في الإسلام الدماء لها حرمة هائلة، ولا يجوز أن تمتد يد لتقتل نفساً إلا بسبب معلومالتفجيرات في أسبانيا أضرت بالإسلام والمسلمين في أوروبا جميعا
لا يوجد في الإسلام (اعتقد وأنت أعمى) أو (آمن ثم اعلم)، لابد أن تعلم طريقك أولاً
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، ورضي لنا الإسلام دينا، وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس، نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فمن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً (إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها) (ومن شكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن ربي غني كريم)، اللهم صل وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم، وارض اللهم عن آله وصحابته وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، أما بعد،،،، طريقان للانسان إما الشكر وإما الكفر فيا أيها الأخوة المسلمون... لا زال حديثنا موصولاً حول تزكية النفس، نفس الإنسان الذي وصفه الله بأنه كان ظلوماً جهولاً وأنه ظلوم كفار وأنه لربه لكنود وأنه خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا، هذا الإنسان الذي ألهم الله نفسه فجورها وتقواها، هذا الإنسان الذي ابتلاه الله فهداه النجدين وعرفه الطريقين طريق الخير وطريق الشر، (إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا)، لا يستطيع هذا الإنسان أن يتزكى ويتطهر إلا إذا جاهد نفسه، ليحررها من أهواءها وشهواتها والاستسلام لغرائزها حتى تترقى وترتفع عن مستوى الحيوانية إلى مستوى الإنسانية أو مستوى الملائكية، لا يتم هذا إلا برياضة كما تراض الأجسام لتقوى وتسلم، لابد أن تراض النفوس وأن تزكى وتجاهد ومن سار على الدرب وصل والله تعالى يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين، لابد أن تجاهد وأن يكون جهادك في سبيل الله لابتغاء مرضاة الله حتى تصل إلى هدى الله، (والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين). تزكية النفس أمر مفروض على كل مسلم (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)، وهو طريق
تعلم دينك من العلماء الربانيين لابد أن يتعلم دينه، وأهم شيء أن يتعلم علم طريق الآخرة، علم طريق الله، قد يعرف الإنسان كتب الفقه وقد يحفظ الألوف من الأحاديث وقد يقرأ من كتب التفاسير ولكنه لا يعلم في طريق الآخرة شيئاً، يقع في مهاوي المعصية ويسير في ركب الشيطان ويتبع الهوى المضل عن سبيل الله وهو لا يدري، المهم أن تتعلم طريق الآخرة، وتتعلمه من أهله، من العلماء الربانيين الذين يدلونك على الله ويأخذون بيدك إلى طريق الله، تتعلمه بالسمع والقراءة، من الكتب التي تنير قلبك للإيمان وتشرح صدرك للإسلام وتحثك على عمل الصالحات واستباق الخيرات واجتناب السيئات، يمكن أن تتعلم. وفي عصرنا أصبحت أدوات العلم ميسورة، تستطيع أن تتعلم بالقراءة وتستطيع أن تتعلم بالسماع من الأشرطة وتستطيع أن تتعلم من الفضائيات، وتستطيع أن تضع الشريط وأنت سائر في سيارتك لتستمع إليه، المهم أن تحسن القراءة وتحسن السماع، تحسن اختيار ما تقرأ وتحسن اختيار ما تسمع، قال أحد الحكماء (أخبرني ماذا تقرأ أخبرك من أنت) أستطيع أن أعرف شخصيتك من نوع ما تقرأ وكذلك من نوع ما تسمع، إذا كنت مولعاً بالمبالغات والتهاويل التي يقولها بعض الوعاظ فأنت إنسان سطحي أنت إنسان لا تريد أن تعرف حقائق العلم، تريد أن تعيش على السطح في هذه التهاويل التي لا تعرف منها حقيقة، حاول أن تسبر الأغوار وأن تدرك الحقائق، أن تغوط في الأعماق لا تقف عند السطوح، ولذلك اختر عالمك واختر كتبك واختر من تستمع إليه، هناك