الرئيسية مقالات اليوم

القضاء كأداة صراع سياسى

6 Share on print جمال سلطان 16 يوليو 2012 08:56 PM

 

هناك شيء خطأ فى المنظومة القضائية المصرية جعل من بعض أدواتها وأجنحتها عناصر تهديد لاستقرار الدولة وتهديد لأمن الوطن، وجزءا من صراع سياسى مفتوح، وهو ما سوف ينعكس بشكل سلبى وخطير على مكانة مؤسسة القضاء فى مصر وقناعة ملايين المواطنين بأنهم أمام "العدالة العمياء"، والمشكلة أنه فى القضاء الدستورى والقضاء الإدارى بشكل خاص مساحة واسعة للرأى والاجتهاد، بل إن الجدل القانونى بين قضاة المحكمة الدستورية السابقين والحاليين وخبراء القانون الدستورى وأساتذته وشيوخه كشف عن كارثة حقيقية، لأنه لا شيء ثابت، ولا شيء مقطوع به، ولا شيء يمكن أن تطمئن إلى الرأى فيه، وإذا طرحت قضية دستورية على أربعة من أساتذة القانون الدستورى وشيوخه ففى الغالب ستخرج بخمسة آراء متباينة فيها، وهو الأمر الذى يكشف عن خطورة أن نترك مصير الوطن والشعب والدولة وسلطاتها بكاملها لمثل هذه الاجتهادات المتباينة، والمحكمة الدستورية ذاتها لها أحكام فى عصر مبارك تختلف عن أحكامها فى اللحظة الحاضرة، رغم أن الموضوع واحد، كما أن هناك قضايا تتعمد أن تؤخر النظر فيها لسنوات طويلة لأن "الهوى" السياسى يستدعى ذلك، بينما قضايا أخرى يتم النظر فيها بسرعة البرق، وذلك لأن "الهوى" السياسى يستدعى ذلك أيضًا، وستدخل فى متاهة مع شيوخ القانون عندما يحدثونك عن صلاحيات المحكمة وتقديرها والمواءمة التى تقتضيها القضايا والأحكام، وهو كلام "شيك" ومغلف بلغة احترافية عالية لكنه فى النهاية يصل بك إلى جوهر معنى واضح وهو أن "الهوى" غلاب فى تلك المحكمة تحديدًا، والقضاة الستة أو السبعة الذين انتهوا إلى إبطال البرلمان الحالى كله، لو كان هناك خمسة أو ستة غيرهم فمن المحتمل جدًا أن يقضوا ببطلان الثلث الفردى فقط ويحفظوا للبرلمان بقاءه، دون أن يتوسعوا ـ بموجب صلاحيات مطاطة ـ لإبطال البرلمان كله، بل إن حيثيات حجية المحكمة فى إبطال الثلثين الباقيين حسب ما هو منشور فى حكمها هو محض اجتهاد ضعيف وافتراضى يمكن الاعتراض عليه فى أى حوار عقلانى وعلمى بسهولة شديدة، لكنه ـ مع الأسف ـ خرج فى منطوق حكم فأصبح مقدسًا لا يمس كالقرآن المنزل، وعلى رأسك سيف يقول: أحكام القضاء واجبة النفاذ ولا يجوز مناقشتها, وفى القضاء الإدارى أيضًا هناك مساحات اجتهاد خطيرة فى تقدير الأحكام، ويكفى أن نذكر بما حدث الأسبوع الماضى فى قضية ضباط الشرطة الملتحين الذين تقدموا بطعون على القرار الإدارى الذى صدر عن وزير الداخلية بحقهم، فهناك قضية قدمت فى محكمة بالإسكندرية وأخرى فى محكمة بالقاهرة وثالثة فى محافظة أخرى على ما أذكر، ففوجئ الرأى العام بأن هناك ثلاثة أحكام مختلفة فى الواقعة ذاتها، كل محكمة حكمت برأى مخالف للمحكمة الأخرى، رغم أن القانون واحد والقضية واحدة والقرار الإدارى واحد، ولكن مساحة الاجتهاد والتقدير واسعة، والخطورة هنا قد تبدو محدودة، لأنها تتعلق بمشكلة محدودة لنفر محدود من المواطنين، ولكنها تصبح كارثة عندما تتعلق بمصير وطن بكامله، كما نحن الآن فى قضية تأسيسية الدستور، أو أن تتعلق بمصير مجلس الشعب وإرادة ثلاثين مليون مصرى خرجوا فى طوابير أسطورية لساعات طويلة، بعضها امتد إلى كيلو مترات كاملة أذهلت العالم، ثم يأتى شخص واحد أو خمسة، لكى "يروا" أن هذا كله باطل وساقط وبشرطة قلم يتم محوه، هذا غير متصور بالمرة، وينبغى أن يكون هناك ضمانات وضوابط أكثر عمقًا وأعلى دقة فى مثل تلك القضايا عندما تنظر فى المحاكم، لا يمكن أن تنظر فى قضايا إعدام سلطة بكاملها بنفس آليات وطريقة وضمانات نظر قضية خلاف فردى بين مواطن ومديره فى العمل، كما أنه لا يقبل أن تكون هناك محكمة مثل المحكمة الدستورية، يتم تعيين رئيسها وأركانها بقرارات سياسية مباشرة، ثم تكون هى التى نرهن عندها مصير الوطن والشعب والدولة، نحن لسنا أمام آلهة أو أنبياء، وإنما بشر لهم أهواء وأغراض، ولا يملكون استقلالية حقيقية، وقد ثبت من الممارسة والسلوك أنهم ينحرفون عن جوهر العدالة ويتورطون فى صراعات سياسية تؤثر بوضوح كامل على توجهاتهم عند النظر فى القضايا المعروضة عليهم، وهى كلها قضايا متصلة بصراعات سياسية وقضايا رأى عام.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 114 مشاهدة
نشرت فى 17 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

301,765