كتبهاHigazy Abd el-minaim El ekhsasy ، في 2 يونيو 2011 الساعة: 21:28 م نهاية الوجود الصليبي في الشرق كانت الحملة الصليبية السابعة أخر جهود أوربي كبير ضد مصر، لكنه لم يكن أخر الجهود الصليبية، وكانت قيادة لويس لهذه الحملة استثناء بين الاتجاهات السياسية الأوربية، إذ لم يكن زعماء أوربا في القرن الثالث عشر الميلادي لديهم الحماسة ذاتها لشن حروب صليبية جديدة ضد المسلمين، لأنهم كانوا منغمسين في مشاكلهم الداخلية من ناحية، ولأنهم أدركوا عدم إمكانية فرض الوجود الصليبي بالقوة إلى الأبد. ومهما كانت تصريحاتهم العلنية التي أظهروا بها حماستهم للحركة الصليبية فالواقع أن الحملات الصليبية لم تكن تحتل سوى نطاق هامشي من اهتماماتهم. لقد أخذ كثيرون من زعماء أوروبا شارة الصليب بالفعل في غضون القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، بيد أن من رحل منهم إلى الشرق العربي الإسلامي كانوا قلة. وقد أخذ لويس التاسع يجول فيما بين بلاد الشام إلى سواحل شمال أفريقيا محاولاً أن يحقق حلمه الصليبي، ولقي حتفه في مغامرة صليبية في تونس. وعلى الجانب الإسلامي جرت عدة تطورات سياسية أفرزت في النهاية دولة سلاطين المماليك والشام لتقوم بدورها التاريخي في القضاء على الوجود الصليبي تحت سماء المنطقة العربية. وقد أحاط سلاطين المماليك ببقايا الكيانات الصليبية حتى أجهزوا عليها دون أن تتمكن أوربا من أن تقدم شيئاً لنجدتهم. وانعكس ذلك بالسلب على تلك الكيانات، حيث نجح السلطان الظاهر بيبرس (658-676هـ/1260/1277م) في توحيد مصر والشام، وقد اتسمت سياسة هذا السلطان القوي بالعنف والصرامة إزاء الصليبيين. ومنذ سنة 659هـ/1261م بدأت جهود بيبرس العسكرية ضد الصليبيين. وفي مطلع سنة 663هـ/1265م دخل في عمليات حربية واسعة ضد إمارات الساحل الصليبية فاسترد مدينة قيسارية، ثم مدينة أرسوف إلى الجنوب منها. وفي العام التالي مباشرة استرد قلعة صفد التي كانت معقل الفرسان الداوية، وكان يقود جيوشه بنفسه في هذه المعارك، وفي أثناء القتال ضد قيسارية أخذ يهدم أسوارها بمطرقة في يده حتى جرحت يده. وفي صفد كان يشارك البقر في جر الأخشاب اللازمة لعمل الأبراج لمهاجمة القلعة، وفي 666هـ/1268م استرد يافا، ثم حصن شقيف أرنون المنيع. وقامت سياسة بيبرس على لإفادة من منازعات الصليبيين الداخلية، وبعد مناورة كبيرة قامت بها جيوش هذا السلطان الداهية فإنه حاصر أنطاكية، ثم استردها سنة 666هـ/1268م بعد أن ظلت تلك المدينة رهينة الأسر الصليبي على مدى أكثر من مائة وخمسين عاما. وكان ذلك أكبر انتصار حققه المسلمون على الصليبيين منذ معركة حطين واسترداد بيت المقدس. أما الصليبيون فقد جاءت أنباء سقوط أنطاكية عليهم بمثابة الكارثة، وانتابهم خوف شديد فسارعوا إلى تقديم فروض الطاعة والولاء للسلطان، وعندما طلب ملك عكا الصليبي معاهدة هدنة مع بيبرس لقاء التنازل عن نصف أملاك التاج الصليبي في عكا، وافق السلطان على أساس أن هذه الهدنة تطلق يده في مواجهة القوى الصليبية الأخرى في الشام. وفي سنة 670هـ/1271م عقد بيبرس هدنة مع بوهيموند السادس أمير طرابلس بسب قدوم حملة صليبية جديدة إلى عكا تحت قيادة الأمير إدوارد الإنجليزي، وكانت تلك أخر جهود بيبرس الكبرى ضد الصليبيين. وتولى الحكم سلطان مملوكي قوي آخر هو السلطان المنصور قلاوون الذي اعتلى عرش السلطنة في مصر سنة 678هـ/1279م وبعد أن وطد دعائم حكمه بدأ في مواصلة جهود بيبرس ضد الصليبيين. وكانت بقايا الوجود الصليبي تتمثل في إمارة طرابلس، وبقايا مملكة بيت المقدس اللاتينية التي اتخذت من عكا عاصمة لها، كما كان حصن المرقب بأيدي الفرسان الإسبتارية وطرسوس بأيدي فرسان الداوية. وفي سنة 