الرئيسية رأي

صفحة من التخبط السياسى

Share on print د. جابر قميحة 17 يونيو 2012 08:16 PM

 

من السهل أن يكذب الإنسان على الآخرين, وقد يملك من القدرات العقلية والنفسية - والتمثيلية أحيانًا - ما يجعلهم يصدقون أكاذيبه وافتراءاته.. ولكن هل يستطيع الإنسان أن يكذب على نفسه, ويدفعها إلى الإيمان بأن ما قال وادعى هو عين الصدق والصواب؟ استميحك عذرًا - يا عزيزى القارئ أن نرجئ الإجابة دقائق معدودة نعيشها مع شخصية عجيبة, هى شخصية "أشعب الطماع".

أشعب أمير الطفيليين

  هو شخصية حقيقية, اسمه أشعب بن جبير, عاش بالمدينة المنورة فى القرن الأول الهجرى, وتوفى سنة: 155 هـ - 771م. واشتهر بطمعه, وحبه للطعام, ونهمه وشراهته, وطموحاته التى تتجاوز حدود العقل, وحكى عنه مئات من القصص كلها تدور حول صفاته التى أشرت إليها: فسئل مرة: «ما بلغ من طمعك?» قال: بلغ من طمعى أننى ما علمت أن فتاة ستزف فى الليل إلى زوجها إلا اغتسلت, وتعطرت, ولبست أغلى ملابسى, ولزمت بيتى طمعًا فى أن تكون العروس لى زوجة إذا دب الخلاف, ولم يتم زواج .

إننا أمام رجل يعيش تحت مظلة من «الأوهام», يقوم هو بصنعها ذاتيًا, ويعيش عليها, ولا مانع فى أن يكذب على الآخرين, وبالإيحاء الذاتى القوى يصدق نفسه, ويعجب لهؤلاء الذين لا يصدقونه.

وحزب الأغلبية!!

  تذكرت هذه الشخصية الغريبة, وما يروى عنها, وأنا أتذكر عتاولة «الحزب الوطنى» يصرون - ومازالوا- على أنهم كانوا حزب الأغلبية, وكأنها بديهية تماثل الحقائق الكونية والعلمية، التى لا تحتمل النقاش والتكذيب.

 وهذا الوصف الوهمى «حزب الأغلبية» ليس جديدًا فقد أطلقه رجال «الميمونة» على كل تشكيل من تشكيلاتهم: «هيئة التحرير», الاتحاد القومى, الاتحاد الاشتراكى, حزب مصر - ثم الحزب الوطنى.. ولكن الجديد هو الإلحاح الشديد, والمتكرر لهذا «التوصيف», وخصوصًا بعد المؤتمر الأخير للحزب الوطنى.

السادات زعيم الأغلبية! 

".. وأنا - بصفتى زعيم الأغلبية- رحت زرت إبراهيم شكرى فى بيته بمدينة شربين, بصفته زعيم المعارضة".. لم أملك نفسى من الضحك, وأنا أرى السادات فى جلبابه البلدى, وعباءته الفاخرة, يوجه هذه العبارة لهمت مصطفى, فى واحد من اللقاءات السنوية التى كانت تعقد كل عام مرة, بمناسبة ذكرى ميلاد السادات فى بيته بـ«ميت أبى الكوم» وكنت أسائل نفسى: من الذى أعطى هذا الرجل الحق فى أن يخلع على نفسه هذا الوصف? إنه «التوهم» الذى تحول إلى وهم عميق متجذر, هذا الوهم الذى زين له أن يقول لهمت مصطفى فى واحد من هذه اللقاءات:«أنا لما عملت ثورة 52.. و... و..» ومرة أخرى «أنا لما عملت الإخوان المسلمين مع الشيخ حسن البنا.. شوفوا بقى التلمسانى ده كان فين?»... ومرة قال مهددًا متوعدًا فى خطاب عام... «وقد اضطر إلى عمل ثورة يوليو من تانى".. وعلق رجل ظريف على عبارة السادات بقوله"... الله!! هو السادات فتح مصنع ثورات - ولاّ إيه؟

