مؤمن الهباء
19
يونيو
2012
09:06 PM

 

سوف يكون على الرئيس المنتخب د. محمد مرسى، فى أول أيامه، وحتى من قبل إعلان فوزه رسميًا، أن يفكر جديًا فى الطريقة التى سيواجه بها الانقلاب العسكرى، الذى وقع فجأة على الشرعية وعلى سلطة الشعب.. سوف يكون عليه أن يختار إما أن ينضم إلى صفوف الثورة لرفض ما سمى بالإعلان الدستورى، المكمل الذى صدر لتقليص سلطات رئيس الجمهورية، وتنصيب المجلس العسكرى حاكمًا فعليا للبلاد، وجعل القوات المسلحة دولة داخل الدولة والانقضاض على مجلس الشعب المنتخب بقفاز دستورى وقانونى وفرض الوصاية العسكرية على الجمعية التأسيسية للدستور أو أن يكتفى باتفاق ما أو صفقة ما مع المجلس العسكرى للتهدئة حتى تمر العاصفة، ضمانًا لاستمراره فى المنصب.

والاختيار ليس سهلاً أبدًا.. فإذا اقتنع بالانضمام للثورة فالصدام واقع لا محالة.. ومع العسكريين لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالنهايات.. لكن فى كل الأحوال سيكون محفوفًا بالقوى الثورية والشبابية وفى حمايتها.. أما إذا اقتنع بالحل الوسط وبالتهدئة فسوف يكرر أخطاء الإخوان فى مواجهات ماسبيرو وشارع قصر العينى ومحمد محمود.. وساعتها سوف ينعزل – ومعه الإخوان – عن الثورة والثوار.. وحينما يشعر العسكر بأنه صار وحيدًا سيكون لقمة سائغة وسهلة.

الرهان الآمن الآن رغم صعوبته هو الرهان على الثورة ومع الثورة لمواجهة تغول رجال مبارك فى السلطة القضائية ومستشارى السوء فى المجلس الاستشارى الذين نجحوا فى تدبير الانقلاب العسكرى على الشرعية ووضع المجلس العسكرى فى صدام وتناقض مع الشعب ومع الثورة، بعد أن كان مجده الأكبر يكمن فى حمايته للثورة وتبنى أهدافها والعمل على تحقيقها.

وإذا اختار الدكتور مرسى أن يكون بالكامل فى معسكر الثورة حتى النهاية فسوف يتعين عليه وعلى الثورة ابتداع أشكال جديدة من المواجهة السلمية للتمرد الشعبى لتغيير قواعد اللعبة من الأساس.. وربما تكون البداية بتشكيل فريق عمل من أساطين القانون الدستورى، الذين أكدوا عدم شرعية حل البرلمان وعوار الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا لتأديب المجلس لأسباب سياسية.. وهؤلاء الأساطين هم القاعدة الصلبة والمرجعية القانونية والدستورية للمواجهة.. ومنهم أسماء تطرد الهاموش من الساحة فور ظهورها وتكتلها مثل المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض الأسبق، ود. محمد سليم العوا، ود. جابر نصار ومحمد الدماطى، والمستشار زكريا عبد العزيز، رئيس نادى القضاة سابقًا، والفقيه الدستورى الدكتور ثروت بدوى والدكتور محمد محسوب، عميد كلية الحقوق جامعة المنوفية، والمستشار حسام الغريانى، رئيس الجمعية التأسيسية للدستور.

وعلى هذا النحو، سوف تكون المواجهة على محورين: الأول قانونى والثانى شعبى فى ميدان التحرير والميادين الكبرى فى المحافظات.. ولا تكون المواجهة باسم الإخوان أو باسم الرئيس المنتخب، وإنما باسم الثورة وفصائلها العديدة وعلى رأسها د. محمد مرسى.. وسوف يضمن هذا المسار وحدة القوى الوطنية مرة أخرى وبناء الثقة من جديد بين القوى السياسية والوطنية باعتبارهما ينتميان إلى كتلة أكبر هى الكتلة الثورية، التى بدأت تتشكل خلال الـ18 يومًا للثورة.

