* إلى الأرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها ، فرحة بفضل الله عليها ورضوانه ..

* إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ، وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها. .

* إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الأجيال عبر التاريخ الى طريق ربها . .

* إلى الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وفى سبيل الإسلام فضحوا وفدوا فكانوا في الأرض الأوفياء ، وفى الآخرة الخالدين الفائزين .

* إلى الذين قال لهم الناس : ( إن الناس قد جمعوا لكم وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) .

* إلى الذين عذبوا في سبيل الله تعالى فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا. .

* لكل هؤلاء وللمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أقدم هذا الكتاب .

وأسالك اللهم أن تتقبله وتنفع به . . ( ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبتت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ) .
زينب الغزالي الجبيلي

 

الفهرس

مقدمة

عبد الناصر يكرهني شخصيا !

أنا والاتحاد الاشتراكي

لا . . لا . . للطاغية

ماذا نفعل بعد ذلك ؟

المساومة ثم المخادعة

خفافيش الليل

كلهم أحمد راسخ !

وكانت بيعة

وسقط القناع

صرخات تنادى للواجب

على الطريق مع عبد الفتاح إسماعيل

الإذن بالعمل

وقفة مع زوجي

الاتصال بالإمام الشهيد سيد قطب

المؤامرة

وجاء دوري

الطريق إلى الحجرة 24

في الحجرة 24

الزنزانة رقم 3

الرؤيا

عودة إلى دوامة التعذيب والمساومة

مندوب رئيس الجمهورية

وجوه غالية تدخل زنزانتي

وفاة رفعة مصطفى النحاس

الطعام عبادة

وجاء ليل المساومة والعذاب

وجاء دور حمزة في ليل المساومة !

عودة إلى الزنزانة

وهبط ليل آخر

استراحة قصيرة

وما أقسى الليل

الفتنة في حقيبة ملابس . . وخطاب من عبد الناصر

مع شمس بدران

زنزانة الماء ! ! ! والجريمة

زنزانة الماء. . ! !

الجريمة ! !

إلى زنزانة الماء مرة أخرى! !

صرعت الوحش في زنزانتي ! !

من الفئران إلى الماء وبالعكس ! !

من الماء إلى وكيل النيابة! !

السوط مع الرغيف ! !

إلى المستشفى

مع شمس

مشهد تمثيلي بالإكراه ! !

الحجرة 32

شموخ الإيمان وذلة الباطل

عبد الناصر أمر بإعدامي! !

في مكتب الباشا

إصرار شمس بدران على وهمه

تسلط الأقزام وتحكيم الهوى

عذاب . . !! في المستشفى . . ! !

وسمع فرعون

أصل المؤامرة . . نكتة ! !

محمد قطب

إمضاء (زينب الغزالي الجبيلي)

النيابة ! !

دخلت خيام المحققين من رجال النيابة ! !

الجولة الثانية مع النيابة

عودة إلى المكاتب

التعذيب

المال

علبة اللحم المفروم !

التجويع حتى في المستشفى!

وتاب الوحش

وقرب موعد المحاكمة

بشرى

اليوم الموعود

القضية الأولى من سبع قضايا قدمت للمحاكمة

محكمة !!

النطق بالأحكام

لحظات في رضوان الله

المساومة الأخيرة قبل الإعدام

الأيام الأخيرة بعد الأحكام في السجن الحربي

ومات زوجي

يجب أن يحاكم عبد الناصر

الانتقال إلى سجن القناطر

صراع من نوع جديد

رأينا من ألد الأعداء . . إنسانية !

الموت . . والطغاة

وتحرك الغثاء

ابتلاء جديد

مساومة أخيرة

 

 

 

مقدمة

 

والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .. نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من حياتي " وترددت كثيراً . غير أن الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية وهم من أبنائي وأخواني رواد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام ، رأوا أنه من حق الإسلام علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب ، التي قامت لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها وكل دعاتها الفاهمين الفاقهين المصارحين بشجاعة وصدق بأن كتاب الله وسنة رسوله معطلان ولابد من قيام الكتاب والسنة . ولابد من عودة الأمة الإسلامية بكل مقوماتها إلى أرض الإسلام لتحقق الصورة العملية العملاقة بعودة مجتمع التوحيد والعلم والمعرفة والصلة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى ، فتنطوي مجتمعات الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق الله .. طريق الحق ، فيعملوا على تطهير الأرض من تأليه البشر ، وعبادة طواغيت الأرض بإتباع تشريعاتهم وتعطيل شريعة الله ، وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقي الذي كانت به الأمة في عصر النبوة وصحبه المباركين رضوان الله عليهم جميعاً خير أمة أخرجت للناس .

لا صلاح لأمة ولا لهذا العالم إلا بالدعوة إلي الإسلام . إن غياهب السجون ومقاصل التعذيب وشراسة حملة السياط لم تزد المخلصين من أبناء الدعوة وبناة فكرها إلا قوة وثباتاً وصبراً على دفع الباطل ونحن نترصد منابته .

كذلك كان عهد الذين سلكوا طريق الحق قبلنا فاعتقدوه . فليس بالسياط يضيع الطريق ! ! ولكن الحجة بالحجة والرأي بالرأي، والكلمة تجابهها الكلمة .

سهل أن تضع القوة الباطشة العمياء السياط في أيدي المجانين ، ولكن الصعب هو أن تصرف المخدوعين بالباطل والمقتنعين بحمل السياط والمتألهين في الأرض ، عن طريق غوايتهم وجهلهم فتهديهم إلى طريق مستقيم .

والطريق إلى الحق واحد وهو طريق الله وأنبيائه ورسله وورثتهم .

أما الباطل فطرقه وسبله متفرقة. وعلى كل سبيل من سبله شيطان يزين للمغمورين منهم في ظلمة الباطل غوايته ويقودهم إلى سبيله. ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام : 153 .

وليس أمام البشرية اليوم للخلاص من ذلك الضلال وهؤلاء الطغاة من البشر إلا أن ينتهجوا منهج الحق ، ومنهج الله ، المنهج المحمدي الموحى به "القرآن الكريم " والملهم به من السنة الصحيحة .

وإني لأرى بوادر النصر وإرهاصاته -إن شاء الله - بقيام الأمة وعودة المجتمع الذي سيعلو بتوحيده فوق توليفات البشر مما يغزو بلادنا اليوم من تيارات الإلحاد، نعم إني لأحسها قريبة وأرى أعلامها ترمى بهذا الغثاء من فكر البشرية الضال في ركام الجاهلية .

إني لأكاد أشاهد أعلام الالتزام بما كلفت به خير أمة أخرجت للناس . . وأعلام الالتزام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله .

نعم إننا لا نستعجل الزمن . فالسنون ، عشراتها ومئاتها، ليست بذات قيمة في عمر الدعوات والأمم . ولكن العبرة أننا ثابتون على الطريق ، مؤمنون بسلامة الخطى ووضوح الرؤية .

إننا على يقين أننا على حق . وكل الذي يعنينا أن نضيف لبنات جديدة للبناء. المهم ألا نتقاعس ولا نتخاذل ولا نتقهقر عن عقيدتنا: عقيدة التوحيد، عقيدة العمل ، عقيدة البيان ، بيان الحق للناس جميعا، بيان عقيدتنا لكل البشر.

