19- الأمانة

 عناية القرآن الكريم ببيان صفات المؤمنين وصفات غيرهم:
في كتاب ربِّنا ﻷ بيانٌ لأخلاق المؤمنين ، بيانٌ لصفاتِهم الحميدة وأخلاقِهم الكريمة ، وذاك دعوةٌ للأمّة المؤمنة أن تأخذَ بتلكم الأخلاق وتتَّصف بتلكم الصفات.فيذكر الله أهلَ الإيمان ، يذكر أخلاقَهم وأعمالهم ، وهو حثٌّ لنا جميعًا على الأخذ بها والعمل بمقتضاها ، كما يذكر أخلاقَ المنافقين وصفاتِهم وأخلاقَ الكافرين ، ليكونَ المسلم على علمٍ بتلكم الصفات والأخلاق ، فيبتعد كلَّ البُعد عنها.
 خلق رعاية الأمانة:
أيّها المسلم ، وأنت تقرأ كتابَ الله تمرُّ بك آية ، وهي قول الله جلّ جلاله في صفات المؤمنين:(وَٱلَّذِينَ هُمْ لأمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ) (المؤمنون:8).فوصف الله أهلَ الإيمان بأنّهم راعون لأماناتهم ، حافظون لأماناتهم ، (وَٱلَّذِينَ هُمْ لأمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رٰعُونَ) ، فهم يرعَون الأمانَة حقَّ الرعاية ، ويقومون بمقتضاها حقَّ القيام ، تلكم الأمانةُ التي عرضها الله على السموات السَّبع والأرضين السّبع والجبال ، عرضها عليهم لا عرضَ إلزام ، فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا ، لا عصيانًا لله ، ولكن إشفاقًا من حملها ، إلا أنَّ الإنسان حَملها لظلمِه وجهله ، (وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَـٰنُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ) (الأحزاب:72).
 الخيانة من صفات المنافقين:
إنّ من خصال المنافق خيانةَ الأمانة ، ولذا يقولص:$ آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ# (رواه البخاري ومسلم). ، فلمّا فقد الإيمانَ كان خائنًا لأمانته فيما بينَه وبين الله ، وفيما بينه وبين عباد الله.كم خان المنافقون أماناتِهم ، وكم شمَتوا بالمسلمين ، وكم أرجفوا برسول الله وصحابتِه الكرام ، وكم قالوا وافترَوا ، ولكنّ الله لهم بالمرصاد ؛ لأنّهم أظهَروا الإيمانَ وأبطنوا الكفرَ المحض ، فالخيانة من أخلاقهم ، أمّا المؤمنُ فبعكس ذلكَ ، الأمانة خلقُه ، والخيانة بعيدٌ عنها كلَّ البعد ، فلنتّق الله فيما اؤتمنَّا عليه.
 خطر الأمانة وفضل حفظها:
قال ﻷ:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (النساء:58) والآية في كل أمانة فعلى كل مؤتمن على شىء أن يحفظه ويرعاه حتى يؤديه إلى صاحبه.
وقال ﻷ:(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) (الأحزاب:73).
يخبر تعالى منبهًا محذرًا فيقول:( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ ) وهي شاملة للتكاليف الشرعية كلها ولكل ما ائتُمِن عليه الإِنسان من شيء يحفظه لمن ائتمنه عليه حتى يرده إليه.عرَض الأمانة على السموات والأرض والجبال ـ بعد أن خلق لها عقلًا ونطقًا ففهمت الخطاب وردت الجواب ـ فأبت تحملها بثوابها وأشفقت وخافت من تبعتها ، وعُرضت على الإِنسان آدم فحملها بتبعتها من ثواب وعقاب لأنه كان ظلومًا لنفسه يوردها موارد السوء جهولًا بعواقب الأمور.
وقال ص:$ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ #.(صحيح رواه الإمام أحمد وابن حبان).
$ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ # أي لا إيمان كامل ؛ فالأمانة لب الإيمان وهي منه بمنزلة القلب من البدن والأمانة الجوارح السبع العين والسمع واللسان واليد والرجل والبطن والفرج فمن ضيع جزءا منها سقم إيمانه وضعف بقدره.ومعنى لا دين لمن لا عهد له أن من جرى بينه وبين أحد عهد ثم غدر لغير عذر شرعي فدينه ناقص.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍوبأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:« أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنْ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ ، وَعِفَّةٌ فِي طُهْرٍ» (صحيح رواه أحمد).
وعن ابن مسعود تقال:«القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة ، قال:يؤتى العبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال:أدِّ أمانتك ، فيقول:أيْ رب ، كيف وقد ذهبَت الدنيا؟فيقال:انطلقوا به إلى الهاوية ، فيُنطَلق به إلى الهاوية وتُمَثَّل له أمانته كهيئتها يوم دُفعت إليه ، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زَلَّتْ عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين ، ثم قال:الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع».
قال زاذان:فأتيت البراء بن عازبت فقلت:ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود ت قال كذا؟» ، قال:صدق ، أما سمعت الله يقول:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (النساء:58) »
(رواه أحمد والبيهقي موقوفًا ، وذكر عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب الزهد أنه سأل أباه عنه فقال إسناده جيد ، وحسنه الألباني).
أيّها المسلم ، الأمانةُ التي كُلِّفتَ بها والتي طُلِبَ منك رعايتُها أمانةٌ عامّة فيما بينك وبين الله ، وفيما بينك وبين نفسك ، وفيما بينك وبين عباد الله ، أمانةٌ شاملةٌ لخيرَي الدنيا والآخرة ، شاملة لمصالح الدين والدنيا معًا ، فالمؤمن في هذه الحياة يحمِل أعباءَ هذه الأمانة ، ويرعاها حقَّ الرّعاية ، ويقوم بها خيرَ قيام ، طاعةً لله وتقرّبًا إلى الله.
 أداء أمانة التوحيد:
أيّها المسلم ، العباداتُ الشرعيّة أمانةٌ عندك بأن تؤدِّيها إخلاصًا لله ، وموافقةً لشرع الله ، لا تبتدِعُ فيها ، لا تزيدُ فيها ، ولا تنقصُ منها ، وإنما تؤدّيها على وفقِِ ما شرع الله ورسوله ، فأنت مخلِصٌ لله في عبادتك ، في توحيدِك لله مخلصٌ في ذلك ، معتقد حقًا أنّ الله المعبودُ بحقّ ، وأنّ ما سواه معبودٌ بالباطل ، معتقدٌ اتباعَ سنّة محمّد ص ، وأنّه عبد الله ورسوله الذي أرسله الله ليقيمَ حجَّته على العباد ، وأنَّ الواجبَ اتباعُه والعمل بشريعته.
فأنت مؤتَمَنٌ على هذا الأصل العظيم ، فأنت تؤمِن بذلك إيمانًا ظاهرًا وباطنًا ، تنطِق بكلمةِ التوحيد $لا إله إلا الله# ، تنطق بها بلسانك ، معتقِدًا معناها بقلبك ، عاملًا بمقتضى ما دلَّت عليه ، تنطِق شهادةَ أنَّ محمدًا رسول الله مخلِصًا لله في ذلك ، قولًا وعملًا واعتقادًا ، تعتقِد أنّه رسول الله حقًا ، فتتبع سنّتَه ، وتسير على نهجه ظاهرًا وباطنًا ، تؤدِّي عبادةَ الله من صلاةٍ وزكاةٍ وصوم وحجٍّ وبرّ وصِلة ، وكلّ الواجبات الشرعيّة تؤدّيها بإخلاصٍ لله ، واتّباع لشريعة محمّد ص ، فإنّ الله لا يقبَل العملَ إلا إذا كان خالصًا له وكان على وفق ما شرع الله،( فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَـٰلِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا ) (الكهف:110).
