authentication required





جمال سلطان
19
يونيو
2012
08:46 PM

الانتصار الكبير الذي تحقق لقوى الثورة في انتخابات رئاسة الجمهورية لا يمكن فهم واستيعاب عظمه وخطورته إلا إذا نظرنا إلى طبيعة المعركة والنتائج السياسية التي ستترتب عليها ، وليس إلى الفارق البسيط الذي انتهت إليه ، لم تكن هذه الانتخابات كأي انتخابات أخرى في تاريخ مصر ، ولم تحتشد قوى الظلام والهيمنة والفساد في تاريخ مصر كما احتشدت في تلك الموقعة ، وعندما كان الفريق أحمد شفيق يوجه كلامه لحملته أثناء الانتخابات بأن هذه هي "المعركة الأخيرة" ، وأن هذه معركة الحياة أو الموت لكم ، فقد كان يعني تمامًا ما يقول ، وكل القوى التي احتشدت خلفه ـ وخاصة مافيا المال والإعلام وفلول الجهاز الأمني والإداري ـ كانت تدرك ذلك المعنى جيدًا ، ولعل النتائج التي حصل عليها شفيق تكشف للجميع كم كانت معركة الموت فعلاً ، وكم حشد فيها الفلول من المال والطاقة والجنون حتى الدقائق الأخيرة للتصويت ، علينا أن نتذكر أن حسني مبارك أيام عزه ومجده وصَوْلجانه ـ قبل الثورة ـ في انتخابات 2005 ، وهي الأكثر شفافية في عهده ، حصل فيها على ستة ملايين صوت وربع المليون ، بينما حصل شفيق بعد الثورة على اثني عشر مليون صوت انتخابي ، بما يعني أن هناك جهودًا مضاعفة ورهيبة تمت على أعلى مستوى من أجهزة رسمية ووسائل إعلام بإمكانيات هائلة وضخ أموال لشراء ذمم وأصوات ، وخاصة في النصف الثاني من اليوم الأخير وحملات مكثفة بالوعود مارسها الفلول المتغلغلون في أجهزة إدارية وأمنية وخلايا المجتمع الصغيرة في الأحياء والقرى والنجوع والمدن ، وضغوط رجال أعمال مليارديرات على قطاع واسع من العمالة التابعة لهم ، وحشدهم في حافلات كبيرة بالجملة إلى اللجان ، فضلاً عن الرشاوى العلنية التي قدمها شفيق لمئات الآلاف من السائقين ، بأنه سيُسقِط عنهم أقساط التاكسي ، وسيسوي أوضاع مَن اعتدوا على الأرض الزراعية ـ قُوت مصر ـ ولن يحرك محاضر الضبط ضدهم ، ولن يزيل الأبنية التي بنوْها عليها ، ودعْ عنك حملة إعلامية مركزة وشديدة السوداوية ومترعة بالكذب الفج ، ودع عنك حملات الخداع والابتزاز بالتخويف التي تعرّض لها إخواننا الأقباط من قِبَل الفلول ، حتى دفعوا الكنيسة للاحتشاد التصويتي غير المسبوق ضد مرشح الثورة ، كل هذا احتشد في مواجهة قوى الثورة ، ليس احتشادًا عاديًّا ، بل احتشاد مَن يدرك أنه يخوض معركة لا تحتمل الخسارة أصلاً ؛ لأن الخسارة تعني دماره المباشر ، فقاتلوا بكل عنف وعصبية وجنون ؛ ولذلك كانوا يتحدثون بثقة كبيرة قبل التصويت بأيام بأنهم قادمون ، وأن الثورة ماتت ، وسوف نستكمل مراسم الدفن يومي السبت والأحد ، وأن النتيجة لن تكون فقط فوز شفيق ، ولكن فوزه بفارق كبير من الأصوات ، وقد استمعت بنفسي لرموز سياسية وبرلمانية ونشطاء كبار في المنظمات الحقوقية والأهلية من أباطرة المال الأمريكي ، وهم يتحدثون بمنتهى الثقة أن شفيق سيفوز بفارق لن يقل عن ثلاثة ملايين صوت ، كانوا يعرفون أنهم احتشدوا ليوم "الموت أو الحياة" ، وأن كل شيء مرتب والمسألة منتهية ، ولذلك هم لا يصدقون حتى الآن أن مرشح الثورة فاز ، هم يتخيلون أنهم الآن ليسوا في واقع الهزيمة ، وإنما "كابوس" في المنام ربما يظهر أنه كان مجرد "حلم" سيئ ويمر ، وأعترف بأننا أيضًا لم نكن ندرك أننا أمام كل هذا الجبروت والاستعداد الهائل إلا بعد أن ظهرت النتائج والأرقام ، وفي تجارِب شعوب أخرى نجح الفلول بخبراتهم المتراكمة وقدراتهم الضخمة في هزيمة الثورات حتى بعد نجاحها ، كما حدث في رومانيا وأوكرانيا ؛ لأن الثورات عندما تخوض نِزالاً ديمقراطيًّا بعد وقت قصير من انتصارها ، تُفاجَأ بأنها أمام آلة ضخمة متغلغلة في جميع خلايا الجهاز الإداري والأمني للبلاد حتى أصغر جزء فيه ، وهي خلايا مدربة وخبيرة ومحترفة في مقابل ثورات تتمسك بالطموح والنقاء والنبل ، فتخسر في النهاية وتنكسر الثورة ، في مصر اختلف السياق ، ورأى العالم تجرِبة جديدة مختلفة كليًّا ، وسيسجلها التاريخ للدراسة والتأمل ؛ إذ أن الثورة لم تكن تنطلق فقط من الطموح الأخلاقي والنبل ، وإنما وجدت ـ من حسن حظها ـ خط حماية قويًّا للغاية من التيار الإسلامي بكل روافده متغلغلاً أيضًا في كل خلايا المجتمع ومتلاحمًا معها ، وإن افتقد لأي وجود في جهاز الدولة الإداري والأمني ، ومثلما نجحت قدرات الإسلاميين في حماية الثورة في المواجهة الفاصلة يوم موقعة الجمل ، نجحوا هذه المرة في حماية الثورة من السيناريو الكابوسي للتجرِبة الرومانية ، مصر دائمًا مختلفة ، والمصريون دائمًا يكتبون التاريخ بلغتهم هم وعبقريتهم هم .