وإيمانا منا بأن فترة سجننا وتعذيبنا هي من حق التاريخ ، ومن حق الذين على الطريق أن يعوها ويدرسوها حتى يبقوا على طريق الجهاد، ولا تتحول قضيتهم إلى سفسطة كلامية، وحديث ترف وقصة تاريخ ، إيمانا بهذا كله نزلت على رأى المخلصين من أبنائي وإخواني، واستعنت بالله سبحانه وتعالى في جمع ما احتوته ذاكرتي مما كان . وان كان من الصعب أن يستعاد بوصفه ونمطه ..

ويكفى دلالة عليه أن أشير إلى أن حاملي السياط وخبراء التعذيب بألوانه وأشكاله ، قد سموه : جهنم !! إن جهنم هذه كانت بوتقة لصهر معادن الرجال فنقتها ، وانجلت مهزلة التعذيب عن رجال محصتهم الفتنة فقالوا بأعلى صوت : "يا أيها الناس : الإسلام ليس انتماء بل التزام واتباع " .

وأرجو الله أن يعينني على استعادة الصورة أو بعضها، وأن تكون للمخلصين مشعل حق ونور وهداية . فلنشق لخطانا صراطا مستقيما، وإني لأعيدها وأصر عليها : "إنها رسالة الرسل والأنبياء، هيمنت عليها وأكملتها رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فبشريعته أتم الحق تكاليفه لعباده ونسخ بها ما سبقها وأقامها حقيقة زكية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الكهف : 129 .

إن الذين تجشموا وعورة الطريق وعرفوا بمشيئة الله مقاصد الكتاب والسنة، لن يحيدوا عن الحق والخير والدعوة إليه حتى تقوم الأمة وتستقر البشرية تحت أعلام كتاب الله وسنة رسوله .

وإننا لعلى الطريق مثابرون محتسبون ما نلاقى غد الله . . و( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ) التوبة .

فإلى أرواح الشهداء الذين سبقونا : تحية حب وعرفان ووعدا بأننا على الطريق . إلى كل من كان في قلبه مثقال ذرة من خير. . لعل الله أن ينفع به ويهدي . . وما تشاءون إلا أن يشاء الله .
زينب الغزالي الجبيلي

 

 

 

 

 

الباب الأول :
عبد الناصر يكرهني شخصيا !

 

في مساء يوم من أيام الشتاء، وفى أوائل شهر فبراير عام 1964 م كنت عائدة إلى بيتي، حين انقلبت بي عربتي إثر اصطدامها بعربة أخرى، كانت الصدمة قاسية فذهبت في شبه إغماءة، كانت الآلام الشديدة توقظني منها. ولم أتبين من كل ما حدث حولي إلا صوت إنسان ينادى اسمى في فزع ، وغبت عن الوعي، وحين تنبهت وجدت نفسي في مستشفى هليوبوليس وبجانبي زوجي وأشقائي وشقيقاتي وبعض زملائي في الدعوة وزميلاتي . كان الكل في فزع وألم شديدين تحكيهما تعبيرات الوجوه التي تصفحتها وأنا أفتح عيني لأول مرة وشفتاي تتمتمان "الحمد لله . . الحمد لله ، وكأني بالتمتمة أسألهم عما حدث ؟ إلا أنني ما لبثت أن غبت ثانية عن الوعي، ولم أتنبه إلا بدخول إحدى الحكيمات بالمستشفى مع ممرضين وممرضتين لحملي إلى حجرة الأشعة . وتذكرت ما حدث وسمعت زوجي يقول : الحمد لله سلمها الله ، احمدي الله يا حاجة . وسألت عن سائق عربتي فعلمت أنه -بحمد الله - بخير، وأنه يعالج في المستشفى، وعلمت فيما بعد أنه أصيب بارتجاج في المخ . وحملت إلى غرفة الأشعة، ولما تبين وجود كسر في عظمة الفخذ، وضع ساقي في قفص حديدي وتقرر إجراء عملية جراحية. ونقلت إلى مستشفى مظهر عاشور ليجريها لي جراح العظام الدكتور محمد عبد الله ، واستغرق إجراء العملية -تعاد بعد التحضير والتخدير- ثلاث ساعات ونصف الساعة . . عشت بعدها فترة، ونذر الخطر تحيط بي . ثم زالت أيام الخطر وبدأت ألتقط ما يقال وما ينقل ، مما يوضح أن الحادث كان مدبرا من مخابرات جمال عبد الناصر لاغتيالي، وتواترت الأخبار تؤكد ذلك . وكان لفيف من الشباب المسلم يزورني يوميا للاطمئنان ، وعلى رأسهم الأخ الشهيد عبد الفتاح عبده إسماعيل . فلما بلغتني تلك الأخبار، طلبت منه أن يقلل الشباب من زيارتي . وكان رده أنه قد حاول هذا فعلا، ولكنهم رفضوا وأصروا على زيارتي . . وفى أحد الأيام التالية دخل السكرتير الإداري لجماعة السيدات المسلمات وبيده ملف أوراق ، يعرضها على بصفتي رئيسة الجماعة، وكان في الغرفة زوجي والسيدة حرم الأستاذ الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين ، ورأيت زوجي يسرع إلى السكرتير قبل أن تتاح له فرصة تقديم الملف لي فيأخذه منه ويخرج معه من الحجرة، وهو يحدثه حديثا فهمت منه أنه نهاه مرة قبل ذلك عن تقديم هذه الأوراق لي، ودهشت لذلك وسألت زوجي عن السبب فتعلل بأنني محتاجة إلى موافقة الدكتور عبد الله المشرف على علاجي . وذهب زوجي إلى الدكتور الذي ما لبث أن جاء ليكشف على ساقي وليحرم على القيام بأي عمل ، ليؤكد لي أنه منع دخول الأوراق أو وصول الأخبار عن الجمعية إلى . ولما احتججت بأن الأمر بسيط لن يتعدى التوقيعات أصر على موقفه . ومضت أيام رجوت الطبيب بعدها السماح بمزاولة بعض أعمال الجماعة من فراشي فرفض ، وازددت يقينا بان هناك شيئا ما، يتعمد الجميع إخفاءه عنى :

زوجي والسكرتير والزائرون ، بل حتى سكرتيرة مجلس إدارة جماعة السيدات المسلمات التي كانت تزورني دائما، وكنت أحس من إجابتها المقتضبة على أسئلتي عن الجماعة بأنها تخفى عنى شيئا. وجاءتني السكرتيرة في أمسية استجمعت فيها شجاعتها لتنقل إلى ما أخفوه عنى . كان الأمر خطيرا على ما بدا من موقف زوجي ا! بشجاعتي والمشجع على الصبر والاحتمال وقوة الإرادة . وأخذت الأوراق السيدة فإذا هي قرار "بحل المركز العام لجماعة السيدات المسلمات "، وأخذت السكرتيرة تتحدث إلى قائلة : "طبعا يا حاجة الأمر شديد بالنسبة إليك " . قلت "الحمد لله ، ولكن ليس من حق الحكومة أن تحل الجماعة، إنها جماعه إسلامية" أجابتني : "لا أحد يقدر أن يقول للحكومة هذا، لقد بذلنا مجهود كبيرا جدا، ولكن عبد الناصر مصر على حل الجماعة، هو يكرهك شخصيا حاجة زينب ! !