أيّها المسلم ، ففيما بينك وبين الله في عبادتِه الإخلاصُ والاتّباع.
 أداء الأمانة في العبادات الشرعية:
إنّك تتوضّأ للصلاة ، والوضوء الذي هو شرطٌ لصحّة الصلاة أنتَ مؤتمنٌ عليه في إسباغ الوضوء وإتمامِه وعدمِ الإخلال بشيء منه ، رأى النبيّ ص:بعضَ أصحابه وقد تركُوا غسلَ بعض القدم ، فنادى فيهم:$ وَيْلٌٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ# (رواه البخاري ومسلم) (وَالْعَقِب:مُؤَخَّر الْقَدَم) ، ومَعْنَى الحديث:وَيْل لِأَصْحَابِ الْأَعْقَاب الْـمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلهَا.وقال ص:$ أسْبِغِ الوُضُوءَ ، وخَلِّلْ بَيْنَ الأصَابِعْ ، وبَالِغْ فِي الاسْتِنْشَاقِ إلَّا أنْ تَكُونَ صَائِمًًا # (صحيح رواه أبو داود والترمذي).
فالوضوء أمانةٌ تؤدِّيه كما أمرَ الله صادقًا مخلصًا.
والغسل من الجنابة قد ورد أنَّه أداء الأمانة ؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:« خَمْسٌ مَنْ جَاءَ بِهِنَّ مَعَ إِيمَانٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ : مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عَلَى وُضُوئِهِنَّ وَرُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ ، وَصَامَ رَمَضَانَ ، وَحَجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ، وَأَعْطَى الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ ، وَأَدَّى الْأَمَانَةَ» قَالُوا: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ ، وَمَا أَدَاءُ الْأَمَانَةِ؟» قَالَ :«الْغُسْلُ مِنْ الْجَنَابَةِ». (حسن ، رواه أبو داود)
تؤدّي الصلواتِ الخمس بأمانة ، بأن تؤدِّيَها في الوقت الذي عيَّنه الله لأدائها ، تؤدّيها في وقتِها ، فأنت مؤتمنٌ على وقتِها ، فلا تؤخِّرها عن وقتها بلا عذر شرعيّ ، فإنّ الله وقَّتها بأوقات ، طالبنا بأن نوقعَها فيها ، ( إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتْ عَلَى ٱلْـمُؤْمِنِينَ كِتَـٰبًا مَّوْقُوتًا ) (النساء:103).تؤدّيها بأمانة ، فلا تخِلُّ بأركانها ولا بواجباتها ولا بشيء مطلوبٍ فيها ، ولذا لمّا رأى النبيّ المسيءَ في صلاته الذي لا يُتمّ الركوعَ والسجود قال له:$صَلِّ فإِنّكَ لَمْ تُصَلِِّّ# ، فلمّا قال الرّجل ثلاثَ مرّات:«يا رسول الله ، والذي بعثك بالحقّ نبيًّا ما أحسنُ غيرَ هذا فعلِّمني » ، فعلّمه رسول الله صصفةَ أداء الصلاة ، وأمره بالطّمأنينة في كلِّ أركانها وواجباتها.(رواه البخاري ومسلم).
أيّها المسلم ، وأنت مؤتمَنٌ على زكاةِ مالك ، فالله سيحاسبك على ذلك ، فاتّق الله في أدائها وإخراجها على وفق ما شرع الله ، على وفق ما أمرك الله به ، وأحصِها وأخرِج زكاتها طيِّبة بذلك نفسُك ، فإنّك أمين ، والله يعلم خائنةَ الأعين وما تخفي الصدور ،
( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ ) (الملك:14).
أيّها المسلم ، والصومُ أمانةٌ والحجّ أمانة ، كلّ هذه الأركان الإسلاميّة أمانةٌ عند المسلم ، يؤدّيها كما شرع الله.
