...
وصية غريب
رئيسي :الرقائق :
يتناول الدرس وصية تحتوى زادًا في طريق الحياة، فهي في غاية من الأهمية لما فيها من الفوائد التي تجعل الإنسان المؤمن يسعى إلي الدار الأخروية بالكلية، فاحرص علي قراءتها بتفهم وكرر القراءة، وليكن همك العلم والعمل بإخلاص، ومتابعة لنبي الغرباء وبلغها لعلك تفوز بطوبى .
أخي في الله.. هذه وصية غريب أهديها لك لعلك أن تكون من الغرباء الذين لا يستغنون عن هذه الوصية التي تحتوى زادًا لك في طريق الحياة، فهي في غاية من الأهمية لما فيها من الفوائد التي تجعل الإنسان المؤمن يسعى إلي الدار الأخروية بالكلية، فاحرص علي قراءتها بتفهم وكرر القراءة، وليكن همك العلم والعمل بإخلاص، ومتابعة لنبي الغرباء وبلغها لعلك تفوز بطوبى.
? قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ] رواه مسلم وابن ماجة وأحمد.
? وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:[ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ] رواه البخاري والترمذي وابن ماجة وأحمد .
من الغريب؟
الغريب.. هو الذي تمسك بما كان عليه صلي الله عليه وسلم عقيدة وشريعة ,أخلاقًا وسلوكًا، وعبادة شاملة بكل ما أمر الله به، وصبر علي ذلك[فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ] قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ: [ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ] رواه الترمذي وأبوداود وابن ماجة وهو في السلسلة الصحيحة للألباني 1/812 .
? فهؤلاء الغرباء الممدوحون، ولقلتهم في الناس سُمُّوا غرباء، فإن الأكثر علي غير هذه الصفات فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع غرباء، والداعون إليها الصابرون علي أذى المخالفين هم أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقًا فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين، الذي قال الله فيهم:} وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ[116]{ [سورة الأنعام]. فأولئك هم الغرباء من الله ورسوله ودينه، غربتهم هي الغربة الموحشة، وإن كانوا هم المعروفين المشار إليه.
من صفات الغرباء :
? التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم.
? وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس.
? وترك الانتساب إلي أحد غير الله ورسوله صلي الله عليه وسلم بل هؤلاء هم الغرباء المنتسبون إلي الله بالعبودية وحده، وإلي رسوله صلي الله عليه وسلم بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون علي الجمر حقًا.
? الإسلام الحقيقي غريب وأهله غرباء بين الناس، وكيف لا تكون فرقة واحدة غريبة بين اثنتين وسبعين فرقة ذات أتباع، ورئاسات، ومناصب، وولايات؟! لا يقوم لها سوق إلا بمخالفة ما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم، فإن نفس ما جاء به يضاد أهواءهم ولذاتهم ومناصبهم، وما هم عليه من الشهوات والشبهات.
فكيف لا يكون المؤمن الطاهر غريبًا بين هؤلاء الذين قد اتبعوا أهواءهم، وأطاعوا شحهم، وأعجب كل منهم برأيه؟!
? فإذا أراد المؤمن- الذي قد رزقه الله بصيرة في دينه،وأراه ما الناس فيه من الأهواء- أن يسلك هذا الطريق المستقيم؛ فليوطن نفسه علي قدح الجهال وأهل البدع فيه، وإزرائهم به، وتنفير الناس عنه، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلون مع متبوعة وإمامه صلي الله عليه وسلم.
? فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم؛ لأنه لا يعاشرهم علي ما تهوى أنفسهم.
? وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، داع إلي الله ورسوله بين دعاة إلي الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قومٍ المعروف لديهم منكر، والمنكر لديهم معروف.
?وكيف لا يكون العبد في هذه الدار غريبًا، وهو علي جناح سفر، لا يحل عن راحلته إلا بين أهل القبور؟ فهو مسافر في صورة قاعد، وكما قيل:
وما هذه الأيام إلا مراحل يحث بها داع إلي الموت قاصد
وأعجب شئ ـ لو تأملت ـ أنهامنازل تطوي والمسافر قاعد

(/1)

