-----------------------
الإيمان
القضاء والقدر
-----------------------
عبد الله بن فهد السلوم
بريدة
8/3/1417
جامع الجردان
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- ذِكر أركان الإيمان ومعنى الإيمان بالقدر 2- الله تعالى هو الذي خلق الأسباب والمُسبِّبات وأن على الإنسان التعلّق بخالق الأسباب لا بالأسباب 3- أثر الإيمان بالقدر على أهل البلاء 4- أركان القضاء والقدر الأربعة ومعناها 5- فوائد الإيمان بالقدر
-------------------------
الخطبة الأولى
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل والحذر من سخطه وأليم عقابه.
أيها المسلمون: اعلموا أن أصول الإيمان ستة وهي أركانه التي لايتم إيمان العبد إلا بها، ومن جحد واحداً منها فهو مشرك كافر، وهذه الأركان هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره.
وحديثنا اليوم عن الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أن تعلم أن الله خلق كل شيء بقدر، وأن ما من شيء إلا قدره الله وكتبه في اللوح المحفوظ وفق حكمته ومشيئته النافذة وإرادته سبحانه وقال تعالى: إنا كل شئ خلقناه بقدر وقد كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، فما يصيب العباد والبلاد والكون والنفوس والحيوان والشجر والجمادات وكل شيء في هذا الوجود وما سوف يصيبها إلا بعد تقدير الله وقضائه، فما أصابك لم يكن ليخطئك ولوحماك سكان السموات والأرض كلهم جميعاً، وما أخطأك لايمكن أن يصيبك ولو اجتمع عليك جميع الخلق لأن قدر الله لا مفر منه مهما كانت الأسباب قال الرسول لابن عباس، والخطاب لجميع الأمة ((واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لا ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لا يضرونك إلا بشئ قد كتبه الله عليك)) [رواه الترمذي].
أيها المسلم: كن على بصيرة من دينك، وأعظم البصيرة ماكان في أمر عقيدتك، واعلم أن من حكمة الله أن جعل الأسباب والمسببات وقرن الأشياء بنتائجها، فالمال سببه السعي والكد، فالله عز وجل هو الذي هيأ الأسباب وقضاها ليسلكها العباد حتى تحصل لهم المسببات والنتائج، وفي هذا حكمة عظيمة لله لتكون الأسباب موصلة إلى النتائج، ففيها العبرة، وفيها الدليل على نعمة الله بما يسره من أسباب لإدراك المطلوب وسلوك السبل الشرعية والسبل المتاحة النافعة لتحقيق أمور الدنيا والآخرة.
ويجب على المسلم أن يتفطن لأمر مهم غفل عنه كثير من المسلمين ألا وهو وجوب التعلق بالله وقطع النظر عمن سواه وعدم التعلق بالأسباب مع وجوب استعمالها والأخذ بها، فالله عز وجل بيده كل شيء فهو مقدر الأسباب والمسببات، فلا راد لحكمه ولا معقب لأمره، فإن العلاج سبب للشفاء فلا تعلق قلبك بالطبيب ولا بالدواء، ولكن علق قلبك بالله، فهو سبحانه الذي إذا أراد شفاك بسبب علاج يسره لك، أو أراد شفاك بدون علاج، فإنه قادر، قال تعالى: وإذا مرضت فهو يشفين وإذا فاتك شيء من رزق أو شيء تتمناه فلم تحصل عليه فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإنه لم يقدره الله، فلو قدره الله لحصل لك ولابد, وكلمة: لو تفتح عمل الشيطان قال الرسول : ((المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، وإذا أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)) [مسلم].
أيها المسلمون: وإذا أصيب العبد بمصيبة في جسمه بمرض أو مال أو ولد أو موت قريب، فليحمد الله وليصبر وليحتسب وليرجع إلى ربه، فإن الله هو الذي قدرها وشاءها فيجب على العبد الصبر، فحينئذ ينشرح صدر المصاب ويطمئن ويسكن قلبه، وهو مع ذلك يؤجر أجراً كبيراً، قال تعالى: ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه قال علقمة: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم ، وقال تعالى: إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ، وإذا لم يصبر المصاب على المصيبة فإنه يتحسر ويشقى وتزداد مصيبته ويخشى عليه أن يتسخط على القدر ويعترض على تقدير الله فيقع في محذور عظيم، في المسند والسنن عن ابن الديلمي قال: أتيت أبي بن كعب فقلت له: في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه من قلبي فقال: لو أنفقت مثل أحد ذهباً ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار.
اللهم اشرح صدورنا للإسلام، ونور قلوبنا بالإيمان واجعلنا من الراشدين ومن الراضين بقدرك حلوه ومره خيره وشره، وثبت قلوبنا على دينك، وصرفها على طاعتك.