البرّ والصّلة والواجبات الشرعيّة كلّها يؤدّيها المسلم ؛ لأنّه مؤتمنٌ على أدائها ، فلا بدّ من الأداء.
أيّها المسلم ، واعلم أنّ الله مطَّلع عليك وعالم بسرِّك وعلانيتك ، ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوٰهُم بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) (الزخرف:80).
تتركُ المحرّمَات طاعةً لله في موضع لا يراك إلا الله ، إنّما ذلك خشية من الله ،
( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) (الملك:13).
 أداء الأمانة فيما بينك وبين الخلق:
وإنَّ أمانتك فيما بينك وبين الخلق أن تعاملُهم بما تحبّ أن يعاملوكَ به ، تعاملهم بالصِّدق والأمانة كما تحبُّ أن يعاملوك به ، فقد قال ص:$لا يؤمِنُ أحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ #.(رواه البخاري ومسلم).فلا تكن غاشًا لهم ، ولا خائنًا لهم ، ولا ساعيًا في المكائد لهم ، وإنما تعاملهم بمثل ما تحبُّ أن يعاملوك به ، فتلك الأمانة في التعامل مع العِباد.
أيّها المسلم ، إنّك مؤتمنٌ في أحوالك كلِّها ، ففي البَيع والشّراء مؤتمنٌ على بيعك ، بأن يكون بيعك بيعًا صادقًا ، لا غشَّ ولا خيانة ، لا تدليسَ ولا خِداع ، ولكن بيعُ المؤمن الصادِق ، يعرض سلعتَه فلا كذب ولا أيمان فاجِرة يروّج بها سلعتَه ، ولكن الصدق والبرّ خلقُ المؤمن.وأنت ـ أيّها المشتري ـ أمين أيضًا في إعطاء الناس حقوقَهم وعدم المماطلة وعدم الكذب والغشّ والخداع.
وأنت ـ أيّها المؤمن ـ مؤتمنٌ في بيعك وشرائك ، مؤتمنٌ فيما تعامِل به النّاس ، فيما اؤتمِنتَ عليه ، فأنت ـ أيها المستأجِر للدّور ـ مؤتَمن على ما استأجرتَه بأن تسلِّم ما استأجرتَه من غير إخلال ولا إلحاق ضرَر بما استلمتَه من ذلك العقار ، استأجرتَ مسكنا تسكنه فأدِّ أمانتَه بأن تسلِّمه لمؤجِّره من غير نقصٍ لحِق به ، من غير إخلال بذلك.
 أداء أمانة العمل والوظيفة:
أيّها المسلم ، أنتَ مؤتمنٌ على ما وُكِل إليك من أعمال ، فيا من هو وكيلٌ على أموال الأيتام ، اعلم أنَّ الله سائلك عمّا ائتمنك عليه ، ويناقشك الحسابَ يوم القيامة ، (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوٰلَ ٱلْيَتَـٰمَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِى بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) (النساء:10).
المسئول عن قِسمة المواريث مؤتمنٌ في الإحصاء وضبطِ الأمور وإعطاء كلِّ ذي حقّ حقَّه.المسلم مؤتمنٌ إن كان مسئولًا عن وصايا وأوقاف أن يتّقي الله فيما اؤتُمن عليه ، فلا يخون ولا يكذب ولا يلبِّس ، وإنّما يُظهر الصدقَ ويؤدِّي الأمانة فيما اؤتُمن عليه.
 أداء أمانة الزوجة والأولاد:
أيّها المسلم ، أنت مُؤتمنٌ على زوجتِك من حيث النصيحة ، من حيث التوجيهُ والقيام بالواجب وإعطاؤها حقَّها المشروع وعدم الإضرار والمماطلة بذلك ، كما أنتَ مؤتمنٌ على أخلاقِها وأعمالِها لأنّك راعٍ والله سائلك عن رعيّتك ، كما أنَّ المرأةَ المؤمنةَ مؤتمنةٌ على بيتها ومال زوجها وفراش زوجها ، فتؤدِّي أمانتَها على الوجه المرضيّ.
