مذبحة الإخوان فى ليمان طره


إخوان ويكي

الإهداء

إلى الرجل الذي تصدى للطغيان .. ووقف في وجه الطاغية الدكتاتور ثابتًا كالجبل الأشم مرفوع الرأس .. صادق العهد مع ربه .. وفيا .. أمينا لدعوته حتى النهاية..

إلى الإمام الممتحن.. المرشد العامللإخوان المسلمين المرحوم حسن إسماعيل الهضيبي.

جابر رزق

مقدمة الطبعة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

مرت عشر سنوات على ظهور الطبعة الأولى من كتاب «مذبحة الإخوان في ليمان طرة» وهو كتاب وثائقي بالدرجة الأولى حول أبشع «مذبحة» أقامها نظام الطاغية عبد الناصر لمجموعة من الإخوان المسلمين ممن حكم عليهم في أحداث سنة 1954 عقب «حادث المنشية» التمثيلية المفضوحة والتي أعدم بسببها ستة من قادة الإخوان على رأسهم الشهيدان عبد القادر عودة والشيخ محمد فرغلي قائد المجاهدين الإخوان في حرب فلسطين وعلى ضفاف القنال .. وصدرت أحكام بالسجن على أكثر من ثمانمائة من أطهر أبناء الشعب المصري وأشرفهم وأخلصهم لأمتهم.

أقيمت المذبحة في أول يونيو سنة 1957 لمائة وثمانين من الإخوان المسلمين هم الذين بقوا في سجن ليمان طره بعد ترحيل إخوانهم إلى سجن المحاريق وسجن بني سويف .. وسجن أسيوط وغيرها من السجون خارج القاهرة.

لقد بلغ الطاغية عبد الناصر ورجال حكمه من النذالة والخسة واللا إنسانية أن أطلقوا الرصاص على المائة والثمانين من المسجونين من الإخوان المسلمين داخل الزنازين وهم عزل لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم لا لشيء إلا رغبة في إبادتهم ﴿ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾؟

واستشهد أكثر من عشرين من الإخوان .. وفقد عقله أكثر من العدد... واستطاع الطاغية الدكتاتور أن يحيط «المذبحة» بجدار من الصمت والتعتيم حتى لا يعرف الشعب المصري شيئًا عن المذبحة وكان لابد أن يمضي أكثر من عشرين عاما على المذبحة حتى تصدر الطبعة الأولى من كتاب «مذبحة الإخوان في ليمان طره» لتفضح الطاغية العميل وأزلام نظام الذين نفذوا جريمة المذبحة . وأعيد طبع الكتاب مرات... ومرات ومع ذلك لا يزال معظم الشعب المصري لا يعرف عن «مذبحة الإخوان في ليمان طرة» إلا القليل...

وكان لابد أن تمضي عشر سنوات أخرى حتى تظهر هذه الطبعة الجديدة التي تضم أخطر وثيقة عن المذبحة سطرها لواء شرطة بالمعاش كان وقت وقوع المذبحة «ملازم أول» في سجن ليمان طرة.. وشاهد المذبحة بعيينه.. وفي هذه الوثيقة «الشهادة» يكشف اللواء مجيد الخولي الأبعاد الحقيقية للمؤامرة التي انتهت «بالمذبحة»... وكيف طبخ التحقيق للتستر على المجرمين..

إن مذبحة الإخوان المسلمين في ليمان طرة ستبقى مجهولة لدى الشعب المصري حتى يهيء الله المناخ السياسي المناسب الذي تعرض فيه قضية: «مذبحة الإخوان في ليمان طره» أمام القضاء ليصدر فيها حكمه العادل ضد الطاغية السفاح جمال عبد الناصر والمجرمين من أزلام نظامه الذين نفذوا المذبحة وارتكبوا أبشع جرائم العصر... والله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون

23ربيع الأول 1408 - 15 نوفمبر1987

مقدمة الطبعة الأولى

«مذبحة الإخوان في ليمان طره» أقامتها أجهزة جمال عبد الناصر في أول يونيو1957 داخل ليمان طرة فأطلق الرصاص على الإخوان داخل الزنازين فاستشهد واحد وعشرون أخا وجرح اثنا وعشرون... وفقد البعض عقولهم .. وبقيت أسرار «المذبحة» إلى ما بعد وفاة جمال عبد الناصر لم يسمع الشعب شيئًا عنها.. وبعد صدور دستور سنة 1971 وتشكيل جهاز تحقيقات قضايا التعذيب تقدم عدد من أبناء الشهداء ببلاغات إلى النائب العام يطالبون بالتحقيق في «المذبحة» ولكن للأسف هناك من يقول إن الجريمة سقطت بالتقادم فقد مضى عليها أكثر من عشرين عاماً...

