د. محمد هشام راغب   |  08-01-2012 14:03

استضاف الصحفى مجدى الجلاد فى برنامجه التليفزيونى الروائى الدكتور علاء الأسوانى والمخرج السينمائى خالد يوسف فى لقاء يحاول بث الروح فى النخبة الثقافية التى أخذت أقنعتها تتساقط قناعًا تلو الآخر لتكشف عن وجوه طالما دلست على الأمة وقامت بالسطو على ثقافتها وهويتها. شاهدنا فى ذلك اللقاء كيف يتعامل بعض العلمانيين بتعالٍ وازدراء للمشاعر الإسلامية لغالبية الشعب المصرى، وما زالت طائفة من النخبة الثقافية تخادع الشعب وتمعن فى الادعاء بأنها هى التى ترى طريق مستقبل مصر المتسم بالنور والإبداع. دلس علاء الأسوانى فزعم أن فقه البداوة هو الذى يعادى الإبداع الفنى وأن التشدد الذى جلبه إلى مصر الشيوخ الذين ذهبوا لدول الخليج وأموالها النفطية فعادوا منها بفكر ظلامى لم يفهم رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ. وهذا تدليس واضح وكذب صريح، فالرواية رفضها علماء الأزهر الشريف عام 1962 قبل قصة فقه البداوة وأموال النفط، ورفضتها مؤسسة الأزهر (رمز الوسطية والاعتدال كما يسميها الأسوانى نفسه عندما يروق له ذلك) برغم تأييد عبد الناصر والنخبة المثقفة وقتها (وعلى رأسها محمد حسنين هيكل) لنشر الرواية. ويقول الأسوانى فى تدليس ثانٍ إن الإسلاميين الذين يشعرون بالاستقواء بسبب الانتخابات رفضوا الرواية لأنهم يفتقدون التذوق الفنى اللازم ليفرقوا بين أبطال الرواية وكاتب الرواية، وقال ساخرًا (يعنى لو أنا كتبت رواية بطلها تاجر مخدرات هيحطونى فى السجن). وهذا تدليس آخر لأن الأسوانى يعلم (وربما لا يعلم) أن الفن - كل فن- له شكل ومضمون، وأن مضمون أى عمل فنى يقدم "فكرة"، قد نختلف أو نتفق معها، وقد تكون الفكرة بناءة وقد تكون مدمرة، والخلاف حول رواية (أولاد حارتنا) خلاف سائغ حول الأفكار التى تدعو لها وبشكل صارخ وصريح.

هذه النخبة المثقفة تبجحت عام 1994 ونشرت الرواية فى عدة صحف رغم معارضة نجيب محفوظ - رحمه الله - الذى أصر ألا تنشر الرواية إلا بعد موافقة الأزهر الشريف، إلا أنهم ضربوا برغبة المؤلف عرض الحائط وادعوا زورا أن الإبداع ليس ملكًا لصاحبه!، ثم نشروا الرواية فى كتاب فى معرض القاهرة للكتاب أواخر 2006. وفى اللقاء التليفزيونى تبجح المخرج خالد يوسف وأعلن بتحدٍ أنه سيحول الرواية لفيلم سينمائى برغم المعركة التى سيشنها عليه (الظلاميون والمتخلفون)، وادعى أن شباك تذاكر السينما كان الصندوق الديمقراطى الوحيد فى مصر فى عصر مبارك. ويبدو أن هذه هى الديمقراطية التى يفهمها خالد يوسف، ديمقراطية الحزب الوطنى الذى كان يتنافس فيها مع نفسه، ومثله شباك التذاكر لسينما عهد مبارك التى تنافس فيها تيار رئيسى مع نفسه، اعتمد على أفكار الانحلال ومشاهد اللحم الرخيص وكلمات نشر الرذائل وإشاعتها والسخرية من الفضائل وإماتتها. تلك النخبة ارتكبت جرائم ثقافية فى حق مصر وهويتها، فى ظل عولمة عاتية تتخذ من أصول الثقافة الغربية ذراعا للمصالح السياسية الغربية، متذرعين فى ذلك بأكذوبة حرية الرأى والتعبير.