أناس راجت في هذه الأيام كتبهم وراجت أشرطتهم، وكلما سمعتها أمسكت قلبي، إن هؤلاء يضللون المسلمين، يكبرون الأمور الصغيرة ويصغرون الأمور الكبيرة ويهونون الأمور العظيم ويعظمون الأمور الهينة، هذه مشكلة كبيرة وتحتاج إلى إدراك، تحتاج إلى حسن فهم حتى نفهم عن الله وعن رسوله ولذلك اختر العالم واسع الأفق لا العالم الضيق الأفق، العالم الذي اتسع إدراكه واتسعت معرفته، وعاش في هذا العصر بعين يرى فيه العصر من ناحية ويرى فيها التراث الإسلامي والعلم من ناحية أخرى ثم من ناحية ثانية احذر العالم الذي يتبع الهوى الذي يبيع دينه بدنياه أو يبيع دينه بدنيا الحكام والأمراء أو يبيع دينه بدنيا العامة، هناك علماء يبيعون دينهم للسلاطين وهناك آخرون يبيعون دينهم للعوام، يبحث عما يرضي العامة ويرضي شهواتهم ومبالغاتهم وهؤلاء أخطر من علماء السلاطين، لأن علماء السلاطين يكشفون وهؤلاء قلما يكشفون، احذر هؤلاء. احذر الهوى، العالم الذي يتبع الأهواء، أهواء السلاطين أو أهواء العوام، ثم ابحث عن العالم المعتدل، الذي لا يفرط ولا يفرّط لا يغلو ولا يقصر (والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان) تستطيع أن تنتقي كتبك وأن تقرأ فإذا أشكل عليك أمر سألت فيه العالم الثقة، أحب أن أنبه هنا أن كثيراً من الناس يحسبون أن كل واعظ جيد، مفت جيد، أن الخطيب الذي يهز أعواد المنابر قادر على أن يحسن الفتوى للناس وهذا فن وهذا فن، هذا علم وهذا علم، قد يكون خطيباً من أعظم الخطباء وليس أهلاً لأن يفتي، فاحذر أن تأخذ دينك من كل صاحب عمامة وكل صاحب لحية كبيرة، إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم، إذا أشكل عليك أمر فاسأل به خبيرا كما قال الله تعالى (ولو ردوه إلى الرسول وإلى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) وإن أخطر ما يصاب به المسلمون ما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي زمان يفقد فيه العلماء الأصلاء ويتخذ الناس رؤوساً جهالاً فإذا سئلوا أفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم أصيب أحد الصحابة بجراح ثم أصابته جنابة فاستفتى بعض
الناس أصناف شتى، من حيث الهدف والغاية العلم والمعرفة، وأول ما يجب تعلمه هنا أن يعرف المسلم الهدف ويعرف الطريق، يعرف غايته ويعرف طريقه، فالناس أصناف شتى هناك من يعيش في هذه الحياة لا يعرف له هدفاً، ليس له غاية، يعيش ويموت هو حي كميت وموجود كمفقود، لا يعرف لماذا يعيش ولا يعرف لماذا يموت ولا ماذا بعد الموت هو الذي يقول فيه الشاعر
فهذا الذي إن عاش لم ينتفع به وإن مات لم تبك عليه أقارب
هذا صنف من الناس. وصنف من الناس يعيش لغاية، غايته هي شهواته، ولذائذه يعيش لبطنه ولفرجه، كما قال الله تعالى (والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم)، يعيش لبطنه ولفرجه وقد قال أحد الحكماء: من كان همه بطنه وفرجه فقيمته ما يخرج منهما، ويروى عن أبي نواس أنه قال:
إنما الدنيا طعام وشراب وندام فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام
الدنيا أنك تأكل وتشرب وتنادم رفقاءك على الكأس فإذا فاتك هذا فعلى الدنيا السلام، هذا صنف من الناس، صنف يعيش لشهواته ولبطنه ولفرجه. وهناك صنف آخر همه شيء آخر، همه الجاه، همه أن يكون له شأن في الناس، أن يأمر وينهى كما سئل بعضهم ما سعادتك قال سعادتي في إعزاز الأصدقاء وإذلال الأعداء، وقال الشاعر:
إن أنت لم تنفع فضر فإنما يعيش الفتى كي ما يضر وينفع