من حزب مصر إلى الوطنى

  وكان السادات وحواريوه يصفون حزب مصر بأنه «حزب الأغلبية».. فلما أعلن السادات - فجأة - ميلاد حزب جديد هو الحزب الوطنى لم يعلن عن برنامجه, انتقل أعضاء ونواب حزب مصر إلى الحزب الجديد, واكتسب فى يوم وليلة وصف «حزب الأغلبية» وهذا ما لا يستقيم له عقل، إذ كيف ينتقل وصف «الأغلبية» من حزب إلى حزب فى ليلة واحدة دون الرجوع إلى الشعب, والشعب وحده هو الذى يملك عمليًا حق منح هذا الوصف للحزب الذى يرجح كفته؟

التوهم.. والوهم.. والإيهام

  فكبار رجال الحزب الوطنى وقادته عاشوا نهب «عملية نفسية» من حلقات ثلاث متتابعة هى: التوهم, فالوهم, فالإيهام.. فهم - كأشعب الطماع أمير الطفيليين - «توهموا» أنهم يمثلون الأغلبية, ثم تحول هذا التوهم إلى «وهم» تركز فى أعماقهم, ثم أخذ هذا الوهم صورة «الإيهام» - وهو عملية غيرية - أى محاولة إقناع الآخرين بأن تشكيلهم الحزبى صاحب أغلبية, ويمثل قادته الأغلبية.

   ونتساءل: إذا كان هؤلاء أصحاب أغلبية, فأين مكانهم فى النقابات المهنية كنقابة الأطباء, ونقابة المحامين, ونقابة الصيادلة, ونقابة المهندسين, وأندية أعضاء هيئات التدريس، وغيرها؟

  وأين مكان هؤلاء فى الشارع المصرى? وأين مكان هؤلاء فى اتحادات الطلاب لو أجريت الانتخابات بنزاهة? ولكن الواقع يقول إن ترشيح الطلاب فى هذه الاتحادات أصبح مسألة تخضع ابتداء لإرادة الأمن.. والله يعلم أنه لو توافرت حرية الترشيح, وحرية التصويت لفاز طلاب التيار الإسلامى فوزًا مبينًا.

 ولن أتحدث عن الانتخابات الأخيرة؛ فقد كانت مأساة تصم الحزب الوطنى ورجال الأمن بالإجرام والتزوير والسقوط. 

والأغلبية الصامتة

   ومع ذلك نجد كاتبًا «فحلا» هو إبراهيم سعدة يصر على أن التيار الإسلامى يمثله فى النقابات «قلة ناشطة»، أما رجال الحزب الوطنى, ومن يسيرون على دربهم فهم أغلبية.. أغلبية حقيقية, ولكنها «أغلبية صامتة» أى مفرطة مقصرة فى مزاولة حقوقها. وأقول حتى لو صح هذا - وهو غير صحيح - تبقى «القلة الناشطة» أغلبية حقيقية.. لأن الأغلبية العادية «الصامتة» المفرطة, حضورها كغيابها, ووجودها كعدمه, فالناس يكثرون بالفضل والعمل, ويقلون بالتقصير والتخلف, وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله. 

   ومما يؤسف له أن التزوير أصبح - فى شرعة الحزب الوطنى شرعة ومذهبًا, وأصلا من أصول حياتنا السياسية والاجتماعية. وهذا المرض فى تفاقم واطراد خطير.. ويعمل حكامنا جادين فى قوة, وبكل الإمكانات على إنماء آفة التزوير, وكذلك كل مظاهر الفساد الذى سيجر الأمة إلى السقوط والضياع.. وكان لأحمد عز فى هذا المجال جرائم لا تجارى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

[email protected]

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 101 مشاهدة
نشرت فى 24 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,732