 أيّها المسلم ، من الأمانة أن تحافظ على زوجتك وتمنعها من الاختلاط بالرجال غير المحارم.
فقد أمر الله زوجات النبي بالحجاب فقال تعالى آمرًا أصحاب النبي ص:( وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَالِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ). (الأحزاب:53).
وهذه الآية ليست خاصة بأزواج النبي ص ، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى : (ذلكم أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنّ ) قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم ، إذ لم يقُلْ أحدٌ من جميع المسلمين ، إن غير أزواج النبي ص لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهن.
ولا يستطيع أحد اليوم أن يزعم أن قلبه أو قلب غيره أطهر من قلوب الصحابة ي ، ولا أن قلب امرأته أو قلب غيرها أطهر من قلوب نساء النبي صورضي الله عنهن.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍتأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:« إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ » ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ:«يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟» ، قَالَ:«الْحَمْوُ الْمَوْتُ» (رواه البخاري ومسلم)
قال الحافظ ابن حجر/:« وَتَقْدِير الْكَلَام اِتَّقُوا أَنْفُسكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاء وَالنِّسَاء أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ...وَتَضَمَّنَ مَنْعَ الدُّخُول مَنْع الْخَلْوَة بِهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى ».اهـ.
الْحَمو أَخُو الزَّوْج ، وَمَا أَشْبَهَهُ مِنْ أَقَارِب الزَّوْج : اِبْن الْعَمّ وَنَحْوه.
(الْحَمو الْـمَوْت) مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَوْف مِنْهُ أَكْثَر مِنْ غَيْره ، وَالشَّرّ يُتَوَقَّع مِنْهُ ، وَالْفِتْنَة أَكْثَر لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْوُصُول إِلَى الْمَرْأَة وَالْخَلْوَة مِنْ غَيْر أَنْ يُنْكِر عَلَيْهِ ، بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيّ. وَالْـمُرَاد بِالْحَمْوِ هُنَا أَقَارِب الزَّوْج غَيْر آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ. فَأَمَّا الْآبَاء وَالْأَبْنَاء فَمَحَارِم لِزَوْجَتِهِ تَجُوز لَهُمْ الْخَلْوَة بِهَا ، وَلَا يُوصَفُونَ بِالْمَوْتِ ، وَإِنَّمَا الْـمُرَاد الْأَخ ، وَابْن الْأَخ ، وَالْعَمّ ، وَابْنه ، وَنَحْوهمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ. وَعَادَة النَّاس الْـمُسَاهَلَة فِيهِ ، وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ ، فَهَذَا هُوَ الْمَوْت ، وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ.
لا تأمنَنَّ على النساءِ ولو أخًا ما في الرجالِ علَى النساءِ أمينُ
إنّ الأمينَ وإن تحفّظَ جـهدَهُ لا بد أنْ بنَظْــــــرةٍ سيخُونُ
أيّها المسلم ، أمانتُك تصحبُك أيضًا في أولادك من بنين وبنات ، أنت مؤتمنٌ على الأولاد من بنين وبنات ، تربيةً وتعليمًا وتوجيهًا وحملًا على الخير وتحذيرًا من أسبابِ الشّرّ،( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ ) (التحريم:6) ، فإنّك مؤتمَن على أولادك ، أن تربِّيَهم التربية الإسلامية ، أن تكون قدوةً لهم في الخير وأسوةً لهم في الهدى ليقتدوا بك ويتأسَّوا بك في أعمالِك الطيّبة ، فما مِن مولود إلا يولَد على الفطرة ، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجِّسانه.
