مقدمة

الحمد لله نحمده ونستعين بة ونستهدية ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أكرمنا بخير نبي أرسل وبخير كتاب أنزل وجعلنا بالإسلام أمة وسطا لنكون شهداء على الناس ويكون الرسول علينا شهيدا، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمدا عبد الله ورسوله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة وجاهد لله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.فمن يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسولة فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا.

 

إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، وإن أسأتم فلها، ومن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم.

 

اللهم صلي وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم وعلى آله وصحابته، وأحيينا اللهم على سنته، واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

 

أما بعد فيا أيها الأخوة المسلمون

لازال حديثنا موصولا عن تزكية الأنفس، النفس التي بها صار الإنسان إنسان، ولا بد أن يعمل الإنسان على تزكية نفسه قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها وتزكية النفوس طريقها طويل ولكنه جهاد لن يضيع وصدق الله إذ يقول والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين، تحدثنا عن العلم وأثره في تزكية النفس، تحدثنا عن التوبة التي بها يبدأ الإنسان مشواره إلى الله وقد تخفف من أعباء ذنوبه وتطهر من أدران خطاياه، كما الإنسان لا يدخل الصلاة إلا متطهرا فمن أراد القرب من الله ومن أراد حسن الصلة بالله فعليه أن يغتسل وعليه أن يتطهر وإنما يكون التطهر بالتوبة فالتوبة طهارة معنوية ولهذا قال الله تعالى [ إن الله يحب التوابين ويحب المتتطهرين].

إلى أعلى

 

محطة الصبر والشكر

 ثم هنالك مراحل ومحطات أخرى على الإنسان أن يقطعها في طريقة إلى الله نبدأ اليوم في الحديث عن محطة جديدة  إنها محطة الصبر هناك أمران مقترنان الصبر والشكر كما قال الله تعالى في أربع آيات من القرآن [ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور] الصبار المبالغ في الصبر والشكور المبالغ في الشكر وهاتان صفتان للمؤمن كأنه يقول إن في ذلك لآيات لكل مؤمن فالمؤمن صبار على ما يصيبه من بلاء شكور على ما يأتيه من نعماء وهو بين هذين الأمرين دائما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابه صراء شكر فكان خير له وإن أصابه ضراء صبر فكان خير له ] فالمؤمن على خير في الصراء والضراء في النعمة والبأساء في الشدة والرخاء في العافية والبلاء هو دائما على خير.

 

لكنا آثرنا أن نبدأ في الصبر لأن القرآن قال لكل صبار شكور فبدأ بالصبر لأن حاجة الإنسان المؤمن إلى الصبر أكثر من حاجته إلى الشكر ذلك لأن الله خلق الإنسان كما قال عزوجل [ لقد خلقنا الإنسان في كبد] في مكابده للمشقات والآلام منذ طفولته هذه سنة الله في هذا الإنسان وهذه سنة الله في هذه الحياة، الحياة الدنيا مليئة بالأشواك بالآلام بالمشقات، الإنسان فيها معرض لبلية نازله أو لنعمة زائلة أو لمنية قاتلة في كل يوم نتعرض لهذا، سئل الإمام علي رضي الله عنه صف لنا الدنيا قال ماذا أصف، أصف لك من دارٍ أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء، أولها بكاء، أول ما يخرج الإنسان من بطن أمه يبكي ويقول في ذلك الشاعر

بما تأذن الدنيا به من صروفها

يكون بكاء الطفل ساعة يولد

وإلا فما يبكية منها

وإنها لأفسح مما كان فية وأرغد

 

أولها بكاء وأوسطها عناء، كلها عناء يقول بعضهم: زهدت في الدنيا لقلة غنائها، وكثرة عنائها، وسرعة فنائها، وخسة شركائها، شركائك في الدنيا أخساء يريدون أن يزاحموك عليها وأن يأخذوها منك وأن يقاتلوك عليها فزهد الرأي في الدنيا ماذا أصف لك من دار أولها بكاء، وأوسطها عناء، جبلت على كبد وأنت تريدها صفواً من الآلام والأكدار؟ ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار..؟

 

ويقول النبي صلي الله عليه وسلم [لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء] لكنها لا تزن عند الله جناح بعوضة ولذلك ترك للكفار والأشرار و الفجار يتمتعون بها.