هذا صنف مهمته الجاه في الدنيا، أن يذكر اسمه، أن يشار إليه بالبنان أن يقف الناس له قياماً إذا استأذن أذن له وإذ شفّع شفع وإذا قال استمع، هذا صنف، وصنف آخر غايته أن يجمع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، أن يكون له غنى قارون، أو ما شاء من أولئك الأثرياء ومهما أوتي فلن يشبع، إن لعابه يسيل دائماً إلى الزيادة لا يقنع بقليل ولا يشبع من كثير شأنه شأن جهنم يقال لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد، هذا يعيش في الدنيا يجمع ولا يشبع، هو يعيش عيشة المحروم لأنه لا يحس بالرضا ولا يحس بالقناعة ولا يحس بالسكينة، ولو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى لهما ثالثا، ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب. وهناك صنف من الناس يعيش لغاية أسمى لغاية عظمى، لهدف أكبر وأعلى من هذا كله، إنه يعيش للآخرة، يعيش للحياة الباقية، يعيش لربه لا لنفسه، لقد تحرر من ذاتيته وعبّد نفسه لله، تحرر من عبوديته للبشر ومن العبودية للحجر وما الذهب والفضة إلا حجران، تحرر من العبودية للذات، من العبودية للأشياء، من العبودية للأشخاص، وجعل نفسه عبداً لله وحده (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالم لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) هذا هو الإنسان الحقيقي، الإنسان العظيم الذي أصبح يعيش لرسالة ويعيش لهدف في الحياة، إنه هو الذي أجاب عن الأسئلة الخالدة إجابة تشفي الصدور وتملأ النفوس، الأسئلة الخالدة هي (من أين؟ وإلى أين؟ ولم؟ وما أنا؟)، من أين جئت؟ هل جئت بغير شيء؟ أم خلقني خالق ودبرني مدبر، إن المؤمن استراح وأراح حينما قال إنما جاء بي إلى هذا العالم خالق عظيم ورب حكيم خلقني لغاية وخلقني لرسالة، الذي خلقني فهو يهدين والذي يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين، والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، هكذا عرف الإنسان المؤمن من أين جاء ومن الذي جاء به وإلى أين يذهب، أيعيش هذه المدة من الزمن سنين تقصر أو تطول ثم ينتهي ولا شيء بعد ذلك؟ يمشي على التراب ويأكل من التراب ثم يدفن في التراب ويأكله التراب وقد انتهى كل شيء؟ لا، بل كما قال الله تعالى (منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى) هذه التارة الأخرى هي المهمة لأنها الدار الباقية، (يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلى مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب). هذا الإنسان عرف غايته أنها الدار الآخرة، الحياة الباقية، والحياة الباقية فيها جنة ونار، فيها ثواب وعقاب، هو حريص على أن يكون من أهل الجنة، الجنة تهون أمامها كل مغريات الدنيا، كل ما يلهث الناس من أجله، من هذه الشهوات كما قال الله تعالى، (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) الحياة السفلى (ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب، قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد)، لابد للإنسان أن يعرف غايته، ما هي هذه الغاية؟ ولابد أن يجيب عن هذه الأسئلة: من أين؟ وإلى أين؟ ولم؟ لماذا خلقت؟ أخلقت عبثاً وأعيش في هذه الدنيا عبثاً ثم تنتهي بالموت؟ كما قال بعد الناس: الدنيا أشغال شاقة وآخرها الإعدام، هل هو إعدام وانتهى الأمر؟ لا والله إن الموت ليس نهاية المطاف إن الموت رحلة إلى حياة أخرى وما الموت إلا رحلة غير أنها من المنزل
