ا

الكاتب: د. محمد مورو

تاريخ النشر: الأحد، 25/02/2007

هو مؤسـس الحزب الوطني الإسلامي في تونس ، وهو أحد هؤلاء المجاهدين الذين حملوا على اكتافهم مهمة الكفاح ضد الاستعمار مستمدًا مفهوم المقاومة والجهاد من الإسلام كدين وحضارة فواجه التحدي الاستعماري عسكرياً وسياسياً واقتصادياً وثقافيـاً.

هو واحد من ذلك الرعيل من المجاهدين العرب والمسلمين الذين قاوموا الاستعمار أمثال عبد الكريم الخطابي وعلال الفاسي في المغرب وعبد الحميد بن باديس في الجزائر والثعالبي في تونس وعمر المختار في ليبيا ومصطفي كامل ومحمد فريد في مصر وعز الدين القسام في فلسطين وأحمد أغابيف من زعما المسلمين في روسيا ، وهذا الرعيل من المجاهدين كان الحلقة التالية التي أكملت حلقة الكفاح الأولي ضد الاستعمار وغيرهم.

الشيخ عبد العزيز الثعالبـي هو عالم من أعمق العلماء فهمًا للإسلام ، وأديب له شعر وبيان ، وخطيب مصقع يهز القلوب ، ومجاهد ضد الاستعمار بلا ملل ولا كلل وصحفي لامع يكتب في العديد من الصحف ويصدر عددًا منها ومؤلف ، له العديد من الكتب ، ورحالة ذهب إلى أبعد أجزاء العالم الإسلامي ، ثم هو معلم وأستاذ في قاعات الجامعات كأحسن ما يكون المعلم علمًا وأدبًا ، أما طبعه فتغلب عليه الدماثة واللطف ورقة القلب.

 

مولده وحياته

ولد الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن الثعالبي في مدينة تونس الخضراء في يوم 14 شعبان 1293هـ ، 1874م.

وهو ينحدر من أصل جزائري حيث كان جده عبد الرحمن الثعالبي قد فر من الجزائر بعد احتلالها من الفرنسيين سنة 1830 ، حفظ الشيخ الثعالبي القرآن الكريم في الكتاب ثم درس النحو والعقائد والأدب ثم دخل مدرسة باب سويقة الابتدائية في مدينة تونس ثم التحق بجامع الزيتون فقضي فيه سبع سنوات حتى تخرج عام 1896م.

ثم أكمل دراساته العليا في المدرسة الحكدونية بتونس ، ثم انخرط في الحركة الوطنية الإسلامية في تونس وناهض الاستعمار الفرنسي بها ، واعتقل عدة مرات ثم نفي إلى خارج تونس ، ومن وقت لآخر كان يعود إلى تونس لاستئناف الكفاح كلما سنحت الفرصة.

وزار الكثير من بلاد العالم الإسلامي مدافعًا عن القضية التونسية وقضايا العالم الإسلامي عمومًا , وفي عام 1937 عاد إلى تونس لآخر مرة حيث قضي بها سبع سنوات مستأنفًا نضاله الداخلي إلى أن توفي عام 1944م.

 

جهاده ضد الفرنسيين

لا يمكن فصل قضية الاستعمار الفرنسي في تونس عن قضية للاستعمار الفرنسي في المغرب العربى ، ولا عن قضية الاستعمار الأوروبي عمومًا في العالم الإسلامى، حيث الهدف واحد والأساليب متنوعة، دخل الاستعمار الفرنسي تونس عام 1881م وهب الشعب التونسي لمقاومة الاستعمار الفرنسي منذ اللحظة الأولى ، رغم استسلام حاكم تونس في ذلك الوقت وأتخذت حركة المقاومة من مدينة القيروان مركزًا لها وامتدت تلك الحركة إلى كل الساحل الجنوبي التونسي من صفاقس حتى حدود طرابلس ، وكان يقود تلك الحركة الشيخ "على بن خليفة" وصمدت تلك الحركة أمام القوات الفرنسية مدة لا بأس بها رغم التفوق التسليحي الهائل للقوات الفرنسية ، وإذا كانت هذه الحلقة الأولي في الجهاد فإنه قد تبعتها الحلقة الثانية من الجهاد والتي فجرها وقادها كل من الشيخ يكن بن عزوز ، وعبد العزيز الثعالبى ، بشير صقر ، على ياسين جمعة وغيرهم ، وقد تشابهت هذه الحركة تشابها كبيرًا مع حركة مصطفي كامل ومحمد فريد في مصر.

