القيامة الكبرى
-----------------------
الإيمان
اليوم الآخر
-----------------------
عبد العزيز القرشي
جدة
مسجد التوحيد
محامد و أدعيةطباعة الخطبة بدون محامد وأدعية
-------------------------
ملخص الخطبة
1- قيام الساعة بغتة. 2- النفخة الأولى. 3- النفخة الثانية. 4- الحشر. 5- أهوال يوم القيامة. 6- الشفاعة العظمى. 7- الحساب. 8- الحوض المورود. 9- العبور على الصراط.
-------------------------
الخطبة الأولى
أيها الإخوة، هذا الكون العجيب الغريب الذي نعيش فيه يعجُّ بالحياة والأحياء، في حركةٍ دائبةٍ لا تهدأُ ولا تتوقف، سيأتي عليه يومٌ يفنى فيه من عليه ويهلك، يوم ينفخ في الصور فَتُنْهي الحياةَ في الأرض والسماء، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68].
نفخةٌ هائلةٌ مدمّرة، يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بشيء، ولا يقدر على العودة إلى أهله وخلانه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا، فَلا يَتَبَايَعَانِهِ وَلا يَطْوِيَانهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلا يَطْعَمُهُ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يُلِيطُ حَوْضَهُ ـ أي:يطينه ويصلحه ـ فَلا يَسْقِي فِيهِ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلا يَطْعَمُهَا)) رواه البخاري.
كل هذا إشارة أن الساعة تأتي بغتة، ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً [الأعراف:187].
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((إِنَّ طَرْفَ صَاحِب الصُّور مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرَفُهُ، كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ)) رواه الحاكم وقال: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي وهو في السلسلة الصحيحة (1078).
وَقَالَ : ((كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدْ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ فَيَنْفُخَ؟!)) قَالَ الْمُسْلِمُونَ: فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((قُولُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، تَوَكَّلْنَا عَلَى اللَّهِ رَبِّنَا)) رواه الترمذي وهو في السلسلة الصحيحة (1079).
هكذا يَنفخ إسرافيل في الصور النفخة الأولى، فيكون الصعق، ثم ينفخ الثانية، فيكون البعث، عَنْ أَبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ((بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ))، قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، أَرْبَعُونَ يَوْمًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قَالَ: أَبَيْتُ، قَالَ: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قَالَ: أَبَيْتُ، ((وَيَبْلَى كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الإِنْسَانِ إِلا عَجْبَ ذَنَبِهِ، فِيهِ يُرَكَّبُ الْخَلْقُ)) رواه البخاري ومسلم.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، فَلا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إلاَّ أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا))، قَالَ: ((وَأَوَّلُ مَنْ يَسْمَعُهُ رَجُلٌ يَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ))، قَالَ: ((فَيَصْعَقُ وَيَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ ـ أَوْ قَالَ: ـ يُنْزِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوْ الظِّلُّ ـ نُعْمَانُ الشَّاكُّ ـ، فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ)) رواه مسلم.
أيها الناس، ((تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً))، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: ((الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يُهِمَّهُمْ ذَاكِ، إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً))، ثُمَّ قَرَأَ: كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ [الأنبياء:104]، ((ثم يُكسى العباد، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ)).
يومُ القيامة يومٌ عظيمٌ أمره شديدٌ هوله، لا يلاقي العباد مثله، تزلزل الأرض وتُدك، وتسيّر الجبال وتُنسف، وتفجّر البحار وتُسجّر، وتتشقق السماء وتمور، وتكوّر الشمس وتذهب، ويُخسف القمر، وتنكدر النجوم، ويذهب ضوؤها، وينفرط عقدها، تذهل المرضع عن وليدها، وتُسقط الحامل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد، يومٌ تشخص فيه الأبصار، وترتفع القلوب إلى الحناجر، ويشيب فيه الولدان، يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيه وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ [المعارج:11-14].
مثِّل لنفسك أيها الْمغرور…يوم القيامة والسماء تَمور
إذا كورت شَمس النهار وأُدنيت…حتى على رأس العباد تسير
وإذا النجوم تساقطت وتناثرت…وتبدلت بعد الضياء كدور
وإذا البحار تفجرت من خوفها…ورأيتها مثل الْجحيم تفور
وإذا الجنين بأمه متعلق…يَخشى القصاص وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف جنينه…كيف المصر على الذنوب دهور
((يَجْمَعُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي ـ مِنْ الإِسْمَاعِ أَيْ: أَنَّهُمْ بِحَيْثُ إِذَا دَعَاهُمْ دَاعٍ سَمِعُوهُ ـ، وَيَنْفُذُهُمْ الْبَصَرُ ـ مَعْنَاهُ: أَنَّهُ يُحِيط بِهِمْ النَّاظِر لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْء; لِاسْتِوَاءِ الْأَرْض لَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَتِر بِهِ أَحَد عَنْ النَّاظِرِينَ ـ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ يوم الْقِيَامَةِ مِنْ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ، فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ ـ وسطه ـ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنْ الْغَمِّ وَالْكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَمَا لاَ يَحْتَمِلُونَ، فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: أَلاَ تَرَوْنَ مَا أَنْتُمْ فِيهِ؟! أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ؟! أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ؟! فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ: ائْتُوا آدَمَ، فَيَأْتُونَ آدَمَ، ثم إِلَى نُوحٍ، ثم إِلَى إِبْرَاهِيمَ، ثم إِلَى مُوسَى، ثم إِلَى عِيسَى، فيقدّم كلُ واحدً منهم عُذرَه، ثم يَأتونَ مُحَمَّدًا ))، قَالَ : ((فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي)) رواه مسلم.
