خطبة الجمعة : سورة الكهف4 ( قصة أصحاب الجنتين - الناجحون في الحياة ) . لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله نحمده، ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنـا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً. أيها الإخوة الكرام: ﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾[سورة هود من الآية 119] فكل الفئات، وكل الطبقات إن صح التعبير، وفي كل الظروف، وفي كل الأحوال، وفي كل المناسبات، أنت مطلوب من قبل الله عز وجل إن كنت مريداً لله، أنعم وأكرم بهذا الطلب العظيم، وإن لم تكن فأنت مُراد من قبل الله.. ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) ﴾[سورة الكهف] هذه قصة أغفل الله أسماء أصحابها، وزمانها، ومكانها، وجزئياتها لأنها نموذج متكرر، في كل عصر، في كل مصر، هناك من يقول أنا هناك من يقول: إنما أوتيته على علم عندي هذا الذي يرى النعمة ولا يرى المنعم، القصة اليوم له.. وهو منزلق خطير، قد تدخل إلى المسجد وقد تصلي، وأنت معجب بنفسك، ترى أنك حصلت شيئاً ثميناً بقدراتك الذاتية، وتنسى فضل الله عليك. هذه القصة، وهذا التعليق ـ أيها الإخوة ـ قصة الغرور البشري بالنعمة قصة متكررة، فالمغتر لا يأخذ النعمة بالشكر، بل بالغرور، ويتوهم أنه حصل عليها بفكره وعمله، وأنه بها قد استغنى عن الله، الذي خلقه وخلق له هذه النعمة، وأعطاه القدرة على التمتع بها.. قد تملك المال وقد تشتري الطعام، ولا يسمح الله لك أن تستمع بالطعام، قد تتزوج وتنجب الأولاد، ويكون الابن عبئاً عليك، سبباً لشقائك ؛ لأن الله جل جلاله بيده كل شيء. أيها الإخوة الكرام: أكبر مطبٍّ يقع به الإنسان، أن يتوهم أنه مستغنٍ عن الله، أن يتوهم أنه وصل إلى شيء، أو أنه يقف على أرض صلبة: ﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7)﴾ والآية الثانية: ﴿ وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوساً (83)﴾[سورة الإسراء] أعرض عن الله، نسي ربه، نسي كتابه، نسي أمره ونهيه، نسي المصير، نسي الجنة والنار. ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24)﴾[سورة الكهف] وقد ورد في الجامع الصغير، أنه " من عدَّ غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت ". يا أيها الإخوة الكرام: أعرف رجلاً وقع في محنة، وعلَّق أمله على إنسان، لينقذه في يوم محدد، وفي اليوم الذي سبق هذا اليوم، وافت المنية من علق الأمل عليه. ﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً (24)﴾ عناصر الفعل ليست بيدك، إنما هي في يد الله، فالذي ينسى أن يقول إن شاء الله، فقد وقع في مطبٍّ كبير، وقع في الشرك وهو لا يدري نسب القدرة إلى ذاته، يظن أنه ضمن المستقبل، أو ملك المستقبل. الله جل جلاله أزلي أبدي، دائم الوجود دائم القدرة، فعَّال لما يريد لا يستطيع أحد من خلقه أن يمنع قضاءه وقدره، قال تعالى: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)﴾[سورة فاطر] ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾[سورة الفتح الآية 10] ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)﴾[سورة الزمر] ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)﴾[سورة الأعراف] ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾[سورة هود] ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾[سورة الأنفال الآية 17] وقد ورد في الحديث: (( عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ )) [انفرد به أحمد] هذا الخطاب موجه إلى المتألقين إلى الناجحين، إلى الذين وصلوا إلى أهدافهم، يجب أن لا تغيب عنك لحظة هذه الحقيقة، أنك وصلت إلى ما وصلت إليه بفضل الله عليك، قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (113)﴾[سورة النساء] ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43)﴾[سورة النجم] حينما تجلس في البيت، وتضحك مع أهلك، سمح الله لك أن تضحك ولو أن هناك خبراً سيئاً، يذهب الضحك كلياً من وجه الإنسان، سمح لك أن تضحك، طمأنك، سمح لك أن تكون مسروراً. الإنسان الغافل ينسب الأفعال والنعم إلى ذاته، وينسى الله عز وجل ماذا يفعل الله معه ؟ حرصاً عليه، رحمة به، تقريباً له، إنقاذاً له من هذا الشرك، يؤدبه كيف يؤدبه ؟ يؤدبه ويؤدب الناس من حوله، فيأخذ النعمة منه فجأةً، أو يأخذها لسبب صغير، خطأ صغير.. ترتب عليه مئتا مليون مثلاً، يجب أن يدفعها فوراً، خطأ صغير يأخذ النعمة منه أو يأخذ صاحب النعمة، ليكون عبرةً لمن حوله، كل هذا ليلفتنا إلى أن كل شيء بيد الله، وأن الأسباب التي تُعطى إنما تعطى بقدرة الله انظروا إلى قول قارون، ودققوا فيه: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)﴾[سورة القصص] الآية الثانية: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)﴾[سورة القصص] قد يرتكب الإنسان معصيةً كبيرة يستغفر الله ويتوب، أما حينما يشرك يقصمه الله عز وجل. من يملك حياته بعد ساعة، من يملك أن يشفي نفسه من مرض عضال ولو كان يملك الملايين، ولو كان يملك الأرض كلها. ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81)﴾[سورة القصص] إذاً: أحد أسباب زوال النعم، أن تعزوها إلى قدراتك، أن تعزوها إلى ذكائك، أن تعزوها إلى علمك، أن تعزوها إلى خبرتك، أن تعزوها إلى ظروف تملكها، هذا سبب أول من أسباب زوال النعم.. كنت أقول سابقاً: طريق القمة طريق صعب جداً، طرقات صاعدة وملتوية، فيها الأَكَمات، وفيها العثرات، وفيها الحفر، وفيها الوحوش ولكنك إذا وصلت إلى قمة أي شيء بجهد جهيد، هناك طريق زلق تهبط به إلى القاع في ثانية واحدة، إنه طريق الغرور، المطب الكبير الذي ينتظر كل ناجح في الحياة هو الغرور. ﴿ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً (80)﴾[سورة الإسراء] لمَ لم يقل ربنا جل جلاله، رب اجعلني صادقاً، أليس في هذا إيجازاً؟ قد تدخل مدخلاً صادقاً، ولا تخرج منه صادقاً، قد تنشئ مشروعاً خيرياً وأنت في وسط المشروع ترى الأموال بين يديك، فيقسو قلبك فيتحول هذا المستشفى الخيري إلى مستشفى ابتزازي، قد تدعو إلى الله وفي أثناء الدعوة تقصر في متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم تزل القدم، لا تخرج من هذه الدعوة صادقاً، تدخلها صادقاً ولا تخرج منها صادقاً، مطب الغرور أكبر مطبٍّ يصيب الناجحين، في كل الحقول إطلاقاً. ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (17) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (18) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20)﴾ [سورة القلم] أحياناً يتلف الصقيع محاصيل كثيرة باهظة الثمن. قال تعالى: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (19) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (20) فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (21) أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (22) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (23) أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (24) وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (25) فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27)﴾ دهشوا، صعقوا، ليست هذه بساتيننا، ثم تأكدوا أنها بساتينهم.. ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (26) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (27) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (28) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (29) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (30) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (31) عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (32) كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾[سورة القلم] أجمل تعقيب على هذه القصة هو قوله تعالى:﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (33)﴾ كل أنواع العذاب التي يسوقها الله لعباده، من هذا النوع، ليدفعهم إلى العبودية الصادقة، ليدفعهم إلى بابه، ليسعدهم، لذلك قال بعض علماء التوحيد: لا ينبغي أن تقول ( الله الضار) الضار من أسمائه، ينبغي أن تقول (الضار النافع) يبغي أن تقول (الخافض الرافع) ؛ لأنه يخفض ليرفع يبغي أن تقول (المذل المعز) ؛ لأنه يذل ليعز، يبغي أن تقول (المانع المعطي) لأنه يمنع ليعطي.. ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)﴾[سورة البقرة] فأحد أسباب زوال النعم، أن تمنع حق الفقير.. أيها الإخوة الكرام: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25)﴾[سورة التوبة] أيها الإخوة الكرام: أيها الإخوة الكرام: لو أنه اخذ بالأسباب واعتمد عليها، ينبغي أن ينهار في هذه اللحظة أخذ بالأسباب طاعةً لله، واعتماده على الله دائماً، وهذا منزلق خطير أحياناً الناجح في حياته، يأخذ بالأسباب، وهذه الأسباب تعطيه، ولكن ينسى أن الله سمح لها أن تعطيه، وقع في الشرك، يؤدب بإحباط عمله يؤدب لأن هذه الأسباب التي يأخذ بها لا تعطيه ما يريد في بعض الأحيان هنا يُدهش، أنك اعتمدت عليها ولم تعتمد على الله عز وجل لذلك إما أن يعطلها، أو أن يلغي نتائجها، وهذا تأديب من الله عز وجل. قد يسأل سائل: لماذا يؤدبنا ربنا عز وجل إذا أشركنا ؟.. لأنه يريدنا له ؛ لأن السعادة كلها عنده، لأن السلامة عنده، لأن الجنة والنار عنده فحينما يؤدبنا فلكي ندع الشرك، كي نلتفت إليه، كي نسعد بقربه، والله عز وجل كما ورد في الحديث القدسي الصحيح: ((يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ )) [أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد والدرامي من حديث أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا.. ] كلمة جافية، قاسية، بشعة أن يقول: أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً.. ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (147)﴾[سورة الأنعام] الشيء الأخطر أن صاحب الجنتين قال لصاحبه: ﴿ وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34)﴾[سورة الكهف] كلمة جافية، قاسية.. رجل أظن به الصلاح والإيمان، قال خطأً في سهرة مع أصدقائه: أنا لن أموت قريباً، قيل له لماذا ؟ قال لأنني آكل قليلاً وأمشي كثيراً، ولا أدخن، ولا أحمِّل الأشياء فوق ما أطيق.. وهذا كلام علمي ـ هذه أسباب طول العمر ـ تكلم هذا يوم السبت، فكان في السبت القادم تحت أطباق الثرى.. ويا ليته بقي عند هذا الحد ولكنه قال: ﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً (36)﴾[سورة الكهف] الآن حكم على المستقبل، ارتكب حماقة في الحاضر قال: أنا أكثر منك مالاً وأعزُّ نفراً، والآن حكم على المستقبل، قال: وما أظن أن تبيد هذه أبداً انتقل إلى أصعب، قال: وما أظن الساعة قائمة، نفى قيام القيامة، نفى البعث، نفى الآخرة، وفرضاً لو كان هناك يوم آخر: ﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا﴾ على ماذا اعتمد، اعتمد على فكرة يعتنقها معظم الأغنياء، يعني إذا أحب الله عز وجل إنساناً جعله غنياً، وإذا أحب إنساناً أطلعه على ملكه فكل إنسان اغتنى، وسافر إلى أطراف الدنيا، يتوهم في سذاجة أن الله يحبه، فحينما أغناه قال: ﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا﴾ مع أن الله عز وجل يقول: ﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)﴾[سورة الفجر] سيقول هو ربي أكرمني فهذا صاحب الجنتين توهم أن الله يحبه لأنه أغناه، فإذا كان هناك جدلاً يوم قيامة ؛ ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً، هذا الوهم الرابع.. إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30)﴾[سورة فصلت] الماضي مغطى بعدم الحزن على ما فاتك منه، والمستقبل مغطى بعدم القلق والخوف: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (51)﴾[سورة التوبة] هناك أغنياء مؤمنون تتمنى الغنى من تواضعهم، وسخائهم، وحبهم للخير، وإنفاقهم المعتدل أنا لا أعمم أبداً إن الغني الشارد عن الله عز وجل، أما الغني المؤمن تتمنى أن تكون مثله غنياً، بهذا التواضع وذاك السخاء، وهذه الرحمة وهذا الإنفاق المدروس، دون زيادة، ودون تبذير، ودون إسراف. ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)﴾[سورة التوبة] دقق الآن ؛ يريد الله أن يعذب الغني بماله، الغني الكافر قد يكون ماله سبب قتله، وقد يكون ماله سبب شقائه، وقد يكون ماله سبب سجنه: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80)﴾[سورة مريم] أيها الإخوة الكرام: الخطبة الثانية: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالاً وَوَلَداً (39) فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً (42) وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً (44) ﴾[سورة الكهف] أيها الإخوة الكرام: والحمد لله رب العالمين |
||||
|
نشرت فى 7 ديسمبر 2011
بواسطة abdosanad
ساحة النقاش