وجد الشيخ عبد العزيز الثعالبـي نفسه في قلب هذه الحركة التي تتطلع إلى الاستقلال ودعم الترابط بين المسلمين والتعاطف مع الخلافة العثمانية وأخذ الثعالبي يناهض الاستعمار الفرنسي على محورين: المحور الأول هو النضال السياسي والمحور الثاني هو التصدي لعملية التغريب والفرنسة واستعادة الروح والثقافة العربية الإسلامية واللغة العربية في تونس حتى يكون ذلك طريقًا على استمرار احتلالها ومنع ظهور حركات مقاومة شعبية بهــا.

وكون الشيخ الثعالبي سنة 1905م مجموعة من ا لطلاب وخريج المعاهد الدينية مثل الشيخ على أبو شوشة ، وبشير صقر ، وعمر أبو حاجب وعلى الباقلاني ما يسمي بجماعة الحاضرة وبدأت هذه المجموعة في توجيه الانتقاد السياسي للاحتلال الفرنسي في تونس ثم أسـس الشيخ الثعالبي سنة 1908م حزب تونس الفتاة ، وترأس الحزب الشيخ على ياسين جمعة ، بينما عمل الشيخ الثعالبي رئيسًا لتحرير صحيفة الحزب ، وكان حزبًا يسير على المبادئ الإسلامية مثل الحزب الوطني في مصر ، وقد لعب هذا الحزب في مساعدة أهل ليبيا إبان الاحتلال الإيطإلى لليبيا سنة 1911م ، فقام هذا الحزب بتسهيل الاتصال بين الدولة العثمانية والمقاومة في طرابلس ، كما ساعد في تسلل الضباط والمتطوعين المسلمين إلى طرابلس ، وفي تونس نجح هذا الحزب في أذكاه نار الكفاح في صفوف الشعب التونسى ، فخرجت المظاهرات وحث الحزب العمال على الإضراب ومقاطعة المؤسسات التجارية الأوروبية ، وعلى أثر ذلك قام الاحتلال الفرنسي بطرد زعماء الحزب من تونس ، وخاصة على ياسين جمعة وعبد العزيز الثعالبي وعدد آخر من العلماء المجاهدين ، واختار هؤلاء الآستانة مقرًا لهم حيث استطاعوا الاستمرار في مكافحة الاستعمار الفرنسي في شمال أفريقيا عمومًا بمعونة الحكومة العثمانية ، وأتصل الشيخ عبد العزيز الثعالبي والشيخ على ياسين جمعة بكثير من قادة الكفاح في العالم الإسلامي أمثال شكيب ارسلان ومحمد فريد وعبد العزيز جاويش وأحمد أغابيف من زعماء المسلمين في روسيا ، وفي هذه الأثناء تكونت في الآستانة هيئة لغزو شمال أفريقيا وتحريرها من الاستعمار الأوروبي واستطاعت هذه الهيئة أن تقوم بدور فعال في طرابلس بصفة خاصة ، كما تم تنظيم فرقة بقيادة على ياسين جمعة وكان مقرًرا لها أن تنزل من ساحل تونس لتحريرها من الاستعمار الفرنسى ، ولكن لم يقدر لهذا العمل أن يكتمـل.

وبعد الحرب العالمية الثانية ، استطاع الشيخ عبد العزيز الثعالبي العودة إلى تونس وأستأنف كفاحه ضد الاحتلال الفرنسي وأصدر كتابًا بعنوان "تونس الشهيدة " دعا فيه إلى تحرير تونس من الاستعمار وأنها قادرة على حكم نفسها بنفسها وأرادت فرنسا أن تطوق حركة الشيخ الثعالبي فشجعت على قيام حركة تونسية عميلة لها تدعو إلى قيام ما يسمي بالإصلاح ، مثل المطالبة بالاستقلال ، كما تدعو إلى التعاون مع الفرنسيين ، وسميت تلك الحركة "الحزب الدستوري".