 

يقول القرآن [ولولا أن يكون الناس أمة واحدة على الكفر و الضلال لجعلنا لمن يكفر بالرحمن سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون.. ] ولكن الله سبحانه وتعالى يخشى على عباده ويكره لعباده أن يكونوا أمة على الكفر، لم يعط كل ذلك للكفار.

 

إن الدنيا من شأنها أنها دار بلاء ودار عناء، ثم هي تنتهي بالفناء عش ما شئت فإنك ميت

وإذا كان آخر العمر موتا                        فسواء قصيره والطويل.

 

لهذا كان لا بد للإنسان المؤمن أن يوطن نفسه على الصبر، كل إنسان لا بد أن يصبر، لا تستطيع أن تنجح في أمور الدنيا ولا في أمور الآخرة إلا بالصبر، لا يستطيع العامل أن ينتج ولا الفلاح أن تثمر أرضه، ولا الطالب أن ينجح في دراسته إلا بالصبر وقل من جد في أمر يحاوله واصطصحب الصبر إلا فاز بالظفر فالصبر مطلوب للناس عموماً وللمؤمنين خصوصاً.

إلى أعلى

 

إبتلاءات الأنبياء

هناك صبر على بلاء الله، قد يبتليك الله بمرض في صحتك، بخسارة في مالك، بفقد حبيب من أحبابك، لا بد أن تصبر على البلاء، وهناك صبر عن معصية الله أن تتراءى لك المعصية وأنت قادر على اقتطافها والاستمتاع بها، ولكن عليك أن تصبر عنها وتفطم نفسك عنها، خشية من عذاب الله ورجاء في ثواب الله.

 

رأينا من الأنبياء الصابرين على البلاء مثل سيدنا أيوب الذي قال الله فيه: إنا وجدناه صابرا. نعم العبد أنه أوَّاب.

 

صبر على البلاء في بدنه، وصبر على البلاء في أهله إنا وجدناه صابرا ووجدنا الصابرين عن معصية الله يتمثلون في يوسف عليه السلام الذي عرضت له المعصية وأغري بالفاحشة وراودته التي هو في بيتها عن نفسه، وغلقت الأبواب وقالت هيت لك. قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، إنه لا يفلح الظالمون، وكان يمكنه أن يقع في أوحال المعصية خصوصا أنه شاب والشباب شعلة من الجنون، وأنه عزب ولا زوجة له وأنه غريب في أرض  لا يعرفه فيها الناس، لكنه قال إنه ربي أحسن مثواي، ولقد عاودت المرأة الأمر معه بعد أن جمعت النسوة وحصل ما حصل ثم قالت: فذلكن الذي لمتنني فيه، ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين، المعصية بالأمر، وإن لم يفعل ما أمره وهي سيدته ومالكة أمره، جربت سلاح الإغراء فلم يفلح، فلتجرب سلاح التهديد بالسجن والصغار، ولكن يوسف لجأ إلى ربه وقال: ربي السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه والإ تصرف عني كيدهن، أصب إليهن وأكن من الجاهلين فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم .

 

هناك صبر على بلاء الله وهناك صبرا عن معصية الله وهناك صبرا أعلى من ذلك صبر على طاعة الله عزوجل رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته، هل تعلم له سميا، الصبر على طاعة الله وعلى  عبادة الله وإن طال الطريق .. فهذا الصبر مطلوب للإنسان الصبر على طاعة الله  مهما كلفه ذلك.

 

قد ذكر القرآن لنا نموذجا لهذا الصبر على الطاعة حين ذكر لنا سيدنا اسماعيل عليه السلام ابن ابراهيم وقد بلغ مع أبيه السعي، وقال له أبوه يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، فماذا قال لابنه؟ إن الولد سر أبيه ومن يشابه أباه فما ظلم، وكان ابراهيم قد نذر كل نفسه وكل حياته لله، ضحى بوطنه لله وضحى بنفسه لله، والآن يبتلي في ولده، وفلذة كبده، وأحب الناس اليه وهو بكره الوحيد، قال إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى، فلم يكن يكافيء روعة موقف الوالد الإ روعة موقف الولد، وقال يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين، هذا هو الصبر على طاعة الله وإن كلفت الانسان رقبته وحياته، انظر ستجدني إن شاء الله من الصابرين انظر قوله إن شاء الله لم يدعها بطولة أو شجاعة، يعتصم بالله إن شاء الله           وكان من الصابرين بتوفيق الله وفضله وحمايته له.. فلما أسلما وتله للجبين أسلم الوالد ولده وأسلم الولد عنقه لله، جاء الفرج من الله وناديناه يا ابراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم.