? ذكر أن قومًا من الصالحين جلسوا في مجلس، وكان بينهم رجل من أهل الإيمان، وأراد أن يجعلهم يحتقرون الدنيا، ويتذكرون الآخرة، ماذا فعل؟ أتي بورقة، وجعل فيها شيئًا حقيرًا، وأخذ هذا الشئ يدور علي جميع من كان في المجلس، وكلما نظر إنسان من الجالسين إلي الورقة يضحك ويتعجب، ولم يلقوا لها بالاً، ولم يفهموا شيئًا أبدًا، ثم قال لهم: إن هذا الشئ الحقير الصغير الذي رأيتموه هو جناح بعوضة قذرة، وإن الدنيا بأموالها وأهلها وشهواتها، وجوها وبحرها، وأرضها وسمائها، وليلها ونهارها؛ هي أحقر عند الله من هذا الجناح القذر.
?ويقول الصالحون الذين كانوا في المجلس: بعد ذلك صحون من غفلتنا، وأحسسنا بضربة في القلب هزت كياننا، وعرفنا أنه أراد أن يذكرنا بحديث الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ] رواه الترمذي وابن ماجة.
? فيا أخي إذا كنا نحتقر جناح البعوضة، فمن باب أولي أن لا نهتم بهذه الدنيا؛ لأنها أحقر عند الله من جناح البعوضة القذر، فلنجعل الدنيا تحت تصرفنا وتحكمنا ولنجعلها مزرعة للآخرة.
أخي في الله ...} لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[114]{ [سورة النساء]. وتذكر جيدًا قوله تعالي:} مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[18]{ [سورة ق].
فليكن لسانك عامرًا بالذكر والنصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجعله كالمشلول عند مواطن الغيبة والنميمة، والسب والاستهزاء والغناء، وليكن بصرك متجهًا دائمًا وأبدًا إلي الخير من قراءة القرآن، أو الكتب المفيدة، أو إلي النظر إلي عظمة السماء والأرض وما فيهما من المخلوقات، فتعرف من خلال إطالة، وتعمق الفكرة عظمة الله المطلقة، فتكف بصرك عن جميع ما حرم الله من النظر إلي النساء، وغيرها من الفتن، والنظر إلي ما لا فائدة فيه؛ فيعطيك الله ثلاث خصال:حلاوة إيمان.. وخشوعًا في القلب.. وفراسة.
وإذا حدث منك ذلل، فبادر إلي استغفار الله بقلبك ولسانك، وأتبع هذه الزلل حسنة بفعل الخير.. تجد الله غفورًا رحيمًا. وحافظ علي قول كفارة المجلس عند نهاية كل جلسة وهي: [ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ] رواه أبوداود والدارمي وأحمد.
أخي في الله... لا بد أن تكثر من الأعمال الخيرية في كل مكان وزمان، ولا تحقر أبدًا أي عمل ما دام خيرًا، وبإذن الله لن تتعب من القيام بهذه الأعمال؛ ما دمت تشرب من الشراب اللذيذ الذي يزيدك محبة لهذه الأعمال، ألا وهو شراب الإخلاص، والاحتساب لله سبحانه، واحذر كل سبب يقربك إلي النار، وسارع إلي كل سبب يؤدي بكل إلي بوابة الجنة .
ولا بد يا أخي ... أن تستدرك ما فات مادام في العمر بقية، وتعرف أن هذه الدنيا خداعة براقة، وأنه لا لذة ولا نعيم، ولا راحة ولا سعادة إلا بطاعة الله، ومتابعته صلي الله عليه وسلم في كل شئ،وسوف تحب الخير وأهله، وتحرص عليه، وتكره الشر وأهله، وتحرص علي البعد عنه.
أخي في الله... الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، واجتهد واستيقظ، وإياك والنوم والكسل، والتسويف والتململ.
أخي في الله... استدرك ما فات، فما زلت شابًا، فماذا تنتظر بعد ذلك؟ أتنتظر الأشغال التي تشغلك؟ أتنتظر الشيخوخة؟ أتنتظر الموت الذي هو قريب، ولكنك في غفلة منه؟ وسوف يهجم عليك في ساعة من ليل أو نهار، ولا تدري كيف الانتقال، أيكون بأعمال صالحة وحسن ختام؟ أم يكون بأعمال سيئة وسوء ختام؟ إن الشيخوخة تكون عليك حسرة، وتقول ياليتني حينما كنت شابًا أكثرت من صوم التطوع، وقيام الليل، وتعلم العلم والدعوة إليه، وفعل كل ما يحبه الله .
أخي... لا تغفل عن الموت، إن الموت لا ينفع معه ندم لا كثير، ولا قليل، فهو بوابة لأهل الإيمان والتقوى إلي الجنة، وبوابة لأهل الكفر والعصيان إلي النيران، وسوف تنتقل بخرقة بيضاء، ولا يقال إلا غسلوا الجنازة، وطيبوا الجنازة، وصلوا علي الجنازة.. أقرب الناس إليك لا يريدونك، بل يسارعون بك إلي حفرة عرضها أشبار وطولها أمتار، إما أن تكون روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار،وبعد ذلك ينساك الحبيب والقريب، ولا ينفعك إلا ما قدمت من الأعمال الصالحة الخالصة كما قال صلي الله عليه وسلم: [إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ] رواه مسلم وأبوداود والترمذي والنسائي والدارمي وأحمد.
أخي :
تزود من التقوى فإنك لا تدري إذا جن ليل هل تعيش إلي الفجر

