authentication required


حول القرضاوي: مذكرات القرضاوي
الحلقة الرابعة: الاستعفاء من العمل التنظيمي في الإخوان

شعار جماعة الإخوان المسلمين

وبعد ذلك رأيت أن أستعفي من العمل التنظيمي في جماعة الإخوان، وأن أتحرر من الالتزام بأي عمل رسمي في تنظيم الإخوان، وأن أتفرغ للعمل الإسلامي العام، فوضعي اليوم يقتضي مني أن أكون للمسلمين جميعا، على اختلاف اتجاهاتهم، واختلاف أقطارهم، واختلاف مذاهبهم. هذا مع أني لا أنكر انتمائي لدعوة الإخوان نشأة وفكرا وولاء. وسأظل أعمل لترشيد مسيرة الإخوان، وتسديد خطاها، وتحذيرها من المزالق والمضايق... وهذا لا ينافي أن أنقدها كما أنقد غيرها من الحركات والجماعات.

وقد رضي مني الإخوان هذا الموقف الذي يراه كل الراشدين أنفع للإسلام ولأمته، وإن كان بعض رجال الأمن يعتبرون ذلك من باب (توزيع الأدوار). وهؤلاء لو أقسمت لهم بالأيمان المغلظة، أو أتيتهم بكل آية وبينة، لم يصدقوك.

لم يكن المجلس كله على خط فكري واحد تماما، فقد بدأت تدخل على الإخوان أفكار جديدة، بعضها من التيار السلفي الذي يغلب على كثير من المنتمين إليه: التشدد والحرفية، حتى أطلقت عليهم لقب: (الظاهرية الجدد). على عكس منهج شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، اللذين يزعمون أنهم أئمتهم الذين يأخذون عنهم.

وأكثر الذين تأثروا بالتيار السلفي: الذين يعيشون في السعودية والكويت، ويظهر ذلك في الموقف من قضايا المرأة والتعددية السياسية والأقليات ونحوها.

وبعض الأفكار الأخرى رشحات من أفكار الشهيد سيد قطب رحمه الله، في كتبه: معالم في الطريق، والظلال في أجزائه الأخيرة، وفي الطبعة الثانية من أجزائه الأولى، وفي كتبه التي ظهرت في أواخر حياته رحمه الله.

وهذه الأفكار تحمل بذور تكفير المجتمع، والعزلة الشعورية، والاستعلاء على الآخرين، ورفض الاجتهاد وتطوير الفقه، إلى آخر هذه الأفكار.

وكان المنهج التربوي الذي يوضع للإخوان يتضمن بعض هذه الأفكار وتلك، سلفية وقطبية، ولا سيما أن المكلفين بوضع المنهج كانوا في فترة من الفترات هم إخوان الأردن، وهم متعلقون تعلقا شديدا بالأفكار القطبية.

ولذلك لم تكن كتبي، أو كتب الشيخ الغزالي، أو محمد فتحي عثمان، وأمثال هؤلاء مما يحسن أن يوضع في صلب المنهج، لأنهم يعتبروننا (عقلانيين) ويسمينا بعضهم (معتزلة العصر).

وإن كانوا يدخلون في بعض الأحيان عددا قليلا من كتبي، بعضها في المنهج الأساسي، وبعضها في منهج القراءة.

ولكن الذي كان يطمئنني حقا: أن جمهور الإخوان يشترون كتبي، ويتلهفون عليها بمجرد ظهورها من المطبعة، فهم قرروها على أنفسهم، وإن لم تقررها السلطة المختصة، وهذا فرق بين الشعبي والرسمي.

ومن عيوب هذا المنهج التربوي الرسمي الملزم للإخوان: أنه يوقعهم في التناقض، المكشوف أحيانا، والمُقنَّع أحيانا أخرى. فبعض الكتب المقررة عليهم مثل كتبي ترى أن الشورى واجبة، وأن الشورى ملزمة، وأن النزول على رأي أكثرية أهل الحل والعقد واجب ... على حين يرى كتاب آخر لبعض الدعاة: أن العمل برأي الأكثرية من الأمراض التي دخلت على الحركة الإسلامية، وأن الواجب هو العمل برأي الإمام، وإن خالف الأكثرية، بعد أن يستشيرهم. وبهذا شرعنا للاستبداد، وأعطينا الحجة للحكام الذين يقهرون الأمة، ويضربون برأيها عرض الحائط.