ثم اعتقل الشيخ الثعالبي سنة 1920 ليخلو الجو في تونس لدعاة التعاون مع الاحتلال الفرنسى ، ولكن الشعب التونسي انتفض من أجل زعيمه الشيخ الثعالبي ، فتم الإفراج عنه سنة 1921 فقام بتشكيل عدد من الخلايا الحزبية المناضلة في تونس ، وأراد أن يسيطر على الحزب الدستوري بنفسه وأبعد منه كل الخونة والعملاء ودعاة التعاون مع فرنسا ، وأصبح الشيخ الثعالبي رئيسًا للحزب والأستاذ احمد الصافي أمينًا عامًا له ، إلا إن السلطات الفرنسية أبعدت الشيخ الثعالبي مرة أخري خارج البلاد ، وقامت بانقلاب داخل الحزب الدستوري تولي بعده دعاة التعاون مع الاحتلال قيادة الحزب وبرز فيهم الحبيب بورقيبة ، الذي أصبح رئيسًا للحزب الدستوري سنة1934م.

ودعا صراحة إلى أن وضع تونس الجغرافي يحتم عليها التعاون مع فرنسا وقبول مبدأ السيادة المزدوجة! ثم نجح الشيخ الثعالبي في العودة مرة أخري إلى تونس سنة 1937 ونظم القوي الوطنية المناهضة للاحتلال ودعا الى التظاهر والإضراب للمطالبـة بالاستقلال إلى أن توفي عام 1944م.

 

جهاد الثعالبي عربيًّا وإسلاميًّا

عمل الشيخ الثعالبي في إطار ثلاث دوائر لا تناقض بينها ، الدائرة التونسية والعربية والدائرة الإسلامية ، وكلها متداخلة وذات صلة مباشرة فيما بينها لأن الجهاد من أجل تحرير تونس هو جهاد من أجل الإسلام والحضارة الإسلامية ، خاصة الشيخ الثعالبي بني جهاده في تونس على أساس الإسلام والثقافة الإسلامية وكذلك جهاده من أجل القضية العربية يؤدي إلى نفس الهدف ، وكذلك جهاده من أجل قضايا العالم الإسلامي عمومًا لأن التحدي واحد ، وهو التحدي الاستعماري الأوروبى ، وهو تحد يستهدف الإسلام والحضارة الإسلامية.

كان الشيخ الثعالبي يعمل ليلاً ونهارًا من اجل كشف زيف الحضارة الغربية ويري أنها نكبة على العالم عمومًا والمسلمين خصوصًا ، وكان يري أن الإسلام هو الحضارة الصحيحة التي ينبغي لها أن تسود العالم إذا كان هذا العالم يريد الحرية والعدل والمساواة ، وكان يدعو الشعوب العربية الإسلامية إلى التأكيد على هويتها الوطنية والإسلامية والتمسك بقيم الإسلام الثابتة فهي الطريق الوحيد للنهضة ، وكان يعمل على إصلاح أحوال التعليم باعتباره مدخلاً كبيرًا لتحقيق النهضة على أساس إسلامى ، كما كان يدعو إلى وحدة العرب كطريق لوحدة المسلمين ، وكان يدعو إلى الاهتمام بالمشروعات الاقتصادية في العالم العربي والإسلامي للأخذ بأسباب التكنولوجيا الحديثة والعمل الاقتصادي المشترك بين المسلمين.