علّم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فخط لهم خطاً مستقيماً على الرمل وسيلة الإيضاح عنده كانت الرمل، خط لهم خطاً وقال هذا صراط الله مستقيما أو سبيل الله مستقيما ثم خط عن يمينه وعن شماله خطوطاً متعرجة متحرفة ملتوية وقال: "هذه سبل على رأس كل منها شيطان يدعو إليه"، ثم تلا قول الله تعالى (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون)، الطريق الوسط، الصراط المستقيم، اتبعوه إياكم والمنعرجات والملتويات والطرق المنحرفة هنا وهناك فإن على رأس كل منها شيطاناً يدعو إليه، سيروا وراء محمد صلى الله عليه وسلم، اعرفوا الغاية، أيها المسلم اعرف غايتك، وحدد هدفك ثم اعرف طريقك وسر في هذا الطريق ولا تمل عنه يميناً ولا شمالاً تهتدي ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم وادعوه يستجب لكم. استنكار أحداث التفجيرات التي عمت العالم في الفترة الِأخيرة الحمد لله، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ورضي الله عمن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين، أما بعد،،، فيا أيها الأخوة المسلمون .. في الأسبوعين الماضيين حيث لم يقدر لي أن أعتلي هذا المنبر حدثت أحداث تدمي القلب وتدمع العين، حدثت تفجيرات هائلة سقط من ورائها مئات من الناس من الضحايا الأبرياء الذين لا ناقة لهم في السياسة ولا جمل، ولا هم في العير ولا في النفير، حدثت أحداث وتفجيرات في كربلاء في العراق وفي الكاظمية في بغداد في موسم عاشوراء، سقط المئات من ورائها، من الذي فعل هذه الأحداث؟ من الذي سفك هذه الدماء؟ من الذي صنع هذه التفجيرات؟ تتضارب الأقوال وتتشابك الأعمال، ولا يستطيع أحد أن يجزم من وراء هذه الأشياء، من المستفيد من وراء هذا كله، من وراء إشعال النار؟ من الذي يوقظ الفتنة النائمة؟ والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، من الذي يريد أن يمزق أوصال الشعب العراقي ويضرب بعض أبنائه ببعض؟ لا يمكن أن هذا إنسان مسلم يعرف ربه ويعرف دينه ويعرف قومه ويعرف المصلحة ويعرف المفسدة، تشير الأصابع أحياناً إلى الموساد وتشير إلى جهات مختلفة وتشير أحياناً إلى بعض المسلمين، هل بلغت الغفلة بالمسلمين أن يفعلوا هذا؟ إن الأصل في الدماء هو الحرمة، من الذي فعل هذا؟ ثم من الذي فعل الأحداث الهائلة التي حدثت في أسبانيا، تفجير القطارات، قطارات الركاب المدنيين، هذه القطارات لا تحمل جنوداً عسكريين، إنها تحمل أناساً يذهبون إلى أعمالهم غادين رائحين مصبحين ممسين يأكلون رزقهم بكد يمينهم وعرق جبينهم، هل هؤلاء أعداء للمسلمين؟ يقال إن القاعدة هي التي فعلت ذلك ويقال كذا ويقال كذا، أنا أستغرب من هذه الدماء التي تسفك، هؤلاء الذين قتلوا في القطارات لعلهم كانوا في المسيرات المليونية التي اجتاحت مدن أسبانيا تحتد على حرب العراق، تقف ضد أمريكا وتقف ضد حكوماتها كيف نستبيح دماء هؤلاء؟ منذ يومين دمر فندق في بغداد فندق جبل لبنان، ورأيت بعيني الفندق وهو ينهار على من فيه، هدم على كل من فيه، تنتشل الجثث ليس فيهم جندي من جنود الاحتلال، من الذي وراء هذا كله، من الذي يستبيح الدماء المعصومة، الأصل في الدماء عندنا نحن المسلمين أنها شديدة الحرمة، لها حرمة هائلة، حتى أن القرآن مع كتب السماء يجرمها تجريماً ويحرمها تحريماً ويقرر أنه (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا)، لا يجوز أن تمتد يد لتقتل نفساً إلا بسبب معلوم، بغير هذا لا يجوز، حتى أن الإسلام لم يقف عند حرمة الأمم البشرية بل حرم الأمم الحيوانية جعل لها حرمتها، النبي عليه الصلاة والسلام قال عن الكلاب وقد آذتهم الكلاب الضالة ورأى من إيذائها ما رأى قال "لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها" الكلاب أمة، يشير إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلى أمم أمثالكم)، وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها حتى ماتت، هكذا الإسلام، في الحروب الرسمية التي تواجه فيها الجيوش الإسلامية جيوش الأعداء الذين يقاتلون المسلمين ويعتدون عليهم حرم الله تعالى أن يقاتل