هؤلاء الصغار لم يدركوا بعد أن ثورة قد قامت وأن عهدًا بائدًا قد ولى، وأن ذلك العهد كان مرتعًا للفساد والانحطاط الفنى الذى اشتكى منه القاصى والدانى. لقد كان نجيب محفوظ قامة أدبية رفيعة، امتلك حرفية روائية مبدعة وقلمًا سيالا تتدفق منه المعانى بسهولة وطواعية حتى على ألسنة البلطجية والحرافيش والمتسولين من شخصيات رواياته. وأهم من ذلك أنه امتلك قلمًا حرًا لم يخضع لبطش عهد عبد الناصر بل ناوأه وشن عليه غارة أدبية تندد بفساد عصره. لكن التوجهات الفكرية لأدب نجيب محفوظ قابلة للنقد والإنكار.

كنت قد كتبت مقالا ونشرته فى فبراير 2007 بمناسبة نشر دار الشروق لرواية (أولاد حارتنا)، أى قبل الثورة بسنوات وقبل أى انتخابات أو استقواء يدعيه أولئك الصغار الآن. وهذا نصه:

"أولاد حارتنا ... وأولاد حارتهم
قرأت رواية (أولاد حارتنا) للأستاذ نجيب محفوظ منذ أكثر من ثلاثين سنة، وكانت وقتها تُوزع سرًا بين طلاب الجامعة مصورة عن نسخة لبنانية، وقد شعرت وقتها - فى سن الشباب - بغضب شديد لهذا المساس الفاضح بالدين وبقدسية الله تبارك وتعالى وارتجفت لبعض العبارات والمواقف التى تمس الأنبياء عليهم السلام، وحمدت الله أن قيد لمصر من يقف أمام نشر هذه الرواية، وكان الشيخ محمد الغزالى والشيخ سيد سابق فى طليعة من تصدى لنشرها فى وقت كانت الثقافة الاشتراكية بمسحة شيوعية هى الغالبة وإليها كان ينتسب معظم "المثقفين".

لقد نشرت أخيرًا الرواية فى مصر وحققت مبيعات عالية فى معرض القاهرة الأخير للكتاب، ويوجب هذا إعادة مناقشة هذه الرواية بشكل حر وبصدر يتسع للرأى والرأى الآخر.

تقوم الرواية على فكرة غاية فى الرمزية المباشرة - والتى تقلل من القيمة الفنية لها - وتعمد إلى تصوير صراع مفتعل بين "العلم" و"الدين" وهو الصراع الذى ينتهى فى الرواية بانتصار العلم وموت الدين (على أقل تقدير)، وهذه النتيجة الساذجة هى التى قدرتها لجنة الأكاديمية السويدية التى منحت نجيب محفوظ جائزة نوبل، حيث قالت اللجنة فى خطاب منح الجائزة فى معرض ثنائها على نجيب محفوظ (لقد كانت رواية أولاد الجبلاوى مفاجأة كبرى، فهى تحكى تاريخ البشرية الروحى، قدمها فى 114 فصلا بعدد سور القرآن، وقد صور فيها بشكل واضح الرموز الكبرى للديانات اليهودية والمسيحية والإسلام، وإن كانت متنكرة فى أشخاص يواجهون مواقف مشحونة بالتوتر، وإلى جانب هؤلاء شخصية تمثل العلم الحديث، شخصية ممتلئة مهارة وخليط من الحب والمتفجرات وهى الشخصية التى تصبح مسئولة فيما بعد عن موت الدين أو موت الإله).

لقد حاول نجيب محفوظ مرارًا أن يتنصل من المعانى المباشرة الواضحة التى تنضح بها الرواية، حتى قال فى إحدى لقاءاته المنشورة فى الأهرام (أولاد حارتنا عمل حرمته الظروف من النقد، هذا عمل سياسى فى المقام الأول... والمقصودون بالعمل فهموا معناه... لذلك الأرجح أنهم كانوا وراء تحويل الأمر إلى الناحية الدينية لكى أقع فى شر أعمالى) ولكن وضوح الرواية ورموز أبطالها وأحداثها لا يسعف من يؤيد هذا الادعاء بحال من الأحوال.

فالرواية تدور أحداثها فى حارة تمثل هذه الدنيا، وكبير الحارة وأصلها هو الجبلاوى الذى يمثل الدين (أو الله، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا) وهو صاحب الشروط العشر (كالوصايا العشر) ولسبب غامض وغير منطقى (كغموض الدين) يفضل الجبلاوى أدهم (آدم) على إدريس (إبليس) فيظهر إدريس عصيانه فيطرده الجبلاوى من دار كرامته وعزه. وينتقم إدريس من طرده فيزين لأدهم فضوله للمعرفة (الشجرة المحرمة) وتساعده زوجته فيطردهما الجبلاوى، فيخرجان من دار كرامته آسفين نادمين.

