خطب ومحاضرات

هل يليق أن يسجن الأخ أخاه ورفيقه في درب الكفاح والجهاد؟ ماذا جنى هؤلاء الأخوة إلا أنهم أحرار شرفاء غيارى على قضيتهم

لازلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لازلنا نعيش في رحاب أعظم شخصية إنسانية، أدَّبها ربها فأحسن تأديبها وعلَّمها فأحسن تعليمها وبعثها بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، لازلنا مع شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، ونريد أيها الأخوة أن نقف مع سيرته عليه الصلاة والسلام .. السيرة النبوية السيرة المحمدية السيرة المتميزة التي لا يُعرف في التاريخ سيرة تضاهيها أو تدانيها، إنها سيرة لها جملة خصائص ومميزات..

سيرة علمية لها مصادرها الواضحة

القرآن الكريم أعظم مصادر السيرة النبوية

المصادر الأخرى للسيرة النبوية

سيرة مكتملة الحلقات

سيرة تشمل كل جوانب حياته

الأنبياء في حياتهم أسوة في مواضع معينة

سيرة فيها متسع للقدوة لكل البشر

سيرة تعتبر من أنصع الأدلة على صدق النبوة

ليست سيرة دجَّال ولا كاهن

ليست سيرة مَلِك ولا طالب مُلْك

بعض مواقفه مع أهله

المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية

كيف أبيع أخي وكيف أضحي به؟

نناشد الأخوة في السلطة بالإفراج عنهم

سيرة علمية لها مصادرها الواضحة

أيها الأخوة المسلمون .. لازلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لازلنا نعيش في رحاب أعظم شخصية إنسانية، أدَّبها ربها فأحسن تأديبها وعلَّمها فأحسن تعليمها وبعثها بالهدى ودين الحق ليكون رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، لازلنا مع شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، ونريد أيها الأخوة أن نقف مع سيرته عليه الصلاة والسلام .. السيرة النبوية السيرة المحمدية السيرة المتميزة التي لا يُعرف في التاريخ سيرة تضاهيها أو تدانيها، إنها سيرة لها جملة خصائص ومميزات، أولى خصائصها أنها سيرة علمية ليست سيرة شفوية يحكيها الناس بعضهم عن بعض ليس لها مصادر معلومة ولا مراجع ثابتة، لا .. بل هي سيرة علمية لها مصادرها الواضحة البيِّنة المعلومة وأول مصادرها وأعظمها هو القرآن الكريم الذي تحدَّث عن هذه السيرة بإجمال ولكنه إجمال بيِّن وموضح يضيء المعالم ويحدد المنارات في هذه السيرة أو في هذه الحياة المحمدية النبوية، حدَّثنا القرآن الكريم عن طفولة محمد صلى الله عليه وسلم وعن حياته قبل البعثة بإشارات (ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى)، (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)، (وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك)، (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون).

القرآن الكريم أعظم مصادر السيرة النبوية

وفي حياته صلى الله عليه وسلم بعد البعثة أفاض القرآن الكريم حدثنا كيف أعرض عنه الناس وكيف قابلوه بالإيذاء وكيف كان عليه الصلاة والسلام يعِزُّ عليه إعراض قومه حتى يشقي نفسه بالأسى والحزن حتى يقول له القرآن (ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى)، (لعلك باخع نفسك ـ قاتل نفسك ـ ألا يكونوا مؤمنين)، (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً)، (فلا تذهب نفسك عليهم حسرات)، هكذا كان صلى الله عليه وسلم يؤذيه منهم ويحزنه هذا الموقف الذي لم يعتده منهم قبل البعثة، كانوا يسمونه الصادق الأمين، والآن يقولون (افترى على الله كذباً)، إن هو إلا ساحر، إن هو إلا شاعر، بل هو رجل مجنون، وهكذا ولذلك جاء في القرآن هذا النهي عدة مرات (ولا يحزنك قولهم) لأن الإنسان يحزنه أشد الحزن أن يجد من كان يثق فيه يتقوَّل عليه الأقاويل ويفتري عليه الأكاذيب، هكذا كان صلى الله عليه وسلم وفي حياة المدينة حدَّثنا القرآن حديثاً أطول عن الغزوات التي غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وعقَّب عليها القرآن بآياته في عدد من سوره خصوصاً الغزوات الكبيرة، حدَّثنا عن غزوة بدر في سورة الأنفال، وحدَّثنا عن غزوة أحد في سورة آل عمران، وحدَّثنا عن غزوة بني النظير في سورة الحشر، وحدَّثنا عن غزوة الخندق وبني قريضة في سورة الأحزاب، وحدَّثنا عن غزوة الحديبية في سورة الفتح، وحدَّثنا عن غزوة تبوك في سورة التوبة وهكذا حدَّثنا وأشار إلى حنين في سورة التوبة أيضاً، القرآن الكريم أعظم مصادر السيرة النبوية.

