الرئيسية مقالات اليوم

الرئيس الجديد.. والملفات العالقة!

Share on print عبد الرحمن الجميعان 08 يوليو 2012 07:42 PM

 

لم يكن الفارق كبيرًا فى فوز مرشح جماعة الإخوان المسلمين، مرسى، فقد كان الفارق ضئيلا بالنسبة للمصوتين ولمن يحق لهم الانتخاب، وإن لم يكن هناك تزوير أو أخطاء، فإن هذا يعلق جرس الإنذار فى المستقبل القريب!

ونحن إذ نبارك لمصر وللأمة، كون هذه الانتخابات الرئاسية الفريدة والأولى من نوعها فى العالم العربى والإسلامي، نشدد على ضرورة عمق النظر والوعى والتقييم لكل مرحلة من مراحل العمل السياسى، فإن بناء الدولة يختلف مخالفة كاملة وتامة عن البناء الدعوى، فاليوم هاهى دعوة وحركة الإخوان تنتقل من البناء الفكرى الحركى، إلى تسلم مقاليد أخطر دولة فى العالم العربي، وهذا بحد ذاته يضع المصريين فى بؤرة الاهتمام، ويضعهم أمام مسئولياتهم التاريخية، لأنهم مسئولون على إنجاح وفشل التجربة الجديدة، وإجهاض الثورة والدولة.

إن الجماعة اليوم، والتيار الإسلامى بعمومه، يقف على حافة الهاوية،لأنه مطلوب منه الكثير والكثير، فمع وجود رصيد التجربة المتراكم منذ ١٤٠٠ سنة، إلا أن هذه تعد تجربة جديدة جدًا، بعد سقوط الخلافة العثمانية فى ١٩٢٤.

إن جماعة الإخوان، والرئيس بصفة خاصة، يقف بين مفترق طريقين، إما مصلحة الجماعة فتعلو على مصلحة الأمة والدولة، وتمضى الأمور هكذا، وإما تقديم مصلحة الأمة ومصر على الجماعة، وهو اختيار صعب، ولكنه لابد منه، ولابد من الوعى والتدقيق فى الاختيار، فإن الفرص لا تأتى كل يوم، لذا لابد أن تنجح التجربة، ولا بد أن تعلو مصلحة الأمة على كل مصلحة وقتية وزمنية وظرفية، فالأمة تعيش فى صراع ميلاد عهد جديد، سيقوده المصريون، وتحديدا التيار الإسلامى وخصوصًا جماعة الإخوان المسلمين!

لهذا هناك ملفات ضخمة وضعت على عاتق ورأس الرئيس، وهو اليوم محل اختبار من العالم، فكيف سيكون تعامله معها؟ فلا ينبغى أن يفكر كما كان يفكر فى صلب التنظيم، وينطوى خطابه على الطاعة والأخوة والتطمين وغيرها، بل لا بد من قيادة حكيمة لواقع مر وخطير ومزمن.

هاك ملفات داخلية كبرى، وخارجية أكبر فماذا سيفعل الرئيس؟

١- الملفات الداخلية:

لعل من أخطر وأهم الملفات الداخلية، هو توفير الحياة الرغيدة للمصريين، فهناك كم لا بأس به منهم يعيش فى المقابر، وأيضًا، عدد لا بأس به يعيش حالة من البطالة، وقلة العيش والفاقة والمسكنة، وهكذا، فلابد أولا وقبل كل التحرك، توفير الحياة الكريمة للمصريين، وتوفير فرص عمل للجميع، فإن المصريين يتلهفون ويريدون أفعالا تصاغ ويرون واقعًا على الأرض وليس مجرد وعود وكلام فى كلام!

 وتأتى قضية العمل وفق الشريعة، وهى تأتى وفق مراحل، فلابد فى المقدمة، من عمل فكرى جبار تجمع فيه النصوص، وتغربل وتكون رؤية سياسية لحكم وفق السياسة الشرعية، وكيف يكون الحكم! وبرامج عملية، ثم يكون التدريج والمرحلية داخليًا، ولكن ليس قبل العمل لتوفير فرص الحياة الكريمة للشعب المصري، حتى لا نكون وبالا على الناس فينسحب ذلك على الشرع والدين.