وفى رمزية سافرة، تمضى الرواية لتتبع خطى أنبياء الله الكرام، فها هو أدهم وزوجته يساعدان قدرى (قابيل) الذى ما يلبث أن ينقلب على أخيه همام (هابيل) فيقتله، ثم تصف الرواية اضطهاد ناظر الوقف (فرعون) لبنى حمدان (بنى إسرائيل) إلا أن زوجة ناظر الوقف تتبنى طفلا من بنى حمدان هو جبل (موسى عليه السلام) ويتمرد جبل على الناظر ويقتل أحد رجال الناظر دون قصد فيهرب ويترك الحارة، فيجد فتاتين لا تستطيعان مزاحمة الرجال فسقى لهما ثم يزوجه أبوهما إحداهما مكافأة له ثم يقوم بتعليمه فن التعامل مع الثعابين، ويقرر الجبلاوى الذى كان قد جعل بينه وبين أهل الحارة حجابا، يقرر فجأة الظهور مرة أخرى فيتجلى لجبل فى فضاء قصره ويقول له (لا تخف) ويرغب جبل فى رؤية جده الجبلاوى ولكنه يمتنع ويقول له (لن ترانى، ما دام الظلام) ولكنه يأمره أن ينقذ بنى حمدان من الاضطهاد وأن يواجه ناظر الوقف ...... إلى آخر أحداث تحاكى بالضبط قصة خروج موسى عليه السلام ببنى إسرائيل من مصر.

ثم يأتى إلى الحارة رفاعة (عيسى عليه السلام) طيبا وديعًا مسالمًا ويأبى أن يعاقب ياسمين (مريم المجدلية) على خطيئتها ويجتهد فى نشر المحبة بين بنى حمدان ولكنهم يرفضونه بعد أن قست قلوبهم فيتوجه لباقى أهل الحارة بدعوته .... وأحداث طويلة تؤدى إلى مصرع رفاعة، لكن الجبلاوى يرفع جثته ويدفنها فى حديقة القصر، ثم يظهر قاسم (محمد صلى الله عليه وسلم) الذى ولد يتيما وكفله عمه زكريا (أبو طالب) وكان يرعى غنمًا لأرملة فى الأربعين هى قمر (خديجة رضى الله عنها) فتحبه وتعجب به وترسل له خادمتها تشجعه على الزواج منها.. ويعجب به كل أهل الحارة لصدقه وأمانته، ولكن فجأة يظهر له قنديل (جبريل عليه السلام) خادم الجبلاوى ليخبره بتكليف الجبلاوى له بإقامة العدل بين كل أهل الحارة دون تمييز ... وبعد حياة حافلة وأحداث ضخمة يموت قاسم فتعم الفتنة وتنتشر الفوضى ... ويتساءل أهل الحارة بحسرة عن الجبلاوى الذى يرى ويسمع كل هذه الفوضى وكل هذه المظالم دون أن يتدخل ... وفجأة يظهر عرفة (العلم الحديث) لا يعرف أهل الحارة له أبا (فالعلم لا جنس له ولا دين) ويشتغل بالسحر فيمتلك نواصى القوة، ويستغيث أهل الحارة بالجبلاوى الذى لم يروه يومًا ولكنه لا يجيبهم، ويقرر عرفة اقتحام قصر الجبلاوى، ويتسلل إليه ليلا ويقتل الخادم الأمين للجبلاوى ، ولكن فى الصباح ينتشر الخبر بموت الجبلاوى نفسه (نهاية الدين أو الذات الإلهية) حزنًا على خادمه الأمين. ولكن عرفة - بدلا من أن يهش لنهاية الجبلاوى - يندم على تلك الجريمة لأنه اكتشف أهمية وجود الجبلاوى لأهل الحارة حيث كان تأثيره بالغًا فى توجيه أولاد الحارة الطيبين وجعلهم على استعداد للتضحية من أجل تنفيذ توجيهاته لخير وسعادة الحارة، ويتمكن عرفة من صنع قنبلة حارقة يقاوم بها الظالمين ولكن ناظر الوقف (الحكومة) يكتشف علاقته بمصرع الجبلاوى فتهدده وتبتزه حتى يضطره للعمل معه فيصنع له المزيد من القنابل التى يستخدمها الناظر فى السيطرة على أهل الحارة واستعبادهم، ويندم عرفة على أن سحره انقلب عليه وكان السبب فى هذا الاستعباد ثم ينزل عليه الخبر الصاعق من خادمة الجبلاوى أن سيدها مات وهو راضٍ عن عرفة، فيهرب بالكراسة التى دون فيها رموز سحره ويلحق به رجال الناظر (كأنهم مسالح الدجال) فيقتلونه ولكن بعد أن ينجح أخوه حنش فى أخذها ليبدأ بدوره تكوين جماعة جديدة تؤمن بالسحر وتجهز نفسها ليوم الخلاص.