إلى أعلى

 

الصبر على الفرائض

الصبر على طاعة الله، الفرائض والنوافل، فلابد أن يصبر الانسان عليها حتى يؤديها كما ينبغي، كما أن عليه أن يصبر عن المحرمات حتى يفطم نفسه عنها، ويبتعد عن آثامها وشرورها وهناك مرتبة أخرى في الصبر هي الصبر على مشاق الدعوة إلى الله، وهذه مرتبة الأنبياء وورثة الأنبياء الدعوة إلى الله تحتاج إلى صبر طويل لأنك اذا دعوت إلى الحق عاداك أهل الباطل، وإذا دعوت إلى الخير عارضك أهل الشر، واذا دعوت إلى الصلاح وقف في طريقك أهل الفساد، فلابد أن تحدث المعركة وبين المبطلين وأعداء الله، ولذلك قال الله تعالى [وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا] خلق الله ادم وإبليس وابراهيم والنمرود وموسى وفرعون ومحمدا وأبا جهل.. كذلك جعلنا لكل نبي عدوا من شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، الدعوة تحتاج إلى صبر طويل فالطريق ليس مفروشا بالأزهار والرياحين الطريق مفروشة بالأشواك مضرجة بالدماء مليئة بجثث الضحايا والشهداء.. كان الإمام ابن القيم يقول (يا مخنث العزم      الطريق طريق تعب فيه آدم وناح فيه نوح وتعرض للنار إبراهيم وللذبح اسماعيل ونشر فيه زكريا وذبح السيد الحصور يحيى وتآمر من تآمر على المسيح عيسى..وإلى آخر هذه السلسة وأصاب محمد صلى الله علية وسلم ما أصابه من البلاء، طريق الأنبياء وورثة الأنبياء، طريق طويل لابد لمن عرض نفسه للدعوة أن يصبر على مشاق الدعوة، ظل نوح عليه السلام ألف سنة الإ خمسين عاما، يدعو الناس إلى الله، قال ربي أني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي ألا فرارا وأني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا، جعلوا أصابعهم في آذانهم لا نريد أن نسمعك لا نريد أن نرى وجهك هكذا

 

ألف سنه إلا خمسين عاما فلا يجبه هؤلاء لم يجبه إلا القليل، وما آمن معه إلى قليل حتى ابنه كفر به ، حتى امرأته، كفرت به.

 

أي مشقه هذه؟ إنها مهمة الرسل الكبار .. لذلك قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم: [فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ، فاصبر صبرا جميلا فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون واصبر وما صبرك الا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين] الدعوة إلى الله لها مشاقها.

 إلى أعلى

 

صبر المسلمين في مكة

والذين يسلكون طريق الدعوة إلى الله لابد أن يوطنوا أنفسهم على صبر جميل وعلى صبر طويل وعلى  صبر مرير، حينما ظن المسلمون في مكة أنهم يؤمنون ولا تصيبهم المصائب ولا تنزل بهم المحن والشدائد نفي القرآن هذا الوهم عنهم وقال:بسم الله الرحمن الرحيم [ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين] لابد أن يفتنوا ولابد أن يبتلوا ، ولقد ابتلى المؤمنون في مكة ابتلاء شديدا في أنفسهم وفي أهليهم وفي كل ما يعز عليهم، ومر النبي صلي الله عليه وسلم على آل ياسر عمار بن ياسر وأبيه ياسر وأمه سمية وهم يعذبون، تسلط عليهم أنواع العذاب  فلم يملك عليه الصلاة والسلام إلا أن يقول لهم : صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة، وماتت أم عمار وكانت أول شهيدة في الاسلام، ومات أبوعمار تحت العذاب..