ومن القضايا ضرورة تقليص دور العسكر وتقليم أظفارهم، خاصة أنهم لعبوا من خلال المجلس العسكرى وفلول النظام البائد فى مصر لعبة قذرة بين الدستور والانتخابات، وهم اليوم يمسكون بكل مفاصل الحياة وتفاصيلها فى مصر، ولن يتركوا التأثير والتدخل والنفعية، بل سيمضون حتى آخر رمق، ولهذا لنا تجربة ناجحة لا بد من دراستها، وهى تجربة تركيا، التى استمر الجيش يتصرف بها قرابة قرن، ثم تدريجيا استطاع أردوغان وحزبه النيل منهم بذكاء ودهاء ومكر!

-الاختلاف والتباين بين الأمس واليوم:

اختلف اليوم العمل السياسى اختلافًا كليًا عن نظيره السابق فى العصور المتقدمة، فالتحرك السياسى، والعلاقات الدولية، كانت قضايا لا تحمل شيئا من التعقيد الحضارى كما اليوم، من تعدد الدول، ووجود هيئات عالمية، وقوانين دولية، مع ما للدول العظمى من تدخلات وفرض أجندات وتقاطع مصالح وقضايا أخرى معقدة تمامًا لم تكن بالأمس القريب.

ولكن لا شك أن ما يسمى بالسياسة الشرعية هى علامات ومنارات وإرشادات للعملية السياسية، مثل الهدنة والتحالفات والحرب والسلام، والغزو والجهاد وغيرها من أمور متشعبة، دونها أصحاب الفقه والسير، ولم يفردوا لها مؤلفات لطبيعة التأليف لديهم ولوجودها فى أدمغة الفقهاء المتوافرين آنذاك، ولمعرفة كثير من الحكام بها.

ولكننا اليوم نختلف فى طبيعة الدولة، والواقع والأحداث، لهذا نقول إنه ينبغى الاسترشاد لا التقليد، فلكل واقعه، ولكل فقهه وفهمه.

لهذا وغيره، كان لزامًا النظر الجاد فى ملف توسيع الدائرة الشعبية والحريات والممارسات الديمقراطية الصحيحة، فهناك أحزاب ممثلة فى مصر، وهناك نقابات وجمعيات بل هناك مراكز فكرية وسياسية لها باعها الطويل فى القضية الفكرية والسياسية، فلا ينبغى تهميش دورها، ولا الانفراد بالرأى، خاصة أن الرئيس اليوم يمثل جماعة عريقة لها تاريخها فى العالم، فإقصاء الآخرين والحد من حريات الناس، وتضييق دائرة المشاركة السياسية وقصرها على فئة دون فئة سيحرق الإخوان أولا والإسلاميين ثانيًا!

وأذكر أن أوغلو وزير خارجية تركيا، فى كتابه العمق الاستراتيجى كان يشرك الجامعات فى اتخاذ القرار مع مجلس النواب، لأنها شريحة مثقفة وكبيرة.

إذن نحد أمام تحد كبير، إما أن نتقاسم العمل السياسى والتنموى مع الآخرين، ونوسع المشاركة الشعبية، وإما سيحكم علينا بالفشل وتبديد التجربة الإسلامية المتربص بها.

ثم لابد من تقنين العمل السياسى وصوغه الصياغة من خلال الأحزاب العاملة، لا من خلال الأفراد، وأن تتشكل المعارضة من هذه الأحزاب، ولا تكون معارضة صورية كما الحكام، ولكن على مصر اليوم أن تثبت أن التجربة الإسلامية سباقة فى قبول الرأى الآخر مهما كان!

وعلى الحركة الإسلامية الابتعاد عن الحساسية المفرطة سلبا ضد الآخرين، فإنهم لهم الحق فى العيش والحوار والانتخاب والعيش الكريم، والإقصاء سيشكل أحزابًا وتجمعات تفشل العمل الثورى، والعمل الديمقراطى برمته.

ثم "مرسي" لم يأت إلا عبر الصناديق، ولولا هذه الآليات، ولولا أن هناك شريحة كبيرة، ليس كلها من الإسلاميين جاءت به، فكيف عند تسلم الحكم يشطبون بجرة قلم؟!

ولدينا من التاريخ ومن سيرة النبى صلى الله عليه وآله وسلم الخبر اليقين، وخاصة فى وثيقة المدينة، التى جعل اليهود والمسلمين أمة واحدة لهم ما لهم وعليهم ما عليهم!

ثم فى استشارة النبى صلى الله عليه وسلم الصحابة بل استشار أم سلمة رضى الله عنها فى الحادثة المعلومة، وهو النبى المعصوم، بل إن ابن مسعود رضى الله عنه فى حادثة الستة كان يستشير حتى النساء، فى أمر من أعظم الأمور، وهو الاستخلاف!

