الرئيسية مقالات اليوم

دولة مبارك العميقة

1 Share on print مؤمن الهباء 17 يوليو 2012 07:08 PM

 

شدنى حديث الدكتور المعتز بالله عبد الفتاح على قناة الجزيرة، حول "الدولة العميقة.. واللادولة".. وشدنى أكثر تأكيده، وهو أستاذ العلوم السياسية، على أنه لا يخشى من الدولة العميقة وتأثيرها السلبى على المسار الثورى فى مصر، وإنما يخشى من التأثير السلبى لانعدام وجود الدولة.. أو ما سماه بـ"اللادولة".

ووصل د. المعتز تحليله إلى أن مصر ليست كتركيا التى تتداخل وتترابط أجهزة ومؤسسات الدولة العميقة فيها لتقاوم أى تغيير حقيقى فى النظام العام.. وقد استطاعت الدولة العميقة بمؤسساتها وأجهزتها البيروقراطية هناك أن تفرض نفسها وتسقط قوى التغيير على مدى عشرات السنين.. بينما ظلت مصر تتغير مع كل رئيس يحكمها من محمد نجيب "الإسلامي" إلى عبد الناصر الاشتراكى إلى السادات الانفتاحى إلى مبارك الانكفائى.. والسبب فى ذلك يرجع إلى عدم وجود للدولة العميقة.

وبالرغم من تقديرى الكامل للدكتور المعتز بالله واتفاقى معه فى كثير مما يكتب ويقول إلا أن طرحه هذا حول عدم وجود الدولة العميقة فى مصر يحتاج إلى إعادة نظر فى العديد من الشواهد التى تؤكد وجود هذه الدولة المقاومة للتغيير.

وليس هناك ضرورة بالطبع لوجود اتفاق مكتوب بين مؤسسات الدولة العميقة لكى تتداخل وتترابط لفرض وجودها وتأكيد دورها فى مقاومة التغيير.. وإنما يكفى أن تجمع بينها وحدة الهدف ووحدة المصالح والمصير لكى تلتقى بسرعة فى طريق واحد وتؤدى دورا واحدا دون اتفاق مسبق.

وإذا كان دور مؤسسات وأجهزة الدولة العميقة المقاوم للتغيير لم يظهر بشكل واضح فى مواجهة نجيب وعبد الناصر والسادات ومبارك، فهذا لا يعنى أن الدولة العميقة لم تكن موجودة، وأنها تحركت لتقاوم التغيير.. فقد كانت موجودة وقاومت فعلا ولكنها وجِهت بحملات شديدة من القمع والقهر حتى انهزمت.. وما كانت أزمة مارس 1954م وقضية مراكز القوى فى مايو 1971م التى سميت فيما بعد بثورة التصحيح إلا علامة على وجود الدولة العميقة وتحركها لمقاومة التغيير.

أما دور الدولة العميقة الآن فى مقاومة التغيير الذى جاءت به الثورة فليس فى مقدور أحد أن يواجهه بالقمع والقوة.. فقد تغير الزمن وتغيرت المفاهيم.. ومن البداية اختارت الثورة أن تواجه خصومها بالقانون العادى وبنفس المؤسسات والأدوات التى أنشأها وشكلها هؤلاء الخصوم أثناء وجودهم فى السلطة.. وما زالت مؤسسات الدولة العميقة تدين بالولاء الكامل للنظام الساقط.. سواء تم هذا بوعى أو بغير وعى.

كثير من أعمدة الدولة العميقة لا يستوعب ولا يعترف بأن ما حدث ثورة حقيقية وأن الحرية والديمقراطية، التى نمارسها حقيقية مستمرة.

ونظرة سريعة على ما يقوم به بعض رجال القضاء والإعلام والشرطة والمحليات كفيلة بأن تؤكد وجود اتفاق غير مكتوب بين مؤسسات الدولة العميقة على مقاومة التغيير.. لأنها ربما لا تستطيع أن ترى لمصر غير مبارك.