(/2)

فكم من فتي أضحي وأمس ضاحكًاوقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجي طول عمرهموقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجهاوقد قبضت أرواحهم ليلة العرس
أخي
في الله... كل معصية سوف تجازي بها لا شك في ذلك، ولكن يعفي عنك لأسباب منها: التوبة والاستغفار، وفعل الحسنات، وما يقدر عليك من المصائب، ودعاء الأخيار لك، واهدائم الأعمال التي ورد فيها النص بعد مماتك، أو بعذاب القبر، أو بأهوال يوم القيامة، أو عذاب جهنم، أو بغير ذلك من الأسباب.
فأسألك بالله ما هو أسهل عليك من هذه الأمور؟ أليست التوبة؟ إذًا: لماذا لا تتوب، وتفتح صفحة جديدة بيضاء، تصدق مع الله، واحذر التسويف: سوف أتوب وأترك المعاصي الظاهرة والباطنة، وسوف أدعو إلي الله، بل سارع إلي الله، وتب التوبة النصوح، وانكسر بين يدي ربك، واسكب الدموع بين يدي مولاك في جوف الليل، واعترف بذنوبك، واسأله أن يعينك فيما بقي من عمرك.
يا مسكين ...الأجل بيد الله، ولا حول ولا قوة لك، فمتي كان وقت رحيلك؛ أتاك ملك الموت، وخطف روحك، رضيت بذلك أم لم ترض، فأيهما أحسن أن تخرج روحك من جسدك، وهي طاهرة مطمئنة أو تخرج وهي خبيثة؟!
وتذكر أهل القبور... وكيف غير الموت أحوالهم، تعفنت بطونهم، وغير محاسن وجوههم، وتساقطت أسنانهم علي الأرض، وأكل الدود خدودهم وأجسادهم، أصبحوا جثثًا هامدةً ،وجيفًا منتنة !
وأكثر من الدعاء لنفسك ... بصلاح قلبك والتوفيق والهداية والسداد، وادع لوالديك، وأكثر من الدعاء للعلماء، ولإخوانك الأفغان، فإن النصر بيد الله، وكذلك إخوانك المسلمين في كل مكان، فإن الملائكة تقول: آمين ولك بمثل، فأنت الرابح.
يا أخي...عليك بمخالطة الغرباء من أتباع الرسول صلي الله عليه وسلم، وقراءة سيرة الغرباء الأوائل والأواخر، وانطرح بين يدي رب الغرباء في السحر بعين باكية، وقلب خاشع، ولسان ذاكر، خصوصًا في سكون الليل الآخر، ولا تغفل عن السير إلي دار الغرباء بزاد العلم والعمل الخالص إلي بلاد الأفراح
أخي الحبيب... اجتهد دائمًا أن تتذكر بلاد الأفراح بنقل قلبك إليها، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.
يا أخي : ألا تريد التمتع بالنظر لوجه الله الكريم؟ ألا تريد التمتع برؤية الصالحين من الأنبياء والصديقين؟ ألا تريد التمتع بالحور العين؟ ألا تريد أن تأكل لحم طير مما يشتهون، وفاكهة مما يتخيرون، وأنواع الشراب من الخمر، والعسل، وغير ذلك؟ ألا تريد قصور الذهب والفضة، والبساتين العظيمة في دار السلام؟
أخي :
ما ضر من كان في الفردوس مسكنه ما مسه قبل من خير وإقتار
أخي: انظر إلي الآخرة دائمًا، وتذكرها في الليل والنهار.. ما فيها من نعيم، وما فيها من أهوال وشدائد، فإذا أكلت فاسأل نفسك: هل تريد أن تأكل مما أعد الله لأوليائه في جنات نعيم من فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، أم تريد أن تأكل من الزقوم، وتشرب من ماء تتقطع له الأمعاء؟!
أخي : إذا مررت علي جسر، فاسأل نفسك: هل تكون يوم القيامة ممن يمرون علي الصراط كأجاويد الخيل، أو كالرياح، أم أنك تحبو علي الصراط حبوًا، أم أنك تلقفك الكلاليب؟
أخي : كن علي حذر من الشيطان، فالشيطان ملحاح بطئ، لا ييأس منك بل يحاول أن يوقعك في الآثام والمعاصي من هذه العقبات:عقبة الكفر، والشرك الأصغر، أو الأكبر، احذر البدع وابتعد عنها، وحذر الآخرين منها، احذر الكبائر فالشيطان يدعوك إلي كبائر الذنوب والآثام، والظاهرة والباطنة، واجعل بينك وبينها وقاية من خوف الله، ورجاء ثوابه ومحبته، وتعظيمه في الليل والنهار، فإذا ما سلمت من ذلك جاءك الشيطان من مدخل الصغائر كي يوقعك في حباله، فإذا سلمت من ذلك جاءك من باب المباحات والانشغال عن الطاعات، فإذا سلمت من ذلك جاءك من باب الانشغال بالأعمال المرجوحة عن الأعمال الراجحة، فاحذر ذلك كأن يشغلك عن العلم، ويشغلك عن بر الوالدين، أو غير ذلك .
واعلم: بأن الشيطان لن يتركك، فاجتهد أن تشغل نفسك بالطاعات، ومن ذلك الصدقة فإن الله يحبها، واحرص علي أن تشارك بجزء من مالك في الجهاد في سبيل الله، فالرسول صلي الله عليه وسلم قَالَ:[ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا] رواه البخاري ومسلم . ويقول صلي الله عليه وسلم:[ كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَومَ الْقِيَامَةِ...] رواه أحمد، وابن خزيمة وصححه الألباني في الترغيب والترهيب.
أخي : احرص أن تتابع بين نوافل الطاعات، ومن ذلك الحج خلال السنوات، والإكثار من العمرة خلال السنة، فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول:[الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ] رواه البخاري ومسلم .