لا يطيق أن يسمع اسمك على لسان أي إنسان . عندما يذكر اسمك يثور ويغضب وينهى المقابلة!

قلت : "الحمد لله الذي جعله يخافني ويبغضني، وأنا أبغضه لوجه الله ولن يزيدنا طغيانه ، نحن معاشر المجاهدين ، إلا إصرارا على أن نرضي ضمائرنا ونعيش لدعوتنا ، إنها دعوة التوحيد وسننتصر بإذن الله ، وأرخص ما نبذله لها أن نستشهد في سبيلها". "ليس لعبد الناصر الحق في أن يحل جماعة السيدات المسلمات .

إن الله تبارك وتعالى هو الذي يعقد للمسلمين راياتهم ، والذي يعقده الله لا البشر". قالت والدموع في عينيها : "يا حاجة . . المسألة خطيرة، ونرجو الله أن لا تنتهي بحل الجماعة، ربما كانت كلماتك هذه تسجل ، أو أنها قد سجلت فعلا ربما كان هنا جهاز تسجيل " . واستمرت تسر إلى : "يا حاجة : أنا أطلب منك شيئا صغيرا وهو التوقيع على هذه الورقة، فإذا وقعتها سيلغى قرار الحل " . فسألتها أن تطلعني على الورقة فإذا هي استمارة انتساب للاتحاد الاشتراكي، فقلت لها : "لا والله ، شلت يدي إذا وقعت يوما على ما يدينني أمام الله بأنني اعترفت بحكم الطاغوت جمال عبد الناصر الذي قتل عبد القادر عوده وزملاءه . إن الذين غمسوا أيديهم في دم الموحدين خصوم لله وللمؤمنين . الأشرف لنا أن يحل المركز العام للسيدات المسلمات " . قبلت رأسي وهى تبكى وتقول : - أتثقين بأنني ابنتك ؟ قلت : نعم . . قالت : فاتركي هذا الموضوع . . قلت : سنترك الأمر، ولن أوقع هذه الورقة . إن فيها ولاء للطاغية، وهذا أمر مستحيل إتيانه ، والله يفعل ما يختاره لعباده . ومرت أيام المستشفى وتقرر خروجي مع استمرار العلاج .
أنا والاتحاد الاشتراكي

وفى البيت كانت السيدة السكرتيرة تزورني يوميا وأخبرتني بان قرار الحل أوقف . ودهشت لذلك وسألت كيف ذلك فقالت : "لا أدرى . ربما يكون فتح باب للاتصال بك " . وأخذ السكرتير الإداري يحضر لي ما يحتاج للاطلاع والتوقيع ، وأخذت أزاول نشاطي في تسيير أعمال المركز العام للسيدات المسلمات من بيتي. ولكنى عدت إلى المستشفى مرة أخرى لإجراء عملية جراحية لرفع المسامير من الفخذ، وكان قد أفرج عن الشهيد الإمام سيد قطب وزارني في المستشفى وجمع من الإخوان . وذات يوم فوجئت بخطاب مرسل! عن طريق البريد ببطاقة كتبت فيها هذه البيانات :

"ا لاتحاد الاشتراكي العربي" حرية - اشتراكية - وحدة

الاسم والشهرة : زينب الغزالي الجبيلي ، وشهرتها : زينب الغزالي .

الوظيفة أو المهنة : رئيسة المركز العام لجماعة السيدات المسلمات .

وحدة : البساتين - الماطة . قسم : مصر الجديدة. محافظة : القاهرة.

جاءتني هذه البطاقة بالبريد ومعها ما يثبت سداد اشتراكي عن عام 1964 فضحكت ضحكة مريرة بما صار إليه حال "مصر" وتذكرت كيف كنا نعيش في حرية لعنوها بعد انقلابهم العسكري . وبعد استكمال العلاج بالمستشفى عدت إلى المنزل وأخذت دعوات الاتحاد الاشتراكي تتوالى بالبريد لحضور اجتماعات الاتحاد الاشتراكي، ولكنني قررت أن أتخذ موقفا سلبيا ، وبعد أيام صرح الدكتور بالخروج ومزاولة نشاطي تدريجيا في المركز العام للسيدات المسلمات ، وكنت لا أزال أستعين بالعكاز في المشي . وفى صبيحة أحد الأيام ، وبينما أنا بالمركز العام للسيدات المسلمات ، دق جرس الهاتف ، وطلب منى السكرتير أن أرد على من يطلبني من الاتحاد الاشتراكي ، أمسكت بالسماعة قائلة لمحدثي : "السلام عليكم " ورد السلام من الجهة الأخرى، ثم قلت : "نعم ، ماذا تريد؟" فسألني إن كنت أنا زينب الغزالي ، ولما أجبت بالإيجاب قال : "نحن هنا الاتحاد الاشتراكي، إن شاء الله أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات وحضرتك على رأسهم تشرفي وتنوري ، تأخذون علم السيدات المسلمات وتذهبون لاستقبال عبد الناصر في المطار" . فأجبته : "إن شاء الله ، يفعل الله ما يشاء ويختار". قال : "عشمنا كده ، مجلس الإدارة وعدد كبير من أعضاء الجمعية العمومية، وإذا أمرت أرسلنا لك عربة تكون تحت تصرفكم " . قلت : "شكرا" . وانتهت المكالمة .

وبعد يومين أو ثلاثة جاءت مكالمة أخرى من الاتحاد الاشتراكي، كانت سيدة تسأل عن سبب عدم حضورنا لاستقبال الرئيس في المطار. قلت : "إن أعضاء مجلس إدارة السيدات المسلمات والجمعية العمومية ملتزمات بالسلوك الإسلامي، ولا يستطعن يا ابنتي الحضور في مثل هذه الاستقبالات المزدحمة" . قالت : "إزاى الكلام ده يا ست زينب ؟ يبدو إنك مش عاوزة تتعاوني معنا ، هل بلغت العضوات وهن رفضن ؟" . قلت : "مادمت أنا غير مقتنعة بهذا العمل لأنه يخالف تعاليم الإسلام فكيف أبلغهن ؟" . قالت : "إنتي غير متعاونة معنا" . قلت : نحن مرتبطات بتعاليم القران والسنة، عهدنا مع الله ، وتعاوننا على البر والتقوى كما أمرنا الله ، والهاتف لا يصلح لمثل هذه المناقشة، . قالت : "تفضلي، سننتظرك في مركز الاتحاد الاشتراكي بميدان عابدين لنتفاهم ا. قلت : أنا مريضة، حركتي قليلة بسبب علاج رجلي، فإذا شئت تفضلي وشرفينا في المركز العام للسيدات المسلمات . قالت : وأنت نازلة من البيت مري علينا، ألست عضوة في الاتحاد الاشتراكي؟ ! . قلت : "أنا عضوة في المركز العام لجماعة السيدات المسلمات ، والسلام عليك يا ابنتى ورحمة الله ،. وأنهيت المكالمة ولم أذهب إليها . وبعد أسبوع من هذه المكالمات التليفونية عرض على سكرتير الجماعة خطاب مسجلا يحمل تاريخ 5 1/ 9/ 1964 بقرار وزاري رقم 32 1 بتاريخ 6/ 9/ 1964 م . والقرار ينهى إلينا حل المركز العام للسيدات المسلمات مره أخرى ! !
لا . . لا . . للطاغية

