د. خالد صقر | 20-10-2011 00:01

لا شك أن احتمال مشاركة الإسلاميين في صياغة النظام السياسي المصري الجديد تتزايد مع الأيام ، علي الرغم من أن المخاطر والعقبات التي تعترض تلك المشاركة تزداد بشكل متسارعٍ ايضاً ، والشواهد علي ذلك أكثر من أن تحصي ما بين أحداث السفارة الصهوينية وماسبيرو إلي العداء الأمريكي والغربي الذي يتبدي بوضوحٍ كل يوم تجاه المشروع الإسلامي المصري ، وعلي الرغم من تحفظي الشديد علي العمل السياسي الحزبي للتيارات الإسلامية - وبشكل خاص السلفية منها - إلا أنه أصبح من الضروري أن يتم طرح مقدمات وأطروحات لاستراتيجية المشروع الإسلامي الخارجية في حال وصول هذه التيارات إلي سدة الحكم في المستقبل القريب.

إن التفكير في السياسة الخارجية - مهما بدا تعقيدها - لا يعدو التفكير في رقعة الشطرنج بحال ؛ حساب الاحتمالات وتقدير المكاسب والخسائر ، ودراسة رد فعل الخصم ، والتخطيط الاستراتيجي والتكتيكي هي العناصر الرئيسية التي يتفرع منها كل موضوعات السياسة الخارجية مهما بلغ تعقيدها المعاصر سواءا في ذلك علي الجانب الاقتصادي أو العسكري أو الحضاري الثقافي أو السياسي البحت ، فيجب علي أصحاب المشروع الإسلامي من الآن وضع تصور مقترح للمحاور الرئيسية التي ستضع لها البلاد في معاملاتها الخارجية في حال وصولهم إلي الحكم . هذا المقال يهدف إلي المساعدة في بناء هذا التصور.

 

أولاً : الرؤية والمهام الاستراتيجية للمشروع الإسلامي المصري

تتلخص الرؤية الاستراتيجية للمشروع الإسلامي في مصر وغيرها من البلاد في إعادة بناء الدولة الإسلامية بمفهومها المثالي الرشيد ، وإعادة الحضارة الإسلامية لريادة الجنس البشري علي كافة الأصعدة و في مختلف المجالات ، ومن ثم فتجسد تلك الرؤية عدد من المهام والأهداف يأتي علي رأسها إصلاح الفرد المسلم وإعادة بناء ثقافته الإسلامية ومن ثم إصلاح المجتمع المسلم ككل ، وأيضاً فمن تلك المهام التي تتطلبها الرؤية الاستراتيجية السابقة أن يقوم أصحاب المشروع الإسلامي بإصلاح ما تخرب من الموارد الاقتصادية للبلاد خلال الحقبة الماضية ، وتقديم تنمية اقتصادية حقيقية توفر الاستدامة المطلوبة لمشروع إحياء الحضارة الإسلامية ، ومن تلك المهام أيضاً حماية المشروع الإسلامي - ومصر بشكل عام - من الأخطار الخارجية التي يُشكلها الموقف الصهيوني والغربي عموماً من الحركات الإسلامية بشتي صورها ، ومن الحضارة الإسلامية بشكل أكثر شمولاً. أطروحة التيارات الإسلامية العاملة حزبياً أن الطريق مفتوح الآن أمام تسخير موارد الدولة وأنظمتها لدعم المشروع الإسلامي ومن ثم تحقيق الرؤية المطلوبة في وقت أقل وبنتائج أكثر فعالية واستدامة ، وسلوك هذا الطريق بطبيعة الحال سيفتح الباب علي مصراعيه لمواجهة حتمية مع الغرب المتمثل في الولايات المتحدة والناتو من جانب واسرائيل من جانب آخر. الحديث عن هذه المواجهة ضئيل للغاية في الأدبيات الإسلامية مع الانشغال بخوض الواقع الجديد ، فكانت هذه الضآلة هي أحد أهم الدوافع لكتابة هذا المقال.