684هـ/1285م شن الجيش المصري هجوماً ناجحاً على حصن المرقب، وانتزعه من فرسان الإسبتارية. وكانت كل الشواهد تدل على نهاية الوجود الصليبي في المنطقة العربية قد اقتربت. وفي سنة 686هـ/1287م أرسل السلطان المنصور قلاوون جيشا لاسترداد اللاذقية، أخر ما تبقى من إمارة أنطاكية الصليبية التي حررها بيبرس. وبعد ذلك بسنتين خرج السلطان بنفسه على رأس جيش ضخم وفرض حصارا على طرابلس لمدة شهرين واستردها في أبريل سنة 1289م، ثم تلتها بيروت وجبلة وانحصر الصليبيون في عكا وصيدا وعثليت. وفي السنة التالية 689هـ/1290م جاء بعض الصليبيين الإيطاليين إلى عكا وعبروا عن حماستهم الصليبية بطريقتهم الهمجية المعتادة. فهاجموا المسلمين وقتلوا عددا كبيرا من التجار المسلمين الذين اعتادوا دخول عكا لأغراض تجارية منذ زمن بعيد. وهكذا انتهت فترة السلام والقلق، وكان على الصليبيين أن يدفعوا الثمن فادحا هذه المرة. رفض المنصور قلاوون الأعذار التي ساقها الصليبيون القدامى في عكا، وبدأ يعد جيشه للخروج إلى فلسطين، ولكن المنية وافته في ذي القعدة 689هـ/نوفمبر 1290م، فتأجل المشهد الأخير في قصة الوجود الصليبي إلى حين. بدأ الفصل الأخير في هذه المواجهة الطويلة المضنية بتولي الأشرف خليل بن المنصور قلاوون حكم البلاد. وفي سنة 690هـ/1291م كان الجيش الذي أعده أبوه قبل وفاته يفرض الحصار على عكا. واشتد الحصار على المدينة التي لم يصمد الصليبيون داخلها أكثر من ثلاثة وأربعين يوماً، ثم حررها المسلمون بعد أسر دام مائة سنة وثلاث سنين. وبالرغم من تخلص الأشرف خليل من بقايا الصليبيين في بلاد الشام فإنه تعين على من تلاه من سلاطين التعامل مع بعض الإشكاليات التي نجمت عن طرد الصليبيين من بلاد الشام، ومن هؤلاء السلاطين الناصر محمد بن قلاوون الذي تصدى لتلك المشكلة بالأعمال الحربية التي قام بها ضد الصليبيين، وهي أعمال بسيطة تعتبر من مخلفات المشكلة الصليبية. فمن بقايا هذه المشاكل مسألة عصيان أرمينيا وتحريضها لمغول فارس وملوك أوربا على غزو مصر والشام، وكانت هذه الدولة المسيحية تدفع لمصر جزية سنوية منذ عهد السلطان الظاهر بيبرس في مقابل دولة المماليك، وقد اضطر الناصر محمد أن يرسل إلى أرمينيا عدة حملات تأديبية انتهت بخضوع هذه الدولة واعترافها بسيادة سلطان مصر والشام. ومن بقايا المشاكل الصليبية أيضاً مسألة فرسان الداوية أو المعبد وكانت بعض فلولهم قد انسحبت - بعد استيلاء الأشرف خليل على عكا - واستقرت في جزيرة أرواد الواقعة على بعد ثلاثة أميال في البحر أمام بلدة أنطرطوس شمالي طرابلس، واتخذوها قاعدة يشنون منها الغارات على الموانئ الشامية ولاسيما مدينة طرابلس القريبة منها، فقرر الناصر محمد احتلال تلك الجزيرة وأعد الأسطول وشحنه بالمقاتلة والسلاح والنفط وأسند قيادته إلى أمير البحر سيف الدين كهرداش المنصوري. ثم أبحر الأسطول سنة 1302م(702هـ) متجهاً إلى طرابلس حيث انضمت إليه بعض القطع البحرية الأخرى، ثم أطبقت الحملة على جزيرة أرواد واستولت عليها عنوة بعد أن حطمت أسوارها وقتلت ألفاً من أهلها وأسرت نحواً من خمسمائة، وهكذا خلت السواحل من الصليبيين ولم يبق منهم أحد بالشام إلا من هو أسير أو نصراني ذمي. أما الإجراء التالي المهم فهو ما حدث أبان حكم السلطان الأشرف برسباي (1422-1438م)، ذلك أن طول مدة حكم هذا السلطان قد مكنته من القيام بمشروع عسكري كبير هو غزو جزيرة قبرص وتحويلها إلى تابع للدولة المصرية، وقد سبقت الإشارة إلى كيفية تحول هذه الجزيرة إلى قاعدة لعمليات الصليبيين العسكرية والبحرية ضد المسلمين وكيفية مهاجمة ملكها بطرس لوزينان الإسكندرية وتخريبها سنة 1365م. وقد حاول المماليك غزو قبرص زمن بيبرس، كما شن