محمد فريد عبد الخالق
في بعض الجلسات دعي القيادي الإخواني القديم الأستاذ محمد فريد عبد الخالق، أحد قدامى الإخوان، ورئيس قسم الطلاب لسنين عديدة، وأحد المقربين من المرشد الأول والثاني: البنا والهضيبي، وكان له ملاحظات على منهج الإخوان في التربية والتثقيف، وكان متفقا معي تماما، وقد أوصينا بعمل مقترحات لتدخل على المنهج، إلى أن يوضع منهج جديد، يتفادى ما ذكر من السلبيات ويتضمن الإيجابيات المنشودة.

وأحب أن أعلن هنا بوضوح: أني حين انسحبت من التنظيم الرسمي للإخوان عالميا وإقليميا، لا يعني هذا انسلاخي من الدعوة نفسها، أعني الدعوة إلى الإسلام: عقيدة وشريعة، وعبادة ومعاملة، ودينا ودنيا، وحقا وقوة، ودعوة ودولة. فهذا ما أحيا له، وأموت عليه، وأنذر عمري له. فأنا ابن الدعوة وأبوها وأخوها، وهي مني وأنا منها.

وهذا ما يجعل الكثير من الإخوان يعتبرونني واحدا منهم، وإن أعلنت استقلالي عنهم، بل ربما اعتبرني الكثيرون: مفتيهم الأول الذي يأخذون عنه الأحكام، ويفتون بفتواه، وربما اعتبرني آخرون: منظِّر الدعوة، الذي يؤصل مفاهيمها، ويعمق أفكارها، ويرد فروعها إلى أصولها، ويدلل عليها بالأدلة الشرعية الموثقة، كما يتجلى ذلك واضحا في سلسلة (نحو وحدة فكرية للعاملين للإسلام) وهي تدور حول (الأصول العشرين) للإمام حسن البنا، وتشرحها شرحا أصوليا فقهيا يجمع بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر. وقد كنت من قديم شرحت هذه الأصول شرحا شفهيا، مسجل على أشرطة (كاسيت) ونشرت ووزعت في أنحاء العالم، ولقيت قبولا عاما.

وربما أيد هذا: ما يفكر فيه كثيرون داخل الإخوان، وخصوصا الكبار والقدامى منهم، حين يلحق بربه أحد المرشدين العامين للإخوان، فيهرع إليّ من يهرع، يطلبون إلي أن أقبل منصب المرشد العام للجماعة، ولا يسعني إلا أن أشكر لهم، وأعتذر عن عدم قبولي لعرضهم، اقتناعا مني أن ما أقوم به من عمل إسلامي عام: أنفع لي وللأمة من تولي منصب المرشد العام. وقد قال لي رفيق العمر الأخ أحمد العسال فعلا في موقف من هذه المواقف: إني أوثر أن تكون مرشدا للأمة، بدل أن تكون مرشدا لجماعة بعينها، قلت: وأنا مستريح إلى هذا، ومطمئن إليه.

المستشار مأمون الهضيبي
حدث ذلك عند اشتداد مرض المرشد الثالث الأستاذ عمر التلمساني، وحدث ذلك مرة أخرى بعد أن تولى الأستاذ مأمون الهضيبي منصب المرشد، وقد أرسل إلي من يكلمني ويقنعني بقبول المنصب، وهو مستعد أن يتنازل عن منصبه راضيا، وكان الذي حمل الرسالة مقتنعا تمام الاقتناع بذلك، وحاول جاهدا أن يزحزحني عن موقفي، وأن في هذا مصلحة الدعوة، ومصلحة الأمة، وهو من رجال الفكر والدعوة القادرين على الإقناع، ولا مانع أن أذكر اسمه الآن، وهو الأخ الصديق المفكر الإسلامي الكبير الدكتور محمد عمارة.

وقد قلت له: ولماذا لا تتولى أنت هذا المنصب يا دكتور؟

قال: أنا لا أصلح له، أنا غريب عن الجماعة. أما أنت فابن الدعوة ورجلها، قضيت فيها شبابك وكهولتك وشيخوختك، وأنت الشخصية الأولى لدى الإخوان، لا يتمتع أحد بالإجماع على حبه وتقديره، غيرك، ومنزلتك العالمية اليوم ستساعد في نجاح الدعوة التي أصبح لها وجود عملي في أكثر من سبعين دولة في العالم.

وقد رأيت الكثيرين من إخواني المقربين يشاركونني الرأي في أن بقائي مرشدا وموجها للأمة كلها: أكثر نفعا وبركة من تولي منصب المرشد العام للجماعة، منهم - بعد د. العسال - د. الديب، ود. العوا، وأ. فهمي هويدي، وكثيرون.

 

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 56 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,809