وعقد مجلس إدارة السيدات المسلمات اجتماعا عاجلا في 9 جمادى 1384هـ الموافق 15/ 9/ 1964 ، وهو نفس اليوم الذي وصل فيه قرار الحل ، وقرر المجلس رفض قرار الحل وتسليم الجماعة وأموالها وممتلكاتها لجماعة أخرى كانت قد انفصلت عنا بإيعاز من

المباحث العامة قبل انقلاب عبد الناصر، ! تحولت هذه الفئة المنشقة بعد الانقلاب إلى جند لعبد الناصر، كما قرر المجلس دعوة الجمعية العمومية لجلسة طارئة استثنائية في مدة لا تتجاور 24 ساعة، واجتمعت الجمعية العمومية ، وقررت رفض قرار الحل وعرض الأمر على القضاء. ووكلنا الدكتور عبد الله رشوان المحامى ليمثلنا في القضية ، وأرسلت الجماعة خطابات مسجلة وبرقيات إلى رئاسة الجمهورية ووزارة الداخلية والشئون الاجتماعية والنائب العام وصورا منها للصحف ، نخطرها برفض قرار الحل ، وبان المركز العام للسيدات المسلمات تأسس 57 3 1 هـ - 936 1 م لنشر الدعوة الإسلامية والعودة بالمسلمين إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم ، وليس لوزارة الشئون أو الداخلية ولاية علينا ، والولاية لله وحده ، ولمن يقيم دينه ، ويحكم بشرعه . وعند ذلك تعجل عبد الناصر قرار الحل والإدماج كما سبق أن أصدر من قبل - وللانتقام الشخصي من زينب الغزالي؟ لتعطيل دعوة الله ولوجه الشيطان - أمرا عسكريا بوقف صدور مجلة (السيدات المسلمات ) لأجل غير مسمى ، وكنت صاحبة امتيازها ورئيسة تحريرها . واقتحم زبانية الطاغوت دار المركز العام لجماعة السيدات المسلمات واستولوا على محتوياته ، وشردوا مائة وعشرين فتاة وطفلة يتيمات كانت جماعة السيدات المسلمات تؤويهن وتكفل جميع احتياجاتهن من إيواء وتعليم ، بكل مراحله من الروضة إلى الجامعة . وأحب أن أسجل هنا بكل فخر أن زبانية الطاغوت لم يجدوا سيدة واحدة في انتظارهم من أعضاء المركز العام للسيدات المسلمات ، سواء من مجلس الإدارة أو الجمعية العمومية أو هيئة الواعظات ، وكانوا قد طلبوا منى الحضور لتسليمهم الدار فرفضت ، وكذلك كان موقف جميع عضوات الدار فاستلموا من السكرتير الإداري، وهو موظف وليس له هذا الحق . .

ويشرفني أن أسجل هنا بعض العبارات التي سجلتها الجمعية العمومية جلستها ، وأرسلتها ترد بها على قرار الحل إلى رئيس الجمهورية والنائب العام ووزير الداخلية والصحف : "إن جماعة السيدات المسلمات أسست 57 3 1 هـ - 936 1 م لنشر دعوة الله والعمل على إيجاد الأمة المسلمة التي تعيد للإسلام عزته ودولته ، وكانت لله وستظل لله ، وليس لأي حاكم علماني حق الولاية على المسلمين ". " فجماعة السيدات المسلمات ، رسالتها الدعوة إلى الإسلام وتجنيد الرجال والنساء شبابا وشيبا لاعتقاد رسالته وإقامة دولته الحاكمة بما أنزل الله " .

ونحن -السيدات المسلمات - نرفض قرار الحل ، وليس لرئيس الجمهورية -وهو ينادى صراحة بعلمانية الدولة - حق الولاء علينا، ولا لوزارة الشئون الاجتماعية كذلك . وليست الدعوة أموالاً أو حطاما تصادره حكومة العلمانيين المحاربين لله ولرسوله وللأمة المسلمة . "فلتصادر الحكومة الأموال والحطام ولكنها لا تستطيع أن تصادر عقيدتنا . إن رسالتنا رسالة دعوة ودعاة، إننا نقف تحت مظلة لا إله إلا الله وحده ، وهذا الاعتقاد بأنه لا إله إلا الله يلزمنا بالعمل المستمر المتواصل غير المنقطع ، حق تقوم دولة الإسلام بأمة الإسلام الواعية لدينها الحاكمة بشرعه ، المجاهدة في سبيل نشره " .
ماذا نفعل بعد ذلك ؟

أخذت سيدات الجماعة يتوافدن إلى بيتي بعد ذلك متسائلات : ماذا نفعل ؟ ؟ كان هذا الموقف الشامخ من السيدات المسلمات سنة 1964 في قمة عناد السلطة الناصرية، في الوقت الذي كان فيه الكثيرون يقفون موقف التقية ويقرون الطاغوت على فعله بل يصدرون الفتاوى المؤيدة لأفعاله . . ويصبغون عليه صبغة ترفعه إلى مكان الألوهية! وما كانت التقية كذلك يوما ما في الإسلام لضياع العقيدة والتمويه على المسلمين ، ولقد رأينا بعض المجلات الإسلامية تتسابق في إرضاء الطاغوت . حتى مجلة الأزهر نفسه العزيزة علينا معزته ، تخلط بعض سطورها بنبضات هامدة لكتاب منافقين يتسابقون في إرضاء الباطل وأهله . . وأخذت الفتاوى تتوالى في تجريح المجاهدين الذين أخذوا بالعزيمة ولم يأخذوا بالضلال ، الذي سماه من أخذ به رخصة، جرحوا المجاهدين الذين انعم الله عليهم بالتزام الإسلام لا بالانتماء إليه ، والالتزام هو الإسلام ، أما الانتماء بغير التزام فشيء آخر. وقد أبت جماعة السيدات المسلمات أن تأخذ بما سموه رخصة، أو أن تكتفي بالانتماء، فرفعت لواء الحق وقالت كلمة الصدق في وقت تخلى فيه كثير من الناس عن الحق والصدق خوفا على مناصبهم وضياع دنياهم ، ولم تقف موقف المتفرج كما فعل كثير من الناس ، ولكنها قالت رأيها بصراحة - في الأوضاع التي كانت سائدة يومئذ - لا تبتغى إلا وجه الله وان غضب الناس جميعا . وكانت عضوات الجماعة لا يصبرن على عدم لقائي فأخذن يتوافدن على بيتي يواسينني في الأمر. فقد كانت جماعة السيدات المسلمات حياتي ووجودي ، عاهدت الله يوم تأسيسها أن لا أعيش لغيره سبحانه . وأخذت أعداد السيدات المسلمات الكبيرة المتوافدة على دارى يعاهدن الله من جديد ألا يعشن إلا لكلمة الحق وتبليغها، واتفقن معي على عقد اجتماعات بمنازلهن تتولى الواعظات فيها إرشاد السيدات إلى مبادئ الإسلام ، ولكن حكومة الطاغية التي كانت تتعقب الدعاة إلى الله في كل مكان بهذه الاجتماعات ، أرسلت إلى السيدات اللائى يتم الوعظ في منازلهن وقامت بتهديدهن وأخذ التعهد ألا يعقدن اجتماعا للوعظ في بيوتهن . واقتصر النشاط بعد ذلك على النشاط الفردي .
المساومة ثم المخادعة

أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتي ويعرضون عروضا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات . وكانت هذه العروض تكلفني أن أشترى الدنيا بالآخرة . وعلى سبيل المثال عرضوا على إعادة إصدار مجلة السيدات المسلمات باسمي كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهريا، على أن لا يكون لي شأن بما يكتب في المجلة . وكان جوابي : مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية عبد الناصر فأنا لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسئولية فعلية . كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنويا، على أن يكون من مؤسسات الاتحاد الاشتراكي . . وكانت إجابتي: إن شاء الله ، لن يكون عملنا إلا للإسلام. إن الذين يتكسبون بالإسلام لا يستطيعون خدمته ، وكان هذا الرد يغضبهم . ولكنهم يحاولون إغرائي المرة بعد المرة . وكنت أتعجب من الطريقة ومن إصرارهم على هذه المحاولات الفاشلة، ولكنني اكتشفت بعد ذلك وعرفت لماذا هم حريصون على مخادعتي .
خفافيش الليل

ففي إحدى الأمسيات ، وأنا في منزلي، استأذن ثلاثة رجال لمقابلتي، ، وبعد دخولهم إلى حجرة الصالون ذهبت إليهم فوجدتهم يلبسون (غتراً) عربية ، ولما سلمت عليهم قدموا لي أنفسهم على أنهم من سوريا، قادمون من السعودية للفسحة في القاهرة لمدة عشرة أيام وأنهم قابلوا في السعودية الأستاذ سعيد رمضان والشيخ مصطفى العالم وكامل الشريف ومحمد العشماوي وفتحي الخولي (هؤلاء من الإخوان الذين فروا من الطاغوت وظلمه )، وهم يسلمون على الإخوان في مصر ويريدون أن يطمئنوا عليهم وعلى تنظيمهم ، وقد أمرونا بالانضمام إلى هذا التنظيم ونحن مستعدون لتنفيذ الأوامر والبقاء في مصر لمعاونة التنظيم . ثم أخذوا يتحدثون عن الإخوان وعن عبد الناصر وكيف أنه يضطهد الإخوان المسلمين ثم تكلموا عن أحداث سنة 1954 وعن حل جماعة الإخوان المسلمين واستشهاد عبد القادر عودة وزملائه ، وكيف أنهم مستعدون للأخذ بالثأر وقتل عبد الناصر، وأن هذا هو رأى كامل الشريف والعشماوي ورمضان والخولي والعالم . ولما كنت أسمع لهم فقط ، طلبوا منى الإجابة، فقلت : "أنا أسمع إلى أشياء جديدة على ومصطلحات لا أدرى عنها شيئا". قالوا: "سنرجع لك يا أخت زينب مرة أخرى لنعرف رأى المرشد ورأى التنظيم في هذا . . . " . فأجبتهم باقتضاب : "أولاً : أنا لا أعرف شيئا يسمى التنظيم في الإخوان . وأسمع أن الإخوان كجماعة قد حلت كما تقول الحكومة.

ثانيا : أنا لا أحدث المرشد في مثل هذه الأمور، فصداقتي به وصلتي : إخوة !سلامية ومحبة عائلية . ثالثا : إن قتل عبد الناصر شيء غير وارد عند المسلمين كما أتصور، وأنا أنصحكم بالعودة إلى بلدكم والاشتغال بتربية أنفسكم إسلاميا" . وبعد أن كانوا يستمعون إلي

وهم وقوف جلسوا وقال أحدهم : "الظاهر الأخت زينب غير مقتنعة . من الذي خرب بلاد المسلمين غير عبد الناصر؟" .

قلت : ليس من رسالة الإخوان المسلمين قتل عبد الناصر وسألتهم أن يعطوني أسماءهم فأعطوني أسماء تلعثموا كثيرا وهم ينطقوا بها، وكانت : عبد الشافي عبد الحق ، عبد الجليل عيسى، عبد الرحمن خليل . ضحكت لمصادفة وجود كلمة "عبد في الأسماء الثلاثة، وكان واحد فقط هو الذي ذكر أسماء الثلاثة. وقلت لهم : خير لكم أن ترجعوا إلى بلدكم قبل أن تمسك بكم مخابرات عبد الناصر إن كنتم لا تعرفونها، وليس لكم بها صلة فعلا وأنا أعتقد ذلك وأجاب أحدهم : على كل حال لك الحق في أن تشكى يا حاجة فينا، ستريننا مرة أخرى وستعرفين من نحن . وانصرفوا. وزارني الأخ عبد الفتاح إسماعيل فذكرت له قصة الزوار السوريين( المزعومين ) . . .
كلهم أحمد راسخ !

لم يمض أسبوعان على الزيارة الأولى حتى فوجئت بزيارة رجل يدعى أحمد راسخ قدم لي نفسه على أنه من المباحث العامة . وأخذ يسألني عما بيني وبين السوريين الذين زاروني . . . فوضحت له أنني مدركة تماما أنهم جواسيس وليسوا إخوانا سوريين ، وأنهم في المباحث قد أرسلوهم ، وأن هذه أعمال صبيانية سخيفة، فقد فعلوا كل ما يريدون ، صادروا المجلة والمركز العام فما الذي يريدونه بعد ذلك ؟ ! وكان أغرب ما سألني عنه ما أعنيه في أحاديثي عن جمالوف وجمالفة . فقلت له : إن هؤلاء ملاحدة يفخرون بالانتماء إلى الباطل وأهله . وغير الحديث قائلا : "إننا مسلمون يا حاجة" قلت : "إن المسلمين غير ذلك ؟ قال : "لو تفاهمت معنا لأصبحت من الغد وزيرة للشئون الاجتماعية" . فضحكت ساخرة وقلت : "المسلمون لا تغريهم المناصب ، ولا يشتركون في حكومات علمانية إلحادية . ومركز المرأة المسلمة يوم تقوم حكومة الإسلام ستقرره الحكومة الإسلامية . ماذا تريدون منى؟" قال : "نريد أن نتفاهم معا" قلت : "هذا مستحيل ، أناس يدعون للكفر ويرفعون شعارات الضلال . . وأناس يدعون لتوحيد الله والإيمان به . . فكيف يتفق هذا؟" . ثم أردفت قائلة "توبوا إلى الله واستغفروه وارجعوا إليه . . . أرجو إنهاء المقابلة" . وكان قد فرغ من القهوة التي قدمت له فقام منصرفا وهو يقول : "والله نحن نريد أن نتفاهم معك . ويوم نتفاهم معك ، ستكونين أنت التي ستصدرين قرارا بإعادة جماعة السيدات المسلمات وكذلك المجلة" ، قلت له : شكرا . . الإسلام في غنى عن الهيئات والجماعات التي ترضى بالعمالة لأعداء الإسلام ، ربنا يهديكم ويتوب عليكم " . وبعد يومين من هذه الزيارة وقفت عربة حكومية على باب منزلي ونزل منها شاب يرتدى ملابس كحلية اللون وكنت أجلس في شرفة المنزل فدخل وقال : "السلام عليكم يا حاجة زينب " . فرددت السلام ودعوته لدخول المنزل ، ودخل حجرة الضيوف وقدم لي نفسه . . أحمد راسخ ضابط من المباحث العامة ، ونظرت إليه بتدقيق وكآني أبحث طوله وعرضه ، فقد دعيت مرة إلى وزارة الداخلية لمقابلة شخص يسمى أحمد راسخ ! . . . وذهبت إلى هناك وكان فوق مكتبه لوحة مكتوبا عليها أحمد راسخ ، ثم حدث أن زارني قبل يومين الشخص الذي يسمى نفسه : أحمد راسخ ، وها هو شخص ثالث يدعى أحمد راسخ يزورني ! !