(/3)

أخي: اسعى في قضاء حوائج الآخرين- وخصوصًا الأرملة والمسكين- وأكثر من تلاوة كتاب الله بتدبر وفهم وعمل بالآيات، وأكثر من ذكر الله، واسأله لنفسك ولأقاربك وإخوانك في الله وللمسلمين أن يدخلك الجنة، وأن يبعدك عن النار، وأكثر من الاستغفار، والصلاة والسلام علي المصطفي المختار. وكن ممن يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر علي قدر طاقتك.
احرص .. علي مجالس العلماء وحلق الذكر، ففي ذلك حياة لقلبك، وكن ممن يحيون سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم في كل شئ، ومن ذلك الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد حتي تطلع الشمس وتصلي ركعتين لعل الله يعطيك أجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:[ مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ] رواه الترمذي .
وخير ما أوصيك به: الإكثار من الدعاء في السجود، فإنك قريب من الله، فسله أن يصلح قلبك، وأن يثبتك علي طريق الإيمان، فكم من إنسان سار علي هذا الطريق وأضله الشيطان بسبب ذنوب باطنة أو ظاهرة، نسأل الله العافية والسلامة من الوقوع في خطواته، وليكن عندك يقين بأنك تدعو مَنْ بيده خزائن السماوات والأرض، لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء، إذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون، فهو يحب السائلين، ويفرح بالتائبين، وأنين المذنبين أحب إليه من زجل المسبحين المعجبين بأعمالهم .
واحذر يا أخي: الحسد فهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب.. واحذر من احتقار الناس، فالناس ليسوا مظاهر فقط، وإنما بواطن كذلك، فرب أشعت أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره خير منك عند الله؛ لصلاح قلبه باليقين والتوكل، والإنابة، والرغبة والرهبة، والخوف والرجاء، والمحبة والإخلاص، والتعلق بالله والإخبات والخشوع، وغير ذلك من أعمال القلوب التي هي من أفضل الأعمال عند الله عز وجل.
واجتهد في.. إصلاح قلبك فالرسول صلي الله عليه وسلم يقول:[ إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ] رواه البخاري ومسلم .
اجتهد دائمًا.. في فعل الطاعات لعل الله يتوفاك عليها، ويبعثك عليها، فلا تضيع الأوقات فالفرصة ما زالت بيدك، لا يضحك عليك الشيطان كما ضحك علي كثير من الناس بانشغالهم عن الله بأموال، ومناصب، وأزواج، وأولاد، وشهادات، وأصدقاء من أهل السوء، وهو حريص أن تكون من حزبه في النار، فإن كنت صاحب همة؛ فإنك سوف تنقاد لأمر الله ورسوله بالليل والنهار، فتكن من أصحاب الهمم العالية، وإياك أن تكون من أصحاب الهمم الحيوانية، فما أكثرهم في هذا الزمان .
وسارع إلي الله.. ما زال في العمر بقية، سافر بقلبك وجوارحك إلي الله والدار الآخرة قبل أن يدركك هادم اللذات، ومفرق الجماعات..وإياك أن تكثر من المباحات التي تؤدي إلي المكروهات، ثم إلي المحرمات، وعصيان الرحمن.
واجتنب كثرة الضحك .. فإن الضحك يميت القلب، واحذر كثرة الخلطة؛ فإن كثرتها تضيع عليك الأوقات التي هي رأس مالك في هذه الدار التي يجب أن تعمر أوقاتك فيها بكل ما ينفعك عند الله.. وأمسك لسانك عن الآفات اللسانية التي وقع فيها أكثر الناس، فإذا مات القلب فما فائدة الطاعة؟
كن دائمًا محافظاً.. علي ما افترض الله عليك من الطاعات، وخصوصًا الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، وليكن شعارك دائمًا: فعل الطاعات، والبعد عن المنكرات، والصبر علي أقدار الله؛ تكن من أهل النعيم الدنيوي، الذي يجعلك تسارع إلي النعيم الأخروي.
واحرص علي زيارة المقابر .. كي تتذكر ساعة الرحيل، وصل علي جنائز المسلمين، وشارك في دفنهم، فلك من الأجر قيراطان كما ورد عن الرسول صلي الله عليه وسلم في الحديث:[ مَنْ خَرَجَ مَعَ جَنَازَةٍ مِنْ بَيْتِهَا وَصَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ تَبِعَهَا حَتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيرَاطَانِ مِنْ أَجْرٍ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ...] رواه البخاري ومسلم .
احرص أن لا يفوتك شئ من الخير.. فأيامك معدودة، وأنفاسك محدودة، ولا تدري متي الرحيل إلي الآخرة.