أنت مؤتمنٌ عليهم في تأليف قلوبِهم وإصلاح ذاتِ بينهم ، فلا تفضِّل أحدًا على أحد ، ولا تجعَل لأحدٍ فضلًا على أحَد ، بل اتَّق الله واعدِل في أولادك في العطاء والهبات ، حتى يكونوا لك قلبًا واحدًا ، واحذَر أن توقِد بينهم نارَ العداوة والبغضاء بأن تفضِّل بعضًا على بعض ، تقرِّب ذا وتُقصي ذا ، وتترك النّار تشتعل في نفوسهم ، فتكون سببًا للقطيعة بينهم والعياذ بالله.
أنت مؤتمنٌ فيما توصي به من وصايا ، فلا تكُن وصيتُك وصية جَور وظلم ، بل تكون وصيةً عادلة ، متَّقيًا الله فيها ، (إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فاللهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا) (النساء:135) ، لا تحابِ ولا تجُر ولا تفضِّل أحدًا بأيّ طريقة سلكتَ ، فإنّ الله مطّلع عليك وعالم بسرّك ونجواك.
أنت مؤتمَن على البنات فتختار لهنّ مَن فيه خير لهنّ في أمرِ الدين والدنيا ، لا تردَّ كُفئًا تقدَّم إليك تعلم خيرَه وصلاحَه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِص : «إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ» (حسن رواه ابن ماجه).
وكم من معوِّق لزواج الفتيات لمصالحَ يريدها منهم ، إمّا اكتسابٌ من راتبهنَ أو طمعًا في خدمتهنَ أو نحو ذلك ، ويردّ الكفءَ في الصلاح والدين لمصلحة دنيويّة حقيرة ، فتلك خيانة لأمانتِك أيها المسلم.
 أمانة الشهادة والولاية:
أيّها المسلم ، إنَّ الشهادةَ التي تؤدّيها أنت مؤتمن عليها ، فتتَّقي الله ، وتصدق في شهادتك ، وتؤدِّي الشهادةَ على علم وبصيرة ، لا على ظنٍّ ومجاملة ، قال الله جلّ وعلا في كتابه العزيز:( إِلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) (الزخرف:86) ، وحذَّرنا من كتمان الشهادة ، ( وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَـٰدَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ ءاثِمٌ قَلْبُهُ ) (البقرة:283).فلا تشهَد إلا بما تعلم ، ولا تشهَد بلا علم ولا لمجاملة ، فإنّ الشهادة أمانة عند الشاهد ، أن ينطق بالحقّ لا يخاف في الله لومةَ لائم.
 السر أمانة:
السرُّ بينك وبين من ائتمنك على سرِّه أمانةٌ فلا تفشِ ذلك ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:$إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ# (صحيح رواه أبوداود)
$إِذَا حَدَّثَ الرَّجُل #:أَيْ عِنْد أَحَد $بِالْحَدِيثِ #:أَيْ الَّذِي يُرِيد إِخْفَاءَهُ $ثُمَّ اِلْتَفَتَ #:أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا اِحْتِيَاطًا $ فَهِيَ #:أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيث $ أَمَانَة #:أَيْ عِنْد مَنْ حَدَّثَهُ أَيْ حُكْمه حُكْم الْأَمَانَة فَلَا يَجُوز إِضَاعَتهَا بِإِشَاعَتِهَا ؛ لِأَنَّ اِلْتِفَاته إِعْلَام لِمَنْ يُحَدِّثهُ أَنَّهُ يَخَاف أَنْ يَسْمَع حَدِيثه أَحَد وَأَنَّهُ قَدْ خَصَّهُ سِرّه ، فَكَانَ الِالْتِفَات قَائِمًا مَقَام اُكْتُمْ هَذَا عَنِّي أَيْ خُذْهُ عَنِّي وَاكْتُمْهُ وَهُوَ عِنْدك أَمَانَة.