اسم واحد لثلاث شخصيات مختلفة. . . أخذت أنظر إليه وأنا لا أصدق ما أرى . . فمن غير المعقول أن يكون كل رجال المباحث العامة باسم أحمد راسخ ! . . . وشعر بنظرتي الفاحصة فسألني : "مم تتعجبين يا حاجة زينب ؟ من زيارتي ؟ " .

عجبت من هذا الأمر، وأجبت ساخرة : " لا . . إن هذا البيت يستقبل ضيوفه دائما -سواء كانوا على موعد أو غير موعد- بترحيب وتكريم . ولكنى سأحكي حكاية قرأتها في جريدة الأهرام على ما أذكر. " كانت ملكة هولندا وزوجها في ضيافة ملك إنجلترا منذ مائتي عام ولفت نظر ملك إنجلترا اهتمام ملكة هولندا بكلب كان يجرى في الاستقبال ، هرولت إليه في لهفة وكأنها فقدت الوعي، وحملته إلى صدرها وأخذت تقبله بشغف وحنان ، ثم أعطته لزوجها وهى تسر له ببعض الكلمات وتشير إلى عيني الكلب ووجهه فأخذ الملك الكلب وأخذ يقبله كذلك . . . تعجبت ملكة إنجلترا وزوجها مما رأيا وبخاصة بعد أن عادت ملكة هولندا وأخذت الكلب من زوجها وهما يجففان الدموع المنهمرة من أعينهما، وضمته إلى صدرها كطفل عزيز عليهما . ولما دعيا إلى مائدة الطعام الملكية أخذت ملكة هولندا الكلب معها وأخذت تطعمه وقالت ملكة إنجلترا: إن الكلب لابنتها الأميرة. أما الملك فقد سأل ضيوفه عن سر هذا التعلق بالكلب وقال وكأنه يعتذر: "لولا أن الأميرة متعلقة بهذا الكلب لأهديته لكم ا . فقالت ملكة هولندا التي كانت تؤمن بتناسخ الأرواح ، إن لها ابنا مات وقد انتقلت روحه إلى هذا الكلب وأخذت تحاول إقناع ملكي إنجلترا بأن عيني الكلب هما عينا ابنها تماما. . . وأقنع ملك إنجلترا ابنته بإهداء الكلب لملكة هولندا فأهدته لها فقد كانت تسمع القصة مع والديها". ثم قلت له : "يا أستاذ راسخ ، إن الذين يقولون بتناسخ الأرواح يدعون بعض الشبه بين الشخص المتوفى وبين الذي حلت فيه الروح بعد ذلك . ولكنى التقيت بثلاثة من المباحث كلهم يدعى أنه أحمد راسخ ، ومع ذلك فهم مختلفون في الطول والعرض واللون ولا يوجد تشابه بينهم . . . فهل قرر رئيس جمهوريتكم اعتناق مذهب جديد في تناسخ الأرواح وأمركم باعتناقه ؟ ! فارتسمت على وجهه دهشة شديدة وحيرة بالغة . وقال : "نحن ناس طيبون يا حاجة ونريد أن نتفاهم معك ، أنا صحيح أحمد راسخ " . قلت : "وهذا الأمر ليس له من الأهمية نصيب ". وسالت : "ماذا تريد؟ ". قال : "إن الحكومة ترغب رغبة شديدة في التفاهم معك ، ونحن نعلم أن الإخوان المسلمين خدعوك وأقنعوك بمبادئهم ، والذي حدث لجماعة السيدات المسلمات وحل مركزها العام كان سببه الإخوان . هؤلاء ناس مشاغبون . ونحن نريد أن تتفاهمي معنا . وما نريده بسيط جدا هو أن نعرف الأفراد القائمون بنشاط من الإخوان المسلمين ، والله يا حاجة الريس سيحفظ لك هذه الخدمة وفى أيام قليلة ستلمسين نتيجة تعاونك معنا. وأنت سيدة طيبة طول عمرك لا شأن لك بشغب الإخوان المسلمين وكفى ما سببوه لك مع الحكومة". وأخذ يدعى أن الأستاذ الإمام الهضيبي والإمام سيد قطب . . يعملان جهدهما ليتفاهما مع الرئيس ، ولكن الرئيس يرفض التعاون معهما لأنه لا يأمن لهما.

وأضاف : ولو كنت تعرفين ما يقوله الإخوان عنك لتفاهمت معنا . . . وضحكت . . . ثم قلت : "سأتكلم معك على أنك رجل من رجال المباحث لا يهمني الآن اسمه ولا رسمه :

أولاً: إني أعتقد أن المسلمين الذين لا يعلمون من الإسلام إلا ظواهره يعرفون ويعتقدون أنكم بعيدون عن الإسلام ومحاربون له . أتريدون أن تتفاهمون مع الحق وأنتم على الباطل ؟ ! تستوردون عقائدكم من الشرق والغرب وترفعون شعارات الإلحاد الشيوعي ، وتارة تتمسحون بآلهة الرأسمالية وضائعون بين الشعارين . . ومن هذا الضياع تستمدون تشريعاتكم وأحكامكم لا أظنني صريحة معك وكلامي واضح لا يحتاج إلى تأويل . الإسلام شيء غير ما تريدون ا . قال : "والله يا حاجة أنا أصلى الجمعة" . قلت : "وبقية الفرائض ؟ا . قال : "تعودت أن أصلى الجمعة لأن والدي كان يفعل ذلك وكان يأخذني معه إلى المسجد يوم الجمعة . . .".