المصادر الأخرى للسيرة النبوية

وهناك لهذا السيرة مصادر في كتب السنة في دواوين الحديث النبوي في البخاري وفي مسلم وفي أبي داود وفي غيرها من كتب السنة نجد أحداث السيرة النبوية نجد أحداث المغازي ونجد أحداث الإسراء والمعراج ونجد أحداث وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحداث الهجرة وأحداث .. وأحداث .. في كتب السنة النبوية. وهناك كتب للسيرة .. خُصِّصت للسيرة، مثل سيرة ابن اسحاق وسيرة ابن هشام وسيرة الواقدي وغيرها مما كُتِب في السيرة خاصة، وهناك كتب التاريخ العام مثل تاريخ الطبري وتاريخ ابن الأثير وتاريخ ابن كثير وغير هؤلاء هم يخصصون للسيرة جانباً كبيراً من تاريخهم لأن السيرة النبوية هي جزء من التاريخ العام وهي بداية التاريخ الإسلامي فكل هذه الكتب عُنِيت بالأمر وابن كثير عُنِي بهذا أكثر من غيره خصوصاً أنه مؤرِّخ ومحدِّث ومفسِّر حتى إن كتابه في السيرة النبوية صدر في أربعة أجزاء، هناك كتب تتحدث عن الشمائل النبوية مثل شمائل الترمذي وشروحها عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن هديه في الحياة كما عرض لذلك الإمام ابن القيِّم في كتابه "زاد المعاد في هدي خير العباد" هناك كتب المعجزات النبوية التي عبَّر عنها العلماء باسم "دلائل النبوة" الدلائل التي تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه ما أظهره الله على يده من المعجزات الحسية والمادية وهي كثيرة جداً ككتاب أبي نُعيم الأصفهاني وكتاب البيهقي في دلائل النبوة وهو من عدة مجلدات..

سيرة مكتملة الحلقات

كل هذه مصادرة لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فسيرته ليست سيرة عامية مثل سيرة أبو زيد الهلالي أو سيرة عنترة بن شداد أو سيرة الزير سالم أو السِيَر التي يتناولها الناس ثم كتبت في كتب وليس لها أي قيمة علمية إنما هذه سيرة علمية ثابتة، ثم هي سيرة مكتملة الحلقات لا تجد شخصية في التاريخ القديم اكتملت حلقات حياتها وسيرتها كما اكتملت حلقات السيرة النبوية، تجد فجوات تعرف جزءاً من حياة هذا العظيم الذي يكتب الناس سيرته غير معروفة فجوات مناطق في حياته غير معلومة، كيف وُلِد كيف نشأ كيف رُبِّي كيف كان شبابه كثير من هذه الأشياء ليست معروفة أما محمد صلى الله عليه وسلم فمنذ وُلِد وحياته معروفة كيف وُلِد ومن أرضعه واسم المرأة التي أرضعته وما حدث عندها من أحداث في قبيلتها وكيف نشأ صغيراً وكيف ماتت أمه، ومات جده ومن كفله ورحلاته في صباه وفي شبابه مع عمه وكيف رعى الغنم وكيف اشتغل بالتجارة وكيف تزوَّج خديجة ..الخ، حياته صلى الله عليه وسلم معروفة، صحيح أن حياته المكية ليست معروفة بالتفصيل مثل حياته المدنية بعد أن أقام مجتمعاً وأسَّس دولة وأصبحت له علاقات ولكن كل حياته عليه الصلاة والسلام معروفة ليس فيها حلقة ناقصة.