وبدأت الصحف تنشر بعض ما سمعته عن المذبحة، ونشر البعض صفحات قليلة في كتاب. .. أو فصلا ضمن كتاب، لكن كل ما كتب لم يوف الموضوع حقه... فأردت أن أجمع مادة أكبر مما نشر .. ولكني لا أدعي أنني وفيت الموضوع حقه.. وعذري ضيق الوقت.. وتفرق الكثيرين ممن عاشوا المذبحة ولا يمكن إعطاء الصورة الكاملة للمذبحة إلا بجمع مشاهدات جميع الأحياء ممن عاشوا المذبحة .. وهذا فوق الجهد الفردي.. وحسبي أنني أقدم أقوال ستة شهود ممن عاشوا المذبحة وكل جهدي أنني سجلت ما قالوه وأعدت صياغته.. شهادة للتاريخ.

وأسأل الله المغفرة .. وأن يختم لي وللإخوان بالصالحات...

القاهرة –شبرا

17 من المحرم سنة 1399هـ

17 من ديسمبر سنة 1978م.

توطئة: الشبيهان

تاريخ مذابح الإخوانالمسلمين في سجون جمال عبد الناصر لم يكتب حتى الآن. وكل ما كتب حتى الآن هو مجرد شذرات أقلام كتبت على عجل ولم تعط للموضوع حقه... ولم تقل كل الحقيقة .. لأن الحقيقة أكبر من أن يستوعبها كتاب أو مقال أو حديث ... أو سلسلة تحقيقات!!

وكم أتمنى لو كتب القادرون من الإخوان الذين عاشوا تلك المذابح مذكراتهم لتكون بين يدي الأجيال التي تسلك طريق الدعوة ... تستلهمها وتسترشد بها وتعرف من بين سطورها طبيعة الطريق الذي اختارته وضراوة المواجهة وحجم العداء .. وعمق الحق.. وخبث الكيد الذي تواجه به دعوة الإسلام التي تمثلها جماعة الإخوان المسلمين ، والتي أصبحت كما قال مرشد الجماعة الثاني المرحوم حسن الهضيبي الإمام الممتحن: «اسما لا يعبر عن منظمة في مصر.. وإنما يعتبر عنوانا لنهضة الإسلام وبعثة وحيوية في جميع البلاد الإسلامية من المحيط إلى المحيط.. وصارت دعوتهم رعبا للمستعمرين وأنصار المستعمرين والمنافقين والظالمين لأن الباطل يفزع من الحق أينما كان وحينما وجد»

وكما قلت في الجزء الأول من كتاب «مذبحة الإخوان في سجون ناصر» إنني لا أكتب تاريخا ولكنني فقط أجمع المادة الخام لصفحة من التاريخ الأسود للحقبة المظلمة التي مكن فيها لجمال عبد الناصر من حكم مصر لينفذ مخططا رهيبًا ضد الإسلام.. وضد الحركة الإسلامية ويمكن لأعداء الإسلام صليبين ويهود وشيوعيين.!!

والدور الذي لعبه جمال عبد الناصر لا يقارن به أي دور إلا الدور الذي لعبه من قبله كمال أتاتورك.

فليس أشبه بعبد الناصر من أتاتورك...

ولا أشبه بأتاتورك من عبد الناصر....

فكلاهما لعب دورا في تاريخ الإسلام لا ينكر، وكلاهما صنع مأساة أمته كما لم يصنعها أحد غيره!! وكلاهما.... حارب الإسلام.. وأنزل بالمسلمين النوازل والمحن!!