آسف على الإطالة فى تلخيص مجريات الرواية، ولكن هذا من أجل توضيح الرمزية المباشرة التى لا يختلف عليها منصفان، ورموز الرواية تطفح بالمعانى المباشرة ويمكن تلخيصها فى أبطال وأحداث الرواية على النحو التالى:

الشخصية .. ---- >>> ... التفسير
الجبلاوى .. ---- >>> ... الله عز وجل، وذلك بسبب صفات الجبلاوى الأزلية، وأخذاً من الجَبْل (بتسكين الباء) أى الخلق.
الحارة .. ---- >>> ... العالم أو الكون
أدهم .. ---- >>> ... آدم، التشابه الواضح بين لفظ الاسمين، وكون أدهم الابن الصغير المفضل للجبلاوى، ولادته من أم سمراء (التراب)، وواقعة طرده هو وزوجته بعد مكيدة إدريس له.
إدريس .. ---- >>> ... إبليس، التشابه بين الاسمين، وفكرة تكبره وكراهيته لأدهم، وخروجه من زمرة الأبناء المفضلين بتمرده على أبيه.
جبل .. ---- >>> ... موسى عليه السلام، مأخوذ من حديث القرآن عن تجلى الله تعالى لموسى على جبل الطور وكلامه معه.
رفاعة .. ---- >>> ... المسيح عليه السلام، وأنه لم يمت ولم يُصلب وإنما رُفع إلى السماء، ولهذا اسمه رفاعة.
قاسم .. ---- >>> ... محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك من كنية الرسول (أبى القاسم)، ومنه أنه جاء من أفقر حى فأعلى شأن قومه، وكان له أصحاب، وتزوج نساء كثيرات.
قمر .. ---- >>> ... خديجة رضى الله عنها، تعرض نفسها ليتزوجها قاسم وهى الأرملة المرموقة فى الأربعين من عمرها.
صادق .. ---- >>> ... أبو بكر الصديق، وذلك من اسمه وصحبته لقاسم، وخلافته له بعد موته.
عرفة .. ---- >>> ... من المعرفة أو العلم، وهو يرمز للعلم فى الرواية، فليس جبلياً، أو رفاعياً، أو قاسمياً/ ليس يهودياً، مسيحياً، أو مسلماً. وينسبه كل فريق إليهم، وهو قاتل الجبلاوى.

وهذه رموز الأحداث والأماكن، وهى أيضًا رموز سافرة:

ولادة أدهم من أم سمراء .. ---- >>> ... خلق آدم من الطين.
تمرد إدريس .. ---- >>> ... تمرد إبليس على الله ورفضه السجود.
اطلاع أدهم على الحجرة حيث الوصية .. ---- >>> ... الأكل من الشجرة المحرمة.
قتل قدرى لأخيه .. ---- >>> ... قصة قابيل وهابيل.
حديث جبل والجبلاوى .. ---- >>> ... حديث الله وموسى.
موت رفاعة والاختلاف فيه .. ---- >>> ... واقعة تعذيب المسيح والاختلاف حول صلبه .
تحول رفاق رفاعة إلى حكام .. ---- >>> ... بناء القديس بطرس للكنيسة.
خروج قاسم من الحى .. ---- >>> ... الهجرة من مكة إلى المدينة .
المعركة الأولى بالنبابيت .. ---- >>> ... غزوة بدر.

وراثة صادق لقاسم .. ---- >>> ... خلافة أبى بكر للنبى صلى الله عليه وسلم.
جهل نسب عرفة .. ---- >>> ... العلم لا جنسية له ولا دين.
موت الجبلاوى .. ---- >>> ... موت الإله أو نهاية الدين.
تسمى كل حى من أحياء الحارة باسم الأبرز فيه .. ---- >>> ... الاختلاف بين أبناء الديانات التوحيدية الثلاث.
قصر الجبلاوى .. ---- >>> ... الجنة.