سيرة تشمل كل جوانب حياته

ثم هي سيرة أيضاً مستوعبة لكل جوانب حياته عليه الصلاة والسلام، سيرته مع أهله مع زوجاته، سيرته مع أبنائه وبناته سيرته مع أحفاده، سيرته مع أصحابه، سيرته مع أعدائه سيرته في مأكله وفي مشربه وفي ملبسه في مركبه في ضحكه وبكائه، في سفره وحضره في صَلاته وصِلاته بربه، في إنفاقه إذا أنفق، في حجه في اعتماره كل هذه مستوعبة، لا توجد جزئية من الجزئيات تطبق عليها دائرة حمراء يقال هذه خصوصية من خصوصيات محمد ليس لنا علاقة بها .. لا، حياة مفتوحة مكشوفة للناس، يقول "حدِّثوا عني" كانت تروي حياته الخاصة تسع نسوة من زوجاته مات عنهن صلى الله عليه وسلم فليس هناك شيء في حياته لا يروى للناس لأن حياته موضع القدوة، وموضع التشريع وحتى علاقاته الخاصة بنسائه كُنَّ يروينها للناس ليتعلم الناس منها، تقول عائشة "كان يُقبِّلُني وهو صائم"، "كان يأمرني فأتَّزر فيباشرني وأنا حائض" هذه الخصوصيات تروى للناس، حياة مكشوفة حياة رجل ليس فيها عيب، يقول غطي على هذا أو ليس لنا علاقة بهذا كثير من العظماء الآن يقول لك لا علاقة لنا بحياته الخاصة نترك حياته الخاصة له، لأن له مباذل وله شهوات وله انحرافات به كذا ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم جعل الله تعالى حياته أسوة للناس (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر).

الأنبياء في حياتهم أسوة في مواضع معينة

ثم هي حياة جامعة سيرة جامعة متنوِّعة فيها متسع للقدوة وللأسوة لكل البشر، ما من بشر إلا ويجد في هذه السيرة ما يأخذ منه الأسوة الحسنة، فيها الشمول مثل شمول الدين الذي جاء به، هو دين شامل للدنيا والآخرة للفرد والمجتمع وللروح والمادة للعقل والقلب، هذا الدين الشامل تكافؤه سيرة شاملة لصاحبه، الرسل والأنبياء قبل محمد صلى الله عليه وسلم نجد في حياتهم أسوة في مواضع معينة كل رسول اختص بناحية من النواحي فنجد مثلاً سليمان ممكن أن يأتسي به الحاكم الذي آتاه الله الملك الرجل الذي آتاه الله المال ولكن الرعية لا تجد في حياته أسوة، الفقير لا يجد في حياته أسوة، نجد مثلاً المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام كان رجلاً زاهداً في الدنيا هجر الحياة وزينتها وأعرض عن طيباتها حتى عن الزواج، فيستطيع الإنسان الذي يريد الزهادة في الدنيا والإعراض عن طيباتها أن يجد فيه أسوة ولكن هل يستطيع الإنسان الغني أن يجد في حياة المسيح أسوة، لا .. لأنه لم يملك مالاً، هل يجد الزوج في سيرة المسيح أسوة، لا .. لأنه لم يتزوج وبالتالي لن يجد الأب ولن يجد الجد في حياته أسوة، هل يجد صاحب الدولة الحاكم الذي آتاه الله الملك أن يجد في سيرة المسيح أسوة، لا .. لأنه لم يحكم، هل يجد المقاتل الذي خاض الحرب فانتصر في كثير من الأحيان وأنكر جيشه في بعض الأحيان هل يجد في حياة المسيح هذا، لا يجد لأنه لم يحارب ولم يقاتل إذن القدوة في حياة المسيح محدودة.

