أعظم شخصية .. وأعظم رسالة

أيها الأخوة المسلمون .. سنتحدث في هذه الجمعة وما بقي من جمعات لهذه السنة الدراسية حول أعظم شخصية في الوجود .. شخصية محمد صلى الله عليه وسلم وأعظم رسالة في الوجود رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك بمناسبة اقتراب شهر ربيع الأول الذي يحتفل الناس فيه بمولد محمد عليه الصلاة والسلام واحتفالنا بالمولد ليس بإقامة الزينات أو رفع الرايات أو توزيع الحلوى إنما احتفالنا به أن نذكِّر الناس بعظمة هذا النبي الكريم صاحب الخلق العظيم وصاحب الرسالة العامة الخالدة الذي أرسله ربه رحمة للعالمين وحجة على الناس أجمعين، احتفالنا بمحمد صلى الله عليه وسلم وبمولده أن نتعرف على شخصيته، نتعرف على رسالته نتعرف على سيرته عليه الصلاة والسلام، إن الله اختار محمداً صلى الله عليه وسلم ليبعثه بالرسالة العامة الخالدة، أرسل الله من قبله رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل منهم من حدَّثنا الله عنهم في القرآن ومنهم لم يحدثنا عنهم كما قال الله تعالى (ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك) لا يتسع القرآن ليحدثنا الله فيه عن جميع الرسل وقد قال تعالى (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً)، وقال (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) ولذلك حدثنا عن عدد من الرسل 24 أو 25 رسولاً وحدثنا عن خمسة من عظامهم هم أولو العزم من الرسل الذين أمر الله رسوله أن يتأسى بهم في الصبر والمصابرة والاحتمال وقال تعالى (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم) وهم الرسل الذين ذكرهم الله تعالى في قوله (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه).

إلى أعلى

كل رسول بُعث إلى قومه خاصة

كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم رسول الله وخاتم رسل الله خصَّه الله تعالى بما خصَّه به ليبعثه بالرسالة العامة الخالدة، كان الرسول من قبله عليه الصلاة والسلام يبعث إلى قومه خاصة أما هو فبعث إلى الناس كافة، أرسل الله نوحاً إلى قومه وإبراهيم إلى قومه وموسى إلى قومه وعيسى إلى قومه من بني إسرائيل أرسل هوداً إلى عاد وصالحاً إلى ثمود وشعيباً إلى مدين وأصحاب الأيكة، كل رسول بُعث إلى قومه وبعث برسالة خاصة بهم يحاول أن يعالج مشكلاتهم يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى وكل الرسل والأنبياء كانوا دعاة إلى التوحيد هذه قضية مشتركة عند الجميع (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) عبادة الله وحده وتحرير البشر من عبادة الطاغوت، كل ما يُعظَّم ويُتَّبَع ويُطاع طاعة مطلقة من دون الله فهو طاغوت سواء كان في الأرض أم في الأفلاك من الإنسان من البشر من البقر من الشمس والقمر، من النبت والشجر من الحجر، أياً كان هذا الطاغوت فيجب اجتنابه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) كل الأنبياء جاءوا يحررون البشر من الطاغوت وجاءوا يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له يقول الله تعالى لرسوله (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).

إلى أعلى

كل رسول جاء بعلاج مشكلات قومه

كان محمد صلى الله عليه وسلم هو أعظم رسول الله وخاتم رسل الله خصَّه الله تعالى بما خصَّه به ليبعثه بالرسالة العامة الخالدة، كان الرسول من قبله عليه الصلاة والسلام يبعث إلى قومه خاصة أما هو فبعث إلى الناس كافة، أرسل الله نوحاً إلى قومه وإبراهيم إلى قومه وموسى إلى قومه وعيسى إلى قومه من بني إسرائيل أرسل هوداً إلى عاد وصالحاً إلى ثمود وشعيباً إلى مدين وأصحاب الأيكة، كل رسول بُعث إلى قومه وبعث برسالة خاصة بهم يحاول أن يعالج مشكلاتهم يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى وكل الرسل والأنبياء كانوا دعاة إلى التوحيد هذه قضية مشتركة عند الجميع (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) عبادة الله وحده وتحرير البشر من عبادة الطاغوت، كل ما يُعظَّم ويُتَّبَع ويُطاع طاعة مطلقة من دون الله فهو طاغوت سواء كان في الأرض أم في الأفلاك من الإنسان من البشر من البقر من الشمس والقمر، من النبت والشجر من الحجر، أياً كان هذا الطاغوت فيجب اجتنابه (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) كل الأنبياء جاءوا يحررون البشر من الطاغوت وجاءوا يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له يقول الله تعالى لرسوله (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون).