السلطان الأشرف شعبان بعض الغارات ضدها ولكنه لم يحاول الاستيلاء عليها، وعندما تولى برسباي عرش البلاد سنة 1422م فإنه رأى أن غزو قبرص يمكن أن يحقق له كثيراً من أهدافه السياسية الداخلية، وفي السنة الثانية من حكمه جاءت الأخبار باستيلاء الفرنج على مركبين من مراكب المسلمين وبها حوالي مائة مسلم وبأن جانوس لوزينان ملك قبرص قد استولى على مركب للسلطان كانت محملة بالهدايا المرسلة إلى السلطان مراد العثماني. وكان رد الفعل سريعاً وعنيفاً من جانب مصر، فقد شن الأسطول المصري ثلاث حملات لغزو قبرص في سنوات 1424، 1425، 1426م على التوالي، وقد حققت الحملتان الأولى والثانية نتائج مرضية، وعادت بكثير من الأسرى والغنائم، ولكن برسباي أصر على إخضاع الجزيرة لحكمه كي يتخلص نهائياً من المتاعب التي يسببها بقايا الصليبيين في هذه الجزيرة. وقد تمكنت الحملة الثالثة من تدمير ليماسول ميناء الجزيرة وأسرت الملك القبرصي نفسه ثم استولت على نيقوسيا عاصمة الجزيرة ورفعوا الرايات المصرية على مبانيها، وعادت الحملة لتسير في موكب حاشد في شوارع القاهرة، وخلفهم الأسرى ومعهم الملك جانوس الذي أعلن خضوعه للحكم المصري ودفع فدية كبيرة. وفي عهد السلطان الظاهر جقمق (1438-1453م) تم غزو جزيرة رودس التي كانت مركزاً مهماً آخر للصليبيين بعد طردهم من بلاد الشام، حينما اتخذها فرسان الإسبتارية قاعدة لشن غاراتهم على نحو ما كان آل لوزينان يفعلون في قبرص، وهنا قرر السلطان جقمق هو الآخر إرسال ثلاث حملات ضد رودس، وكانت الهزيمة من نصيب الحملة الأولى التي ألحق بها الإسبتارية بعض الخسائر، بينما حققت الحملة الثانية بعض النتائج الإيجابية حينما حطمت بعض الحصون ثم عادت إلى مصر بفعل عواصف الشتاء التي أعاقت عملياتها العسكرية، أما الثالثة ففشلت في تحقيق أهدافها، فعقد صلح بين الطرفين بعد تعهد الإسبتارية بعدم العدوان على السفن التجارية الإسلامية العاملة في البحر المتوسط. ولم يكن ذلك آخر ما تحتم على المماليك مواجهته بل تحتم عليهم مراقبة كافة التطورات التي كانت تطرأ على الساحة الأوربية من جراء ما كان يخرج باستمرار من مشاريع صليبية هدفت استعادة الأماكن المقدسة في الشرق من أيدي المسلمين، وقد كثرت تلك المشاريع أو التقارير التي وضعها بعض رجال الدين وبتشجيع من البابوية، ومما احتوته تلك المشاريع خطط كاملة وضعها منظروها لمواجهة كافة الاحتمالات التي تؤدي إلى نجاح المشروع أو الحملة المقترحة، مثل كيفية الإعداد للحملة وإستراتيجية حربها وتمويلها وقيادتها، والطرق المتوقع السير فيها والأماكن المنتظر الاستيلاء عليها وكيفية حكمها والنتائج المتوقع الحصول عليها من تلك المشاريع، ولكن لم يقدر لأي من تلك المشاريع الخروج من خطط الأوراق إلى الواقع العملي. ومن تلك المشروعات مشروع فيدنزيو من بادوا، وثاديو من نابولي، وشارل الثاني كونت أنجو، وجلفانو ليفانتي، وبنتيو زكريا، ورامون لل، وبيرديبوا، ووليم نوجارت، وهيثوم الأرميني، وهنري الثاني لوزينان، ووليم ديورانت، ووليم لوماري، وجيمس مولاي، وفولك أوف فيلاريه، ومارينو سانودو، وقد شهدت تلك المشاريع أو التقارير تغيراً في الفكر من مجرد إتباع استخدام القوة المسلحة إلى استخدام سلاح جديد ربما كان أكثر فاعلية في الصراع ضد المسلمين لاسترداد الأراضي المقدسة، خصوصا بعد إدراك الغرب لمدى قوة الدولة المملوكية التي صار من الصعب مواجهتها، فاهتمت غالبية المشاريع الصليبية بالجانب الاقتصادي كسلاح فعال فضلاً عن الجدل والتنصير.
المصدر: المؤرخ الوسيط
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 72 مشاهدة
نشرت فى 15 يناير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

309,460