(الفصل السادس) مناظرة المؤلف لأحد كبار اليهود وقد جرت لي((مناظرة)) بمصر مع أكبر من يشير إليه اليهود بالعلم والرياسة، فقلت له في أثناء الكلام: أنتم بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم قد شتمتم الله أعظم شتيمة. فعجب من ذلك، وقال:مثلك يقول هذا الكلام! فقلت له:اسمع الآن تقريره، إذا قلتم: إن محمدا ملك ظالم قهر الناس بسيفه وليس برسول من عند الله، وقد أقام ثلاثا وعشرين سنة يدعي أنه رسول الله أرسله إلى الخلق كافة، ويقول:أمرني الله بكذا، ونهاني عن كذا، وأوحى إلى كذا؛ ولم يكن من ذلك شيء، ويقول:أنه أباح لي سبي ذراري من كذبني وخالفني ونساءهم، وغنيمة أموالهم، وقتل رجالهم؛ ولم يكن من ذلك شيء، وهو يدأب في تغيير دين الأنبياء، ومعاداة أممهم، ونسخ شرائعهم، فلا يخلو إما أن تقولوا أن الله سبحانه كان يطلع على ذلك ويشاهده ويعلمه، أو تقولوا أنه خفي عنه ولم يعلم به، فإن قلتم لم يعلم به نسبتموه إلى أقبح الجهل، وكان من علم ذلك أعلم منه. وإن قلتم بل كان ذلك كله بعلمه ومشاهدته واطلاعه عليه، فلا يخلو إما أن يكون قادرا على تغييره، والأخذ على يديه ومنعه من ذلك، أولا، فإن لم يكن قادرا فقد نسبتموه إلى. أقبح العجز المنافي للربوبية، وإن كان قادرا، وهو مع ذلك يعزه وينصره ويؤيده ويعليه ويعلى كلمته، ويجيب دعاءه، ويمكنه من أعدائه، ويظهر على يديه من أنواع المعجزات والكرامات ما يزيد على الألف، ولا يقصده أحد بسوء إلا أظفره به، ولا يدعوه بدعوة إلا استجابها له. فهذا من أعظم الظلم والسفه الذي لا يليق نسبته إلى آحاد العقلاء فضلا عن رب الأرض والسماء؛ فكيف وهو يشهد له بإقراره على دعوته وبتأييده وبكلامه، وهذه عندكم شهادة زور وكذب، فلما سمع ذلك. قال: قلت له:غلبت كل الغلب، فإنه قد علم الخاص والعام أنه أخبر أنه رسول الله إلى جميع الخلق، وأن من لم يتبعه فهو كافر من أهل الجحيم، وقاتل اليهود والنصارى وهم أهل كتاب، وإذا صحت رسالته وجب تصديقه في كل ما أخبر به؛فأمسك ولم يحر جوابا. وقد قال الله في التوراة حين ذكر إسماعيل جد العرب ((أنه يضع فسطاطه في وسط بلاد أخوته)) وهم بنو إسرائيل، وهذه بشارة بنبوة ابنه محمد الذي نضب فسطاطه وملك أمته في وسط بلاد بني إسرائيل، وهي الشام التي هي مظهر ملكه كما تقدم من قوله: ((وملكه بالشام)) فقال له اليهودي: فعندكم في القرآن (وإلى مدين أخاهم شعيبا) (وإلى عاد أخاهم هودا) (وإلى ثمود أخاهم صالحا) والعرب تقول: يا أخا بني تميم للواحد منهم، فهكذا قوله: ((أقيم لبني إسرائيل من إخوتهم)). قال المسلم: هذا من دلائل صدقه، فإنه ادعى أنه رسول الله إلى أهل الأرض كتابيهم وأميهم، ونص الله في التوراة على أنه يقيمه لهم، لئلا يظنوا أنه مرسل إلى العرب والأميين خاصة، والشيء يخص بالذكر لحاجة المخاطب إلى ذكره، لئلا يتوهم السامع أنه غير مراد باللفظ العام، ولا داخل فيه، وللتنبيه على أن ما عداه أولى بحكمه ولغير ذلك من المقاصد، فكان في تعيين بني إسرائيل بالذكر إزالة لوهم من توهم أنه مبعوث إلى العرب خاصة، وقد قال تعالى: صفات النبي المذكورة في كتبهم وقال عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي: حدثنا الحسن بن الربيع، حدثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن أبي صالح قال: قال: كعب نجد مكتوبا ((محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر. وأمته الحمادون يكبرون الله على كل نجد، ويحمدونه في كل منزلة، يأتزرون على أنصافهم، ويتوضؤن على أطرافهم، مناديهم ينادي في جو السماء، صفهم في القتال وصفهم في الصلاة سواء، لهم دوي كدوي النحل، مولده بمكة، ومهاجره بطابة، وملكه بالشام)). قال الدارمي: وأخبرنا زيد بن عوف، حدثنا أبو عوانه، عن عبد الملك بن عمير، عن ذكوان أبي صالح، عن كعب قال: في السطر الأول ((محمد رسول الله، عبدي