إلى أعلى

جاء محمد برسالة عامة شاملة

أما محمد صلى الله عليه وسلم فجاء برسالة عامة وشاملة الأنبياء جاءوا برسائل محدودة من حيث المكان، كل نبي لقومه، محدودة من حيث الزمان، لفترة محدودة من الزمن ثم يأتي نبي آخر برسالة أخرى وينسخ الرسالة القديمة، محدودة من حيث المحتوى لأنها جاءت تصلح حالة مجتمع معين في مكان معين لفترة معينة، رسالة محمد صلى الله عليه وسلم امتازت بالشمول المكاني والشمول الزماني والشمول الموضوعي فهي عامة لأهل المشرق والمغرب كما قال عز وجل (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)، (إن هو إلا ذكر للعالمين)، (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً)، (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً) لأول مرة يأتي رسول إلى الناس ويقول أنا رسول الله إلى الناس كافة، ما أعلن هذا رسول قط، ثم هي شاملة من ناحية الزمان، لم تجئ لفترة معينة محددة إنما جاءت للزمن كله فهي رسالة العالم كله ورسالة الزمن كله، ليس بعد الإسلام رسالة ولا بعد القرآن كتاب ولا بعد محمد نبي (ولكن رسول الله وخاتم النبيين)، "أنا العاقب فلا نبي بعدي" لا نبي بعد محمد وكل من ادعى النبوة بعده فهو كاذب، وقد مر أربعة عشر قرناً أو تزيد على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم نر دعوة نبوة يمكن أن تُسمع وأن يكون لها وزن، كل من ادعوا النبوة من مسيلمة الكذاب إلى القدياني إلى البهاء إلى هؤلاء وغيرهم كلهم كَذَبَة مزيَّفون لا يمكن أن يكون لهم قول مسموع أو لواء مرفوع، أو حجة مقنعة فهو خاتم النبيين..

إلى أعلى

رسالة لكل شؤون الإنسان

رسالة لعموم المكان ورسالة لعموم الزمان، ورسالة لكل شؤون الإنسان، ليست رسالة للآخرة دون الدنيا ليست لشؤون الروح دون شؤون المادة، ليست للفرد دون المجتمع ليست للقلب دون العقل، إنها رسالة الإنسان كله، الإنسان فرداً والإنسان أسرة والإنسان مجتمعاً والإنسان أمة والإنسان دولة والإنسان في علاقاته بالعالم كله، إنها رسالة شاملة، جاءت تعالج كل أمور الحياة بكتاب شامل يقول للناس مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله له (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) ويقول في ختام سورة يوسف (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يُفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) جاءت هذه الرسالة لشؤون الحياة كلها، جاءت لتزكية الأفراد ولإسعاد الأسر ولإصلاح المجتمعات، ولهداية الدول ولإرساء علاقات إنسانية متوازنة جاءت هذه الرسالة تبين للناس كل شيء يحتاجون إليه طبعوا الأصول الحاكمة والمعالم الهادية والضوابط العاصمة حتى لا يضل الناس ولا تضيع منهم الطرق ولا تلتبس عليهم الغاية، هذا هو شأن هذه الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال أحد اليهود يوماً لسلمان الفارسي: "إن نبيكم علمكم كل شيء حتى ـ قال كلمة فيما معناها ـ حتى تقضون حاجتكم، كيف يدخل الواحد إلى الخلاء، قال له: نعم والله لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أدب قضاء الحاجة وأمرنا بكذا وكذا، وذكر له أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم كل شيء كان يريد أمة جديدة، ذات منهج جديد وذات قيم جديدة وذات رسالة جديدة إلى العالم.