 

ثانياً: أهم التحديات التي يفرضها التفوق الغربي علي المشروع الإسلامي المصري

باعتقادي أن أهم وأخطر التحديات التي يفرضها التفوق الغربي هو إمكانية عزل الجماهير عن الفكر الإصلاحي الإسلامي في مصر ، ولقد أصبح ذلك متاحاً للغرب منذ زمن طويل من خلال مخططات التغريب المتتالية التي أفرغت الإسلام والشريعة من مضمونها وأفكارها الأساسية لدي الأغلبية الساحقة من المواطنين ، وزرعت بدلاً منها المفاهيم الغربية للقيم الإنسانية مثل المفهوم الغربي للمساواة والحرية والعدالة وما إلي ذلك ، وهذا التحدي برأيي هو الذي تكبد الإسلاميون عناء مواجهته منذ عشرات السنين إلي الآن ، فالفجوة بين أصحاب المشروع وبين الجماهير المطلوبة لتحقيق ذلك المشروع وإنجازه هائلة ، وازدادت اتساعاً مؤخراً بشيوع ثقافة العولمة التي هي في حقيقتها ثقافة الغرب وقيمه الإنسانية المضادة لكل القيم الإسلامية ، فالإسلام في جوهره لا يري إلا حتمية ولاية شريعة سيد المرسلين علي الأرض كافة والأدلة علي ذلك من القرآن والسنة يصعب حصرها في هذا السياق ، أما ثقافة العولمة فلا تري إلا سيادة الغرب وقيمه ومفاهيمه علي الأرض كافة ، وهذا العزل الفكري والثقافي الذي يمارسه الغرب علي الجماهير المفتونة في البلاد الإسلامية هو الذي يحول بين انتشار المشروع الإسلامي كما ينبغي وكما تستحق الجهود التي قد بذلت ولا تزال تبذل فيه.

ثاني هذه التحديات أهميةً هو التفوق الاقتصادي الذي يتمتع به الغرب في مواجهة مصر وغيرها من البلاد الإسلامية النامية - علي الرغم أننا قد توقفنا عن النمو لستة عقود - وهذا التفوق الاقتصادي ومن ثمَّ العسكري هو الذي أعطي للصهيومسيحية الأمريكية السلطة لممارسة الإرهاب السياسي علي العديد من الدول - كانت من بينها مصر - لدعم مشروع الحرب علي الإرهاب الذي قصد به تدمير منابع المقاومة الإسلامية في بعض البلاد وتدجين ما تبقي من عقول المسلمين في بلاد أخري ، وزلزلة إيمان الشباب والنشئ المسلم بقدسية نصوص للكتاب والسنة لا سيما ما تعلق منها بجهاد الكفار وإقامة الشريعة وغير ذلك ، فسلاح (الحصار الاقتصادي) و (منع المعونات) و (العقوبات الدولية) هو الذي تضمن به الولايات المتحدة وحزبها (الناتو) رضوخ المتمردين و تقرب المتزلفين من الأنظمة والحكومات المتسلطة علي البلاد الإسلامية ؛ والاستهانة بذلك التحدي لا تعكس إلا قصر النظر وضحالة التفكير ، فالواجب أن يولي أصحاب المشروع الإسلامي الجهد والمال اللازم لدراسة ذلك التحدي وطرق التغلب عليه بالأرقام ودراسات الجدوي وليس بالأماني والأحلام والطموحات فقط.

أما ثالث التحديات - وأكتفي بثلاثة في مقال اليوم - هو إمكانية التدخل العسكري الصهيوني في سيناء ، وذلك في الأغلب سيكون عقب (تمثيلية) ملفقة تفيد أن حدود اسرائيل باتت مهدة من قبل ميليشيات إرهابية أو عصابات أو ما إلي ذلك ، تنسحب علي إثر تلك (التمثيلية) قوات المراقبين الدوليين من سيناء بالتزامن مع اجتياح جرار لقطاع طوليّ أو قطاعين من أرض سيناء ، وبرأيي أن هذا التحدي تزداد احتمالاته باقتراب موعد الانتخابات الأمريكية العام القادم والتي يعمد فيها كل مرشح إلي قربانٍ يقدمه لأسياده في منظمة إيباك وغيرها من منظمات اللوبي الصهيوني التي (تملك) كل شئ في الولايات المتحدة في واقع الأمر ، وتزداد احتمالات ذلك التحدي أيضاً بازدياد الاضطرابات السياسية داخل الكيان الصهيوني ، والعديد من العوامل الأخري التي لايستبعد أن يكون من بينها إصرار الحكومة الفلسطينية علي إعلان الدولة ولو من جانب واحد ، و غير ذلك. كل هذه العوامل تدفع إسرائيل دفعاً لنقل الوضع الإقليمي والعالمي إلي مربعٍ أبعد لتعطيل المشروع الإسلامي المصري وسلب بعض مكتسبات الثورة من التيارات الإسلامية ، ويساعدها علي ذلك المقاومة الداخلية (السلبية) للمشروع الإسلامي في مصر سواءاً من الجماهير الغارقة في الفقر والجهل والمرض أو من قيادات المؤسسة العسكرية الذين أمضوا الثلاثة عقود الأخيرة في سلام لايريدون أن يتعكر الآن وربما تعكر معه تاريخهم العسكري مساءلات محتملة من النظام (الإسلامي) الجديد أو غير ذلك.