إذن التاريخ والسيرة وواقع اليوم يحتمون توسيع المشاركة السياسية، وتقسيم العمل السياسى بين الجميع من العاملين والممثلين فى الساحة المصرية، بل نقول حتى الفلول والمدافعين عن النظام البدائد لهم الحق فى العيش وفى الحياة السياسية.

-الملفات الخارجية:

تحدثنا عن الملفات الخارجية، التى ستكون أمام الرئيس، وما من شك أن فترة الأربع سنوات ليست بكافية لحل هذه المعضلات ولا للحكم على الرئيس فى دولة مثل مصر لها مكانتها على جميع الأصعدة، ولكنها مؤشرات، فى قدرة الرجل على الحل، وعلى التعايش مع الوضع السياسي، مع وجود بعض المؤشرات على الصلاح الذاتى، التى لا دخل لها فى العملية السياسية، كمثل الخطاب الوعظى أو المحافظة على الصلوات، فللسياسة مجالها الآخر التى ينتظرها الشعب والعالم!

علينا العلم، مذكرين، بأن مصر هى بؤرة العالم العربى، وأن مكانتها وإن اختلت بعد فترة عبد الناصر، واستطاع الغرب جرها لمحيطه، إلا أنها تبقى اليوم محط اهتمامه، وخوفه من فلتانها، وتسلم الإسلاميين زمام الأمور مع تقليص قدرة الجيش الذى هو بدوره ليس متصالحًا مع الغرب تمامًا!

أرى أن تكون للملفات الداخلية الأولوية القصوى والأهمية المناسبة، لأنها هى التى تفتح باب الثقة للشعب، لاختيار وتمثيل الإسلاميين، فهم اليوم فى بؤرة البصر، ومنظور الرؤية!

هناك فى الوضع الخارجي، المحيط العربى، ثم الإسلامى، وأرى أن تبدأ مصر فى توطيد علاقاتها وتمتين أواصرها مع الشقيقات العربيات، مع تغيير إستراتيجيتها فى رفع وعى الأمة، وفى تدشين خطاب سياسى جديد، يلاءم الحالة الثورية فى البلدان العربية، مع تمتين الارتباطات الفكرية والدينية والاقتصادية والسياسية، فالعرب متعطشون لرؤية الوجه الآخر لمصر، الوجه الفكرى والسياسى والثقافي، فقد مللنا من ذلك الوجه المرقع والملفع بسواد الفساد والليالى الحمراء والفسق الخنا!

على مصر اليوم، أن تدشن عهد النهضة، بربط العالم العربى كوحدة واحدة، ومحاولة الارتباط السياسى، خاصة مع جيرانها كليبيا والسودان والسعودية وغيرها، لتدشن وتبين عهدًا سياسيًا جديدًا تتطلع إليه الأمة اليوم.

ومن هناك تنطلق لفرز الملفات فى العلاقات الدولية، مع إسرائيل والغرب والولايات المتحدة، عليها ألا تتفرد بالقرار، بل إن تشارك الأمة قرارها، وأن تعود شعبها للتدخل فى القرار السياسى المصيرى، فدولة مثل إسرائيل لها علاقات مع مصر منذ فترة، وأمريكا وغيرها، لا ينبغى أن يأخذنا الحماس فى قضية العلاقات، بل هذه تحتاج دراسة ورصانة فى تمييز العلاقات، ليس معنى هذا أن نتعامل برفق، أو تعاملا اقتصاديا مع اليهود، كونهم محتلين لبلادنا، بل ما أعنيه هو دراسة الوضع إقليميًا وآثاره على مصر والأمة.

وحتى فتح أو غلق العلاقات مع إيران وروسيا والصين وغيرها، لا ينبغى النظر إليها من زاوية واحدة، بل نحن نمثل دولة كبرى فى المنطقة، عليها أن تدرس تحركاتها وتصرفاتها، وهذا موقف يستدعى حراكًا سياسيًا ذا طابع خاص، ويحتاج خطابًا سياسيًا عالميًا غير الموجود حاليًا، الذى مثل الخنوع والاستسلام!

وختامًا نقول مصر بحاجة ماسة اليوم إلى من يمثلها كمصر الحقيقية، مصر الثورة والثوار، كدولة لها كيانها وثقلها الجيوسياسى والجيو استراتيجي، فى المحافل الدولية!

فهل الرئيس قادر على كل هذه الملفات!

نسأل الله له العون والتوفيق!

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 96 مشاهدة
نشرت فى 8 يوليو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,375