سيرة فيها متسع للقدوة لكل البشر

أما محمد صلى الله عليه وسلم فحياته رحبة فسيحة فيها مجال لكل من يريد أن يقتدي ويأتسي، يستطيع الشاب أن يجد في حياته أسوة عندما كان شاباً يأكل بكد يمينه وعرق جبينه لا يتكل على نسبه ولا حسبه، يستطيع العزب أن يجد في حياته أيضاً أسوة لأنه ما تزوج إلا في الخامسة والعشرين من عمره فهو عاش عزباً مدة من حياته يستطيع أن يجد فيها أسوة، يستطيع الزوج ذو الزوجة الواحدة أن يجد في حياته أسوة عندما كان زوجاً لخديجة عاش معها معظم حياته إلى الخمسين من عمره 25 سنة، ويستطيع من يتزوج أكثر من واحدة أن يجد في حياته أسوة لأنه في حياته العشر سنوات الأخيرة تزوج عدة زوجات وكان منهن البكر ومعظمهم ثيبات ومنهن الصغيرة ومنهن الكبيرة ومنهن العربية ومنهن الإسرائيلية ومنهن .. ومنهن .. أنواع شتى .. كيف ساس هؤلاء جميعاً، يجد من تزوج أكثر من واحدة في حياته أسوة، يجد الأب في حياته أسوة .. الأب حينما يُرزق الأولاد والأب حينما يُبتلى بوفاة الأولاد، يجد الجد في حياته أسوة كيف يعامل الأحفاد كما كان يعامل الحسن والحسين وغيرهما، يجد المقاتل في حياته صلى الله عليه وسلم أسوة كيف يكون القتال وكيف تكون آداب القتال وعندما ينتصركيف يقابل النصر وعندما تنكسر عساكره كيف يقابل الهزيمة كما في أحد، كيف أقام الدولة .. صاحب الملك رئيس الدولة الأمير أو الملك أو رئيس الجمهورية يجد في حياته أسوة لأنه حكم فعدل وأقام الموازين القسط بين الناس وترك لنا تراثاً هائلاً في ذلك كله، كل إنسان يجد في حياته صلى الله عليه وسلم أسوة، الحاكم والمحكوم لأنه عاش محكوماً في مكة وعاش حاكماً في المدينة، الفقير والغني لأنه عاش فقيراً في فترة من الفترات حتى كان يشد الحجر على بطنه بل حجرين من الجوع، وآتته الدنيا حينما فتح الله عليه الفتوح وهيأ له الغنائم ودان له العرب وجزيرة العرب فجرَّب هذا وجرب ذاك، مَن مِن رسل الله عنده مثل هذا، هذا محمد صلى الله عليه وسلم اختصه الله بهذا لأنه خاتم الرسل بخاتمة الرسالات بهذا الدين العظيم الذي ميزه الله بالعموم والخلود والشمول.

سيرة تعتبر من أنصع الأدلة على صدق النبوة

هذه السيرة النبوية الجامعة الشاملة المستوعبة مكتملة الحلقات السيرة العلمية هذه السيرة تعتبر من أنصع الأدلة وأوضح البراهين على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، من تأمَّل هذه السيرة حق التأمُّل وتدبر وقائعها حق التدبُّر علم أن صاحب هذه السيرة الناصعة لا يمكن أن يكون إلا نبياً مرسلاً من عند الله، كل إنسان تنبئ عنه سيرته كما يقول الشاعر:

ويقول الآخر:

إذا كنت دجَّالاً وكذاباً كما قال الحكيم: "تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، وتستطيع أن تخدع بعض الناس كل الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت"، لابد أن ينكشف زيفك هذه حقيقة من حقائق الحياة، محمد صلى الله عليه وسلم عاش ومات وهو صادق كل الصدق عرفه بذلك أقرب الناس إليه وأقرب الناس إلى الإنسان هم الذين يكشفون زيفه ويعرفون باطله لأنه قد يخبئ عن الآخرين ولكنه لن يستطيع أن يخبئ على أصحابه الأقربين وعلى أهله ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان في القمة عند أصحابه وعند نساءه من أمهات المؤمنين وعند أقرب الناس إليه الذين عرفوه أحبوه والذين عاشروه قدَّروه وكلما ازداد الإنسان منه قرباً ازداد له حباً، انظر إلى أبي بكر رضي الله عنه كان أقرب الناس إلى رسول الله في الجاهلية وفي الإسلام ولذلك حينما عرض عليه الإسلام لم يتردد لم يتلعثم لم يفكِّر لأنه جرَّب من محمد صلى الله عليه وسلم أنه لا يكذب فصدَّقه للوهلة الأولى وحينما قال له المشركون من قريش: تعال وانظر ماذا يقول صاحبك يقول أنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد في نفس الليلة، فقال لهم: إن كان قال ذلك فقد صدق إني مصدِّقه، فيما هو أهم وأكبر من ذلك في خبر السماء في لحظة، أن جبريل يأتيه من السموات العلا إلى الأرض في لحظة من اللحظات فكيف لا أصدِّقه فيما تقولون، هكذا كان أبو بكر رضي الله عنه كان كله الحب والتقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومثل ذلك عند عمر وعند عثمان وعند علي وعند عبد الرحمن بن عوف وعند طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعند هؤلاء جميعاً، كان ملء قلوبهم حباً وتكريماً وتقديراً، فهؤلاء هم شهود على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم رأوا من آيات الله ورأوا من سيرته ومن عجائب هذه السيرة ما زادهم يقيناً وطمأنينة إلى أن نبي من عند الله لا ينطق عن هواه (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى).

ليست سيرة دجَّال ولا كاهن

من تأمل سيرة محمد صلى الله عليه وسلم عَلِم علم اليقين أنها ليست سيرة دجَّال ولا سيرة ملك أو طالب ملك، ليست سيرة من سِيَر أولئك الكهنة الدجَّالين المتاجرين بالدين الذين يدَّعون احتكار ما بينهم وبين الله، الذين يقفون سماسرة بين الله وبين عباده ليس من هؤلاء، ليس من هؤلاء الذين يدَّعون علم الغيب، وكشف المستور والحجب، ما كان يدعي شيئاً من ذلك بل قرأ على الناس قول الله تعالى (قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله)، (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء) ويقول (لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي) هكذا كان عليه الصلاة والسلام، وشنَّ حملة شعواء على الكهنة والعرَّافين والدجَّالين وأن من ذهب إليهم وسألهم وصدَّقهم بما قالوا فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، في إحدى المناسبات كانت تغنِّي أمامه جارية بما يتغنى به الجواري وسكت على ذلك ثم قالت الجارية في غنائها: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال لها صلى الله عليه وسلم "دعي عنك هذا وعودي إلى ما كنت تقولين" عودي إلى الغزل وأغاني الأعراس وهذه الأشياء إنما دعيك من هذا "نبي يعلم ما في غد" فلم يقر هذا وفي حياته صلى الله عليه وسلم كُسِفت الشمس وكان كسوفها يوم موت ابنه إبراهيم فقال الناس: كُسِفت الشمس لموت إبراهيم ابن النبي وكان هذا اعتقاداً شائعاً عندهم في الجاهلية أن الشمس لا تُكسف إلا لموت عظيم فقالوا هذا، لو كان من هؤلاء الدجاجلة لانتهزها فرصة وصدَّق أو سكت على هذا الباطل الذي يضفي عليه وعلى أسرته هالة من القداسة الزائفة ولكنه صلى الله عليه وسلم رفض الباطل وأبى إلا أن يقول الحق وصعد على المنبر وقال للناس: "أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته" ما كان عليه الصلاة والسلام من هؤلاء الدجاجلة الكذابين، لم تكن سيرته سيرة الكُهَّان المعروفين في الجاهليات المختلفة، الله تعالى يقول عن هؤلاء (هل أنبئكم على من تنـزل الشياطين * تنـزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) ما كان محمد عليه الصلاة والسلام من هؤلاء الذين تتنـزل عليهم الشياطين من كل أفاك أثيم.