تُنْصَبُ الموازين، فتُوزن بها إعمال العباد، وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ [الأعراف:8، 9]، وتُنشَرُ الدَّواوينُ، وهي صحائف الأعمال، فآخذٌ كتابه بيمينه، وآخذٌ كتابه بشماله من وراء ظهره.
ويُحاسبُ اللهُ الخلائق، ويَخلو بعبدهِ المؤمن فيقرره بذنوبه، فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: ((هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ فِي الظَّهِيرَةِ لَيْسَتْ فِي سَحَابَةٍ؟)) قَالُوا: لاَ، قَالَ: ((فَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَيْسَ فِي سَحَابَةٍ؟)) قَالُوا: لاَ، قَالَ: ((فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ إلاَّ كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ أَحَدِهِمَا، قَالَ فَيَلْقَى الْعَبْدَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟! فَيَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟! فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّانِيَ فَيَقُولُ: أَيْ فُلْ، أَلَمْ أُكْرِمْكَ وَأُسَوِّدْكَ وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالإِبِلَ وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَرْبَعُ؟! فَيَقُولُ: بَلَى أَيْ رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاَقِيَّ؟! فَيَقُولُ: لاَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي، ثُمَّ يَلْقَى الثَّالِثَ فَيَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ، وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيْرٍ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَا هُنَا إِذًا، قَالَ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: الآنَ نَبْعَثُ شَاهِدَنَا عَلَيْكَ، وَيَتَفَكَّرُ فِي نَفْسِهِ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيَّ؟! فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ وَيُقَالُ لِفَخِذِهِ وَلَحْمِهِ وَعِظَامِهِ: انْطِقِي، فَتَنْطِقُ فَخِذُهُ وَلَحْمُهُ وَعِظَامُهُ بِعَمَلِهِ، وَذَلِكَ لِيُعْذِرَ مِنْ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ الْمُنَافِقُ، وَذَلِكَ الَّذِي يَسْخَطُ اللَّهُ عَلَيْهِ)) أخرجه مسلم. وفي روايةٍ له: ((فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلاَمِ، قَالَ: فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ)).
اللهم خفف عنا أهوال هذا اليوم، واجعلنا فيه من السعداء، وألحقنا بالصالحين.
-------------------------
الخطبة الثانية
إذا كان يومُ القيامة كانت ثروةُ الإنسان ورأسُ ماله حسناتِه، فإذا كانت عليه مظالمُ للعباد فإنهم يأخذون من حسناته بقدر ظلمهم، فإن لم يكن له حسنات أو فنيت حسناته فإنه يُؤخذ من سيئاتهم فتُطرح فوقَ ظهره، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)) رواه البخاري.
وفي عرصات يوم القيامة الحوض المورود للنبي ، قَالَ النَّبِيُّ : ((حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ ـ وفي رواية: ـ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ، وَكِيزَانُهُ ـ أي: أكوابه ـ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلاَ يَظْمَأُ أَبَدًا)) رواه البخاري، وقَالَ : ((أَلاَ لَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلاَ هَلُمَّ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا سُحْقًا)) رواه مسلم.
ثم تفّكر الآن ـ يا عبد الله ـ فيما يحلّ من الفزع بفؤادك إذا رأيت الصراط ودقته، ثم وقع بصرك على سواد جهنم من تحته، ثم قرع سمعك شهيق النار وتغيّظها، وقد كُلفت أن تمشي على الصراط مع ضعف حالك واضطراب قلبك وتزلزل قدمك وثقل ظهرك بالأوزار المانعة لك من المشي على بساط الأرض فضلاً عن حِدة الصراط.
قَالَ : ((وَتُرْسَلُ الأَمَانَةُ وَالرَّحِمُ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيْ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ))، قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: ((أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟! ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ، وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ، حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إلاَّ زَحْفًا))، قَالَ: ((وَفِي حَافَتَيْ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ، مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنْ أُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ ـ مجروحٌ مقطّعُ الأعضاء ـ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ)) أي: مدفوعٌ ومطروح. رواه مسلم.
فإذا عبروا على الصراط وُقِفوا على قنطرةٍ بين الجنة والنار، فيُقتص لبعضهم من بعض، فَعَن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ((يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لأحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا)) رواه البخاري.
رَبِّنا قِنِا عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ، اللَّهُمَّ أَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، وَأَجِرْنَا مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ الآخِرَةِ...

المصدر: موسوعة خطب المنبر احمد السني
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 23 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,583