إلى أعلى

اختار الله أرض العرب لهذه الرسالة

كان الرسول الذي اختاره الله ليقوم بهذه الرسالة العامة الخالدة الشاملة، كان هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم (الله أعلم حيث يجعل رسالته) فلم يكُ يصلح إلا لها ولم تكُ تصلح إلا له، أعده الله عز وجل ليقوم بهذه الرسالة الضخمة الكبيرة، إن العظائم كُفؤها العظماء، هيأ الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليقوم بهذه الرسالة، اختاره الله وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة، وهو يختار على علم لا يختار عن جهل ولا عن محاباة، اختار هذا الرسول في هذه البيئة ومن هؤلاء القوم من العرب وفي أرض العرب والله أعلم حيث يجعل رسالته كان العرب في جاهلية جهلاء وفي ضلالة عمياء، ولكنهم على ما كان بهم من جهالة وضلالة كانوا من أصفى الناس معادن وكانوا من أزكى الناس أنفساً عندهم فضائل غلوا فيها حتى غدت رذائل، فهم في حاجة إلى من يرد هذه الرذائل إلى أصولها، عندهم شجاعة انتهت إلى تهور وإلى أن يقاتل بعضهم بعضاً ولكن هذا الدين الجديد في حاجة إلى الشجاعة، عندهم حماية للجار هذا أمر مطلوب للنبي الجليل، عندهم غيرة على الأقارب وهذا مطلوب لحماية محمد صلى الله عليه وسلم وإن كانت العصبية العمياء مردودة، عندهم خشية على العار حرص على أن يصان العار، وهذا أداهم من هذه الخشية ومن المبالغة فيها إلى قتل البنات في الصغر ووأدهن خشية أن يحدث لهن في المستقبل ما يجلب عاراً على القبيلة، عندهم فضائل تحولت إلى رذائل، كانوا في حاجة إلى تربية جديدة وتوعية جديدة وتنوير جديد وكان هذا من مهمة محمد صلى الله عليه وسلم، كانت أرضهم أيضاً ليست أرض ملوك الجزيرة خصوصاً الحجاز وما حوله لم يكن فيه ملوك متجبرون هناك الحرية موفورة للناس، حرية الكلمة والتعبير والاجتماع واللقاء ..الخ، كان هذا الجو مطلوباً للدعوة الجديدة، وكانت اللغة العربية هي اللغة التي اختارها الله تعالى لينـزل بها أفضل كتبه وآخر كتبه القرآن الكريم، اختار الله أرض العرب لتكون منبت الدعوة ومحضن الدعوة واختار العرب ليكونوا حملة الرسالة الأولين ليحملوا هذه الدعوة إلى العالم، أراد الله أن يؤدب محمداً ويربيه ليربي به أصحابه وليربي أصحابه من بعده الأمم جميعاً.