ليست سيرة مَلِك ولا طالب مُلْك

لم تكن سيرته سيرة كاهن، ولا سيرة لملك أو طالب ملك، من يقرأ هذه السيرة يعرف أنه عليه الصلاة والسلام كان أبعد ما يكون عن سيرة الملوك وعيشة الملوك وحياة الملوك، كان يعيش على البساطة والتواضع وحينما دخل عليه رجل فارتعد هيبة له صلى الله عليه وسلم فقال له عليه الصلاة والسلام "هوِّن عليك فلست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد بمكة"، ما كان ملكاً، كان يأكل ما تيسر له ويلبس ما تيسر له وقالت زوجه عائشة: إن كان لا يمر الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهِلَّة في شهرين وما يوقد في بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، يعني لا يطبخون شيء فقال لها ابن أختها عروة: فعلام كنتم تعيشون يا خالة؟ قالت: يا ابن أختي إنما هما الأسودان التمر والماء، سُميا أسودين لأن التمر أسود والماء يكون في البئر فالماء العميق في البئر يأخذ لون البئر فكأنه أسود "إنما هما الأسودان التمر والماء"، وقال أصحابه: ما شبع من خبز الشعير ثلاثة أيام متوالية، وأي شعير هذا .. كان يُطحن بالرحى لا يُطحن في ماكينات فهو خشن ولم يكن يعرفون المنخل كما قال أصحابه: ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منخلاً قط ولم يعرف هذا الخبز النقي الأبيض، قالوا إنما كنا ننفخه، بعد أن يطحنوه بالرحى ينفخون فيذهب القشر وهذه الأشياء والباقي كنا نأخذه فنُثَرِّيه يعني نُبلِّله ونعجنه ويضعونه في الشمس ونحو ذلك حتى ينضج ثم يأكلونه، هكذا كان عليه الصلاة والسلام، في لبسه تقول عائشة: "كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف" يعني جلد أو فروة، ودخل عليه عمر رضي الله عنه فلم يجد في بيته من الأدوات إلا أشياء تافهة جداً ووجد حصيراً يرقد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ووجد الحصير مؤثراً في جنبيه فاغرورقت عيناه بالدموع وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ما يبكيك يا عمر؟" قال: يا رسول الله كسرى وقيصر ينامان على الديباج والاستبرق وأنت تنام على الحصير حتى يؤثر في جنبيك، فقال له: "يا عمر أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة". وروى ابن مسعود أنه قال عليه الصلاة والسلام في هذا المقام "مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب في يوم صائف ـ يوم حار ـ استظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها" الدنيا مقيل تحت شجرة ليست دار مقر وإنما هي دار مفر، الارتحال عنها ضروري وسريع وقريب "كمثل راكب في يوم صائف استظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها".

بعض مواقفه مع أهله

هكذا كان صلى الله عليه وسلم وكانت حياته هل هذه حياة ملك أو طالب ملك، نساؤه تمردن على حياته حياة الشظف وحياة التقشُّف وحياة القلة في طيبات الحياة وأردن أن يكون لهن نصيب من متعة الحياة مثل نساء العظماء والكبراء مطالبين بزيادة النفقة وأن يكون لهن حظ من الزينة فماذا كان الموقف؟ الموقف وضَّحه القرآن خيار بين حياتين (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً) كل واحدة تروح لأهلها (وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً) وقد اخترن جميعاً الله ورسوله والدار الآخرة ورضين بهذه الحياة، هكذا كان عليه الصلاة والسلام وهكذا كانت حياته ليست حياة ملوك. حينما فتح مكة جاء عمه العباس بن عبد المطلب الذي كانت له السقاية في الحج، السقاية يسقي الحجيج، أناساً يحملون القِرَب ويسقون الناس تكلِّفهم قالوا له: أعطنا الحجابة يا رسول الله ـ لبني هاشم لبني عمه بدل أن تعطيها لبني شيبة ونحو ذلك أعطنا الحجابة مفتاح الكعبة ـ ونكون نحن سدنة الكعبة وهذه فيها مغانم، فقال له: "يا عم إنما أعطيكم ما يرزأكم لا ما يغنِّمكم" فلا أعطيكم أشياء تكسبون من ورائها إنما أعطيكم أشياء تكلِّفكم أعباء. هكذا كان عليه الصلاة والسلام، ما كانت حياته حياة ملك ولا طالب ملك إنما كانت حياته حياة رسول عظيم يؤسِّس ديناً جديداً وأمة جديدة ومجتمعاً جديداً ودولة جديدة يقيم فيها العدل والإحسان والعلم والإيمان ويتمم فيها مكارم الأخلاق لتكون منارة هادية للعالم إلى أن يأذن الله بزوال هذا العالم ويرث الله الأرض ومن عليها، هذا هو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك سيرته أو ملامح من هذه السيرة العظيمة التي يجب أن ندرسها ونقرأ فيها ونطَّلع على مصادرها الموثقة حتى نعرف رسولنا صلى الله عليه وسلم فإذا عرفناه ازداد إيماننا به وحبنا له وأدى ذلك إلى أن نتبعه فنحسن اتباعه كما قال الله تعالى (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم).

المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية

أيها الأخوة المسلمون .. لازالت قضية أخوتنا المعتقلين في سجون السلطة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية في نابلس وفي غيرها من البلدان لازالت هذه القضية قائمة كما هي، لازالت المشكلة غير محلولة ولازال أخوتنا المعتقلين يعانون من جرَّاء هذا السجن الذي لا مبرِّر له، لا ذنب لهؤلاء المعتقلين جنوه، صار لأكثرهم أكثر من 21 شهراً تقريباً من شهر أيلول سبتمبر 1997 إلى الآن لم يفرج عنهم وبعضهم حكمت محكمة العدل العليا في السلطة الفلسطينية ببراءته وطلبت الإفراج عنه مثل الدكتور الرنتيسي وغيره ومع هذا ظل هؤلاء في سجون السلطة، هل يليق هذا، هل يليق أن يسجن الأخ أخاه ورفيقه في درب الكفاح والجهاد وإذا اقتضى ذلك الأمر فترة من الفترات لمدة أسبوع أو أسبوعين أو شهر أو شهرين فهل يجوز أن يستمر هذا وإلى متى يستمر هذا الأمر ماذا جنى هؤلاء الأخوة إلا أنهم أحرار شرفاء غيارى على قضيتهم على أرضهم وعلى عرضهم وعلى حرماتهم، يملكون ضمائر لم تمت وقلوباً لم تزل حية، ما ذنب هؤلاء حتى يبقوا في هذه السجون في هذا الحر حتى إن بعضهم أصيب بما أصيب به وبعضهم تفاقم عليه جرحه وبعضهم أصيب بأمراض ومنهم شيوخ ومنهم علماء ومنهم أطباء ومنهم أناس من كبراء المجتمع ومن خيرة العاملين في الحركة الإسلامية من أبناء حماس وأبناء الجهاد وغيرهم ممن لم يستسلم لليأس ولم يسقط فريسة الملل من الجهاد. إن أخوتنا هؤلاء طالما نادوا وبعضهم قد أضرب عن الطعام في أوائل هذا العام واستمر إضرابهم في سجن جنين العسكري في نابلس وفي سجن أريحا وفي غيره استمروا ستة وثلاثين يوماً مضربين عن الطعام حتى أصابهم ما أصابهم ثم تفاوضت معهم السلطة واتفقت على أن يفضوا هذا الإضراب وستفرج عنهم على دفعات فأفرجت عن عدد قليل منهم ثم سدت بعد ذلك أذناً من طين وأذناً من عجين ولم تسمع لنداء ولم تُبالِ بدعاء هذا ما لا يجوز أبداً..

كيف أبيع أخي وكيف أضحي به؟

لا يجوز أن يفعل الأخوة الفلسطينيون بعد أن أصبحوا يحكمون إلى حد ما في داخل دار فلسطين، أصبحوا يحكمون مثل هذه الأمور، لا يجوز لهم أن يُبقوا إخوانهم في السجون بغير مبرر ولا جريمة، إذا كانوا يُرضون بذلك الإسرائيليين والسلطة الإسرائيلية فلاشك أنهم مخطئون، السلطة الإسرائيلية سواء كانت في عهد نتنياهو أم في عهد باراك الذي صفَّق له المصفقون وهلَّل له المهللون، ليس هذا خيراً من ذاك أبداً والله