وكلاهما رسمت له القوى الخفية صورة أسطورية تعاونت أجهزة الإعلام العالمية.. غربية وشرقية.. ويهودية –في رسمها كي يحكم ويسود ...

وكلاهما .. خدع وخادع.. وغدر وتآمر .. وطغى وتجبر... وقتل وسجن وشرد من أبناء شعبه –لا أقول المئات بل الآلاف!!

وكلاهما عادى الإسلام ورجاله ... كأشد ما يكون العداء وكلاهما عاش بطلا أسطوريا مزيفا.. وبقي بطلا بعد موته لأن القوى الخفية أرادت ذلك!!

وكلاهما رسمت له القوى الخفية دورا في صناعة مأساة أمة الإسلام أداه بحذق فاق كل تصور وبعبقرية في الإجرام والخداع والتآمر والتزييف والتلفيق والإرهاب والقسوة لم يعرف لها مثيل إلا في القليل النادر من صفحات التاريخ الأسود للطغاة!!

وكما كفلتهما القوى الخفية في حياتهما كفلتهما بعد مماتهما!!

«فمصطفى كمال أتاتورك.. ما زال تمثاله أول ما تقع عيناك عليه في مطار استانبول!! وتماثيله تزداد بها الميادين وصورة تباع للسياح في السوق الحرة هناك، والدستور التركي لا يزال حارسا على نظام أتاتورك وكشف مخازيه وفضائحه التي بقيت سرا لأكثر من خمسين عامًا وأجهزة الإعلام في تركيا لا تزال تسبح بحمد أتاتورك وتشيد بإنجازاته التي أدت إلى خراب تركيا وصنعت مأساة شعبها!!»

«ومضي أكثر من نصف قرن على ظهور أتاتورك على مسرح تركيا.. وتنفيذه للمؤامرة الصليبية التي ألغت الخلافة الإسلامية .. وألغت الإسلام وألغت اللغة العربية وشوهت وجه تركيا المسلم وزيفته ومضي أكثر من ثلاثين عاما على وفاة «أتاتورك» ورغم ذلك بقي تاريخ (أتاتورك) بالقهر .. غامضا.. ومعتما.. ومزيفا .. ومزورا!! لأن عصمت إينونو رفيقه وخليفته حماه!! وسن من القوانين ما يحرس به نظامه!! ولأن الأقلام المأجورة لا تزال تقوم بدورها في النفاق والتزييف والتزوير!!»

«ولكن من يرد الله فضيحته لا يستره شيء وهذا ما حدث بالفعل ألصق شخص بأتاتورك هو الذي فضحه طبيب أتاتورك الخاص الدكتور رضا نور الذي لازم أتاتورك فترة حكمه الأسود.. كتب أربعة مجلدات روي فيها ما يعرفه عن أتاتورك وكشف عن فضائحه.. ومخازيه!!»

وكشف الدكتور رضا نور الطبيب الخاص لأتاتورك أبعاد المؤامرة اليهودية الصليبية على الخلافة الإسلامية, والأمة الإسلامية وعلى الدين الإسلامي وعلى الشعب التركي المسلم.. وعلى القيم الإسلامية والتقاليد الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، وعلى كل ما يتصل بالإسلام من قريب أو من بعيد! وكشف عن الثمن البخس الذي بيع به الإسلام ودولته وشعوبه!!»

وكشف ما هو أخطر .. كشف عن أصل أتاتورك وكيف ابن سفاح وأن أمه تزوجت بزوجها على رضا بعد مجيء أتاتورك إلى الحياة بغير أب شرعي!!.. وأنها كانت صاحبة علاقات غير شرعية وكشف حقيقة أمه .. وكونها يهودية من يهود الدونمة الذين هربوا من مذابح التفتيش في أسبانيا واستقروا في سالونيك!! وفضح الدكتور رضا نور .. أخلاق أتاتورك وأنه كان عربيدا زير نساء هاتكا لأعراض الفتيات الصغيرات اللاتي كان يقع اختياره عليهن. .وبعد أن يهتك عرض الواحدة منهن يزوجها لأحد جنوده ويعطية مكافأة...

فضائح.. وأخلاق يندي لها جبين الإنسان الحر..