إلى أعلى

نشأة محمد صلى الله عليه وسلم

كان محمداً عليه الصلاة والسلام من صغره مثالاً عاليا للأخلاق الكريمة، للإنسان الفاضل، أراد الله عز وجل أن ينشئ هذا الإنسان الذي يُعَد ليحمل أعظم رسالة في التاريخ، أراد الله أنينشئ يتيم الأب أن يموت أبوه وهو في بطن أمه حتى لا يتكل على أحد من صغره فنشأ يتيماً كما قال الله له (ألم يجدك يتيماً فآوى) وكانت أمه تربيه وتحتضنه وتحوطه بعنايتها ورعايتها وعطفها في السنين الأولى، ست سنوات ثم شاء الله لها أن تلحق بأبيه أيضاً، فقد أباه وهو في بطن أمه وفقد أمه وهو في السادسة من عمره، وكفله جده عبد المطلب سيد مكة الذي كان يحبه كل الحب ويرعاه كل الرعاية ويتفاءل بمستقبله ويتنبأ له بمستقبل عظيم، هذا الجد مات أيضاً وهو في الثامنة من عمره فكفله عمه أبو طالب شقيق أبيه وكان رجلاً كثير العيال قليل المال، وهذا ما جعل محمداً صلى الله عليه وسلم لا يعتمد على عمه كل الاعتماد خصوصاً بعد أن شب عن الطوق وأصبح في مقدرته أن يعمل فبدأ يعمل، بدأ يعمل في رعاية الغنم، هذا مجتمع محدود ليس فيه وظائف وليس فيه أعمال كثيرة، هي أعمال محدودة منها رعاية الغنم، لقد أراد الله له بهذه المهنة أن يتعلم الرفق وكيف يسوس القطيع، وكيف يصبر على شظف العيش، على حر النهار في الصيف وعلى برد الليل في الشتاء وعلى هذا الجو، أراد الله له أن يعتمد على كدِّ يمينه وعلى عرق جبينه، لا يعتمد على شرف نسبه وأصالة حسبه فهو ابن قريش وابن بني هاشم وحفيد عبد المطلب، كان يمكنه أن يقول كيف لمثلي أن يشتغل برعاية الغنم، أنا ابن الذئابة من قريش وهاشم أرعى الغنم ولكنه وجد الشرف في ممارسة العمل لا في أن يمد يده إلى الآخرين أو يعيش عالة على عمه رقيق الحال كثير العيال بل أراد أن يقوم بجهده فيما تستطيع أن تفرزه البيئة من أعمال مناسبة لمثله.

إلى أعلى

تعهَّد الله محمداً بالعناية والرعاية

نشأ محمد صلى الله عليه وسلم كما يقولون عصامياً، رجل يحفر في الصخر ويبذل ما يبذل ليحصل على العيش الكريم على اللقمة الحلال، دون أن يكون أسيراً لإحسان أحد، هكذا نشأ محمد بن عبد الله وكان في نشأته هذه موضع التقدير وموضع الاحترام والرعاية من مجتمع مكة كله، كان صادقاً لا يكذب أميناً لا يخون ثابتاً لا يتلون، مؤمناً بقيم يرعاها لم يُعرف عنه أنه شرب خمراً والخمر مباحة متاحة، لم يُعرف أنه غازل امرأة أو عاكس فتاة أو سار وراء غادة أو اشترك في لهو من ملاهي الجاهلية وكل شيء في الجاهلية كان مباح .. الخمر كانت مباحاً والميسر كان مباحاً والزنا كان موجوداً سواء كان سِفاحاً أو اتخاذ أخدان، كل هذا كان موجوداً، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان أبعد الناس عنه، الله تعالى يُعدُّه لرسالة ولذلك تعهَّده بالعناية والرعاية منذ صباه، فلم يشارك في لهو الجاهلية بشيء حتى أنه مرة فكر أن يحضر عرساً من الأعراس ويمارس الحضور مع بعض الشباب ولكن قال: "إن الله ضرب عليَّ النوم فلم استيقظ حتى طلعت الشمس" حتى هذه الفكرة لم تتم، أراد أن يحفظه طاهراً مطهَّراً مبرَّءاً ولذلك حينما قامت الدعوة وقامت المعارك بينه وبين أهل الجاهلية وبين أهل الشرك من قريش واشتد الخصام واحتد الجدال لم يستطع واحد منهم أن يقول عنه كلمة في شبابه وصباه، لم يقل: أليس هذا الذي كنا نعرف عنه كذا وكذا، لا .. ما استطاع أحد أن يمسَّه بسوء فقد كان مبرءا من كل عيب بشري، كان طاهر السيرة نقي السريرة، محموداً في حياته كلها وهذا ما جعل القرآن الكريم يقول الله تعالى له (وإنك لعلى خلق عظيم) محمد عليه الصلاة والسلام نشأ هذه النشأة.