الوطن الآن يحتاج إلى اجتماع القوى الثورية.. والمستقبل يحتاج إلى اجتماع القوى الثورية.. ليس فقط لمواجهة الانقلاب العسكرى على الشرعية، وعلى إرادة جماهير الناخبين، وإنما لمواجهة الحملة الشرسة، التى استهدفت إجهاض الثورة ومعاقبة الثوار.. وسحب الشرعية الشعبية عنهم، واتهامهم بالفوضوية وضرب بعضهم ببعض على مراحل.

لذلك.. لابد أن يجتهد د.محمد مرسى فى إعادة اللحمة إلى القوى الثورية حتى تستعيد روح الميدان وتنهى حالة التفكك والتشرذم.. الفرصة متاحة والأمل كبير.. والعبرة بمن يمسك بهذه اللحظة التاريخية الوطنية لتعظيمها حتى تتحول من لحظة عابرة عفوية إلى حالة دائمة وقوية ومنتصرة.

ولابد أن يعلن الدكتور مرسى رفضه لأن يكون رئيسًا صوريًا.. وأن يتسلم السلطة فى كرنفال احتفالى وطقوسى فارغ من المضمون الحقيقى للسلطة.. ويعلن رفضه لتكريس حكم العسكر من وراء الكواليس والصلاحيات المنقوصة كرئيس الجمهورية وهى صلاحيات تحوله إلى بطة عرجاء لا حول ولا قوة.

وقد أحسن الدكتور محمد مرسى صنعًا حين وجه إلى الأمة خطابًا تصالحيًا مبكرًا ليهدئ به مخاوف الخائفين والمضللين من ضحايا القصف الإعلامى الرهيب خلال الأيام الماضية.. وضمن هذا الخطاب رسائل شكر ووفاء إلى الثوار والشهداء والمصابين وأسرهم.. إلى المسلمين والمسيحيين والأزهر والكنيسة.. إلى من انتخبه ومن لم ينتخبه.. إلى الذين ينظرون إلى الأمام ولا ينظرون إلى الخلف.. وذكر فى هذا الخطاب بأن أهل هذا الوطن متساوون فى الحقوق والواجبات وبأنه يحمل السلام لكل من يحب السلام فى العالم.. ويسعى إلى الاستقرار والحب وبناء دولة ديمقراطية.

والثورة اليوم فى أمس الحاجة إلى كلمة طيبة تجمع ولا تفرق.. وإلى لغة تصالحية جديدة ترتقى فوق الخصومة والاستقطاب.. وتسمو فوق نزعات النفوس وطموحاتها.. يجب على كل القوى الثورية أن تبحث عن هذه الكلمة حتى تجدها وعن هذه اللغة حتى تتعلمها.. وكفانا صراعات وانقسامات.

نريد خطابًا واضحًا من د.مرسى موجهًا إلى الليبراليين واليساريين والناصريين والاشتراكيين والقوى الثورية والمدنية والإسلامية.. إلى 6 إبريل والجمعية الوطنية للتغيير والأحزاب القديمة والجديدة.. إلى أنصار المرشحين السابقين للرئاسة جميعًا.. بأنهم جميعًا شركاء فى مسيرة البناء والتنمية.. لا إقصاء لأحد.. ولا غلبة لأحد على أحد.

يجب أن يقول د.محمد مرسى وبكل وضوح، إن يده ممدودة للجميع.. لمن يؤيده ومن يعارضه.. نريد أن نرى رئيس مصر الجديدة مختلفًا.. وعلى قدر طموحات المستقبل.. يجمع شتات الوطن ويداوى جراحه.. ويقف فى صفوفنا ونحن نواجه المجلس العسكرى فى معركة الإعلان الدستورى، الذى يستخف بعقولنا ويسحب البساط من تحت أقدام الدولة المدنية الحديثة.

إن الحمل ثقيل والمسئولية صعبة والبلد خراب والطموحات الشعبية عالية والمجلس العسكرى يفرض وصايته على الشعب ويفرض أيضًا عضلاته.. والإخوان أمامهم الآن فرصة تاريخية لقيادة الموجه الثانية من الثورة ومعهم كل القوى الثورية.. وعليهم أن يختاروا.. وعلى الرئيس مرسى شخصيًا أن يفكر جديًا ويقف فى الصف الأول لمواجهة الانقلاب حتى يظل محتفظا بالقلوب التى اجتمعت حوله.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 37 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,414