عباد الله: واستغفروا الله واذكروه وادعوه يذكركم ويستجيب لكم إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد الله الحكيم العليم الذي بيده الأمر كله الذي يقول للشيء: كن فيكون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: ((رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ورسولاً)).
أيها الإخوة: ولا بد في باب القضاء والقدر أن تؤمنوا بأركانه الأربعة، وهي العلم والكتاب والمشيئة والخلق.
والمقصود بالعلم أن تؤمنوا أن الله بكل شيء عليم فلا يخفى على الله مثقال ذرة في السموات والأرض، فيعلم سبحانه ماذا عمل العباد وماذا سيعملون، ويعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون.
والمقصود بالكتاب أن الله كتب في اللوح المحفوظ عنده مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض، فأول ما خلق الله القلم قال له: اكتب قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة.
والمقصود بالمشيئة أن تؤمن بمشيئة الله العامة وإرادته الكاملة فما شاءه الله كان ولابد ومالم يشأ الله فلا يكون أبداً ولايحدث شيء كبير ولاصغير إلا بمشيئة الله وإراداته تحت سمعه وبصره وقدرته فييسر أسبابه قال تعالى: وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين .
والمقصود بالخلق، أن تؤمن بأن الله خالق كل شيء ومليكه وأن كلاً ميسر لما خلق له، وأن الله خالق العباد وأعمالهم قال تعالى: والله خلقكم وما تعملون ، وأن الله خالق الأسباب والمسببات وقرن النتائج بأسبابها وجعلها نتيجة لها، وعلم عباده تلك الأسباب ليتوصلوا إلى نتائجها فيدركوا مطلوبهم وليتذكروا نعمة الله عليهم.
أيها المسلمون: ومن فوائد الإيمان بالقضاء والقدر أن الإيمان به هو من الإيمان بالله والرضا به رباً سبحانه، لأن توحيد الربوبية هو توحيد الله بأفعاله، ومقادير الخلائق من أفعال الله.
ومن الفوائد أن الرضا بالقضاء والقدر يوجب صدق الإعتماد على الله عز وجل بأن يتوكل العبد على ربه ويعلم أن الأمر من عند الله، وكله بقضائه وقدره فلا يتعلق بالمخلوقين ولا يرجوهم ولا يخافهم ولا يسترزقهم والخليل عليه السلام يقول: فابتغوا عند الله الرزق، وفي السماء رزقكم وما توعدون فإذا صح إيمان العبد فلا يكذب ولا يغضب ربه من أجل المال أو متاع هذه الدنيا الرخيص الفاني، وإذا صدق العبد في توكله على ربه لم يخف من المخلوقين لأنهم لا يملكون له خيراً ولا نفعاً ولا قوتاً ولا حياة، قال علي بن أبي طالب :
أي يومي من الموت أفر …يوم لا يقدر أم يوم قدر
يوم لا قدر لا أرهبه …ومن المقدور لا ينجو الحذر
عباد الله: ومن فوائد الإيمان بالقضاء والقدر دخول الطمأنينة والسكينة في القلب وانشراح الصدر باستقبال ما أصابك، فكله من الله، فحينئذ لا تكدر المؤمن الهموم والأحزان والحسرات والشكوى للمخلوقين، فيظل المؤمن مرتبط القلب بربه راضياً بقضائه وقدره مستيقناً أن اختيار الله له أفضل مما أختاره لنفسه، فيرضى المؤمن بالمصائب دون المعائب، فالمعاصي والفسوق لا يرضاها بل يجب محاربتها والإبتعاد عنها قال تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون .
ومن الفوائد أن العبد لا يعجب بعمله الصالح ولابما يقوم به من طاعات وقربات فلا ينسب الفضل لنفسه، ويتعاظم ويحتقر من هو دونه، بل ينسب الفضل كله لله، فإن الله سبحانه هو الموفق لذلك، وهو المعين، فكل ما صدر من العبد، فهو من الله قال تعالى: وما بكم من نعمة فمن الله .
ومن الفوائد أن يبشر المؤمن بالخير والحياة الرضية الطيبة في الدنيا والآخرة إذا صدق مع ربه في نياته وأقواله وأفعاله، وليطمئن أنه سيجد أمامه ما قدمت يداه، وأن الله لايظلم مثقال ذرة وأنه يجازي على الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وأن الله يقبل توبة من تاب وأناب إليه صادقاً في توبته يريد رضاء ربه والوصول إلى جنته، قال تعالى: للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم مافي الأرض جميعاً ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم وبئس المهاد .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 53 مشاهدة
نشرت فى 3 يونيو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

298,286