والدكتور رضا نور طبيب أتاتورك الخاص كتب جزءا من مذكراته في مدينة الأسكندرية وأكملها في لندن وأوصى بعدم نشرها إلا بعد وفاته!! وحدث أن وقعت هذه المذكرات في يد ناشر تركي شاب اسمه «قدير أو غلي» قام بترجمة المذكرات إلى التركية ونشرها على الشعب التركي..

وفزع أتباع الطاغية أتاتورك. .. ومن ورائهم القوة الخفية وعملاؤها فقدم الناشر إلى المحاكمة وحكم عليه بالسجن اثنى عشر عاماً واختفى الكتاب من المكتبات ولكنه يتبادل سرا بين الشباب التركي هناك... ولا حديث للشباب هناك وخاصة الإسلاميين منهم إلا عن حقيقة الدور الذي لعبة أتاتورك وخيانته للإسلام وللأمة الإسلامية وللشعب التركي المسلم والمأساة التي صنعها تنفيذا للمخطط اليهودي الصليبي ضد الإسلام والمسلمين ولأن الشبه بين أتاتورك وجمال عبد الناصر كبير جدًا كما قدمنا لدرجة أن عبد الناصر يوصف بأنه (أتاتورك العصر) بعد إدخال التعديلات التي فرضتها الظروف التي تغير الزمان والمكان واستلزمتها أصول أصول اللعبة القذرة التي دبرتها القوى الخفية لتصنع المأساة التي تعيشها الأمة العربية بصفة خاصة والمسلمون بصفة عامة والتي ستدرك أبعادها الحقيقية الأجيال القادمة بعد اختفاء جوقات التمجيد والتزييف والتعتيم من المرتزقة والانتهازيين والوصوليين والمنتفعين والمتاجرين بالدفاع عن الطاغية الدكتاتور وحكمه وصفحات تاريخه الأسود. ولأن الشبه بين الطاغيتين كبير جدًا.. فإن موقف التاريخ أمام عبد الناصر يشبه موقف التاريخ أمام أتاتورك!! فلا زالت الحقيقة مضيعة.. ومعتمة.. ومجهلة، ولا زالت هناك أقلام مأجورة وأقلام انتهازية تتخذ من الدفاع عن عبد الناصر وسيلة للكسب وطريقة مستترة تقبض بها من أعداء الإسلام في الداخل والخارج على السواء!!

لكن سنين ما بعد عبد الناصر غير سنين ما بعد أتاتورك فالأحداث تتلاحق بصورة أسرع مما كانت عليه هناك.

ومصلحة القوى الخفية اليوم هناك غير مصلحتها بالأمس هناك لذلك لم يحتج الأمر إلى عشرات السنين حتى تنكشف حقيقة الدور الذي قام به عبد الناصر في صنع المأساة وكيف نفذه بأدق ما يكون التنفيذ!!

ومثل ما صنع باتاتورك .. يصنع اليوم بعبد الناصر أقرب الناس إليه.. وأخبرهم به .. وأعلمهم بحاله هم الذين يفضحونه ويكشفون صفحاته .. خالد محي الدين اعترف بأن عبد الناصر كان على علاقة بالمخابرات الأمريكية منذ مارس1952 أي قبل قيام ثورة يوليو بأربعة أشهر فقط وعن طريق كيرميت روزفلت المهندس الأمريكي، لثورات المنطقة وقد تأثرت المنشورات التي كان يصدرها تنظيم الضباط الأحرار بهذه العلاقة.

وتحدث اللواء محمد نجيب في مذكراته أيضا عن هذه العلاقات وعن تواجد كيرميت روزفلت في مكتب جمال عبد الناصر عقب قيام الثورة وتحدث عن دوره في مفاوضات الجلاء بين عبد الناصر والإنجليز.. ودعك مما قاله مايلز كوبلاند صديق عبد الناصر الحميم في كتابه (لعبة الأمم) عن تلك العلاقة وكشف البغدادي عن شخصية عبد الناصر التآمرية عندما دبر ستة انفجارات حدثت كلها في يوم واحد، في أماكن متفرقة، واحد منها في مبنى محطة السكة الحديد، واثنان بالجامعة، وآخر بمحل جروبي وكان غرضه من هذه الانفجارات هو التدليل على ضرورة إعمال البطش والقهر للشعب لأن هذه الانفجارات حدثت نتيجة الميوعة الظاهرة في موقف الحكومة.!!