هذا السرد وهذه العلاقات لا تدع مجالا للشك فى معنى الرواية وهدفها مهما حاول العلمانيون صرف معناها إلى اتجاهات أخرى، فالرمزية المباشرة لا تسعفهم فى هذا التملص ولا ينسجم معها قول محمد سلماوى مثلا (إن العمل الفنى يتسع لكل التفسيرات فهو غير المقال الصحفى ومن يطالع عملا أدبيا يتناوله من خلال تجربته ورؤيته).
إن نشر الرواية بعد وفاة نجيب محفوظ وانتشارها فى مصر بعد حظرها قرابة الخمسين عاما يستوجب بيان هذه المعانى الفاسدة فى الرواية وأنها كانت نتاج مرحلة زمنية غلب فيها التفسير الشيوعى للتاريخ وللرسالات السماوية، وليست مصادفة أن يظهر بعد الرواية بوقت قصير نص الميثاق الوطنى لعبد الناصر، والذى كتبه وصاغه محمد حسنين هيكل وهو نفسه الذى نشر الرواية أول مرة فى الأهرام عام 1959، ونرى فى ذلك الميثاق عبارته المشهورة (إن رسالات السماء كلها فى جوهرها كانت ثورات إنسانية استهدفت شرف الإنسان وسعادته) .. وهذا بالضبط الإطار الذى ترى فيه الرواية الأديان السماوية، أنها ثورات إنسانية لا علاقة لها بحقيقة أنها من الله تبارك وتعالى.

لقد أفضى نجيب محفوظ إلى ربه، وأسأل الله تعالى أن يغفر له ولعلنا نذكر له أنه أصر على عدم نشر الرواية فى حياته إلا بعد موافقة الأزهر الشريف، وكنا نرجو أن يتبرأ من هذه الرواية وألا يقف متذبذبا أمامها كالابن غير الشرعى لا يستطيع أن يتبناه ولا يملك أن ينكره. وعلى كل حال فإن موقفه الرافض لنشرها قد ألب عليه العلمانيون فاتهموه بالجبن والتخاذل وأنه قد خان أدبه. بل إنهم حتى لم يعجبهم تقديم رموز إسلامية للرواية عند نشرها واعتبروها صكوك غفران مرفوضة. ولا نعتقد أن نجيب محفوظ جامل الفكر الثورى أيام عبد الناصر أو أنه تعمد إهانة الدين فسيرة الرجل لا تنسجم مع هذا التفسير بل إن مواقفه المناهضة للاستبداد فى (ثرثرة على النيل) و(ميرامار) تلغى هذا التأول من أصله، ولكن يبقى ولا شك فساد الفكرة التى بنيت عليها الرواية وتصادمها الصريح مع الدين.
إن حظر نشر الرواية كان فى زمن حوصر فيه الدين ، وتراجعت دعوته ومع ذلك وقف بعض مشايخ الأزهر وقفة جادة وبشجاعة عظيمة وغيرة على مقدساتنا واستطاعوا أن يمنعوا نشرها، وبعد حوالى خمسين سنة تنشر الرواية ولا حس ولا خبر من الأزهر الشريف، فقد غُيب الأزهر وتقلص دوره وفاعليته وحتى مجرد الكلام لم يصدر عنه.

من المفارقات الواضحة فى نشر الرواية أن الذى قدم لها إسلاميون فى قيمة أحمد كمال أبو المجد ومحمد عمارة، ولا أدرى لماذا تم هذا، ولا تشفع عبارات الأستاذ أبو المجد وقوله أنه فهم (شخصية عرفة بأنها رمز للعلم المجرد، وليست رمزاً لعالم بعينه، كما فهم شخصية الجبلاوى على أنها تعبير رمزى عن الدين وليست بحال من الأحوال تشخيصاً رمزياً للخالق سبحانه وهو أمر يتنزه عنه الأستاذ نجيب محفوظ ولا يقتضيه أى اعتبار أدبى فضلاً عن أن يستسيغه أو يقبله). ولو صح فهم الأستاذ أبو المجد فهل يسوغ عنده تصوير نهاية الدين وهزيمته وموته على يد العلم المجرد ؟

