الرئيسية مقالات اليوم

عمر سليمان

1 Share on print طه خليفة 23 يوليو 2012 06:02 PM

 

عقلية المؤامرة التى أحاول ألا أكون أسيرا لها جعلتنى عندما قرأت نبأ وفاة اللواء عمر سليمان أذهب إلى احتمالية أن يكون الأمريكان قد تخلصوا منه وهو يعالج عندهم، لكنى سريعا عدت إلى رشدى وقلت إنه رجلهم المخلص، فلماذا يصفّونه؟، ثم إن الوصف الرائج عنه بأنه الصندوق الأسود لنظام مبارك لا يقدم ولا يؤخر مع الأمريكان لأن تبعية النظام السابق لواشنطن كانت واضحة مثل الشمس، وتنسيق سليمان معهم فى كل صغيرة وكبيرة كانت معروفة، بل كانت مثار فخر منه، ومثلا عندما أعلن ترشحه للرئاسة فإنه صار يمهد لنفسه من خلال حوارات وتصريحات على لسانه، وتسريبات على لسان حوارييه من الصحفيين والكتاب تؤكد أنه كان رقما مهما فى السياسة المصرية، وفى علاقاته النافذة القوية مع الأمريكان الذين كانوا يستمعون إليه وينفذون طلباته مثلما كان الإعلام المنافق يروج لحكمة الرئيس السابق التى ينصت لها العالم للاستنارة بها فى التعامل مع قضايا المنطقة، كما كشف الأمريكان أنفسهم من خلال إعلامهم عن الدور الخطير الذى كان يلعبه سليمان لصالحهم فى ملف محاربة "الإرهاب" وفى التنسيق والتعاون الأمنى ليس فى مصر فقط بل فى الشرق الأوسط كله الذى يصب فى النهاية  فى خدمة إسرائيل والحفاظ على أمنها، أما فى الملف الفلسطينى فلم يكن يتعامل بتوازن مع جناحى الصراع "فتح" و"حماس" حيث كان منحازا لفتح، وكان قاسيا فى التعامل مع حماس.

لذلك فإن الإسرائيليين يعتصرهم الحزن على سقوط مبارك ونظامه وعلى رحيل سليمان، حيث فقدوا كنزين إستراتيجيين يصعب تعويضهما فى مصر الثورة، بل جاء لهم رئيس من الإسلاميين لن يكون خانعا لهم وللأمريكان، وسيكون متوازنا فى تعامله مع الحركات الفلسطينية، وظهر ذلك فى استقبال مرسى للرئيس عباس، وفى اليوم التالى استقبل خالد مشعل، وهذا لم يفعله مبارك أبدا بل كان يحيل وفود حماس إلى سليمان ليتعامل معهم كملف أمنى، وليس سياسيا.

 قادة الدول العربية يستقبلون مشعل اعترافا بأهمية دوره فى الحل الذى لا يكون إلا بالاستماع للقادة أصحاب القرار والتأثير أيا كانت عقيدتهم السياسية والأيديولوجية لذلك فشل سليمان فى إنجاز أى شىء على الصعيد الفلسطينى إلا استعداء حماس إرضاء لإسرائيل.

أفضى الرجل إلى ربه بسبب المرض، وليس المؤامرة الأمريكية، إذن ماذا سيكون لديه من أسرار خطيرة بعد الذى كشفه السويدى جوليان أسانج فى "ويكيليكس" من معلومات سرية عن علاقات الإدارة الأمريكية بمصر وبمختلف دول العالم؟، ثم ما قد يكون لدى سليمان من أسرار إنما سيمثل إدانة للنظام السابق بالتبعية لأمريكا وسيؤكد ما هو معروف سلفا.

لكن ما لفت انتباهى فى تصريحات حسين كمال مدير مكتب سليمان حول مرضه قوله إن "الحالة الصحية له بدأت فى التدهور منذ 3 أشهر، نتيجة حزنه الشديد لما يحدث فى مصر، فالأحداث التى شهدتها البلاد أصابت سليمان بحالة إحباط تسببت فى عدم إقباله على الطعام، مما أدى إلى انهيار فى قواه الجسمانية، حتى أصيب بالهزال نقل على أثرها للمستشفى".

وبالنظر إلى مسألة الأشهر الثلاثة فهى فترة الانتخابات الرئاسية التى بدأت بترشحه، ثم استبعاده، وعدم قبول طعنه، وانتهت بهزيمة الجنرال أحمد شفيق لتضاعف من آلامه، وربما فوز شفيق كان سيخفف من حزنه لخروجه من السباق وما رافق ذلك من هجوم عنيف عليه حيث لم يكن معتادا وهو فى الظل أن يقترب أحد منه بكلمة واحدة، فهو الجنرال المهاب دوما، فوز شفيق كان سيعتبر تعويضا له، فكلاهما من رموز نظام مبارك، وكلاهما لهما نفس التوجه والرؤية والأفكار فى النظر للثورة التى أطاحت بالنظام والرغبة فى إعادة إنتاجه، أما فوز محمد مرسى مرشح الإخوان فلابد أن يكون قد أصاب سليمان بتلك الحالة المرضية لأن هذا هو آخر ما كان يتصوره أو يفكر فيه يوما، فهو الرجل الذى سخر نفسه طوال عمله بجهاز المخابرات لشن حرب على الإسلاميين وإقصائهم. وبالفعل فإن أحداثا مثل هذه يفترض أن تقصم ظهر رجال النظام السابق خصوصا أصحاب العقلية الأمنية الذين يقدمون أنفسهم لنا طوال الوقت على أنهم حراس الوطنية، والمدافعون عن الوطن وعن مصالحه العليا وأن غيرهم مشكوك فى وطنيتهم ومتهمون طوال الوقت - خصوصا الإسلاميين - باعتبارهم أعداء الوطن، تذكروا شخصية الضابط "شركس" فى فيلم "البرىء"، وشخصية الضابط "هشام" فى فيلم "زوجة رجل مهم"، فهما يجسدان نمط تفكير هذه النوعية من الضباط، وهذا تخريف بالطبع لأن الإسلاميين والمعارضين هم مواطنون مصريون مخلصون مثل غيرهم، لكن الأنظمة السابقة تعاملت معهم بقسوة وتهميش وزجت بهم فى السجون وحجبتهم عن الشرعية وحكمت بالقهر والطغيان حتى جاءت ثورة 25 يناير فانكشف عفن وخواء النظام وسقوط "فزاعاته"، وتأكدت حقيقة وجود الإسلاميين فى الشارع وأنه لا يمكن الخلاص منهم كتيار سياسى شعبى عريض وصل للحكم اليوم، وهذا يمثل انهيارا لمشروع سليمان ونظام مبارك الذى سعى لتنفيذه بأدوات القوة والتفزيع، لكن كان مآله فى النهاية الانهيار المريع.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 102 مشاهدة
نشرت فى 24 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

321,247