وما بين الرّجل وبين امرأتِه فيما يجري بينهما أمانة ، حرامٌ عليها أن تفضيَ للناس ما بينها وبين زوجها ، أو أن يفضيَ هو للناسَ ما بينه وبين امرأته مِنْ أُمُور الِاسْتِمْتَاع ، وَوَصْف تَفَاصِيل ذَلِكَ وَمَا يَجْرِي فِيهِ مِنْ قَوْل أَوْ فِعْل وَنَحْوه.قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:$ إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»(رواه مسلم)
وقَالَ رَسُولُ اللهِ ص:$ إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا# (رواه مسلم)
وقال ص:$ عسَى رَجُلٌ يُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أهْلِهِ ، أوْ عَسَى امْرَأةٌ تُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا ، فَلَا تَفْعَلُوا ؛ فإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةٍ فِي ظَهْرِ الطَرِيقِ فَغَشِيَهَا وَالنَاسُ يَنْظُرُونَ».(حسن رواه الطبراني)
 أمانة الأبوين:
الأبوان أمانة عند الأولاد لا سيّما في كبر سنِّهما وضعفِهما ، فالأبناء مسئولون جميعًا عن آبائهم وأمّهاتهم ، البرّ والإحسان والقيام بالواجب ، فإنّ الأبوين أمانةٌ عند الأبناء ؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ »قِيلَ:مَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ:$ مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ» (رواه مسلم)و رَغِمَ أَنْفُهُ:ذَلَّ وَقِيلَ:كُرِهَ وَخُزِيَ ، وَفِي الحديث الْـحَثّ عَلَى بِرّ الْوَالِدَيْنِ ، وَعِظَم ثَوَابه.وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرّهمَا عِنْد كِبَرهمَا وَضَعْفهمَا بِالْخِدْمَةِ ، أَوْ النَّفَقَة ، أَوْ غَيْر ذَلِكَ سَبَب لِدُخُولِ الْجَنَّة ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُول الْجَنَّة وَأَرْغَمَ اللهُ أَنْفه.
 أمانة التعليم:
أيّها المعلّم ، إنّك أمين على ما تقول ، وعلى ما تلقِي من دروس ، وعلى ما توجِّه به النشء ، فالمعلم والمعلّمة أمناء على التلاميذ جميعًا بالتّوجيه والقيام بالواجب والدّعوة إلى الخير والطّريق المستقيم ، ليكن المعلّم ولتكن المعلّمة كلّ منهما حريصًا على الخير وساعيًا في تثقيف الأمّة وتوجيهها وإبعادها عن كلِّ ما يخالِف شرعَ الله ، من غلوّ غالٍ وجفاء جافٍ وإفراط مفرّط وبعدِ من بَعُدَ عن الهدى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تأَنَّ رَسُولَ اللهِ ص قَالَ:$ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا» (رواه مسلم).

 أمانة المال:
أيّها المسلم ، إنّ نبيّنا ص قال:«الْخَازِنُ الْـمُسْلِمُ الْأَمِينُ الَّذِي يُعْطِي مَا أُمِرَ بِهِ كَامِلًا مُوَفَّرًا طَيِّبًا بِهِ نَفْسُهُ فَيَدْفَعُهُ إِلَى الَّذِي أُمِرَ لَهُ بِهِ أَحَدُ الْـمُتَصَدِّقَيْنِ » (رواه البخاري) ، فجعل ص الأمانة مع القيام بالواجب نوعٌ من الصّدقة وإن كان ذلك عملَه ، وتلك وظيفته ، لكن لمّا اتقى الله وأدّى الأمانة التي حُمِّلها ودفع ما أُمِر بدفعِه طيّبةً بذلك نفسه صار أحدَ المتصدّقَين ، فالحمد لله على فضله.فاتّق الله فيما اؤتُمنت عليه من قليل أو كثير ، اتّق الله في أمورك كلّها ، فإنّك حامل لتلك الأمانة ، فاسعَ في حفظِها ، لتلقى الله وأنت من المحافظين عليها ، لتلقى الله وأنت من أهل الأمانة الصّادقة.
