بقلم: شيروان الشميراني

 

في ليلة واحدة وهي ليلة 12 فبراير؛ حدث حادثان مؤثران في تاريخ مصر والأمة الإسلامية، ففي سنة 1949م كانت الحادثة الأولى استشهاد الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في ليلة كهذه في القاهرة.. والحادث الثاني في عام 2011م؛ حيث تنحى طاغية مصر ونجل فرعون المعنوي حسني مبارك عن الحكم في القاهرة أيضًا، ثم سحبه إلى الزنزانة... حدثان كبيران لهما ارتباط مباشر بحركة الدعوة الإسلامية المعاصرة.. استشهاد الإمام كان بداية لحقب مظلمة ونظام دكتاتوري في الحكم، وقف ضد رغبات الأمة.. والحادث الثاني هو بداية جيدة جدًّا لحكم ديمقراطي حرٍّ عادل يلبي رغبات أبناء الوطن ويحقق طموحاتهم... ففي الانتخابات التشريعية لعام 2010م في مصر؛ حيث كان مبارك وزوجته منهمكين بالتخطيط لتوريث نجلهما جمال ليحل محل أبيه في حكم مصر، ومن ثم التحكم في ملفات مهمة وأساسية متعلقة بالمسلمين والأمة الإسلامية، فقاما بتزوير منظم في عملية التصويت لدرجة إخراج الإخوان من البرلمان، وكنتيجة طبيعية؛ القضاء على الصوت المعارض الجاد داخل أروقة مجلس الشعب، بعد ذلك قال المرشد العام الأستاذ الدكتور محمد بديع "هذا البرلمان غير الشرعي سنظل وراءه حتى نعدم وجوده".

 

منذ عام 1949م وشباب الإخوان وقادته على الطريق بين المعتقلات والبيت، أفواجًا وفرادى، بدءًا من عبد القادر عودة وإخوانه وسيد قطب وإخوانه، فالدكتور خالد نجل الشهيد عودة قال: "حكم على والدي بالإعدام بتهمة المشاركة في اغتيال عبد الناصر، مع أنه كان مسجونًا قبل السيناريو بشهر".. وفي سنة 2006م قام نظام مبارك باعتقال وحبس عدد من قادة الإخوان كان منهم المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام بعد محاكمة عسكرية، اليوم هم كلهم أحرار يمارسون مهامهم الدينية والسياسية بكل شوق، لكنْ مبارك وأبناؤه وحاشيته يقضون ساعات حياتهم المتبقية في السجون نفسها التي كان الظلم قد سحب إليها الشاطر وإخوانه.. تلك هي عدالة السماء.

 

اليوم أبناء حسن البنا وتلاميذه هم أصحاب البرلمان الذي سُدَّت أبوابه بوجههم من سنة 1949م.. عند اغتيال الإمام حُكم على تنظيم الإخوان المسلمين كتنظيم محظور ممنوع من العمل، لكن اليوم وفي الليلة عينها استرد الإخوان حرية العمل ببركة قطرات دم حسن البنا التي سفكت.

 

وحين قُدِّر لي الحياة في القاهرة لسنة تقريبًا عام 2008م، رأيت كتب سيد قطب بطبعات حديثة في المكتبات ما طمأنني بأن الفكر ما زال حيًّا في نفوس شباب مصر، وبأن الأجيال الجديدة يقرءون باستمرار كتب مدرسة الإخوان، ويشكلون عقولهم عليها.. وفي أول زيارة لي إلى القاهرة صيف عام 2004م كنت مع صديق في سيارته في جولة ليلية، وعند مرورنا بمركز جمعية الشبان المسلمين العتيق، طلبت منه الوقوف أمام الباب الرئيسي من الجهة المقابلة، وعدت بالتاريخ وتخيلت خروج الإمام من الباب وطلقات الغدر التي صوبت نحوه وهو في داخل السيارة.. وما زال وقوفي في موقع استشهاد البنا من أجمل ذكرياتي عن القاهرة.

 

إن هناك عددًا من الكتاب يرون بأن حسن البنا ملهم الربيع العربي.. وممثل تونس السابق لدى يونسكو قال: إن زين العابدين اتصل بي عبر الهاتف وسألني: هل تريد أن يأتي الإخوان ويحكموا تونس؟... أما بشار الأسد الطاغية البعثي فقد قال: حاربنا الإخوان لخمسين سنة وسنستمر في حربهم... وهناك من يبغي التشويش على الثورات الشعبية بالقول إنها ربيع إخواني وليس ربيعًا عربيًّا... هذه الانتصارات التي تحققها جماعة الإخوان المسلمين في العديد من الدول، لخير دليل على صوابية إستراتيجية حسن البنا في العمل.. العمل الفكري الدعوي، والعمل السياسي القائم على النهج السلمي للوصول إلى الغايات.

 

اليوم وبعد مرور 63 سنة على استشهاد حسن البنا فإن طلابه وإخوانه يعيشون أحلى صور انتصاراتهم.. ليس في مصر لوحدها... وهي حقبة انهيار القومية اللادينية المتطرفة والأنظمة القمعية المغلقة التي عاشت الأمة بسببها ويلات متتالية.

 

في مثل هذا اليوم وبما يحمله من رمزية عالية بين 12 فبراير 1949 و12 فبراير 2011م وذكرى 12 فبراير 2012م؛ نقول من أعماق قلوبنا ألف رحمة على روحك يا حسن البنا... عش حياتك في روضات الجنة.

----------

* كاتب وباحث من كردستان- [email protected]

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 69 مشاهدة
نشرت فى 6 نوفمبر 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,609