والأعجب قوله فى شهادته للرواية (وأدعو الله تعالى أن تتسع عقولنا وقلوبنا لمزيد من حرية الكتاب والأدباء وسائر المفكرين فى التعبير عن آرائهم، وإطلاق مواهبهم، بالصيغ الأدبية التى يختارونها، دون حجر أو وصاية أو مسارعة إلى الاتهام وإساءة الظن، حتى لا «تكتم الشهادة» بيننا وتموت، وحتى لا تتجمد الأفكار على أطراف الألسنة والأقلام، فتحرم الجماعة من زاد ثقافى وعلمى تحتاج إليه، وهى تشق طريقها للانبعاث والنهضة وسط زحام حضارى وثقافى لا سابقة له فى التاريخ).
ولا أدرى أى سوء ظن يقصده وأى نهضة ترتجى من مثل هذه الرواية ؟
إن ما يخشاه الأستاذ أبو المجد من "كتم الشهادة" هو بعينه ما يكتمه علماء الدين الآن عندما يسكتون عن التعرض لهذه الرواية وإن ما يخشاه الأستاذ أبو المجد من المسارعة للاتهام وسوء الظن هو فى الحقيقة بالضبط ما يحدث الآن لمن تسول له نفسه أن يتعرض لهذه الرواية وينقدها، إذ تشهر فى وجهه تهم الإرهاب والرجعية والتحجر، وكأن الدفاع عن قدسية الدين وهيبته صارت سبة ولا حول ولا قوة إلا بالله.

إن حارتنا التى نشأنا فيها لم نر فيها إلا احترام الإسلام واحترام من يدعون إليه، وبرغم وقوع المعاصى والمخالفات من أهل حارتنا إلا أنهم يختلفون فى علاقتهم بالدين وإيمانهم به عن أهل حارة نجيب محفوظ."

 

    تعليقات حول الموضوع

بالعقل

م ابراهيم ادريس | 09-01-2012 08:14

 تعليقي للاخوة المدافعين عن الرواية واقتباس ضرب الامثال من القرأن اقول وبالله التوفيق هل ضاقت الدنيا عليه بحيث لم يجد سوي هذه الامثلة ليضربها والتي توحي _بل تصرح _ بالذات الالهية والنبي واصحابه ثم هل يجرؤ علي ان يمثل شخصية تخص معتقد النصاري او معتقد اليهود لا اظن





اعوذ بالله من الخذلان

ايهاب حسنى فريد | 09-01-2012 08:06

 هل يستطيع مسلم ان يكمل تلك الرواية الفاسدة لاحول ولاقوة الا بالله





 جبف ....وغربان

 حفيــد الصحــابة | 09-01-2012 08:05

 إلى الإخوة المدافعين عن الرواية ، هل حرية الفكر بلا حدود ، متى كان التعرض لذات الله والأديان حرية فكر ، ماذا لو تعرض أحدهم بالرمز فى رواية لأحد الحكام السابقين أو أسرهم لخرج الزاعقون ينددون بالتعرض لرمز الدولة فما بالكم والتعرض لذات الله والأنبياء ، وهل يجتمع مجدى الجلاد وعلاء الأسوانى وخالد يوسف على خير للدين . الغربان لا تجتمع الإ على الجيف





رأي طالب ثانوي

ابو محمد حسام | 09-01-2012 07:06

 كنت طالبا في المرحلة الثانوية ادبي منتصف السبعبينات فبدأت اقرأ في ادب نجيب محفوظ وغيره فبعد اول رواية قلت (هذه قلة ادب )وليس فيها مسحة ادب. ثم حاولت ان اجد شيئا اخر له مختلف ولكن دون جدوى وقارنت بين رواية واأسلاماه التي كانت مقررة علينا وقتئذ واسلوب كاتبها علي احمد باكثير وغيره من الكتاب ممن لم يحظوا بنفس شهرته فرأيت الفرق مابين السماء والارض لغة ومضونا. فعلمت ان هذا شئ يراد. وعلى العموم هو مجرد رأي طالب ثانوي





شكرا لهذا االتشريح والتحليل الذي يخرس السنةالمشككين

ابو محمد حسام | 09-01-2012 06:24

 مجهود مشكور عريت وكشفت فيه سوءة المجرمين واللارمزية مفضوحة في القصة وصدق الله القائل ( وكذلك نفصل الايات ولتستبين سبيل المجرمين)





نختلف معك

د محمد ابوشادي | 09-01-2012 01:48

 عندما ثار الناس على عبد المنعم الشحات ردا على ارائه في ادب محفوظ و قرات مقالة موافي عن صوفية محفوظ و مقالة ابو المجد ان الجبلاوي رمز للدين و ليس الذات الالهية بدا لي ان اقرا الرواية و ليتني ما فعلت و بالطبع لم استطع اكمالها من هول ما قرات. فالرواية هي قمة الكفر و الالحاد و الزندقة في اشنع صورها. و شخصية الجبلاوي ليست باي حال رمزا للدين بل هي رمز سافر عن المولى عز و جل و اعتداء و سب صريح لله سبحانه و تعالى عما يفترون علوا كبيرا. و دفاع البعض عن محفوظ قد يودي بصاحبه الى الجحيم و العذاب الاليم