إلى أعلى

الصادق الأمين

كان أهل الجاهلية يسمونه "الأمين" إذا حضر في مكان قالوا: أفسحوا المجال للأمين، الأمين قادم، الأمين ذاهب، بهذا اللقب "الأمين" وذلك لأنه كان أميناً حتى أنهم بعد أن جاء بالدعوة وبعد أن قام بينه وبينهم ما قام من خصومة أدت إلى الحروب رغم هذا كله ظل خلال ثلاثة عشر عاماً في مكة وأهل مكة لا يجدون إنسان يأتمنونه على أنفس ودائعهم وأغلى ما عندهم إلا محمداً، يضعون ودائعهم النفيسة عنده، وكان عليه الصلاة والسلام عند حسن الظن فلما هاجر إلى المدينة كان يمكن أن يقول هؤلاء الناس آذوني وأصحابي وأخرجونا من ديارنا بغير حق إلا أن نقول ربنا الله ولابد أن نأخذ هذه الودائع، لا.. ولكنه رد الودائع أبقي علي بن أبي طالب بعده وأمره أن يرد الودائع إلى أهلها، لم يجرَّب على محمد صلى الله عليه وسلم خلال نشأته كذبه في أمور الحياة، لم يكن ليكذب مرة واحدة ولذلك حينما بعثه الله بهذه الرسالة وأمره أن ينذر عشيرته الأقربين وأن يبلِّغ قومه هذه الدعوة ذهب إلى الصفا ووقف على هذه الهضبة ونادى بطون قريش: يا بني عبد مناف .. يا بني مخزوم .. يا بني عدي .. يا بني فلان .. يا معشر قريش، اجتمع الناس عليه من كل حدب وصوب وقال لهم: أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدِّقِيّ فنظروا وقالوا: نعم، ما جربنا عليك كذباً، أي قال لهم لو رأيت جيشاً قريباً وراء هذا الوادي قد جاء بقضه وقضيضه وأسلحته يريدون أن يغيروا عليكم أكنتم مصدقين مع أنكم لم تروا أي دليل على هذا، قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس كافة، لم يستطيعوا أن يقولوا شيئاً بعدما أقروا أنهم لم يجربوا عليه كذباً قط إنما الذي وقف في وجهه وتحداه هو عمه أبو لهب الذي قال له: تباً لك سائر هذا اليوم ألهذا جمعتنا؟! تجمع هذه الجموع كلها لتقول هذا الأمر .. وكأن هذا الأمر لا يستحق وأنزل الله دفاعا عن رسوله (تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى ناراً ذات لهب * وامرأته حمالة الحطب * في جيدها حبل من مسد).

إلى أعلى

أعدَّ الله محمداً لهذه الرسالة العظيمة

كانت نشأة محمد بن عبد الله دليلاً من أدلة إعداد الله تعالى له لهذه الرسالة العظيمة التي كُلِّف حملها وتبليغها إلى الناس، هذه النشأة لم تكن نشأة عادية بل كانت نشأة ربانية تعهدته عين الله سبحانه وتعالى طوال حياته هذه قبل الأربعين سنة، كما قال الله تعالى له (ألم يجدك يتيماً فآوى * ووجدك ضالاً فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى) وجدك يتيماً فآواك فكفلك جدك أولاً وكفلك عمك ثانياً، (ووجدك ضالاً) الضلال هنا هو التحير فيما يراه أمامه من ضلال الناس من فساد العقيدة وفساد الأخلاق وفساد السلوك وفساد الأنظمة الاجتماعية، ماذا يفعل فيها، الإنسان المخلص يحتار ماذا يفعل إذا رأى مجتمعاً ضالاً فاسداً من حوله وهو لا يملك من الأمر شيئاً وما كان يرجو أن يلقى إليه الكتاب وما كان ينتظر أن يوحى إليه إلا رحمة من ربك، ولذلك قال (ووجدك ضالاً) أي حائراً تلتمس طريق الخلاص فلا تعرفه فهداك بالوحي (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)، (ووجدك عائلاً فأغنى) وجدك عائلاً تشكو العيل والفقر فأغناك الله؛ أغناك الله بعملك أولاً في رعاية الغنم ثم في التجارة ثم في تجارة خديجة بنت خويلد التي سمعت عن أخلاقه وعن أمانته وعن حسن سيرته حينما شاركها ليضارب بمالها ويرحل به ويأتي إليها بأعظم الأرباح لا يخون ولا يغش ولا يزيف يأخذ ما له ويرد إليها ما لها من حق، وسمعت من غلامها ميسرة عن هذا الرجل ما حبَّبه إليها وجعلها تتمنى لو كان رجلها وكان بعلها..