كلهم سواسية كأسنان المشط، لن يجدوا في باراك أفضل مما كان عند نتنياهو كل ما في الأمر اختلاف الأساليب واختلاف اللغة والمضمون واحد والنتيجة واحدة، كيف أبيع أخي وكيف أضحي بأخي وأدعه يعاني في السجون من أجل هؤلاء هذا ما لا يجوز، إن الإنسان قد يصبر على أذى عدوِّه ولكن أن أصبر على أذى أخي وقريبي وصديقي والذي هو مني وأنا منه، هذا ما لا يُصبر عليه لقد قالوا: إن طعنة العدو تجرح الجسم أما طعنة الصديق فتجرح القلب، والشاعر العربي قديماً قال:

أن يظلمك قريبك وأخوك هذا أمر شديد على النفس خصوصاً ونحن في ساحة واحدة وفي معركة واحدة، فكيف يجوز لأخوتنا في السلطة أن يسكتوا على هذا ويَدَعوا إخوانهم يعانون المرارة والأذى طوال هذه الشهور، مئتان وثلاثة وعشرون معتَقَلاً منهم 125 في غزة والباقي في سجون الضفة الغربية كيف يقبل أخوتنا في السلطة أن يفعلوا هذا، لقد قال سيدنا علي لابنه الحسن: "يا بني أكرِم عشيرتك ولا تتخلى عنهم فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير وبقوتهم تصول وبهم تجول"، هؤلاء هم الذين سيكونون مع السلطة عندما تكفهر الأجواء وتتلبَّد السماء بالغيوم ولا يجدون من يقف معهم ويشد أزرهم إلا هؤلاء، حينما تغدر بهم إسرائيل وسلطات إسرائيل لن يجدوا إلا هؤلاء الأخوة والشاعر العربي قديماً قال:

لن تستطيع أن تطير بغير جناح ولا أن تحارب بغير سلاح وأخوك سلاحك وابن عمك جناحك..

نناشد الأخوة في السلطة بالإفراج عنهم

فيا أيها الأخوة في السلطة نناشدكم الله نناشد الرئيس ياسر عرفات وإخوانه في السلطة الفلسطينية أن يستجيبوا لصرخات هؤلاء الذين وقف أمهاتهم وآباءهم وأطفالهم أمام محافظة نابلس وهم يصرخون ويطالبون بالإفراج عن سجنائهم ومعتقليهم، الأولاد يقولون: "يا سجَّان إلك أولاد وإحنا عن أبونا بعاد" لك أولاد وفلذات أكباد ألا ترقّ لهؤلاء الأطفال هذا ما نناشد به السلطة، نناشد ياسر عرفات وإخوانه أن يتقوا الله في إخوانهم وأن يرحموا هؤلاء بعد هذه الشهور الطويلة كفى .. كفى ما مضى ولابد من وقفة، إنني باسم المسلمين في كل مكان، باسم الجماهير العربية المسلمة المتعاطفة مع هؤلاء ومع كل مظلوم ننادي أن يُفرَج عن هؤلاء، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "دخلت امرأة النار في هرة حبستها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خُشاش الأرض" من أجل هرة حُبِست ظلماً دخلت امرأة النار فكيف بالعشرات والمئات الذين حُبِسوا ظُلماً شهوراً وشهوراً كيف يكون الموقف أمام الله يوم القيامة ماذا تقولون إذا سألكم الله فيم حبستم هؤلاء وفيم سجنتم هؤلاء البُرآء الأحرار الشرفاء المظاليم؟ حضِّروا للسؤال جواباً والبسوا للحساب جلباباً، يا أيها الأخوة في السلطة الفلسطينية، يا أيها الرئيس ياسر عرفات يا إخوانه في السلطة ندعوكم أن تستجيبوا لدعوات الجماهير العربية المسلمة في الإفراج عن هؤلاء المظلومين الذين لم يرتكبوا ذنباً ولا يقترفوا جُرماً ولم يفعلوا شيئاً إلا أنهم يعملون من أجل وطنهم يريدون أن يعيشوا أعزاء أو يموتوا شهداء .. نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الأخوة في السلطة الفلسطينية إلى الاستجابة إلى ضمير الأمة وإلى نداء الأمة وأن يوفِّق الجميع لما يحب ويرضى.