(/4)

أخي في الله اسأل الله القبول وحسن الختام، فالأعمال بالخواتيم، ولا يدري العبد كيف تكون خاتمته، وإنما الأعمال بالقبول، فالله عز وجل يقول:} إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ[27]{ [سورة المائدة]. فهل أنت من المتقين؟
كن دائمًا قدوة للآخرين .. وذلك لا يكون إلا بإقتدائك بالنبي صلي الله عليه وسلم، ومتابعتك له، لكي يقتدي بك الآخرون، وإياك والتعصب لأحد سواه، واعلم أنك علي طريق الأنبياء والمرسلين، فكن عزيز النفس، فأنت الأعلى بإيمانك.
أخي : هل تريد أن يحبك الله، فيحبك بعد ذلك جبريل والملائكة، ويوضع لك القبول في الأرض، فتكون محبوبًا عند الناس.. أخي في الله هذه أسباب جالبة لمحبة الله لك، فاحرص عليها؛ لعله يحبك، فتكون من المنعمين في الدنيا والآخرة:
? قراءة القرآن بتدبر وتفهم لمعانيه، وما أريد منها، ولا يكن همك نهاية الآية.
?التقرب إلي الله بالنوافل في الليل والنهار بعد الفرائض، فيقول صلي الله عليه وسلم:[إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ...] رواه البخاري .
? دوام ذكره علي كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال، فنصيبك من المحبة علي قدر نصيبك من هذا الذكر.
? إيثار محابه جلا وعلا علي محابك عند غلبات الهوى، والمسارعة إلي محابه وإن صعب المرتقى.
? مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله؛ أحبه لا محالة، فتتأمل في أسمائه، وتؤمن بآثارها وأركانها، واقتبس النور منها في حياتك.
? مشاهدة بره وإحسانه، ونعمه الباطنة والظاهرة؛ فإنها داعية إلي محبته، فكلما تذكرت بره وإحسانه بك وبخلقه وتفكرت في آياته ونعمه؛ تزداد محبة له جل وعلا.
? انكسار قلبك بكليته بين يدي الله تعالي.
? الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب، والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم اختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
? مجالسة المحبين الصادقين، وتنتقي أطيب ثمرات كلامهم كما تنتقي أطيب الفواكه والطعام، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدًا لحالك، ومنفعة لغيرك.
? مباعدة كل سبب يحول بين قلبك وبين الله، وملاك ذلك كله أمران: استعداد روحك لهذا الشأن، وانفتاح عين بصيرتك .
أسأل الله لي وللمسلمين: العلم النافع، والعمل الصالح، والإخلاص لله في ذلك، وصلي الله وسلم علي نبي الغرباء محمد، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
من رسالة:'وصية غريب' للشيخ/ عبد الواحد بن عبد الله المهيدب

(/5)

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 38 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

299,201