 

إلى أعلى

خديجة بنت خويلد أولى زوجات الرسول

وفعلاً توسطت بعض النساء عند النبي صلى الله عليه وسلم ليتزوج من خديجة بنت خويلد وتزوجها وعاشت أسعد ما يكون الزوجان رغم أن خديجة لم تكن بالبكر ولم تكن بالصغيرة السن قالوا أنها كانت تكبره بنحو خمسة عشر عاماً وكانت متزوجة من قبله وكان لها أولاد من زوجها السابق ومع هذا عاش النبي صلى الله عليه وسلم معها سعيداً فقد كان زواج إنسان لإنسانة، لم يكن ينظر إلى مالها ولم يكن ينظر إلى سنها وكانت هي أول ما شَدَّ على يده وربت على كتفه ووقف بجانبه يشد أزره ويسند ظهره عندما أتاه الوحي، أول ما أتاه الوحي في غار حراء في السابع عشر من رمضان وكان عمره أربعين سنة صلى الله عليه وسلم ورجع خائفاً يرتعش ويرتجف ويرجف فؤاده مما حدث بينه وبين جبريل، يأتي إلى زوجه يقول: زملوني زملوني ـ غطوني غطوني ـ يشعر ببرودة وحكى لزوجته ما جرى، فماذا فعلت خديجة؟ لو كانت امرأة كالنساء الجاهلات لخافت عليه أن تكون العفاريت قد ركبته أو الشياطين أو غير ذلك ولكنها قالت له في ثقة المؤمنة وإيمان الواثقة، قالت بسلامة الفطرة ورشد الإنسانة العاقلة قالت: والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر، والله لا يخزيك الله أبدا، عرفت من سنن الله في خلقه أن مثل هذا لا يمكن أن يخزيه الله ولا يمكن أن يتركه للشياطين أو العفاريت ولم تكتف بهذا وأرادت أن تؤكد موقفها منه وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان من الذين قرءوا الكتب القديمة التوراة والإنجيل وغيرها وقص عليه قصته فقال: هذا الناموس الذي أنزله الله على موسى، هذا هو القانون الإلهي والوحي الإلهي الذي أنزله الله على موسى وليتني أكون حياً حينما يُخرِجك قومك فأنصرك نصراً مؤزراً قال عليه الصلاة والسلام: "أَوَمُخرِجِيَّ هم؟!" قال ببراءة الإنسان المخلص الذي لم يمس قومه بسوء وعاش محبباً بينهم أميناً صادقاً: أومخرجي هم؟!، ولماذا؟ فقال له: ما جاء أحد قط بمثل ما جئت به إلا عودي .. لابد أن يعادى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً) هذه هي نشأة محمد صلى الله عليه وسلم وهي نشأة دالة أصدق الدلالة على أنه رجل تُعِدُّه العناية الإلهية لعبء عظيم ولرسالة كبرى هي الرسالة التي أخرجت الناس من الظلمات إلى النور التي ابتعث الله أهلها ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.. وإن شاء الله سنكمل الحديث عن محمد صلى الله عليه وسلم في الخطب القادمة.