وكشف البغدادي أيضا عن الأربعة آلاف جنيه التي اشترى بها عبد الناصرالصاوي محمد الذي قاد مظاهرات مارس والتي خرجت تهتف «تسقط الحرية»!!

وتحدث حسن التهامي، وكان من أقرب المقربين من جمال عبد الناصر .. في مقال نشرته له الأهرام: واستدعاني جمال عبد الناصر ببرقية عاجلة فحضرت إلى القاهرة والتقيت في اليوم التالي من وصولي بعدد من أعضاء مجلس الثورة القدامى وزملائي المطلعين على مجريات الأمور حتى استكمل الصورة السياسية للموقف الذي تصورت أنه طلبني للمقابلة بشأنه وحتى أتعامل على ضوئها في وضوح رؤية وأخذني العجب إذ قال لي أحد أعضاء مجلس الثورة القدامى بالنص:

- إياك أن يخدعك مظهره.. إنه في موقف يبحث فيه عن وجوه معروفة باتجاهها الوطني ليتمسح فيها ويخفي وجهه الحقيقي خلفها لأن أوراقه كلها انكشفت في هذه المرحلة!!

ويقول التهامي في نفس المقال:

- وطمع في عبد الناصر أكثر من حوله ولبسوا له جلد النمر واستخدموا معه نفس مادة فكره في الإحاطة بمصائر الناس والتحكم فيها فوضع له أقرب أعوانه ميكروفونات التجسس في مكتبه الخاص وأماكن لقاءاته بالناس وصار يسجل له وعليه كل شيء فانتهت به تلك المرحلة إلى اختلال موازين علاقاته بالناس وارتدت عليه أساليب معاملته لهم فسيطر عليه موازين علاقاته بالناس وارتدت عليه أساليب معاملته لهم فسيطر عليه الخوف والشك: الخوف مما كان يفعله بالبعض خفية والشك في كل شخص تقريبا، وتمزقت نفسه بين هذين الإحساسين واستحال عليه أن يدفن سره في قرارة عقله الباطن الذي أجهده فقتل عبد الحكيم زميله ومعينه على مدى تاريخ حكمه.. وأحس عبد الناصر بانفضاح أمره وانكشاف ستره وتجسدت أمام ضميره نتائج أعماله..

- وقال حسن التهامي: إن عبد الناصر هو الذي أمر عبد الحكيم عامر بالسفر إلى الجبهة بالطائرة في ذات الساعة التي هاجمت فيها طائرات إسرائيل مطاراتنا ولم تطلق بطاريات الدفاع الجوي قذائفها خوفا على طائرة المشير ولما سئل عبد الناصر لماذا هذه الساعة بالذات أعاد إجابته:

- أنا الذي أمرته بالطيران في هذه الساعة أمال يقعد في مصر وعامل نفسه قائد!!

وأجاب عبد الناصر على سؤال حسن التهامي.

من الذي أمر بالانسحاب حقيقة؟

فقال عبد الناصر بمنتهى الصرامة والصراحة والوضوح والتحدي:

أنا الذي أمرته بالانسحاب!!

وسأل التهامي عبد الناصر:

- لماذا كان الانسحاب إلى الضفة الغربية للقناة، ولم يكن إلى الضفة الشرقية التي كان يمكن الدفاع عنها إذا احتلت قواتنا جانبي القناة؟؟

- فقال عبد الناصر بصراحته أيضا وبتهكم:

- أنا أمرت بالانسحاب إلى الضفة الغربية!!

وعلق حسن التهامي على إجابة عبد الناصر السابقة بقوله لعبد الناصر:

-أتخيل أن ذلك كان قضاء مصر وقدرها على يديك ولا زلت أتصور أنه لابد خلف هذا الإجراء شيء آخر سأصل إلى معرفته إن شاء الله يوم ما ولن أقتنع بأن ما حدث خطأ في التصرف من أحدكما.