المختار، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب بالأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، مولده بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام)). وفي السطر الثاني ((محمد رسول الله، أمته الحمادون يحمدون الله في كل حال ومنزلة، ويكبرونه على كل شرف، رعاة الشمس، يصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، يأتزرون على أوساطهم، ويوضؤن أطرافهم، وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل)). وقال عاصم بن عمر بن قتادة، عن نملة بن أبي نملة، عن أبيه قال: كانت يهود بني قريظة يدرسون ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتبهم، ويعلمون الولدان صفته واسمه ومهاجره، فلما ظهر حسدوا وبغوا وأنكروا. وذكر أبو نعيم في ((دلائل النبوة)) من حديث سليمان بن سحيم، ورميح بن عبد الرحمن كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه قال: قال فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا يومئذ أتعجب مما يقول يوشع، فأسمع رجلا منا يقول: هذا وحده يقوله؟ ! كل يهود يثرب تقول هذا، قال أبي: وقال النضر بن سلمة حدثنا يحيى بن إبراهيم، عن صالح بن محمد عن أبيه، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن محمود بن لبيد، عن محمد بن مسلمة قال: قال النضر: وحدثنا عبد الجبار بن سعيد، عن أبي بكر بن عبد الله العامري، عن سليم بن يسار، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: ما كان في الأوس والخزرج رجل أوصف لمحمد من أبي عامر الراهب، كان يألف اليهود ويسائلهم عن الدين، ويخبرونه بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن هذه دار هجرته. ثم خرج إلى يهود تيماء فأخبروه بمثل ذلك. فلما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة لم يخرج إليه، وأقام على ما كان عليه، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة حسده وبغى ونافق، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد: بم بعثت؟ قال: ((بالحنيفية)) قال: أنت تخلطها بغيرها؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتيت بها بيضاء، أين ما كان يخبرك الأحبار من اليهود والنصارى من صفتي))؟ فقال: لست الذي وصفوا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كذبت)). فقال: ما كذبت، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((الكاذب أماته الله وحيدا طريدا)) قال: آمين، ثم رجع إلى مكة، وكان مع قريش يتبع دينهم، وترك ما كان عليه، فلما أسلم أهل الطائف لحق بالشام فمات بها طريدا غريبا. وقال الواقدي: حدثني محمد بن سعد الثقفي وعبد الرحمن بن عبد العزيز في جماعة كل حدثني بطائفة من الحديث، عن المغيرة بن شعبة، أنه دخل على المقوقس، وأنه قال له: إن محمدا نبي مرسل، ولو أصاب القبط والروم اتبعوه، قال المغيرة: فأقمت بالإسكندرية لا أدع كنيسة إلا دخلتها، وسألت أساقفتها من قبطها ورومها عما يجدون من صفة محمد صلى الله عليه وسلم. وكان أسقف من القبط، وهو رأس كنيسة أبي محنس كانوا يأتونه بمرضاهم فيداويهم ويدعو لهم، لم أر أحدا قط لا يصلي الخمس أشد اجتهادا منه، فقلت: وهو النبي الأمي العربي اسمه أحمد، ليس بالطويل ولا بالقصير، في عينيه حمرة، وليس بالأبيض ولا بالأدم، يعفي شعره، ويلبس ما غلظ من الثياب، ويجتزي بما لقي من الطعام، سيفه على عاتقه، ولا يبالي من لاقى، يباشر القتال بنفسه، ومعه أصحابه يفدونه بأنفسهم، هم له أشد حبا من أولادهم وآبائهم. يخرج من أرض القرظ، ومن حرم يأتي وإلى حرم يهاجر، إلى أرض مسبخة ونخل، يدين بدين إبراهيم، يأتزر على وسطه، ويغسل أطرافه، ويخص بما لم يخص به الأنبياء قبله. وكان النبي يبعث إلى قومه ويبعث إلى الناس كافة، وجعلت له الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركته الصلاة تيمم وصلى، ومن كان قبلهم مشدد عليهم لا يصلّون إلا في الكنائس والبيع. وقال الطبراني: حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا عبد الله بن رجاء، حدثنا المسعودي عن نفيل بن هشام بن سعيد بن زيد، عن أبيه، عن جده سعيد بن زيد، أن زيد بن عمرو وورقة بن نوفل خرجا يلتمسان الدين حتى انتهيا إلى راهب بالموصل، فقال لزيد: من أين أقبلت؟ قال: من بيت إبراهيم، قال: وما تلتمس؟ قال: التمس الدين، قال: ارجع فإنه يوشك أن يظهر الذي تطلب في أرضك، فرجع وهو يقول: لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. وقال ابن قتيبة في كتاب ((الأعلام)): حدثني يزيد بن عمرو، حدثنا العلاء بن الفضل، حدثني أبي، عن أبيه عبد الملك ابن أبي سوية، عن أبي سوية، عن أبيه خليفة ابن عبدة المنقري، قال: سألت محمد بن عدي: كيف سماك أبوك عدي محمدا؟ قال: أما إني قد سألت أبي عما سألتني عنه، فقال: خرجت رابع أربعة من بني تميم، أنا أحدهم، ومجاشع بن دارم، ويزيد بن عمرو بن ربيعة، وأسامة بن مالك بن جندب، نريد ابن جفنة الغساني. فلما قدمنا الشام نزلنا على غدير فيه شجرات، وقربه ديراني فأشرف علينا، وقال: إن هذه اللغة ما هي لأهل هذه البلد، قلنا: نعم نحن قوم من مضر، قال: وقال الإمام أحمد: حدثنا روح، حدثنا حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكنيسة، فإذا هو بيهود، وإذا بيهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وسلم أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما لكم أمسكتم))؟ وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، قال: حدثني سليمان بن داود بن الحصين، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، قال: لما قدم تبع المدينة، ونزل بقباء بعث إلى أحبار اليهود فقال: إني مخرب هذا البلد حتى لا تقوم بها يهودية ويرجع الأمر إلى العرب، فقال له شموال اليهودي وهو يومئذ أعلمهم: قال: تكون له مرة وعليه مرة، وبهذا المكان الذي أنت به تكون عليه ويقتل أصحابه قتلا لم تقتلوه في موطن، ثم تكون له العاقبة ويظهر فلا ينازعه هذا الأمر أحد، قال: وما صفته؟ وقال محمد بن سعد: حدثنا محمد بن عمر، حدثني عبد الحميد بن جعفر، عن أبيه، قال: كان الزبير بن باطا وكان أعلم اليهود، يقول: إني وجدت سفرا، كان أبي يكتمه علي، فيه ذكر أحمد نبي يخرج بأرض القرظ، صفته كذا وكذا، فتحدث به الزبير بعد أبيه، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث بعد، فما هو إلا أن سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج بمكة، فعمد إلى ذلك السفر فمحاه وكتم شأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته، وقال: ليس به. قال محمد بن عمر: وحدثني الضحاك بن عثمان، عن مخرمة بن سليمان، عن كريب، عن ابن عباس قال: كان يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر يجدون صفة النبي صلى الله عليه وسلم عندهم قبل أن يبعث، وإن دار هجرته المدينة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أحبار يهود: ولد أحمد الليلة، هذا الكوكب قد طلع، فلما تنبأ قالوا: تنبأ أحمد، قد طلع الكوكب، كانوا يعرفون ذلك، ويقرون به، ويصفونه، فما منعهم إلا الحسد والبغي. وقال محمد بن سعد: أخبرنا علي بن محمد، عن أبي عبيدة بن عبد الله، وعبد الله بن محمد بن عمار بن ياسر وغيره، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: سكن يهودي بمكة يبيع بها تجارات، فلما كانت ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مجلس من مجالس قريش: هل كان فيكم من مولود هذه الليلة؟ قال ابن سعد: وأخبرنا على بن محمد، عن علي بن مجاهد، عن محمد بن إسحاق، عن سالم مولى عبد الله بن مطيع، عن أبي هريرة، قال: ((أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت المدارس، فقال: أخرجوا إلى أعلمكم، فقالوا: عبد الله بن صوريا. وقال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا أبو يحيى الرازي، حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا علي بن مسهر، عن داود، عن الشعبي، قال: قال عمر بن الخطاب: كنت آتي اليهود عند دراستهم التوراة فأعجب من موافقة التوراة للقرآن، وموافقة القرآن للتوراة، فقالوا: يا عمر ما أحد أحب إلينا منك لأنك تغشانا، قلت: إنما أجيء لأعجب من تصديق كتاب الله بعضه بعضا، فبينا أنا عندهم ذات يوم إذ مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا صاحبك، فقلت: أنشدكم الله وما أنزل عليكم من الكتاب، أتعلمون أنه رسول الله، فقال سيدهم: قد نشدكم الله فأخبروه، فقالوا: أنت سيدنا فأخبره، فقال: إنا نعلم أنه رسول الله، قلت: فإني أهلككم إن كنتم تعلمون أنه رسول الله، لِم لم تتبعوه؟ ! قالوا: إن لنا عدوا من الملائكة، وسلما من الملائكة، عدونا جبريل، وهو ملك الفظاظة والغلظة، وسلمنا ميكائيل وهو ملك الرأفة واللين. قلت: فإني أشهد ما يحل لجبريل أن يعادي سلم ميكائيل، ولا لميكائيل أن يعادي سلم جبريل، ولا أن يسالم عدوه، ثم قمت، فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ألا أقرئك آيات نزلت علي قبل، فتلا (من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله) الآية فقلت: والذي بعثك بالحق ما جئت إلا لأخبرك بقول اليهود)) قال عمر: فلقد رأيتني أشد في دين الله من حجر. وذكر أبو نعيم من حديث عمرو بن عبسة قال: رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية، وعرفت أنها على الباطل، يعبدون الحجارة وهي لا تضر ولا تنفع، فلقيت رجلا من أهل الكتاب، فسألته عن أفضل الدين؟ وقال يونس بن بكير: عن قيس بن الربيع، عن يونس بن أبي سالم، عن عكرمة: أن ناسا من أهل الكتاب آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، فلما بعث كفروا به، فذلك قوله تعالى:(وأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون). حديث سهل مولى عثمة النصراني وقال وهب: ((أوحى الله إلى شعيا أني مبتعث نبيا أفتح به آذانا صما وقلوبا غلفا، أجعل السكينة لباسه، والبر شعاره، والتقوى ضميره، والحكمة معقولة، والوفاء والصدق طبيعته، والعفو والمغفرة والمعروف خلقه، والعدل سيرته، والحق شريعته، والهدى أمامه، والإسلام ملته، وأحمد اسمه، أهدي به بعد الضلالة، وأعلم به بعد الجهالة، وأكثر به بعد القلة، وأجمع به بعد الفرقة، وأولف به بين قلوب مختلفة وأهواء متشتتة وأمم مختلفة، وأجعل أمته خير أمة، وهم رعاة الشمس، طوبى لتلك القلوب)). وذكر ابن أبي الدنيا من حديث عثمان بن عبد الرحمن: أن رجلا من أهل الشام من النصارى قدم مكة، فأتى على نسوة قد اجتمعن في يوم عيد من أعيادهم، وقد غاب أزواجهن في بعض أمورهم فقال: يانساء تيماء: إنه سيكون فيكم نبي يقال له: أحمد، أيتما امرأة منكن استطاعت أن تكون له فراشا فلتفعل، فحفظت خديجة حديثه. حديث وهب عن الزبور يا داود إني فضلت محمدا وأمته على الأمم كلها، أعطيتهم ست خصال لم أعطها غيرهم من الأمم: لا أؤخذهم بالخطأ والنسيان، وكل ذنب ركبوه على غير عمد إذا استغفروني منه غفرته لهم، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبت به أنفسهم عجلته لهم أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك، ولهم في المدخور عندي أضعافا مضاعفة أفضل من ذلك. وأعطيتهم على المصائب إذا صبروا واسترجعوا الصلاة والرحمة والهدى فإن دعوني استجبت لهم، يا داود من لقيني من أمة محمد يشهد أن لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي صادقا بها، فهو معي في جنتي وكرامتي، ومن لقيني وقد كذب محمدا أو كذب بما جاء به، واستهزأ بكتابي صببت عليه في قبره العذاب صبا، وضربت الملائكة وجهه ودبره عند منشره في قبره، ثم أدخله في الدرك الأسفل من النار)). خبر الحجر الذي وجد في قبر دانيال قال همام: فأخبرني بسطام بن مسلم أن معاوية بن قرة قال تذاكرنا الكتاب إلى ما صار، فمر علينا شهر بن حوشب فدعوناه، فقال: على الخبير سقطتم، إن الكتاب كان عند كعب، فلما احتضر قال ألا رجل ائتمنه على أمانة يؤديها؟ قال شهر: فقال ابن عم لي يكنى أبا لبيد: أنا، فدفع إليه الكتاب، فقال: ومن ذلك ((أخبار أمية بن أبي الصلت الثقفي)) ونحن نذكر بعضها: كل دين يوم القيامة عند الله إلا دين الحنفية زور. قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: كان أمية بن أبي الصلت يلتمس الدين، ويطمع في النبوة، فخرج إلى الشام فمر بكنيسة، وكان معه جماعة من العرب من قريش وغيرهم، فقال أمية: إن لي حاجة في هذه الكنيسة، فانتظروني، فدخل الكنيسة ثم خرج إليهم كاسفا متغيرا، فرمى بنفسه، فأقاموا عليه حتى سرى عنه، ثم مضوا فقضوا حوائجهم، ثم رجعوا فلما صاروا إلى الكنسية، قال لهم: انتظروني، ودخل الكنيسة فأبطأ، ثم خرج أسوأ من حاله الأول، فقال له أبو سفيان بن حرب: قد شققت على رفقتك، فقال: خلوني فإني أرتاد لنفسي، وأطلب لمعادي، وإن ههنا راهبا عالما أخبرني أنه سيكون بعد عيسى ست رجفات، وقد مضت منها خمس، وبقيت واحدة، فخرجت وأنا أطمع أن أكون نبيا وأخاف أن يخطئني فأصابني ما رأيت، فلما رجعت أتيته فقال: قد كانت الرجفة، وقد بعث نبي من العرب، فأيست من النبوة فأصابني ما رأيت إذ فاتني ما كنت أطمع فيه. قال: وقال الزهري: خرج أمية في سفر فنزلوا منزلا فأم أمية وجها، وصعد في كثيب، فرفعت له كنيسة فانتهى إليها، فإذا شيخ جالس، فقال لأمية حين رآه: إنك لمتبوع فمن أين يأتيك رئيك؟ قال: من شقي الأيسر، قال: فأي الثياب أحب إليه أن تلقاه فيها؟ قال السواد، قال: كدت تكون نبي العرب ولست به، هذا خاطر من الجن وليس بملك، وإن نبي العرب صاحب هذا الأمر يأتيه الملك من شقه الأيمن، وأحب الثياب إليه أن يلقه فيها البياض، قال الزهري: وأتى أمية أبا بكر فقال له: يا أبا بكر، عمي الخبر، فهل أحسست شيئا؟ قال: لا والله، قال: قد وجدته يخرج في هذا العام. وقال عمر بن شبة: سمعت خالد بن يزيد يقول: إن أمية وأبا سفيان بن حرب صحباني في تجارة إلى الشام، فذكر نحو الحديث الأول، وزاد فيه، فخرج من عند الراهب وهو ثقيل، فقال له أبو سفيان: إن بك لشرا فما قضيتك؟ قال: خير، أخبرني عن عتبة ابن ربيعة: كم سنه؟ فذكر سنا، قال: أخبرني عن ماله؟ فذكر مالا، فقال له: وضعته، قال أبو سفيان: بل رفعته، فقال: إن صاحب هذا الأمر ليس بشيخ، ولا ذي مال، قال وكان الراهب: أيأسه وأخبره أن الأمر لرجل من قريش. قال الزبير: وحدثني عمر بن أبي بكر المؤملي، قال: حدثني رجل من أهل الكوفة، قال: كان أمية نائما، فجاءه طائران فوقع أحدهما على باب البيت، ودخل الآخر فشق عن قلبه، ثم رده الطائر، فقال له الطائر الآخر: أوعى؟ قال:نعم، قال: أزكى؟ قال: أبى. وقال الزهري: دخل يوما أمية بن أبي الصلت على أخته وهي تهنأ أدمالها، فأدركه النوم فنام على سرير في ناحية البيت، قالت: فانشق جانب من السقف في البيت، وإذا بطائرين قد وقع أحدهما على صدره، ووقف الآخر مكانه، فشق الواقع صدره فأخرج قلبه فشقه، فقال الطائر الآخر للذي على صدره: إن تغفر أللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما ثم انطبق السقف، وجلس أمية يمسح صدره، فقلت: يا أخي! هل تجد شيئا؟ قال: لا، ولكني أجد حرا في صدري، ثم أنشأ يقول: ليتني كنت قبل ما قد بدالي في قلال الجبال أرعى الوعولا وقال مروان بن الحكم: عن معاوية بن أبي سفيان، عن أبي سفيان بن حرب، قال: خرجت أنا وأمية بن أبي الصلت تجارا إلى الشام، فكان كلما نزلنا منزلا أخرج منه سفرا يقرؤه، فكنا كذلك حتى نزلنا بقرية من قرى النصارى، فرأوه فعرفوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، ثم رجع في وسط النهار فطرح نفسه واستخرج ثوبين أسودين فلبسهما. ثم قال: يا أبا سفيان، هل لك في عالم من علماء النصارى إليه تناهي علم الكتب تسأله عما بدا لك؟ قلت: لا، فمضي هو وحده، وجاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم انجدل على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح وأصبح كئيبا حزينا ما يكلمنا ولا نكلمه، فسرينا ليلتين على ما به من الهم، فقلت له: ما رأيت مثل الذي رجعت به من عند صاحبك؟ قال: لمنقلبي، قلت: وهل لك من منقلب؟ قال: إي والله، لأموتن ولأحاسبن، قلت: فهل أنت قابل أماني؟ فلما رأوه جاؤوه وأهدوا له، وذهب معهم إلى بيعتهم، حتى جاءنا مع نصف النهار فلبس ثوبيه الأسودين وذهب حتى جاءنا بعد هدأة من الليل فطرح ثوبيه، ثم رمي بنفسه على فراشه، فوالله ما نام ولا قام حتى أصبح مبثوثا حزينا لا يكلمنا ولا نكلمه، فرحلنا فسرنا ليالي. ثم قال: يا صخر، حدثني عن عتبة بن ربيعة أيجتنب المحارم والمظالم؟ قلت: إي والله، قال: أو يصل الرحم ويأمر بصلتها؟ قلت: نعم، قال: فكريم الطرفين وسيط في العشيرة؟ قلت: نعم، قال: فهل تعلم قرشيا أشرف منه؟ قلت: لا والله، قال: أمحوج هو؟ قلت: لا، بل هو ذو مال كثير، قال: كم أتي له من السنين؟ قلت: هو ابن سبعين أو قد قاربها، قال: فالسن والشرف أزريا به، قلت: والله بل زاده خيرا، قال: هو ذاك. ثم إن الذي رأيت بي إني جئت هذا العالم فسألته عن هذا الذي ينتظر، فقال:رجل من العرب من أهل بيت تحجه العرب فقلت: فينا بيت تحجه العرب قال هو من إخوتكم وجيرانكم من قريش فأصابني شيء ما أصابني مثله إذ خرج من يدي فوز الدنيا والآخرة وكنت أرجو أن أكون أنا هو، فقلت: فصفه لي؟ فهذا حديث أبي سفيان عن أمية، وذلك حديثه عن هرقل وهو في صحيح البخاري، وكلاهما من أعلام النبوة المأخوذة عن علماء أهل الكتاب. وذكر الترمذي وغيره من حديث عبد الرحمن بن غزوان، وهو ثقة: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبي بكر بن أبي موسى، عن أبيه قال: خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش، فلما أشرفوا على الراهب حطوا عن رحالهم، فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت، قال: فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى إذا جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا، ولا يسجدون إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفيه مثل التفاحة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى، فوالله ما أبغضت شيئا بغضهما، قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه. وجعل أبو طالب لما يرى من الراهب يخاف على ابن أخيه، فقال الراهب لأبي طالب: ما هذا الغلام منك؟ قال: هو ابني، قال: ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا؟ قال: فابن أخي، قال: فما فعل أبوه؟ قال: هلك وأمه حبلى به، قال: فما فعلت أمه؟ قال: توفيت قريبا. فلما فرغوا من تجارتهم خرج به سريعا، وكان رجال من يهود قد رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعرفوا صفته، فأرادوا أن يغتالوه، فذهبوا إلى بحيرا فذكروا له أمره فنهاهم أشد النهي، وقال لهم: أتجدون صفته؟ قالوا: نعم، قال: فما لكم إليه سبيل، فصدقوه وتركوه، ورجع أبو طالب، فما خرج به سفرا بعد ذلك خوفا عليه. خبر عن هرقل أيضا فدخلنا عليه، فإذا هو على سرير له، فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: لا والله لا نكلم رسولا، إنا بعثنا إلى الملك، فإن أذن لنا كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك، قال: فأذن لنا، فقال: تكلموا، فكلمه هشام بن العاص، ودعاه إلى الإسلام وإذا عليه ثياب سوداء، فقال له هشام: فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون، فدخلنا على رواحلنا متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا، فقلنا: لا إله إلا الله والله أكبر، والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح، فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخلوا، فدخلنا عليه وهو على فراش له، وعنده بطارقته من الروم، وكل شيء في مجلسه أحمر، وما حوله حمرة، وعليه ثياب من الحمرة، فدنونا منه فضحك. وقال: ما كان عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم؟ ! وإذا رجل فصيح بالعربية كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك، وتحيتك التي تحيا بها لا يحل لنا أن نحييك بها، قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ فقلنا: السلام عليكم، قال: كيف تحيون ملككم؟ قلنا: بها، قال: كيف يرد عليكم؟ قلنا: بها، قال: فما أعظم كلامكم؟ قلنا: لا إله إلا الله والله أكبر. فلما تكلمنا بها - والله يعلم - لقد انتفضت الغرفة، حتى رفع رأسه إليها، قال: فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة، كلما قلتموها في بيوتكم تنتفض عليكم بيوتكم؟ قلنا: لا، ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك، قال: وددت أنكم كلما قلتموها ينتفض كل شيء عليكم، وإني خرجت من نصف ملكي، قلنا: لِمَ؟ قال: لأنه يكون أيسر لشأنها، وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة، وأن تكون من حيل الناس، ثم سألنا عما أراد، فأخبرناه، ثم قال: كيف صلاتكم وصومكم؟ فأخبرناه، فقال: قوموا. فقمنا فأمر لنا بمنزل حسن، ونزل كثير، فأقمنا ثلاثاً، فأرسل إلينا ليلا فدخلنا عليه، فاستعاد قولنا فأعدناه، ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة، فيها بيوت صغار عليها أبواب، ففتح بيتا وقفلا، واستخرج منه حريرة سوداء فنشرها، فإذا فيها صورة حمراء، وإذا فيها رجل ضخم العينين، عظيم الأليتين، لم أر مثل طول عنقه، وإذا ليست له لحية، وإذا له ظفيرتان، أحسن ما خلق الله. قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا آدم عليه السلام، وإذا هو أكثر الناس شعرا. ثم فتح باباً آخر، واستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة بيضاء، وإذا له شعر قطط، أحمر العينين، ضخم الهامة، حسن اللحية، قال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا نوح عليه السلام. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، وإذا فيها صورة رجل شديد البياض، حسن العينين، صلت الجبين، طويل الخد، أبيض اللحية، كأنه يتبسم، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا إبراهيم عليه السلام. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج حريرة، فإذا صورة بيضاء، وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أتعرفون هذا؟ قلنا: نعم، محمد رسول الله، وبكينا، قال: والله يعلم إنه قام قائماً، ثم جلس، فقال: والله إنه لهو؟ قلنا: نعم، إنه لهو، كأنما ننظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها، ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت، ولكن عجلته لكم لأنظر ما عندكم. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج منه حريرة سوداء، فإذا فيها صورة أدماء سمحاء، وإذا رجل جعد قطط، غائر العينين، حديد النظر، عابس، متراكب الأسنان، مقلص الشفة، كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون من هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسى بن عمران، وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس، عريض الجبين، في عينيه قبل، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارون. ثم فتح باباً آخر، فاستخرج حرير نشرت فى 5 يونيو 2012
بواسطة abdosanad
|
هداية الحيارى لأجوبة اليهود والنصارى
ساحة النقاش