تكملة

د/أحمد محمد على متولى | 09-01-2012 01:31

 الله سبحانه علمنا ضرب المثل لتوضيح الفكرة فهل أخطأ من أخذ بهذا المنهج ؟وهل الإنسان الذى يناقش الهواجس والأفكار التى تتدافع فى أدمغة البشر بهذه الصورة الرمزية يكون كما ترون؟إن الأدب من حيث القدرة على التصوير والتأثير هو من روافد الدين ومجرد إجتهاد حتى وإن أخطأ ولو حتى أبدى أفكارا لاتتسق ممع مانؤمن به فهو أولى أن يناقش . ألم يعلمنا الله ذلك فى القرآن وناقش كل أراء الكفر وحتى من سب النبى . لماذا تتجمد عقولناولانفهم ديننا ونراه مجرد قوالب محفوظة؟ تفقهوا هدانا الله وأياكم.





هذا رأيى بعد إسمى كاملا

/أحمد محمد على متولى | 09-01-2012 01:19

 أنا قرأت الرواية كما قرأتهاياعزيزى وأدعى أنى أفهم فى الدين والأدب وأرى أنها مجرد محاولة رمزية لتصوير واقع الحياه ولاتنكر أنه أبهم موت الجبلاوى ليعلمنا أنه مجرد ظن. والله سبحانه ضرب مثلا بالرجال فى سورة الزمر عن توحيده،ألا يعلمنا ذلك أن الرمز غير الحقيقةوأن محفوظ كان عبقريا فى تصويره وحتى إن أخطأ فله ثواب الإجتهاد ولكن منا من يحب أن يفكر الناس كما يفكر ويرون الدنيا والأدب كما يراه هو. وفى النهاية هى مجرد رواية تعبر عن وجهة نظرصواب أو خطأ لايجوز منعها وإنما مناقشتها أجدىوأنفع.





نشكركم على هذا الجهد الكبير

د. أشرف سالم | 09-01-2012 00:43

 المتسم بالموضوعية والعلمية والتمكن من النقد الأدبي والرصد السياسي .. سلمت يمينك





معنى الفن عند النخبة !!!

د/ سيد سلامه | 09-01-2012 00:22

 الفن الذى يتحدث عنه الاسوانى ومن معه مرادف للاباحية والدعارة وسوق النخاسة ، والتحلل التام من القيم الدينية والاخلاقية تحت مسمى حريةالابداع الفنى ، هدانا الله واياهم الى الحق المبين





فضحه رائد عطار فى جريدة النور -سلسلة مقالات استراتيجية منقذة بدلا من الفوضى والتشرذم والعار

كريم | 08-01-2012 23:21

 بعد حصوله على نوبل مباشرة واورد فى جريدة النور التى كان يصدرها حزب الاحرار ويراسها الحمزة دعبس حيثيات حصول نجيب محفوظ على نوبل 1990 براوية نشرت فى 1960 وان اول من ابلغ نجيب محفوظ الخبر وهناه كان شيمون بيريز واورد رائد عطار نبذةعن حياة نجيب محفوظ يالوثائق كما كتب محفوظ عن نفسه وعن ابيه انهما كانا انعكاسا لثلاثيته المغرقة فى الوحل والضياع واورد صورة بطاقة شخصية لزوجة محفوظ تدل على اصولها الغير اسلامية بل هو نفسه حوله شكوك فى اصوله وصنع على عين من منحوه نوبل





الرمــوز " النـجيبيـة " ... الرمــوز " الـنخبويــة "

غريب الــــدار | 08-01-2012 22:17

 رموز "نجيب محفوظ" تنطق بالإسفاف الفكرى والشطط الشيطانى؛ والغلو فى التمرد على الخالق جل وعلا..رموز النخبة تتفق وتنسجم وتتماهى مع نفس الرمزيات "النجيبية"، جمعهم "إبليس" اللعين بحبل غليظ، وحلف فاسد يخرج عن "الملة" السمحاء، ويدفع بالناس على ألاَّ يكونوا مسلمين، "نخبة" اليوم -كما يطلقون على أنفسهم العليلة-، أضافوا إلى غربتهم الدينية، استمتاعهم بكل أنواع اللذة والشهوات الحسية، أبتليت "مصر" بهم وهم الساقطون، غلبتهم شقوتهم، فأقسموا إلاَّ أن يوريدوها موارد التهلكة..ظانِّين أنهم يحسنون العمل !ا