فماذا يعني حسن التهامي من هذه الفقرة الأخيرة إلا أن هناك مؤامرة وخيانة لمصر وشعب مصر بطلاها عبد الناصر وعبد الحكيم عامر.

وسأل التهامي جمال عبد الناصر:

-من الذي قتل عبد الحكيم عامر أو كيف انتحر؟!

- فقال عبد الناصر بوضوح واختصار:

- عبد الحكيم أخذ السم عندي هنا في البيت!!

إننا ننتظر الكثير من الحقائق التي لم تعرف بعد عن تاريخ جمال عبد الناصر والتي لا تزال معتمة ومجهلة عمدًا، وربما احتاج كشفها إلى عشرات السنين لأن كثيرين من شركاء عبد الناصر لا يزالون أحياء.. وما كشف من تاريخ عبد الناصر الأسود هو القدر الذي لا يلطخ غيره من الأحياء بالخزي والعار أو يصمهم بالخيانة والعمالة للقوى الكبرى!!

إن الحقيقة التاريخية لتلك الحقبة السوداء التي وصلت بالشعب المصري وبالأمة العربية والإسلامية إلى ذروة المأساة لا تزال ضائعة رغم كل ما كتب وقيل على ألسنة الذين شاركوا عبد الناصر فيحكمه الأسود لأن الكثير مما يجب أن يقال لم يحن حينه حتى الآن ولكن مهما طال الانتظار سوف تمزق الأستار ذات يوم فتبدو الحقيقة عارية لا يحجبها شيء عندئذ سترى الأجيال القادمة حقيقة القوى التي كانت تمسك بخيوط الدمى التي صنعتها بيديها وقدمتها على المسرح كأبطال أسطوريين .. ليلعبوا الأدوار التي رسمت لهم حتى ولو كان في ذلك ضياع أوطانهم ... واستذلال شعوبهم!!

وعبد الناصر .. وأتاتورك أنموذجان لهذه البطولة الأسطورية الزائفة . التي أتقنت صنعها القوى العالمية المعادية للإسلام والمسلمين!!

والفرق بين أتاتورك.. وعبد الناصر ... هو أن الأول صناعة إنجليزية...

والثاني صناعة أمريكية..!!

والاثنان حققا لليهود .. أغلى أمانيهم..

أسقط الأول الخلافة الإسلامية!!

وأعطى الثاني شهادة ميلاد لدولة إسرائيل!! بهزيمة يونيو1967...

عبد الناصر ينفذ المخطط الأمريكي للقضاء على الإخوان المسلمين

بعد الحرب العالمية الثانية وجدت أمريكا المسرح العالمي مهيأ لتحل محل إنجلترا وفرنسا زعيمتا الصليبية العالمية عدو الإسلام الحاقد منذ الحروب الصليبية .. وحتى تلك اللحظة....

وبدأت عملية تسلم وتسلم بعد الحرب... بين أمريكا وحليفتيها اللتين كانتا تمثلان الاستعمار القديم المتمثل في الاحتلال العسكري لبلدان الوطن الإسلامي طوال قرنين من الزمان.

وكانت حركة البعث الإسلامي قد اشتد عودها وأصبحت تقود حركات التحرير الشعبية في الوطن الإسلامي الكبير ضد المستعمرين خاصة بعد أن فقدت الشعوب الإسلامية ثقتها في لعبة الأحزاب السياسية التي حكمت من خلالها الدولة الاستعمارية أكثر شعوب الوطن الإسلامي..!!

«وكانت الحرب العالمية الثانية قد سببت نزفا هائلا في احتياطي البترول بأمريكا مما جعل خبراء الاستراتيجية الأمريكيين ينظرون لحقول النفط في بلدان الوطن الإسلامي على أنها المنابع التي يمكن أن تمولهم في المستقبل إذ كانت تلك الحقول غنية وكبيرة إلى حد خيالي، وبها حسب تقدير عام 1948- 60% من احتياطي البترول المؤكد في العالم.. والواقع أن أكثر الاحتياطي العالمي من النفط خارج أمريكا متركز في المنطقة المسماة بالحزام الإسلامي وهذه المناطق يقطنها المسلمون...