 

ثالثاً: عناصر القوة في المشروع الإسلامي المصري

إن المشروع الإسلامي المصري - علي الرغم من حداثة عهده وعدم اكتماله - إلا أنه يتمتع بعدد من عناصر القوة تجعله مؤهلاً للتصدي للتحديات سابقة الذكر إذا توفر القدر اللازم من الإدارة الفعالة علي كل المستويات ، والإدراك الكامل لأبعاد الصراع الكامن خلف أبواب العمل السياسي بشكله الحالي ، وإذا توفر أيضاً الفصل الضروري بين العمل الدعوي الأهليّ وبين العمل السياسي الحزبي علي كل المستويات. أول عناصر القوة التي يتمتع بها المشروع الإسلامي هو حيازة البدائل الثقافية والحضارية لعناصر ثقافة العولمة ومبادئ الحضارة الغربية ، مما يُمكن المشروع الإسلامي من نشر الفكر المضاد للفكر الغربي في المستويات الأكثر تأثيراً في الجمهور مثل الكتاب والإعلاميين والمفكرين وغيرهم ، وهذا العنصر في حقيقة الأمر يحتاج لإيجاد نوع جديد من الدعوة الإسلامية يكاد يقترب من (تأليف القلوب) الذي كان يحدث في العصر الأول للإسلام ، فنحتاج لدعوة (انتقائية) تجتذب الأصوات المسموعة في الإعلام للإيمان بالفكرة الإسلامية ، أو علي الأقل عدم معاداتها ، ونحتاج لنوع من (توفير البدائل) لهذه الأصوات ، فبينما يتيح الإعلام المدعوم أمريكياً لبعض هذه الأصوات خيارات احترافية في قنواتهم وصحفهم ، يجب أن يتيح التيار الإسلامي بدائل مناسبة لهذه الأصوات المؤثرة إعلامياً ، وهذا أجدي وأنفع من بذل الغالي والرخيص في سبيل اقتناء مقرات حزبية أو إقامة مؤتمرات جماهيرية لحزب ما هنا وهناك ، وثاني عناصر القوة التي يتمتع بها المشروع الإسلامي هو التكامل والتواصل مع التيارات الإسلامية في الدول المجاورة وغيرها مثل دول شمال أفريقيا ، بل والولايات المتحدة أيضاً ، فإنشاء جسور للتواصل والمشاركة الفعالة بين التيارات الإسلامية في مصر ومثيلاتها في الدول المتحررة حديثاً مثل ليبيا وتونس وقريباً سورية إن شاء الله ، وإنشاء جسور للحوار مع المؤسسات الإسلامية في الولايات المتحدة وتفعيل ذلك الحوار نحو معارضة السياسيات الصهيو-أمريكية تجاه المشروع الإسلامي بمصر ، كل ذلك يمثل عناصر قوة لا يستهان بها في موازين السياسة الخارجية لا سيما إن وضعنا في الاعتبار التجربة الفكرية المماثلة التي خاضها الاتحاد السوفيتي تجاه الغرب والولايات المتحدة خصوصاً ، ودرجة الإنهاك واستنزاف القوي التي عانت منها أمريكا في تصديها للتقدم الفكري الشيوعي في العالم ، فإن خصص الإسلاميون في مصر قطاعاً عميقاً من مواردهم للقيام ببسط النفوذ الفكري والثقافي والحضاري للمشروع الإسلامي في الدول المعنية ، وإحداث نوع من الزيادة المتسارعة في وتيرة الدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة وتوعية المسلمين هناك بأهمية نزع الدعم عن أي قرار سياسي مناوئ للمشروع الإسلامي بمصر ، إن حدث ذلك ستحرك التياراتُ الإسلامية الولايات المتحدة مربعاً إلي الخلف فيما يختص بسياساتها الاقتصادية تجاه مصر ، وسيكون هناك ما يمكن المساومة عليه مع القوة السياسية والاقتصادية الكبري في العالم في يومنا هذا.

أما نقاط القوة التي يتمتع بها المشروع الإسلامي في مواجهة التحدي الصهيوني فبرأيي أنها تكمن أساساً في الموارد البشرية ، فالتيارات الإسلامية تتمتع بدعم شعبي من بضعة ملايين يأتمرون بأمر قادة هذا المشروع وينزلون علي اجتهاداتهم ، فيجب علي هؤلاء القادة أن يخصصوا قطاعاً من فكرهم وتخطيطهم لدراسة كيفية تغيير المعايير الديموجرافية بسيناء ، مع الوضع في الاعتبار موقف المؤسسة العسكري الحريص علي عدم الإخلال بالاتفاقيات الدولية ، فيكون ذلك عن طريق العمل الشعبي والأهلي عن طريق سد احتياجات سيناء من العمالة والموارد البشرية من أبناء الدلتا ، وإنشاء بعض المشروعات الاستثمارية الزراعية التي تستطيع أن تسوعب قدر مناسب من الأيدي العاملة في شمال ووسط سيناء ، مع استمرار الضغط الإعلامي في اتجاه مشاريع إعمار سيناء واستغلال مواردها بحيث توفر غطاءاً شعبياً مناسباً لتلك المشاريع.

