الإسلام لا تخفى.. والحق أن الدين إن كان خلقا حسنا بين إنسان وإنسان، فهو فى طبيعته السماوية صلة حسنة بين الإنسان وربه، وكلا الأمرين يرجع إلى حقيقة واحدة. إن هناك أديانا تبشر بأن اعتناق عقيدة ما، يمحو الذنوب، وأن أداء طاعة معينة يمسح الخطايا. لكن الإسلام لا يقول هذا، إلا أن تكون العقيدة المعتنقة محورا لعمل الخير. وأداء الواجب، وأن تكون الطاعة المقترحة غسلا من السوء. وإعدادا للكمال المنشود، أى أنه لا يمحق السيئات إلا الحسنات التى يضطلع بها الإنسان، ويرقى صعدا، إلى مستوى أفضل. وقد حرص النبى على توكيد هذه المبادئ العادلة، حتى تتبينها أمته جيدا، فلا تهون لديها قيمة الخلق، وترتفع قيمة الطقوس. عن أنس قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة، وأشرف المنازل. وانه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلق أسفل درجة فى جهنم". وعن عائشة رضى الله عنها قالت: سمعتُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " وفى رواية: "إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار" . وعن ابن عمر: سمعتُ رسول الله يقول: "إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله، بحسن خلقه وكريم طبيعته " . وروى أبو هريرة عن النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : "كرم المؤمن دينه، ومروءته عقله، وحسبه خلقه ". ص _015

وروى عنه أبو ذر : "قد أفلح من أخلص قلبه للإيمان ، وجعل قلبه سليماً ، ولسانه صادقاً ، ونفسه مطمئنة ، وخليقته مستقيمة" * * * وحسن الخلق لا يؤسس فى المجتمع بالتعاليم المرسلة ، أو الأوامر والنواهى المجردة ، إذ لا يكفى فى طبع النفوس على الفضائل أن يقول المعلم لغيره : افعل كذا ، أو لا تفعل كذا . فالتأديب المثمر يحتاج إلى تربية طويلة ، ويتطلب تعهدا مستمرا. ولن تصلح تربية إلا إذا اعتمدت على الأسوة الحسنة ، فالرجل السيئ لا يترك فى نفوس من حوله أثراً طيبا. وإنما يتوقع الأثر الطيب ممن تمتد العيون إلى شخصه، فيروعها أدبه، ويسببها نبله ، وتقتبس - بالإعجاب المحض - من خلاله، وتمشى بالمحبة الخالصة فى آثاره. بل لابد - ليحصل التابع على قدر كبير من الفضل - أن يكون فى متبوعه قدر أكبر ، وقسط أجل. وقد كان رسول الإسلام بين أصحابه مثلاً أعلى للخلق الذى يدعو إليه ، فهو يغرس بين أصحابه هذا الخلق السامى ، بسيرته العاطرة ، قبل أن يغرسه بما يقول من حكم وعظات.. عن عبد الله بن عمرو قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن فاحشا ولا متفحشا ، وكان يقول : "خياركم أحاسنكم أخلاقا " وعن أنس قال : خدمت النبى - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ، والله ما قال لى : أف قط ، ولا قال لشيء : لمَ فعلت كذا؟ وهلا فعلت كذا وعنه : إن كانت الأمَةُ لتأخذ بيد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنطلق به حيث شاءت، وكان إذا استقبله الرجل فصافحه ،

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 6 مايو 2013 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,678