إلا المقاتل (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا)، (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين)، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان والشيوخ ورأى في إحدى الغزوات امرأة مقتولة فغضب وأنكر على أصحابه وقال "ما كانت هذه تقاتل" وشدد بعدها في النهي عن قتل النساء والصبيان وهكذا كان الصحابة والخلفاء الراشدون يوصون قوادهم أن لا يقتلوا امرأة ولا يقتلوا وليداً ولا يقتلوا شيخاً ولا يهدموا بناء وقال ستجدون رجالاً فرغوا أنفسهم في الصوامع (الرهبان) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وقال عمر: لا تقتلوا الحراثين - الزراع الفلاحين - الذين لا ينصبون لكم الحرب ونهى أن يعتدى على التجار في متاجرهم، كل المدنيين الذين لا شأن لهم في الحرب لا يجوز أن يمسوا بسوء، هذا في الحروب الرسمية التي تتواجه فيها الجيوش وتلتقي فيها الصفوف، فكيف في غير هذا، أنا أعجب من مسلمين يفعلون هذه الأشياء ويستحلون الدماء، بعض الناس يعتذرون لهؤلاء بأن نواياهم حسنة وأهدافهم نبيلة وأنهم يريدون خدمة الإسلام والدفاع عن المسلمين والوقوف في وجوه الطغاة ولكن أيها الأخوة نحن المسلمين لابد عندنا من رعاية الأخلاق في الغايات وفي الوسائل، نحن لا نقر أخلاقية الغايات ولا أخلاقية الوسائل، لا، ليس عندنا مبدأ ميكافيللي: الغاية تبرر الوسيلة، بل نحن ندعو إلى شرف الغاية وطهر الوسيلة، لابد من الغاية الشريفة والوسيلة النظيفة، لا نقبل أبداً ما يقوله هؤلاء: إن غايتنا طيبة وشريفة فنحن نستبيح كل شيء، لا، نحن مقيدون بشرع بأحكام الله وأحكام الله تلزمنا بأن نصون الدماء ونرعى الحرمات ولا نتجاوز فيها وإلا كنا مسؤولين أمام الله، هؤلاء الذين فعلوا ما فعلوا في أسبانيا ألا يظن هؤلاء أنهم اعتدوا على حرمات وعلى أناس لا ذنب لهم، ثم إنهم آذوا إخوانهم هناك المسلمون الذين يعيشون في أسبانيا ويحاولون أن يندمجوا في المجتمع وقد رأيتهم بنفسي، ما ذنب هؤلاء حتى قال قائلهم إننا لم نعد قادرين على الخروج إلى المجتمع لنشتري ما نأكله، هذا الخوف نتيجة هذا العمل، عمل أحمق الذي لا ينظر إلى العواقب ثم إن هؤلاء يضرون بإخوانهم المسلمين في أوروبا جميعاً، ويضرون الإسلام نفسه، حيث ألصقوا بالإسلام تهمة الإرهاب وتهمة استباحة الدماء والإسلام لا يرى ذلك، الإسلام يشدد كل التشديد في أمر الدماء ولا يجوز أن تستباح نفس إلا بحقها، (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا) اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم هيئ لنا من أمرنا رشدا، اللهم لا تجعلنا ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا واجعل غدنا خيراً من يومناً وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم أكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وارض عنا وأرضنا، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد الإسلام، اللهم انصر أخوتنا في فلسطين، اللهم انصرهم على أعدائك أعداء الدين، اللهم انصرهم على اليهود الغاصبين المتجبرين وعلى حلفائهم من الصليبيين الكائدين الماكرين، وعلى جميع أعدائك أعداء الدين، اللهم رد عنا كيدهم وفل حدهم وأذهب عن أرضك سلطانك ولا تدع لهم سبيلاً على أحد من عبادك المؤمنين، اللهم يا منزل الكتاب ويا مجري السحاب ويا سريع الحساب ويا هازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم. اللهم آمين.
وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون، عباد الله، يقول الله تبارك تعالى (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
نشرت فى 12 فبراير 2012
بواسطة abdosanad
ساحة النقاش