من يصدق أن عربات الأحياء هى التى تحمل القمامة ومخلفات المبانى وتلقى بها فى الشوارع؟!.. ومن يصدق أن بعض رجال الداخلية يتعمدون التباطؤ والتراخى فى استعادة الأمن والنظام لكى يدفع الشعب ثمناً لثوراته واختياره؟!.. ومن يصدق أن الجنود يطوقون موقع العمارة المنهارة فى الإسكندرية لمنع الأهالى من إنقاذ الضحايا واستخراج المصابين من تحت الأنقاض؟!

وبالرغم من الزلزال الهائل الذى أحدثته ثورة 25يناير فى المجتمع المصري.. وبالرغم من سقوط شهداء ومصابين فى هذه الثورة.. إلا أن هناك قطاعًا عرضيًا من الجمهور ما زال يعيش فى دولة مبارك.. وما زال غير قادر على الخروج منها.

مازال هناك من لا يريد أن يصدق أن الدنيا تغيرت.. وأبواب الحرية فتحت للجميع ولن تغلق ثانية.. وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء.. ولن يكون فى مقدور أحد.. كائنًا من كان.. أن يعاقب أحدًا على أفكاره ومعتقداته وانحيازته.. فالفكر كما تقضى مبادئ الحرية والديمقراطية لا يجرم، وإنما يجرم الفعل المنصوص عليه فى القانون.

مازال بيننا من يعيش على ميراث الخوف والحذر الذى أصله نظام مبارك فى المجتمع المصري.. ومازال بيننا من يستكثر على الناس أن تمارس حقها فى الحياة بانفتاح وحرية دون قيود.. اللهم إلا قيود القانون والآداب العامة.

مؤسسات وأجهزة دولة مبارك العميقة المتجذرة فى الشعب المصرى ما زالت تفرض على كثيرين بوعى أو بغير وعى أن يقاوموا التغيير ويرفضوه.. بالطبع ليست هناك تعليمات أو توجيهات رسمية بذلك، لكنها التقاليد والأعراف التى عشنا عليها ستين عامًا من حكم العسكريين.

كنت ضيفًا على استوديو القناة الأولى والفضائية المصرية يوم الأحد 17 يونيه الماضى، وهو اليوم الثانى والأخير فى انتخابات الإعادة بين د. محمد مرسى وأحمد شفيق.. وقبل دقيقة واحدة من الخروج على الهواء سألتنى المذيعة عن المرشح الذى انتخبته.. فلما لم تأت إجابتى على الوجه الذى توقعته باعتبارى صحفيًا فى جريدة قومية تغيرت ملامحها وارتبكت وخرجت منها كلمة واحدة بشكل عفوى: إزاى!!.. فقلت مداعبًا: هل أخطأت؟!.. هل أحمل أوراقى وأرحل؟!

لم ترد على المذيعة بالطبع.. وبلعت المفاجأة لكى تسير الحلقة فى طريقها المرسوم.. لكن الدولة العميقة ردت قولا وفعلا: لن تأتى إلى هذا المكان ثانية.. لأن الدولة مازالت دولة مبارك.

وحين جاهرت ابنتى بأنها لن تنتخب الفريق شفيق جاءتها نصيحة غالية وتلقائية من صديقة محبة: لا تقولى هذا على الملأ.. خافى على أبيك ومستقبله.

المعنى الكامن وراء مثل هذه التصرفات أننا يجب ألا نبوح بأفكارنا ويجب أن نظل نخشى من أن نصارح الناس وبتوجهاتنا السياسية والفكرية.. وأننا يجب ألا نصدق أن تغييرا كبيرا نقلنا إلى الحرية والديمقراطية.. فما زال القيد قائمًا.. وما زال أمن الدولة يحصى على الناس أنفاسها.. وسوف يعود لينتقم منا.. ويعيدنا مرة أخرى إلى دولة مبارك، التى هى قدرنا الوحيد.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 124 مشاهدة
نشرت فى 17 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,542