قلت له : "ألم تسأل والدك لماذا يصلى الجمعة فقط ؟" . قال : "قلوبنا مسلمة يا حاجة مادمنا نقول : لا إله إلا الله قلت له كفاية ذلك " إن كلمة (لا إله إلا الله ) بغير التزامكم بها ستكون حجة عليكم عند الله ، لا حجة لكم ". قال : "الناس على دين ملوكهم " . قلت : "إن شاء الله تحشرون على دين ملوككم ". قال : "عشمي أن نتفاهم " . قلت : "إن رسالات الأنبياء على مدى التاريخ لم تلتق أبدا بالباطل وأهله إلا لتدعوهم ليسلموا وجوههم لله سبحانه !. فانصرف وهو يقول في لهجة غاضبة : "طبعا. . أنا لن أجيء لك ثانية وإذا أردت الاتصال بي فها هو رقم تليفوني" . قلت له : "متشكرة، لا أريده " . وفى أواخر شهر يوليه 1965 علمت أن هناك عمليات اعتقال في صفوف الإخوان المسلمين وكان لي بهذه الجماعة صلة وثيقة قديمة .

 

 

 

 

 

 

الباب الثاني:
وكانت بيعة

 

لم تكن صلتي بجماعة الأخوان المسلمين حديثة كما توهمها العابثون إذ كانت تعود بتاريخها إلى سنة 1357 هـ 1937 م . في ذلك اليوم البعيد المبارك من 1358 هـ تقريباً وبعد ما يقرب من ستة أشهر على تأسيس جماعة السيدات المسلمات كان أول لقاء لي مع الإمام الشهيد حسن البنا . كان ذلك عقب محاضرة ألقيتها على الأخوات المسلمات في دار الإخوان المسلمين وكانت يومئذ في العتبة .

كان الإمام المرشد في سبيله لتكوين قسم للأخوات المسلمات ، وبعد مقدمة عن ضرورة وحدة صفوف المسلمين واتفاق كلمتهم دعاني إلى رئاسة قسم الأخوات المسلمات . وكان هذا يعنى دمج الوليد الجديد الذي أعتز به " جماعة السيدات المسلمات " واعتباره جزء من حركة الإخوان المسلمين ، ولم أعد بأكثر من مناقشة الأمر مع الجمعية العمومية للسيدات المسلمات ، التي رفضت الاقتراح وإن حبذت وجود تعاون وثيق بين الهيئتين .

وتكررت اللقاءات مع تمسك كل منا برأيه وتأسست الأخوات المسلمات ولم يغير ذلك من علاقتنا الإسلامية شيئاً . وحاولت في أخر لقاء لنا في دار السيدات المسلمات أن أخفف من غضبه بعهد آخذه على نفسي أن تكون السيدات المسلمات لبنة من لبنات الإخوان المسلمين على أن تظل باسمها واستقلالها بما يعود على الدعوة بفائدة أكبر . على أن هذا أيضاً لم يرضه عن الاندماج بديلاً ودارت الأحداث بسرعة ووقعت حوادث سنة 1948 وصدر قرار حل الإخوان ومصادرة أملاكهم وإغلاق شعبها ، والزج بالآلاف في المعتقلات وقامت الأخوات المسلمات بنشاط يشكرن عليه وكانت إحداهن السيدة تحية الجبيلي زوجة أخي وابنة عمى ومنها عرفت الكثير من التفاصيل ، ولأول مرة وجدت نفسي مشتاقة إلى مراجعة كل آراء الأستاذ البنا وإصراره على الاندماج الكلي . وفي صبيحة اليوم التالي لحل جماعة الإخوان كنت بمكتبي في دار السيدات المسلمات وفي نفس الحجرة التي كان بها آخر اجتماع لي بالمرشد الإمام ، ووجدت نفسي أجلس إلي مكتبي وأضع رأسي بين يدي وأبكي بكاءً شديداً ، فقد أحسست أن حسن البنا كان على حق فهو الإمام الذي يجب أن يبايع من المسلمين جميعاً على الجهاد لعودة المسلمين إلي مقعد مسئوليتهم ، وإلي وجودهم الحقيقي الذي يجب أن يكونوا فيه ، وهو مكان الذروة في العالم يقودونه إلي حيث أراد الله ويحكمونه بما أنزل الله . وأحسست أن حسن البنا كان أقوى مني وأكثر صراحة في نشر الحقيقة وإعلانها . وإن هذه الشجاعة والجرأة هي الرداء الذي يجب أن يرتديه كل مسلم . وقد ارتداه البنا ودعا إليه . ثم وجدت نفسي أهتف بالسكرتير ليوصلني بالأخ عبد الحفيظ الصيفي الذي كلفته بنقل رسالة شفوية للإمام البنا يذكره فيها بعهدي في آخر لقاء لنا ... وحين عاد بتحيته ودعائه استدعيت أخي محمد الغزالي الجبيلي وكلفته بإيصال وريقة صغيرة بواسطته أو بواسطة زوجته إلي الإمام المرشد وكان في الوريقة : " سيدي الإمام حسن البنا ... زينب الغزالي الجبيلي تتقدم إليك اليوم وهي أمة عارية من كل شي إلا عبوديتها لله وتعبيد نفسها لخدمة دعوة الله ، وأنت اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لدعوة الله تعالى . في انتظار أوامرك وتعليماتك سيدي الإمام ... " .

وعاد شقيقي ليحدد لي لقاءً سريعاً في دار الشبان المسلمين ، كان المفروض أن يحدث وكأنه مصادفة . ولم أكن أعدم مبرراً لتواجدي هناك ، فقد كنت ذاهبة إلي صالة دار الشبان لإلقاء محاضرة ، والتقيت بالأستاذ البنا فقلت له ونحن نصعد الدرج : " اللهم إني أبايعك على العمل لقيام دولة الإسلام وأرخص ما أقدم في سبيلها دمي ، والسيدات المسلمات بشهرتها " فقال : " وأنا قبلت البيعة وتظل السيدات المسلمات على ما هي عليه " . وافترقنا على أن يكون اتصالنا بواسطة منزل أخي وكانت أول رسالة من الإمام الشهيد تكليفاً بالوساطة بين النحاس والإخوان ، وكان رفعة مصطفى باشا النحاس خارج الحكم حينذاك وحدد النحاس المرحوم أمين خليل للقيام بإزالة سوء التفاهم ورضى به الإمام الشهيد وكنت حلقة الاتصال . وفي ليلة من ليالي فبراير سنة 1949 جاءني أمين خليل ليقول لي " يجب اتخاذ إجراءات ليسافر البنا من القاهرة فالمجرمون يأتمرون به ليقتلوه . ولم أجد وسيلة للاتصال به مباشرة فقد اعتقل أخي ، فحاولت الاتصال بالإمام الشهيد شخصياً ، وأنا في طريقي للاتصال بلغني خبر الاغتيال ونقله إلى المستشفى ثم تواترت الأخبار بسرعة بسوء حالته وذهب شهيداً إلى ربه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً . وكان ألمي كبيراً وكانت نقمتي على المجرمين مرة لم أحاول كتمها .