 

خاتمة

بالتأكيد فإن ما أطرحه في هذا المقال ليس هو الحقيقة المطلقة ، ولكنه ربما يكون قريباً إلي الواقع بشكل أو بآخر ، أما التصور بأن تلك التحديات وما تتطلبه لمواجهتها وهم أو خيال مطلقاً هو تصورٌ مريض علي أحسن الأحوال ، يحاكي حركة النعامة عندما تدفن رأسها في الرمال حتي لا تري بندقية الصياد فتحسب بذلك أنه لا يراها أيضاً ، وتصريحات بعض المنتسبين للسلفية الحزبية بأنه ليس ثمة معارضة دولية للمشروع الإسلامي المصري لأن العالم كله يعرف عدالة الإسلام وقيمه الإنسانية وما إلي ذلك ، هي تصريحات تحيل الصراع بين الحضارتين الإسلامية والغربية إلي العدم وذلك من المستحيلات ، فإن كان المقصود بتلك التصريحات طمأنة أبناء الحركة الإسلامية فكيف يكون تخدير الجنود والعدو علي الأبواب طمأنة ؟ وإن كان المقصود بها عدم إفزاع الجماهير العريضة من (العوام) فهذا في حقيقته غشٌ وتدليس كذلك فإن القول بأن تلك المواضيع يجب أن تناقش (سراً) حتي لا يفزع الناس من المشروع الإسلامي هو قول غير صائب ، لأن هؤلاء (العوام) البسطاء هم الذين سيتحملون تبعات فشل ذلك المشروع أو يستمتعون بنتائج نجاحه عن قريب ، كما كان الحال مع البسطاء من أبناء المشروع الإسلامي في الجزائر وغيرها مع الوضع في الاعتبار أنه ليس ثمة تجربة سياسية واحدة ناجحة لأي تيار إسلامي في أي دولة من دول العالم في العصر الحديث ، وبالتالي فإن إطلاع الجماهير علي ما قد يكون أسباب الفشل أو عوامل النجاح للمشروع الإسلامي الذي (يُطلب) منهم دعمه وتأييده يعتبر من حفظ أمانة الخطاب و تقدير مسئولية الفكر الذي نحمله.

باحث زائر - جامعة ماليزيا التكنولوجية

[email protected]

 


اضف تعليقك
الاسم :

عنوان التعليق:

التعليق:

أرسل التعليق

تعليقات حول الموضوع

أين الصناعة

صديق على الورق | 20-10-2011 07:12

مصر لابد أن تكون دولة صناعية. المشروع الإسلامي لابد أن ينشأ ألف شركة صناعية على الأقل في الخمس سنوات القادمة.

 

 

دراسه جدوي مفيدة جدا

ناصر حسين | 20-10-2011 06:08

احسن الله اليك ورزقك الجنه انا متابع لما تكتب في جريدة المصرين ومن اشد المعجبين به لصدق ما اجد من طرحك للمواضيع وطرح حللول لهاواقسم انه لوكان في مصر من هم في مثل حرصك علي نجاح الدعوة الي الله في التمكين لها ان تدعو الي الله بدون حواجز ولا ضغوط فابشر بالخير ان ما تقوله هو عين الحقيقه هناك بلاد تتحالف لكي لا ينمو اي نبت يمت بصله للاسلام ولهم في ذالك ازلام كثيرة من بني جلدتنا جزاك الله خير ورزقك الجنه اامين

 

 

وبشر المؤمنين

د.محمدصلاح احمد | 20-10-2011 02:26

احسب ان الدكتور الفاضل من حرصه يغالي ويبالغ بعض الشئ في النظره المتشائمه وكأنه الله سبحانه وتعالي تعبدنابالمستحيل(وهو السعي لاقامة الشرع)نعم اخذ الحذر واجب وكذا اعداد العده واجب ولكن بقدر الجهد والمستطاع مع الثقه بالله وتعلق القلب به(..ان تنصروا الله ينصركم..),,(ان الذين كفروا ينفقون اموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حصره ثم يغلبون ..)جزاك الله خيرا

 

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 42 مشاهدة
نشرت فى 15 يناير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,542