الي الدكتور الكاتب و الي كل مسلم في كل موقع

عز الاسلام | 08-01-2012 21:21

 الحمد لله الذي جعل فينا من يغار و يصدع بالحق جزاك الله خيرا ايها الدكتور الكاتب و ارجوك و انت في هذا المقام الرفيع الا تكتفي بذلك بل يجب عليك ان تك لله شاهدا بالقسط فتنشر هذا في كل مكان و الا تترك الساحة العريضة خالية للمضللين و المزورين فكثير من الناس يحتاجون هذا البيان حتي لا يضلوا فلا تخذلهم ما نراه فيك من صدق و بيان -هكذا نحسبك-يوجب عليك الكثير فشمر عن ساعد الجد و احتسب بارك الله فيك





حسبنا الله و نعم الوكيل

sahar | 08-01-2012 20:41

 حسبنا الله و نعم الوكيل فى علاء الاسوانى و من على شاكلته و فى خالد يوسف و من على شاكلته و حسبنا الله و نعم الوكيل فى كل من تمرد و تجبر على الله و فى كل من اراد بالاسلام و المسلمين سوءا و فى كل من استهزا بشعيرة من شعائر الاسلام





mahmoud.shehata

mahmoud.shehata | 08-01-2012 19:36

 سلوا القبور عن سكانها ، و استخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، و تُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، و المسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل و ليراجع .





بارك الله فيك على هذا الجهد والشرح الوافى..فيجب على المسلم ان يعى ماحوله ليعرف عدوه من صديقه

محمد مسلم | 08-01-2012 19:15

 ولو كان نجيب محفوظ حيا الى الان لما دافع بلوثة كما يفعل ادعياء الثقافة والحداثة لانهم يختلفوا عن نجيب محفوظ فى شئ_من وجهة نظرى_ان نجيب محفوظ تحس انه من تراب مصر(ايا كان رأينا فيما يكتب)لكن تحس انه ابن بلد مصرى عكس هؤلاء التغريبيين الحداثيين ادعياء العلم تحس انهم مسخ بشرى لايستمتعون بخفة الظل المصرية والاصالة المصرية ولاهم اصبحوا غربيين صرف هم علمانيون وفقط تائهون وفقط





الرموزواضحة جدا بلا ادنى شك

ابو مصعب | 08-01-2012 18:32

 منتهى قلة الدين والادب مع الله عز وجل والحاد واضح جلى لا لبس فيه وان اى تاويل لتبراة هذا الهالك غنه اجتراء على الله واقرار اهل الكفر بكفرهم ان هؤلاء الساقطين واولهم ابوالمجد معروف قضيتهم مع الدين والتدين انهم كانوا اول من يعللون للنظام فى معركته مع الاسلاميين ويشحنون الناس ضد الاسلامولو ان هذا الساقط خالد يوسف راجل يقوم باخراج هذا الفيلموسيرى ما نحن فاعلين وبالقانونستكون نهايتهم كلهم وبالقانون ان كل هؤلاء الساقطينسقطمشروعهم الاباحى بسقوط الكلب مبارك





الرخيص رخيص يا خالد يوسف !!

مقهـــــــــــــــور))).. | 08-01-2012 16:42

 لأنك لا تجيد إلا الفن الرخيص ولأنك لا تجيد إلا الإنشقاق عن كل ما هو محترم ستظل حتى مماتك رخيص جداً أيها المخرج الذي لا يجيد إلا الإبتذال .





اعوذ بالله

عبدالله امام | 08-01-2012 16:31

 اعوذ بالله من كل كلمة قرأتها تمسه سبحانه بسوء او ازدراء ، كما اننى لا اتخيل ان يقدم د عمارة لهذا العمل الاجرامى ، وان كان فعل ، فلا حول ولا قوة الا بالله العلى العظيم 0 يغفر الله للكاتب والمقدمين، ولعنة الله على كل من اصر على نشرها ، وجزاك الله خيرا ايها الكاتب على التوضيح ، فانا فى منتصف الاربعينيات من عمرى ، ولم اجرؤ على قراءة هذا العمل مع علمى به منذ اكثر من ثلاثين سنة، ولكننى احمد الله تعالى اننى لم اقرا مثل هذا العمل

المصدر: المصريون
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 83 مشاهدة
نشرت فى 9 يناير 2012 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

305,808