 أمانة أداء حقوق العمال:
أيّها المسلم ، إنَّ مِن الأمانة إعطاءَ العمّال حقوقَهم ، وعدمَ التلاعب والتهاون بذلك ، فالعمّال الأجراء عندك هم (أمانة) تحت يدك ، أنت مسؤول عن حقوقهم وواجباتِهم ، فإن أخللتَ بشيء أو ماطلت بشيء أو حاولتَ التهرُّب أو النقص أو الإساءة فاعلم أن الله قادر عليك ، واتق الله ، ولا تبخَس الناسَ أشياءهم ، وأعطِ الناسَ حقوقَهم ، أعطِ العامل أجرَه ، أعطه حقوقه وإيّاك والتهاونَ وعدم المبالاة بحجّة ضعفه وقدرتِك على التهرّب ، اتّق الله في نفسك ، وأعطِ الناس حقوقهم ، فتلك أمانة اللهُ سائلك عنها ، ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء:58).
قال ص:$ أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ #.(حسن رواه ابن ماجه).
(أَعْطُوا الْأَجِير)أَيْ يَنْبَغِي الْـمُبَادَرَةُ فِي إِعْطَاء حَقّه بَعْد الْفَرَاغ مِنْ الْحَاجَة.
(قَبْل أَنْ يَجِفَّ عَرَقه)الْحَاصِل بِالِاشْتِغَالِ بِالْحَاجَةِ ؛ لأن أجره عمالة جسده وقد عجل منفعته فإذا عجلها استحق التعجيل ، ومن شأن الباعة إذا سلموا قبضوا الثمن عند التسليم فهو أحق وأولى ؛ إذ كان ثمن مهجته لا ثمن سلعته فيحرم مَطْلُه والتسويف به مع القدرة ، فالأمر بإعطائه قبل جفاف عرقه إنما هو كناية عن وجوب المبادرة عقب فراغ العمل إذا طلب وإن لم يعرق ، أو عرق وجف.

 أمانة حفظ الدِين:
واعلم أنّ الأمة المسلمة اللهُ كلّفها وأوجب عليها حفظَ هذا الدين ، والقيام بواجب هذا الدين ، دعوة إلى الله ونصيحة للأمة والأخذ على أيدي السفهاء وأطرهم على الحقّ أطرًا ، فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمانةٌ في أعناق الأمّة ، قال ﻷ:( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ ) (آل عمران:110) وقال ﻷ:(لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرٰءيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَـٰهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة:78 ، 79).
 إِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تقَالَ:بَيْنَمَا النَّبِيُّ ص فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ ، فَقَالَ:مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسُولُ اللهِ ص يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ:سَمِعَ مَا قَالَ فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:بَلْ لَمْ يَسْمَعْ» ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ:« أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عَنْ السَّاعَةِ؟».
قَالَ:هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:« فَإِذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ».
قَالَ:كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟
قَالَ:« إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ »(رواه البخاري).
(إِذَا وُسِّدَ)أَيْ:أُسْنِدَ.
كلّ صاحب وِلايةٍ ما من ولايات الأمّة المسلمة قَلَّت تلك الولاية أو كثُرَت صغُرت أم كبرت ، فكلُّ مسؤول مؤتمَنٌ على مسؤوليّته ، والله سائله يوم القيامة،( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ ٱلأمَـٰنَـٰتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بالْعَدْلِ ) (النساء:58).وحذَّرنا الله من خيانة الأمانة فقال:( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) (الأنفال:27).
إذا خانَ الأميرُ وكاتباهُ وقاضِى الأرضِ داهَنَ في القَضاء
فويلٌ ثُمَّ وَيْلٌ ثُمَّ وَيْـلٌ لقاضِى الأرضِ مِن قاضِى السماء

 

المصدر: دليل الواعظ
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 45 مشاهدة
نشرت فى 1 ديسمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

313,840