إلى أعلى

انتهت الحرب في كوسوفا

يا معشر الأخوة المسلمون .. تابعنا ما جرى في كوسوفا من حرب ضروس شنها حلف الأطلسي على يوغوسلافيا وعلى الصرب وانتهت بإيقاف هذه الحرب .. هل كسب المسلمون أو خسروا في هذه الحرب؟ اتفقوا على أن ينشروا جنود حلف الأطلسي ومعهم الروس في أرض كوسوفا وأن يعود الكوسوفيون إلى بلدهم، فهل سيجدون بلدهم كما تركوها، أم يجدون أرضاً قد أُحرِقت وبيوتاًقد خُرِّبت ومدارس ومساجد قد دُمِّرت، كل شيء تغير ومن سيعود من هؤلاء الكوسوفيين، لقد سألوا بعض الناس ولازلت أذكر إجابة تلك المرأة التي قالوا لها: أن جيوش الأطلسي ستمتلئ بها أرض كوسوفا وستعيشون في حمايتهم فقالت لهم بصريح العبارة: لو اجتمعت جيوش الأرض كلها في كوسوفا فإن العيش مع الصرب مستحيل، ثم الآن عشرات الآلاف من أبناء كوسوفا بل مئات الآلاف ذهبوا إلى أوروبا وأمريكا وكندا واستراليا والبلاد المختلفة، الشباب والمتعلِّمون وأصحاب الخبرة هؤلاء كلهم انتهزوا الفرصة وتركوا البلد ما الذي يعيدهم إلى بلد لا يُضمن فيها أمن ولا اطمئنان لا على روح ولا على عرض ولا على مال ولا على مقدَّس من المقدسات ذهب هؤلاء وفتح الأوروبيون والأمريكيون لهم الأبواب، القضية كأنما يراد تفريغ هذا البلد من أهله حقيقة ولا يبقى فيها إلا الضعفاء وإلا الذين لا يستطيعون أن ينشئوا بلداً، وأن يقوموا بنهضة وأن يحيوا ما مات وأن يعوضوا ما فات. هذه هي القضية قضية كوسوفا، ما أراد حلف الأطلسي بهذا؟ هل أراد حماية المسلمين حقاً، إن المسلمين قد خسروا كثيراً في هذا، قُتل منهم من قُتل وسيكشف التاريخ عن المقابر الجماعية الهائلة ماذا يجديهم أن يُحاكم رئيس يوغوسلافيا أمام محكمة العدل الدولية، هل يحيي الموتى؟ هل يعيد المقتولين؟

إلى أعلى

هل أراد الأطلسي حماية المسلمين حقاً؟

إن المسلمين قد أصيبوا بمصيبة كبيرة في هذا البلد ولو كان حلف الناتو يقصد حقاً حماية المسلمين فلماذا لا يتحرك الآن هناك قضية عاجلة قضية كشمير وهي من أعدل القضايا، كشمير كان يجب أن تكون من حظ باكستان حسب مبدأ التقسيم، أن البلاد التي فيها أغلبية مسلمة تكون مع باكستان والبلاد التي فيها أغلبية وثنية تكون مع الهند، وكشمير بلد فيه أغلبية مسلمة فيها 90% عند التقسيم من أهل الإسلام، كان ينبغي أن تُضم إلى باكستان ولكنه منطق القوة الغاشمة، وعُلِّقت القضية ولازالت من القضايا المعلقة في هيئة الأمم وفي مجلس الأمن .. هل يستطيع الناتو التدخل في هذه القضية ويعيد الحق إلى أهله، ويرد الأمور إلى نصابها، ما أظن .. لأن لهم في كوسوفا وفي منطقة البلقان أهدافاً معينة يريدوا أن يسيطروا فيها على أوروبا ويريدوا باسم حماية المسلمين أن يقلموا أظافر الإسلام حتى لا يمتد نوره، حتى لا يقوى أهله وحتى لا ترتفع رايته وحتى لا ينتشر في الآفاق من حوله، يريدون أن تظل أوروبا مسيحية وألا يرتفع فيها علم الإسلام، هذا في الحقيقة هو ما يريدونه لم يقولوه علنا ولكن دلَّت على ذلك تقاريرهم وصرَّح به بعضهم، ونريد أن نقول لهؤلاء إن الإسلام سيبقى في كوسوفا، سيبقى في البوسنة والهرسك وسيبقى في ألبانيا، وسيبقى في أوروبا الشرقية، وسيبقى في أوروبا الغربية وسينتشر الإسلام شاءوا أم أبوا وأرادوا أم سخطوا (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) لماذا يكرهون الإسلام؟ والله إن الإسلام رحمة لهم والإسلام هو سفينة الإنقاذ لما يعانونه من شقاء ونكد، الإسلام هو طوق النجاة من هذه الفلسفات المادية والإباحية والنفعية التي يعايشونها والتي توشك أن تجعل حياتهم جحيماً إذا استمرت على هذا المنوال .. نسأل الله أن يفقهنا في ديننا وأن يبصِّرنا بحقائقه وأن ينير لنا الطريق .. اللهم آمين.

abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 51 مشاهدة
نشرت فى 12 فبراير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,498