الرئيسية مقالات اليوم


جمال سلطان 04 أغسطس 2012 06:01 PM

 

فى أعقاب مقتل الرئيس الراحل، أنور السادات، على يد مجموعة من رجال القوات المسلحة، احتجاجًا على بطشه بكل القوى المعارضة إسلامية ويسارية وليبرالية واعتقال الآلاف منهم ظلما وتجبرا، وإهانته لرموز الوطن ووصفهم بالكلاب، وتحديه للضمير الوطنى وقتها بإجبار الوطن على معاهدة السلام وزيارته الأسطورية لعاصمة الكيان المحتل، قام خالد الإسلامبولى بعمليته الشهيرة بقتل السادات، وهى العملية التى نظر العالم إليها فى ذلك الحين بوصفها بطولة رهيبة، وجسارة نادرة المثال، وكانت جميع القوى السياسية فى مصر وخارجها تنظر إلى الواقعة باعتبارها "بطولة"، وانتصارًا لغضب الشعوب العربية جميعها وليس الشعب المصرى وحده، حتى أن رؤساء دول كانوا يقودون مظاهرات فى الشوارع احتفالا بالحدث وبعضهم أطلقوا اسم خالد على أهم شوارع عواصمهم، وذلك قبل أن تدور الأيام ويحاول كثيرون التنصل من تضامنهم الكامل مع العملية فى وقتها بفعل حسابات سياسية وخصومات طارئة، فى ذلك اليوم كانت "أم خالد" تشاهد التليفزيون وفجأة صرخت: هذا ابنى خالد، لم يكن يظهر وجه خالد ولكن ظهره فاستغرب من معها كلامها لكنها أكدت: أنا لا أخطئ إحساسى بابنى ولو رأيته من ظهره، عقب الحادثة بدأت رحلة الزيارات لابنها الذى حكم عليه بالإعدام، وفى الأيام الأخيرة طلب منها أن لا تأتى له بشيء، لأنه صائم طوال الوقت ويحب أن يلقى الله وهو صائم، وعندما تم تنفيذ الإعدام فيه لم يخبروها بذلك، ولكنها ذهبت للزيارة كالمعتاد فرفضوا وقالوا: من تطلبى زيارته لم يعد موجودًا لدينا، فطلبت مقابلة مدير السجن، فلما التقته سلمها ساعة يد و"منديل"، فطلبت منه أن تستلم الجثة، لأنها الوحيد من أسرة خالد، التى فى الخارج، لأن شقيقه محمد كان معتقلا ووالده الحاج أحمدـ رحمه الله ـ كذلك، وكنت فى ذلك الوقت أجاور الحاج أحمد الإسلامبولى والد خالد فى عنبر "أ" بسجن أبو زعبل، وكان معنا بالطابق الأرضى عدد من القيادات اليسارية مثل المرحوم الأستاذ محمد عودة والمرحوم الأستاذ قبارى عبد الله، وأبو العز الحريرى وآخرون، المهم أن بعض الضباط قالوا لها: يا حاجة لا تتعبى نفسك، لا أحد سيدلك على جثمان ابنك، لأنه لا أحد هنا يعرف أين قبره، كانت معها علبة شيكولاتة وزعتها على الجنود والضباط وهى تقول لهم: ابنى زفافه اليوم فى الجنة إن شاء الله، كان الجميع مذهولين وجميع الضباط والجنود بكوا من هول المشهد، ومن ساعتها لا تترك مجموعة من المعتقلين إلا وتزورهم وتواسيهم وتواسى أسرهم، وكانت قد سافرت إلى الجزائر بدعوة من الجبهة الإسلامية للإنقاذ فأهدت الشيخ عباسى مدنى "منديل" خالد، فلوح به فى احتفال ضخم حضره عشرات الآلاف من الجزائريين وما زال بحوزته حتى الآن، واحتفلوا بها احتفالا أسطوريًا، كانت الدولة قد قررت معاشًا لخالد وطلبوا منها الحضور لاستلامه لكنها رفضت وقالت: صاحب المعاش غادر الدنيا، ولا حاجة لنا بمعاشه، وتوالت الأيام وتوفى الحاج أحمد رحمه الله، واختفى محمد شقيق خالد فى تغريبة طويلة خارج البلاد حكم عليه خلالها بالإعدام غيابيًا، وبقيت الصابرة وحدها تعاند الزمن والأهوال وقسوة وهوان التعامل مع منظومة أمنية دموية ووحشية، وقبل عدة أشهر ذهبت إلى المحكمة العسكرية، التى تنظر إعادة محاكمة ولدها محمد بعد أن عاد للبلاد بعد الثورة وسلم نفسه لجهات التحقيق، نظر رئيس المحكمة إلى هذا الجسد الضئيل الذى ربما لا يجاوز ثلاثين كيلو جرامًا محمولا على كرسى متحرك ويحمل بصمات سن التسعين أو ما يقاربها: عايزه إيه يا حاجة؟ قالت: عايزة ابنى!، فأجابها على الفور: خذى ابنك وروحى، وقرر على الفور الإفراج صحيًا عنه ـ لحين إعادة المحاكمة ـ لتنطلق إجراءات الإفراج ويعود محمد الإسلامبولى لحضن أمه بعد غربة السنين، قابلتها أمس الأول، فى حفل إفطار أبناء الشيخ عمر عبد الرحمن فى الشارع، أمام السفارة الأمريكية فى حى جاردن سيتى بالقاهرة تذكيرا بقضيته، رغم السن ووهن العظم والصيام الذى تصر عليه أبت أن تترك المناسبة دون أن تأتى على الكرسى المتحرك لتتضامن مع المتضامنين، سلمت عليها وذكرتها بأنها كانت قد وعدت مجموعة من المعتقلين فى سجن الاستئناف عام 1985 بأن تأتى لهم باللحم والفتة فى عيد الأضحى، وذلك فى أعقاب واقعة المسيرة الخضراء الشهيرة فى مسجد النور، وكان معنا فى السجن وقتها الحاج حافظ سلامة والشيخ عمر عبد الرحمن، والدكتور أحمد عبده سليم، والمرحوم الدكتور أحمد طارق الأستاذ بتجارة الأزهر، وقد وفت بوعدها ويوم العيد أتتنا صوانى الحاجة "أم خالد"، لم تتذكر، فكثيرا ما كانت تفعل، والذاكرة وهنت كما وهن العظم، لكن شيئا وحيدا فى هذه السيدة النبيلة لم يصبه الوهن، تلك الروح النبيلة المتجردة، والإيمان المذهل بالقضية، التى تعمل من أجلها والتضحية فى سبيلها، والجلال والهيبة التى بسطها الله على وجهها أمام كل من يقف أمامها، حتى لو كان مختلفًا مع قضيتها.

[email protected]

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 139 مشاهدة
نشرت فى 4 أغسطس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

301,552