لذلك... ومن أجل النفط كانت العلاقات الأمريكية مع العالم العربي.. ومع المسلمين في كل مكان ذات أهمية جديدة»

بالإضافة إلى البترول .. والموقع الاستراتيجي للعالم الإسلامي وكانت مسئولية حماية الدولة اليهودية «الوليدة» تقع على أمريكا وتأمين مستقبلها!!

ورأت أمريكا أن الصفقة رابحة... وعليها أن تعيد تخطيط سياستها... بل وتخطيط المنطقة من جديد!!

ولكن... كانت الحركة الإسلامية –والإخوان المسلمين –في طليعتها هي مصدر الخطر الوحيد الذي يهدد أحلام المستعمرين الجدد!! وبرميل البارود الذي يمكن أن ينفجر فنسف أطماع هؤلاء المستعمرين بما فيهم إسرائيل نفسها.

وبدأت أمريكا تخطط وترسم سياستها معتمدة في ذلك على تجاربها العديدة في دول أمريكا اللاتينية... وكان محور سياستها في المنطقة القضاء على الحركة الإسلامية .. وفي طليعتها الإخوان المسلمين ..!! ولكن كيف؟!

ولم تطل الحيرة بالمسئولين الأمريكيين الذين عهدوا إلى وكالة المخابرات المركزية بمشروع نموذجي .. كتجربة أولية واختيرت بلاد الشام عام 1949 لتكون حقل التجربة الأمريكية في قيام الانقلابات العسكرية التي توالت بعد ذلك في دول الوطن الإسلامي ثم كانت العملية الكبرى في مصر نقطة الارتكاز ومفتاح السيطرة الكاملة على المنطقة!! وبدأت اللعبة وكان المسرح في مصر مهيأ تمامًا.

يقول أحمد مرتضى المراغي وزير داخلية مصر عند قيام الثورة:

«لا أظن أن المصادفة المحضة التي جاءت بكيرميت روزفلت إلى القاهرة خصوصا أنه قد تبين أن كيم روزفلت هو من كبار رجال المخابرات الأمريكية، وكان له دور بارز في ما بعد في إسقاط حكومة مصدق في إيران وليست المصادفات هي التي أتت برجال الأعمال الأمريكيين إلى القاهرة ولا هي التي جعلت الحكومة الأمريكية تضاعف عدد رجال السفارة الأمريكية في القاهرة .. .كل ذلك في وقت كانت مصر في حالة غليان ضد الحكم القائم وعلى رأسه الملك فاروق وكانت حركة الضباط الأحرار قد اشتد ساعدها إلى أبعد مدى وجابهت الملك في انتخابات نادي الضباط وأعلنت تحديها له بترشيح اللواء محمد نجيب لرئاسة نادي الضباط ضد مرشح الملك اللواء حسين سري عامر.. وكانت منشورات الضباط الأحرار تغمر شوارع المدن المصرية وكانت أسماؤهم معروفة أكثرها لدى الحكومة وقائد الجيش حيدر فكيف لا تكون معروفة لدى المخابرات الأمريكية والبريطانية؟!! بل كانت معروفة».

«ولما يئس الأمريكان والإنجليز من فاروق اتجهوا نحو الضباط الأحرار وحالوا الاتصال بهم وجرت هذه المحاولة عن طريق ضابطين في الجيش هما البكباشي عبد المنعم أمين.. وقائد الجناح علي صبري والتقطت المخابرات الأمريكية من وسط الضباط الأحرار جمال عبد الناصر.. أقوى شخصية في التنظيم وقام التفاهم ولعب عبد الناصر دوره بحذق..

كتبت النيويورك تايمز الأمريكية مقالا في عددها الصادر نهار الخميس 28إبريل سنة 1966.. قالت: «يتوجب الشكر لجمال عبد الناصر فصلاته بوكالة المخابرات المركزية قبل أن يستولي على السلطة في مصر مكنت هذه الوكالة أي الـ (سي آي ايه) من أن يكون لها صفقات وثيقة مع حكومة ناصر قبل أن تثير الولايات المتحدة غضبه بسحب مساعدتها الموعودة لبناء سد أسوان.. واستمرت بعض هذه الصلات المصرية مع الوكالة حتى في السنوات الأخيرة التي مرت فيها العلاقات المصرية ببعض الشدة» وكان القضاء على جماعة الإخوان المسلمين واحد من تلك الصفقات بين حكومة ناصر ... وبين المخابرات المركزية!!