أعتذر لكثيرين ممن نسيتهم أمس في "شركاء النصر العظيم" ، والذي كتب في لحظة إحساس عفوي بالنصر ، فنسينا مَن لا يجوز نسيانهم ، وخاصة رفاق الثورة الرائعة في حركة 6 إبريل ، فقد وقفوا في جولة الإعادة موقفًا أخلاقيًّا جميلاً داعمًا لمرشح الثورة ، وكانوا شوكة في خصر الفلول وداعميهم ، رغم اختلافهم مع الإخوان وحزبهم ، كذلك الشيخ حازم أبو إسماعيل الذي أعلن انحيازه الواضح لمرشح الثورة ، وأكد أن هذا يوم لا يمكن فيه لإنسان نبيل أن يقف على الحياد المزعوم ، كذلك لا بد من أن أوجه التحية للزميل الأستاذ محمود سعد ، الذي انتقدته هنا بقسوة قبل أشهر ، لكن الأمانة تقتضي أن أقدم له كل التحية على موقفه النبيل والشجاع في الأسابيع الحاسمة ، عندما رفض أن يسير في ركاب موجة الانتهازية وضغوطها في قنوات الفلول ، وهدد بالانسحاب ، وانحاز للثورة بذكاء مهني كبير ، وحفظ للمهنة مساحة ـ كانت ضرورية ـ من النزاهة والأمانة في واقع كان مُترَعًا بالتزييف والتضليل والحرب المجنونة .

[email protected]

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 73 مشاهدة
نشرت فى 20 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

306,208