بقلم:
 فضيلة الدكتور عائض بن عبدالله القرني

 

إن غالب كبار السن في مجتمعاتنا الإسلامية متهتكون في الدنيا، وتسعة أعشار أوقاتهم
 وحديثهم وسفرياتهم في الدنيا، اهتماماتهم في الدنيا في المعارض والعقار؛ والبيع
 والشراء؛ والمؤسسات والبناء، وتجد بعضهم لا يعرف المهم من دينه، ومع ذلك يهتم
 بشؤون الدنيا ويجمع ويكدس ويهتم· فتجد كل اهتماماتهم في الدنيا ونحن لا نقول:
 حرام، ولا نقول لهم: لا تعملوا في البناء والعمارة، والبيع والشراء، وفي طلب
 الرزق، وفي الكسب، ولكن نقول: يا من شاب رأسه وشابت لحيته! أما تهيأت لعمل صالح
 تلقى الله به؟ {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ
 وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ } [فاطر: 37]· قال أهل العلم: النذير هو: الشيب· والشيب
 أمره عجيب؛ فإذا ظهر الشيب في رأسك أو في لحيتك، فكأنه يقول لك: تهيأ للقبر، فقد
 أصبحت قاب قوسين أو أدنى من القبر·

وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (أعذر الله لامرئ، بلَّغه ستين سنة) معنى
 ذلك: قطع الله المحجة عليه، فلا حجة له يوم القيامة عند الله إذا بلغ ستين سنة، ثم
 لم يهتد·

والله لو عرفت لذة المسجد والذكر والإيمان، ولذة المحاضرات والدروس ما فعلت بنفسك ما
 فعلت، رأينا من عمره أكثر من الستين وهو صباح مساء بين الحديد والإسمنت، ذكره
 قليل، ونوافله قليلة، قد ألغى قيام الليل من حياته؛ لأنه لا ينام إلا الثانية
 عشرة، وإذا صلى الفجر صلاها على عجل، وأخذ عماله وسيارته وباكر عمارته، ونحن لا
 نقول: حرام، ولكن نقول: أيصرف العمر في هذا الأمر؟!

أترضى أن تصرف ساعاتك الغالية الثمينة وأيامك الممدوحة الجيدة في هذه الأمكنة؟

قال أحمد بن حنبل وقد رأى في المرآة شعرة بيضاء في لحيته فبكى، وقال: والله ما مثلت
 الشباب إلا بشيء كان بيدي ثم سقط·

بعض الناس يحسن في الشباب ويسجد ويبكي ثم يسقط، والعجيب أنك تجد بعض الكبار يسافرون
 إلى مواطن نستحي من ذكرها وعنده أسرة وعشرة أبناء وبنات، ويقطع تذاكر إلى الخارج
 ليعصي الله في شيخوخته· وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (ثلاثة لا ينظر
 الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: شيخ زانٍ) وفي لفظ: (أشيمط زان)·

أعرف وتعرفون في بعض المناطق شيوخاً كباراً في السن لما بلغوا الستين، لزموا المسجد
 وانتهوا إليه· ولقد كان السلف الصالح إذا بلغ الواحد منهم ستين سنة أخذ المصحف في
 المسجد فيصلي العصر ويسبح إلى الغروب، ومن الغروب إلى صلاة العشاء يتنفل، ثم يعود
 إلى بيته وينام مبكراً ليقوم من آخر الليل؛ لأنه لم يبق له إلا القليل ما بقي إلا
 رأس تلع وتفيض إلى مزدلفة ثم منى وترمي الجمرات وتنتهي، وأما نهاره فصلاة الضحى
 والعبادة والصيام والقرآن·

ومن علامة المعرض عن الله: أنه إذا دخل المسجد كان كالبلبل في القفص، وتجد كثيراً من
 الناس لا يأتي إلا مع الإقامة وهو أول من يخرج، لأنه مخبول العقل قد سكر بالدنيا،
 وخمر الدنيا يتلف الأرواح والعقول·

اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، واجعل الدين أكبر اهتماماتنا في الحياة·

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 44 مشاهدة
نشرت فى 13 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,252