فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم (1)

د. علي الصلابي


تشرع صحيفة ليبيا اليوم اعتبارا من اليوم في نشر كتاب قيم من كتب د. الشيخ علي الصلابي وهو كتاب "فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم" وهو عبارة عن رسالة دكتوراه أجيزت بامتياز.

هذا الكتاب الذي طبع عشر طبعات، وترجم إلى اللغتين الإنجليزية والتركية يطرق موضوعا غاية في الأهمية، هو حلم كل المسلمين، ألا وهو التمكين لدين الله ورفع راية القرآن عالية.

بذل الشيخ علي الصلابي في هذا الكتاب جهدا كبيرا، فقد غاص في آيات القرآن الكريم تأملا وبحثا، كيف لا وهو المفسر الذي درس التفسير، كما رجع إلى التاريخ ناظرا فيه بعمق يعينه في ذلك خبرته الطويلة في هذا المجال والتي أثمرت مكتبة تاريخية هائلة شهد الجميع بأهميتها.

نظر الشيخ في التاريخ، مسقطا إياه على الواقع الذي نعيشه لينطلق بكليهما إلى مستقبل يراه واعدا ومزهرا بإذن الله.
المحرر.
ـــــــــ
مع الكتاب


إهداء


إلى العلماء العاملين..
والدعاة المخلصين..
وطلاب العلم المجتهدين..
وأبناء الأمة الغيورين
أهدى هذا الكتاب سائلاً المولى عَزَّ وَجَل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يكون خالصًا لوجهه الكريم.
+فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" [الكهف: 110].

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
+يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء:1].
+يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا ` يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا
عَظِيمًا" [الأحزاب: 70، 71].

أما بعد:
فإن موضوع فقه التمكين في القرآن الكريم يحتاج لبحث تحليلي عميق لخطورته ولأهميته في حياتنا المعاصرة حيث إن الأمة تمر بفترة عصيبة من تاريخها, فهي في أشد الحاجة لفهم فقه التمكين حتى ترسم أهدافها وتسعى لتحقيق آمالها وفق سنن الله الجارية في الشعوب والأمم والمجتمعات والدول، ولقد لاحظت في دراستي للقرآن الكريم أن أصول فقه التمكين واضحة المعالم في كتاب الله الكريم, فما على الباحث إلا أن يجمعها ويرتبها ويحللها ويبين أثرها على حياة الأمة عندما حرصت على تطبيقه في كل شئون حياتها، وماذا أصابها عندما ابتعدت عن كتاب ربها وسنة نبيها ×، إن وصول الأمة الإسلامية في هذا الزمان إلى التمكين ليس بالأمر السهل، ولكنه كذلك ليس بالأمر المستحيل، إذ على الرغم من التضييق الشديد والحرب الضروس التي تشن على الإسلام والمسلمين، فإن كثيرًا من المسلمين يرون أن التمكين لدين الله قاب قوسين أو أدنى من ذلك، ومهما رأى الأعداء أن التمكين للإسلام بعيد يشبه المستحيل فإن المسلم واثق بوعد الله أن الأرض يرثها عباده الصالحون، وهذا ليس من باب الأحلام والتمنيات، ولكن من باب الثقة في الله تعالى، واليقين بوعده، إن كثيرًا من علماء الأمة وطلاب العلم فيها أجادوا في التصنيف في فنون متعددة ومتنوعة من علوم الدين، كما أنهم أفادوا الأمة في شرح الداء الذي أصيبت به الأمة, وفي بيان المؤامرات التي تحاك ضدها من قبل اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وبينوا شراسة الحملة التي شنها أعداء الإسلام بضراوة، وبكل الصور والأساليب على الأمة الإسلامية لتثبيط المسلمين، وخنق الأمل في صدورهم، وبث روح الهزيمة النفسية بين جوانحهم حتى لا ترتفع رؤوسهم، ولا تقوى عزائمهم، فيظلون في ذلك الضعف والهوان الذي صاروا إليه، فيصل بهم الأمر إلى الذوبان، والضياع، والتمزق بين سطوة الأمم التي تداعت عليها كما تتداعي الأكلة إلى قصعتها، لقد تحدث بعض الخطباء والوعاظ عن مشاكل الأمة، وفساد أحوالها، بصورة تنشر اليأس وتوصد أبواب الأمل في وجه أبناء الأمة الغيورين، وشاعت روح الهزيمة بين صفوفهم، وأصبحنا كثيرًا ما نسمع من يقول: ماذا نفعل؟ ضاع الإسلام والمسلمون!..ويقفون على ذكريات الماضين ويتغنون بأمجادهم، فأدركت أن الأمر كبير, والقضية خطيرة ورأيت أن الأمة في أمسَّ الحاجة إلى ما يرد إليها ثقتها بربها، ومنهجها، في حاجة إلى من يوقظ الإيمان في قلبها، ويرشدها للأخذ بأسباب التمكين وشروطه، ويبين لها طبيعة الطريق، وكيفية السير فيه، ويوضح لها المعالم لتعرف كيف تعمل؟ وإلى أين تسير؟

إن الأمة في أشد الحاجة إلى فقه التمكين والعمل به، وعلى حد إطلاعي المحدود على هذا الفقه تعتبر أبحاثه جديدة؛ حيث بدأت الكتابة فيه والإشارة إلى أهميته مؤخرًا، وقد ظهرت بعض الكتب القيمة كالرسالة العلمية التي قُدمت للأزهر الشريف للباحث محمد يوسف بعنوان التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم، وما كتبه الدكتور على جريشة في كتابه: دعوة الله بين التكوين، والدكتور على عبد الحليم في كتابه: فقه الدعوة إلى الله، وفقه المسئولية، وقد رأيت أن مادة فقه التمكين من أهم الأبحاث والأطروحات التي يجب أن يهتم بها الباحثون، ولذلك استعنت بالله ثم بشيوخي الكرام, وأخص بالذكر الدكتور أحمد محمد جيلي للخوض في بحر فقه التمكين.

إن مادة فقه التمكين في القرآن غزيرة جدًا بحيث نجد أن القرآن الكريم تكلم عن أنواع التمكين، قال تعالى: +وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأحَادِيثِ" [يوسف: 21]، وقال تعالى: +وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ..." [يوسف: 56].

المصدر: موقع الصلابي
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 106 مشاهدة
نشرت فى 9 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,408