وجاءت حكومة اتحاد الأحزاب وأصدرت أمراً بحل جماعة السيدات المسلمات واعترضت أمام القضاء الذي حكم لنا في عهد حكومة حسين سري باشا سنة 1950 بالعودة للنشاط . وكان المحامي في هذه القضية الأستاذ عبد الفتاح حسن "باشا" وجاءت حكومة الوفد وعاد الإخوان إلي نشاطهم وهم على بيعتهم للإمام المرشد حسن الهضيبي ، وأحببت في اليوم الأول لافتتاح المركز العام للإخوان المسلمين أن أعلن ولائي للدعوة بطريق غير مباشر إلي أن يقضي الله في الأمر بما يريد ، فتبرعت بأغلى شئ كنت أعتز به في أثاث منزلي وهو طاقم صالون أرابيسك مطعم بالصدف ليؤثث به مكتب المرشد العام .

وسارت الأمور هادئة مطمئنة ، وزارني الشهيد عبد القادر عودة وشكرني على التبرع وقال : " يسعدنا إذا أصبحت زينب الغزالي الجبيلي من الإخوان المسلمين ." قلت : " أرجو أن أكونها بإذن الله . " فقال : " قد كانت والحمد لله . " وصارت الأمور في هدوء ومودة بيني وبين كثيرة من أعضاء الجماعة حتى حكومة الانقلاب العسكري بقيادة اللواء محمد نجيب الذي كان قد زارني قبل الانقلاب بأيام بصحبة الأمير عبد الله الفيصل وليس سراج الدين والشيخ الباقوري وشقيقي علي الغزالي بمناسبة وجود الأمير عبد الله الفيصل في مصر ، وقد تعاطف الإخوان مع الانقلاب وكذلك السيدات المسلمات لفترة أحسست بعدها أن الأمور لا تسير كما كنا نأمل وأنها ليست الثورة المنتظرة تتويجاً لجهود سبقت على أيدي العاملين لإنقاذ هذا البلد ... وأخذت أنقل رأيي لمن ألقاه من الإخوان . وحين عرضت منا مناصب وزارية على بعض الإخوان ، وضحت رأيي في مجلة السيدات المسلمات ، فما كان لأحد من الإخوان أن يقسم يمين ولاء لحكومة لا تحكم بما أنزل الله .. ومن يفعل منهم ذلك يجب فصلهم من الإخوان وواجب الإخوان أن يحددوا موقفهم بعد أن اتضحت نوايا الحكومة .

وزارني الشهيد عبد القادر عودة طالباً مني تأجيل الكتابة في هذا الموضوع ، وأمسكت عددين ، ثم عدت إلى الكتابة إلى أن زارني الشهيد عبد القادر عودة للمرة الثانية حاملاً في هذه المرة أمراً من المرشد العام بعدم الكتابة في هذا الموضوع ، وتذكرت بيعتي للبنا - رحمه الله - واعتقدت أن الولاء قائم بها للهضيبي ، وامتثلت للأمر . ومنذ ذلك الوقت والبيعة تحكم تصرفاتي حتى ما يبدو منها خاصاً كرحلة مؤتمر السلام في فيينا التي لم أقم بها إلا بعد أن حصلت على لإذن الإمام المرشد الهضيبي ...


وسقط القناع

ومرت الأيام وجاءت أحداث 1954 ونكباتها ومخا زيها التي أسقطت القناع عن وجه جمال عبد الناصر لتظهر عدائه للإسلام ومحاربته له في شخوص دعاته وقيادات نهضته ، وصدرت أحكام الإعدام البشعة على قمم القيادات الإسلامية : الشهيد المستشار عبد القدر عودة ، صاحب الفضيلة العالم الأزهري الورع الذي رصدت القيادة البريطانية في القنال عام 1951 عشرة آلاف جنيه لمن يأتي به حياً أو ميتاً : الشيخ محمد فرغلي الذي أُهدي للاستعمار ميتاً دون أن تخسر الخزينة البريطانية مبلغ المكافأة ، وباقي الشهداء الكرام . حتى المجاهد الكبير الإمام حسن الهضيبي حكموا عليه بالإعدام ، ولم ينفذ ، فقد أصيب فجأة بذبحة شديدة بالقلب نقل على أثرها للمنزل وقرر الأطباء أنه لن يعيش إلا ساعات ، وهنا ظهر عبد الناصر فأصدر عنه عفواً ، متوقعاً أن يقرأ نعيه في الصحف صباح اليوم التالي . ولكن قدرة الله أحبطت كيده ، وعاش الإمام . فلكل أجل كتاب ، نعم عاش ، ليؤدي بعد ذلك خدمات للمسلمين ويقود الدعوة الإسلامية في أحلك أيام شهدتها الدعوة ، وقد أظهر قوة الصلابة في الحق وهو المريض بعدة أمراض مما أذهل الجلادين وجعلهم يقودونه إلى السجن الحربي مرة أخرى ويعذبونه بأبشع أنواع التعذيب ، ولكنه ظل متمسكاً بالحق سائراً على طريق أصحاب الدعوات إلى أن شهد هو نهاية عبد الناصر وزبانيته وهو صامد ، رافع أعلام الحق والتوحيد الذي أعتقده ، متلبس بكل حبات وجوده ، وأخذ بالعزيمة ولم يتسرب إلى نفسه ضعف أو وهن في دين الله ورفض أن يأخذ بالرخص فيقيم في بيته وينكر بقلبه كما يفتي ويأخذ بذلك بعض العلماء . بل أني لأذكر له هذا الموقف الكريم الشجاع حينما أراد بعض من طالت عليهم المدة واعتراهم بعض الضعف أن يأخذوا بالرخصة ويكتبوا للطاغية مؤيدين وملتمسين العفو منه ، وسألوا الإمام حسن الهضيبي أن يأذن لهم في ذلك فقال قولته المشهورة : " أنا لا أكره أحد على الأخذ بالعزيمة والوقوف معنا ، ولكنى أقول لكم : إن الدعوات لم تقم يوماً بالذين يأخذون بالرخص " . قال ذلك وهو الشيخ الكبير ذو الثمانين عاماً ، وظل بسجن مزرعة طره إلى آخر الأفواج التي أفرج عنها بعد موت عبد الناصر ... ولنا عودة أخرى إلى تفاصيل أحداث 1965 .
صرخات تنادى للواجب

وفي عام 1955رأيت نفسي مجندة لخدمة الدعوة الإسلامية بغير دعوة من أحد فقد كانت صرخات اليتامى الذين فقدوا آباءهم بالتعذيب ودموع النساء اللاتي ترملن وأزواجهن خلف قضبان السجون . والآباء والأمهات من الشيوخ الذين فقدوا فلذات أكبادهم . كانت هذه الصرخات والدموع تنفذ إلى أعماقي . ووجدت نفسي وكأني من المسئولين عن ضياع الجياع وجراح المعذبين . وأخذت أقدم القليل .

ولكن أعداد الجياع تزداد يوماً بعد يوم . وأعداد العرايا كذلك . وأخبار الشهداء الذين يقضى عليهم تحت سياط الفجرة المارقين القساة الجاحدين . والمدارس والجامعات تتطلب مصاريف وأدوات وملابس . وأصحاب المنازل يطالبون بإيجار منازلهم . وزادت المشكلة تعقيداً وثقل الحمل على حامله . واتسع الخرق على الراقع وبخاصة بعد عام ونصف . وبالتحديد في منتصف 195

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 74 مشاهدة
نشرت فى 26 مارس 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

304,286