واستطاعت المخابرات المركزية أن تقنع عبد الناصر بتطابق مصلحته مع مصلحتها في ضرب جماعة الإخوان المسلمين بل أكثر من ذلك هي التي فكرت له – وخططت لإيجاد المبرر الذي يتخذه عبد الناصر أمام الشعب المصري لضرب الإخوان المسلمين وكان المبرر هو «حادث المنشية» الذي يعتبر نقطة التحول الخطيرة في تاريخ عبد الناصر وتاريخ مصر بل وتاريخ الأمة العربية!!

لماذا أمر عبد الناصر بإطلاق الرصاص على الإخوان داخل ليمان طره؟

نجحت أجهزة عبد الناصر في تدبير حادث المنشية ونفذته بحذق ومهارة عملا بنصيحة «الخبير الأمريكي في الدعاية والإعلام» كما سماه حسن التهامي في مجلة روز اليوسف حين كتب عن الحادث وقال عنه:

«كان أشهر خبراء العالم وقتها في الدعاية وكان قد حضر إلى مصر وكان من بين مقترحاته غير العادية والتي لم تتمش مع مفهومنا وقت اقتراحها هو اختلاق محاولة لإطلاق الرصاص على عبد الناصر ونجاته منها فإن هذا الحادث بمنطق العاطفة والشعور الشعبي لابد وأن يزيد شعبية عبد الناصر لتأهيله للحكم الجماهيري العاطفي أكثر من أي حملة دعائية منظمة توصله إلى القيادة الشعبية من أقرب الطرق العاطفية بالنسبة لنا كان مرادفة هذا الحادث لهذه الفكرة وحدوثها بعد الاقتراح بشهور قليلة جدا مثار دهشة كنا فسرناها وقتها توارد أفكار عجيبة ومصادفة غير عادية» انتهى كلام حسن التهامي وهو واحد من أقرب رجال عبد الناصر في تلك السنوات!!

والحقيقة –في ظني- أن الخبير الأمريكي هذا لم يكن خبيرا في الدعاية- كما يقول حسن التهامي – وإنما كان واحدا من رجال المخابرات الأمريكية الذين خططوا وأعدوا ونفذوا «العملية الكبرى» في مصر وهذا ما اعترف به مايلز كوبلاند رجل المخابرات الأمريكية والصديق الشخصي لجمال عبد الناصر في كتابه «لعبة الأمم» حين قال:

«ومن ناحية تنفيذ العملية يقصد ثورة يوليو!! كان من المعتقد أن ذلك سهل ليس فقط بسب طبيعة شعبها وطبيعة ساستها بل أيضا بسبب أن عندنا منفذين مشهود لهم بالمهارة يعرفون البلاد معرفة جيدة ومن بينهم روزفلت نفسه رئيس اللجنة» ولقد حققت «مسرحية المنشية» النتائج التي تصورها خبير الدعاية الأمريكي في رأي حسن التهامي.. ورجل المخابرات الأمريكية في رأينا وكنت نقطة التحول الخطيرة في التاريخ لا أقول في تاريخ عبد الناصر كما قال عبد اللطيف البغدادي في مذكراته الجزء الأول ص190 معلقا على نتائج الحادث:

«وقد نال جمال عبد الناصر عطف الشعب وإعجابه على أثر هذا الحادث وكانت هذه هي نقطة تحول لصالحه! وبعد أن كانت أغلبية الشعب تنظر إليه نظرة عدم ارتياح منذ أزمة محمد نجيب إلا أنه بعد هذا الحادث انقلب الوضع ونال إعجابهم وتقديرهم ولقد عاد جمال إلى القاهرة في اليوم التالي للحادث من الأسكندرية بالقطار واستقبلته جماهير الشعب في محطات السكك الحديدية المختلفة استقبال الأبطال كما استقبل في القاهرة استقبالا شعبيا حافلا وكانت هذه الخطوة –يقصد /index.php?title=%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB_%D8%A7%D9%84%D9

المصدر: نافذة مصر

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 20 مايو 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,085