كان الشيخ الثعالبي كلما قامت السلطات الفرنسية بنفيه إلى خارج تونس يجوب أقطار العالم الإسلامي ويشارك أبناءها في الدفاع عن قضاياهم ومناقشة مشاكلهم ، سافر الشيخ الثعالبي في رحلة ممتدة لأربعين عامًا إلى كثير من البلدان العربية والإسلامية مثل مصر والشام وفلسطين والعراق والهند والفلبين والصين والسودان وتركيا وغيرها .. وكان في كل مكان يذهب إليه يدافع عن قضية بلاده تونس بصورة خاصة وينسق الجهاد مع زعماء العالم الإسلامي أمثال محمد فريد وعبد العزيز جاويش والباروني وأحمد أغابيف من زعماء المسلمين في روسيا وكذلك مع السنوسيين في ليبيا وشكيب أرسلان والحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين ، وكان بصورة خاصة يسهم في النشاط العثماني من أجل تحرير شمال أفريقيا ، ولكن هذا لم يحل بينه وبين النضال من أجل استقلال مصر والسودان والعراق وفلسطين والهند وغيرها ، وكان يعمل من أجل قضايا العرب والمسلمين عن طريق النضال السياسي المباشر أو عن طريق دعم الثقافة العربية والإسلامية ، وكان له موقف متميز في التنبه إلى أخطار الحركة الصهيونية في وقت مبكر وإلى التضامن مع الشعب الفلسطيني على أساس أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية ، وكان من أبرز الذين دعوا إلى تنظيم المؤتمر الإسلامي الأول الذي أنعقد في القدس في ديسمبر 1931م ، رجب 1350هـ ، وكان عضوًا مؤسسًا في هذا المؤتمر الذي أنعقد من أجل التضامن مع الشعب الفلسطيني ومناهضة الصهيونية ، وقد حضر هذا المؤتمر عدد كبير من أعلام المسلمين برئاسة الشيخ محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ، وشارك فيه شوكت على ، ومحمد إقبال "عن الهند " ومحمد حسين آل كاشف الغطاء ، ومحمد بهجت الأثري "عن العراق" وإبراهيم أطفيش "عن الجزائر" والبشير السعداوي "عن ليبيا" وكل من عبد الحميد سعيد ، رشيد رمضان ، عبد الرحمن عزام ، التفتازانى ، محمد على علوبة "عن مصر" ، سعيد الجزائري "عن سوريا" ، ومصطفي الغلاييني "عن ليبيا" ، وعبد العزيز الثعالبي "عن تونس".

وقد أظهر الشيخ الثعالبي حركة عظيمة أثناء هذا المؤتمر ، كما عمل بهمة ونشاط على تنسيق مواقف المسلمين لمناهضة الصهيونية والتضامن مع الشعب الفلسطينى ، وتذكير المسلمين بأن قضية فلسطين هي قضية كل عربي مسلم.

واستمـرت علاقة واهتمام الثعالبي بقضية فلسطين قبل ذلك المؤتمر وأثناءه وبعده بدون انقطاع ، كما اهتم الشيخ الثعالبي بشرح تاريخ اليهود ومؤامراتهم وعقائدهم الفاسدة وخطرهم على الإسلام والمسلمين من خلال محاضراته التي كان يلقيها على طلبة المعهد الديني العالى ببغداد في الفترة التي عمل بها أستاذًا في هذا المعهد منذ عام 1926 حتى 1928م.

 

آثاره العلمية

لم يقتـصر حياة الشيخ الثعالبي على الجهاد السياسي من أجل تحرير تونس من الاستعمار الفرنسي أو الاهتمام بقضايا العالم الإسلامى ، بل كان بالإضافة إلى ذلك أديبًا لامعًا وكاتبًا متميزًا ومفكرًا عميقًا وخاصة في القضايا الإسلامية ، ويعد الشيـخ الثعالبـي من صفوة دعاة التجديد الإسلامي في ضوء القرآن والسنــة.

ومن أهم مؤلفاته كتاب "روح القرآن الحرة" وكتاب "معجزة محمد رسول الله" ، وفيهما يعرض للإسلام عرضًا علميًا رصينًا يرد به على شبهات المستشرقين والطاعنين في الإسلام عمومًا ، وله أيضًا كتاب "تونس الشهيدة" الذي أظهر فيه جرائم الاستعمار الفرنسي في تونس.

كما أن له العديد من الدراسات والأبحاث الإسلامية وخاصة في العقائد والفقه والمعاملات والفلسفة الإسلامية وهي المحاضرات التي كان يلقيها على طلبة المعهد الديني بجامعة آل البيت في الفترة من 1926 حتى عام 1928 ، وقد نشرت هذه المحاضرات في مجلة الجامعة في تلك الفترة ، بالإضافة إلى ذلك فإن مئات المقالات في الصحف والمجلات التي أصدرها ينفسه أو كتب فيها سواء في تونس أو خارج تونس والتي تعالج كلها قضايا النهضة الإسلامية والدعوة إلى مقاومة الاستعمار وفضح السلوك الاستعماري والدعوة إلى وحدة العرب والمسلمين.

 

 

 

المصدر: الفتح
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1214 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,435