 

حوصر المسلمون في مكة 3 سنوات، لا يباع لهم ولا يشترى منهم حتى أكلوا أوراق الشجر، حتى دميت أشداقهم مما يأكلون، عذب المسلمون صب عليهم هذا الصاب و العلقم خلال ثلاث عشرة سنة في مكة وجاء خباب بن الأرت إلي النبي صلى الله علية وسلم وكانت له مولاة من قريش تكويه بالنار كيا، فجاء من هول ما رأي ومن كثرت ما أصيب به يشكو للنبي كما يحدث أحيانا بحكم الضعف البشري جاء يقول: يا رسول الله ألا تدعو لنا ألا تستنصر لنا؟ وكان النبي متوسداً رداءه في ظل الكعبة فجلس محمراً وجهه وقال: يا خباب إن من كان قبلكم كان يصيبه من البلاء أكثر من ذلك، وكان أحدهم ينشر بالمنشار فرقتين ما يصرفه ذلك عن دينه، وكان يمشط جسده يفصل ما بين لحمه وعصبه وعظامه ما يصرفه ذلك عن دينه والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الامر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون. يوقن أن العاقبة له وأن المستقبل له وأن النصر آت لا ريب فيه ولكن لا ينبغي أن نستعجل: ولا تستعجل لهم ولكنكم تستعجلون.

 

لقد حدث هذا النصر والحمد لله.. نصر الله هؤلاء المستضعفين [أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا أمنا وهم لا يفتنون] هكذا نزل في مكة وفي المدينة بعد أن كانت الغزوات وبعد أن حدث النصر في عدد منها استروحوا إلى هذا وظنوا أنهم لن يفتنوا أبدا، فنزل قول الله تعالى [أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله، ألا إن نصر الله قريب] مستهم البأساء البؤس والفقر في أموالهم، والضراء والجراحات والأضرار في أبدانهم والزلزلة في نفوسهم كل هذا أصابهم حتى قالوا متى يارسول الله يستبطئون النصر الله تعالى يقول [ ألا إن نصر الله قريب] كلما اشتدت الأزمة واحلولك الظلام، كان الفجر قريبا، أشد ساعات الليل حلوكا وسوادا هي السويعات التي تسبق الفجر، يشتد الظلام ويتفاقم ثم ينبثق الفجر وينفجر الضياء .

اشتدي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلكم البادي

 ولرب نازلة يضيق بها الفتى صبرا

وعند الله منها المخرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج

 

  لابد من الفرج، الفرج قريب، سيجعل الله بعد عسر يسرا، وسيجعل الله بعد الليل فجرا.. فهذه سنة الله [وتلك الأيام نداولها بين الناس]، ودوام الحال من المحال ما تعانيه أمتنا اليوم لن يدوم، لابد أن يتغير الحال، لابد أن يكون عندنا الأمل، والصبر لابد أن يكون ممزوجا بالأمل، أن الله سيغير ما بنا، علينا أن نغير ما بأنفسنا حتى يغير الله ما بنا.

إلى أعلى

 

ابتلاءات الدعاة

مشاق الدعوة إلى الله كثيرة، لابد أن نتحملها، الذين وضعوا أنفسهم موضع الدعاة إلى الله وساروا في طريق الأنبياء، لابد أن يتحملوا، لابد أن يصبروا، بل إن الله تعالى أمرهم أن يصبروا ويصابروا [يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا] معنى صابروا أي اغلبوا خصومكم وأعداءكم بالصبر، هم يصبرون على باطلهم فلابد أن تكونوا أنتم أكثر صبرا على حقكم أهل الباطل يصبرون على باطلهم، قد حكى لنا القرآن عن المشركين: [وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد] وقالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم [إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها] صبروا على الأوثان، وصبروا على عبادة الأوثان أفلا نصبر نحن على عبادة الرحمن ودعوة القرآن؟ اصبروا وصابروا لابد أن يكون صبرنا أقوى من صبرهم، فأهل الباطل يقدمون لباطلهم الكثير، رأينا اليهود أقاموا دولة لهم في قلب ديارنا، جاءوا من هناك من بعيد من أوروبا ومن أمريكا جاؤوا ليقيموا دولتهم وبذلوا في سبيلها الأنفس والنفائس، صبروا على هذا الباطل حتى نصروه ورأينا المبشرين في أنحاء الأرض بالملايين: أربعة ملايين وسبعمائة وخمسون ألف مبشر ومبشرة ينشرون ديانتهم في أنحاء العالم، ورأينا الشيوعيين يدخلون السجون من أجل المبدأ الشيوعي ويتحملون المشقات والبلايا ، أفلا نتحمل نحن المسلمين في سبيل إسلامنا، وفي سبيل قرآننا، وفي سبيل دعوة ربنا؟ ما يفرضه علينا الواقع أن علينا أن  نصبر ونتحمل وبالصبر سنصل وبالأمل سنصل.. يقول الشاعر الصالح:

لا تيأسنا وإن طالت مطالبتك

إن استعنت بصبر أن تري فرجا

أخلق من الصبر أن يحظي بحاجته

ومدن القرع للأبواب أن يلج

 

لا ينبغي أبدا أن نجزع ولا ينبغي أبدا أن نيأس، لابد أن نعتصم بالصبر، ووراء الصبر الخيركل الخير في الدنيا والآخرة.. كل خيرات الدنيا والآخرة مرتبطة بالصبر [وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور] [وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا] [أولئك يجزون الغرفة بما صبروا] [وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا]

 

الصبر مفتاح كل خير، فعلينا أيها الأخوة أن نعتصم بالصبر، وأن نحبس نفوسنا على ما تكره، وإذا حبسنا نفوسنا على ما تكره، فتلك عبادة من أرقى العبادات ومقام من أعلى المقامات وخلق من أسمى الأخلاق، وخلق من الأخلاق الربانية، من أخلاق المؤمنين ومن أخلاق المرسلين، ولذلك كان الرسل هم الأسوة الحسنة في هذا الأمر كله: وجدنا أيوب، ووجدنا اسماعيل، ووجدنا يوسف علية السلام ووجدنا إبراهيم عليه السلام.

 

ويوسف علية السلام بالذات نموذج للشخصية المؤمنة الصابرة لأنه صبر على كيد إخوته وحسدهم وأذاهم وقد ألقوه في غياهب الجب، ثم صبر على الخدمة في البيوت، ثم صبر على مراودة التي هو في بيتها عن نفسه، ثم صبر على التهمة الباطلة التي اتهم به وألقي من أجلها في السجن، ثم صبر على ما في السجن من مرارة وظلمات بضع سنين، ألقي في السجن ظلما بضع سنين صبر على هذا كله فكان جزاؤه أن مكنه الله في الأرض.

 

سئل الإمام الشافعي أيهما أولى بالمؤمن: أن يبتلي أو يمكن؟ قال: وهل يمكن المؤمن إلا بعد الابتلاء؟ إن الله ابتلى يوسف ثم مكن له في الأرض [كذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء] ولذلك قال سيدنا يوسف حينما كشف لاخوته عن نفسه [قالوا إنك لأنت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي قد مَنَّ الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين] إنه من يتق ويصبر أشار إلى مفتاح القضية كلها التقوى والصبر.

إلى أعلى

 

صبر في السجن

علينا أيها الأخوة أن نصبر ونصبر سئل أحد الدعاة يوما وقد كنا في السجن، بعض الأخوة ضاق به الحال، كما يضيق الحال بالإنسان في حالات الضعف فقال له: إلي متي نصبر يا شيخ فلان فقال له أريد أن أسألك عن أجر الصبر: أي مقدار هو، وإلي أي مدي هو؟ قال له: الله تعالي قال (إنما يُوفي الصابرون أجرهم بغير حساب قال له: إذا كان الأجر بغير حساب فلابد أن يكون الصبر بغير حساب! اصبر، واصبر واصبر وثق أن الله سبحانه وتعالى لن يتخلي عنك، فإن الله مع الصابرين (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) وإن الله يحب الصابرين، وإن الله ناصر الصابرين قال تعالي (واصبروا ولا تنازعو فتفشلوا وتذهب رحيكم واصبروا إن الله مع الصابرين)، في ساحة المعركة الصبر مطلوب في السلم وفي الحرب وفي الرخاء والشدة وفي كل حالة من الحالات، لابد للإنسان أن يعتصم بالصبر فإذا اعتصم بالصبر كان الله معه (ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) (واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون) ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا علي القوم الكافرين.

 

اللهم آمين أقول قولي هذا واستغفر الله تعالى لي ولكم فاستغفروه يغفر لكم

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 328 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,386