3- كيفية الصلاة على النبي ص ومعناها
هذه الصلاة تؤدَّى بأية صيغة كانت ، وأفضلها ـ كما قال كثير من العلماء ـ هي الصلاة الإبراهيميّة التي تُقال بعد التشهد الأخير في الصلاة ؛ لأن الأحاديث الصحيحة وردت في أنها هي التي علَّمها النبي ص لأصحابه.
بعض الأحاديث الواردة في كيفية الصلاة عليه ص:
1- عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:أَتَانَا رَسُولُ الله ص وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ:أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى أَنَّ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؛ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ ص حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ص:«قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (رواه مسلم).
ورواه الترمذي ولفظه:...قَالَ رَسُولُ الله ص:« قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (صحيح).
2- عن أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ ت أَنَّهُمْ قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ الله ص:« قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري).
3- عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ:أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ ص؟فَقُلْتُ:بَلَى ، فَأَهْدِهَا لِي.فَقَالَ:سَأَلْنَا رَسُولَ اللهِ ص ، فَقُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ:« قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ».(رواه البخاري).
قَوْلهم:(كَيْف نُسَلِّم عَلَيْك) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ:فِيهِ إِشَارَة إِلَى السَّلَام الَّذِي فِي التَّشَهُّد وَهُوَ قَوْل:« السَّلَام عَلَيْك أَيّهَا النَّبِيّ وَرَحْمَة اللهِ وَبَرَكَاته» ؛ فَيَكُون الْـمُرَاد بِقَوْلِهِمْ:« َكَيْف نُصَلِّي عَلَيْك » أَيْ بَعْد التَّشَهُّد.
4- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ تقَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ الله ، هَذَا التَّسْلِيمُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ:«قُولُوا:اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ »(رواه البخاري).
5- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ تقَالَ:قُلْنَا:يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي؟ قَالَ:« قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ »(رواه البخاري).
6-عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا:يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟
قَالَ:« قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه البخاري ومسلم).
وقد ذكر الشيخ الألباني / ما ثبت من صيغ الصلاة عليه ص ، وذلك في كتابه (صفة صلاة النبي ص):
1 -« اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ بَيْتِهِ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (رواه أحمد والطحاوي بسند صحيح)
قال الشيخ الألباني:وهذا كان يدعو به هو نفسه ص.
2 - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (رواه البخاري ومسلم).
3 -« اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (رواه أحمد والنسائي وأبو يعلى).
4 - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَـمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ »(رواه مسلم وأبو عوانة).
5 - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى ِإبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ » (رواه البخاري والنسائي والطحاوي وأحمد)
6 - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ ؛ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ » (رواه البخاري ومسلم).
7 - « اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ ؛إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» (رواه النسائي والطحاوي).
حكم كتابة (ص) و(صلعم) إذا ذُكِرَ النبي ص ، بدلًا من كتابتها كاملة:
الذي ينبغي أن نعمله هو أن نصلي عليه ص لفظًا كاملًا ونكتب ذلك كاملًا.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز /:«...وبما أن الصلاة على النبيص مشروعة في الصلوات في التشهد ، ومشروعة في الخطب والأدعية والاستغفار ، وبعد الأذان ، وعند دخول المسجد ، والخروج منه ، وعند ذكره ، وفي مواضع أخرى ، فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب ، أو مؤلَّف ، أو رسالة ، أو مقال ، أو نحو ذلك.
والمشروع أن تكتب كاملةً تحقيقًا لما أمرنا الله تعالى به ، ولِيَتَذَكَّرها القارئ عند مروره عليها ، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة على رسول الله على كلمة (ص) أو (صلعم) وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين ؛ لما في ذلك من مخالفة أمر الله ـ في كتابه العزيز بقوله:
(صَلُّوا عَلَيْـهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)(الأحزاب:56).
مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة (صلى الله عليه وسلم) كاملة.وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها ، علمًا بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه».(مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (2 / 397 - 399).
معنى الصلاة على النبي ص:
معنى (اللهم):لا خلاف أن لفظة (اللهم) معناها:يا الله ؛ ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب ، فلا يقال:اللهم غفور رحيم ؛ بل يقال:اللهم اغفر لي وارحمني.
معنى الصلاة على النبي ص:مَعْنَى صَلَاة اللهِ عَلَى نَبِيّه:ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَتَعْظِيمه.
وَصَلَاة الْمـَلَائِكَة وَغَيْرهمْ عَلَيْهِ:طَلَب ذَلِكَ لَهُ مِنْ اللهِ تَعَالَى ، وَالْـمُرَاد طَلَب الزِّيَادَة لَا طَلَب أَصْل الصَّلَاة.
وَقِيلَ:صَلَاة اللهِ عَلَى خَلْقه تَكُون خَاصَّة وَتَكُون عَامَّة فَصَلَاتُه عَلَى أَنْبِيَائِهِ:هِيَ الثَّنَاء وَالتَّعْظِيم.
وَصَلَاتُه عَلَى غَيْرهمْ:الرَّحْمَة ؛ فَهِيَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْء.
معنى(آل النبي ص):ذكر الإمام ابن القيم في (جلاء الأفهام) أن الناس اختلفوا في آل النبي ص على أربعة أقوال:
القول الأول:هم الذين حرمت عليهم الصدقة ، وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
1- أنهم بنو هاشم ، وبنو المطلب.
2- أنهم بنو هاشم خاصة.
3- أنهم بنو هاشم ومَن فوقَهم إلى بني غالب.
القول الثاني:أن آل النبي ص هم ذريته وأزواجه خاصة.
القول الثالث:أن آله ص أتباعه إلى يوم القيامة.
القول الرابع:أن آله ص هم الأتقياء من أمته.
ثم ذكر حجج هذه الأقوال ، ثم قال:«والصحيح القول الأول ويليه القول الثاني.وأما الثالث والرابع فضعيفان».
معنى اسم النبي محمد ص واشتقاقه:
هذا الاسم هو أشهر أسمائه ص ، وهو في الأصل اسم مفعول من الحمد ، وهو يتضمن الثناء على المحمود ومحبته وإجلاله وتعظيمه.
هذا هو حقيقة الحمد وبُني على زنة مُفَعَّل مثل مُعَظَّم ، ومُـحَبَّب ، ومبجَّل ، ونظائرها ؛ لأن هذا البناء موضوع للتكثير.
فإن اشتق منه اسم فاعل ، فمعناه من كثر صدور الفعل منه مرة بعد مرة ، كمعلِّم ، ومفهِّم ، ومبيِّن ، ومخلِّص ، ونحوها ، وإن اشتُقَّ منه اسم مفعول فمعناه من كثر تكرر وقوع الفعل عليه مرة بعد أخرى إما استحقاقًا أو وقوعًا.
فـ(محمَّد) هو الذي كثر حمد الحامدين له مرةً بعد أخرى ، أوالذي يستحق أن يحمد مرة بعد أخرى.
فتسميته ص بهذا الاسم لما اشتمل عليه من مسماه وهو الحمد ، فإنه ص محمودٌ عند الله ، ومحمودٌ عند ملائكته ، ومحمودٌ عند إخوانه من المرسلين ، ومحمودٌ عند أهل الأرض كلهم ، وإن كفر به بعضهم.
فإن ما فيه من صفات الكمال محمودٌ عند كل عاقل ، وإن كابَرَ عقله جُحُودًا ، أو عِنَادًا ، أو جَهْلًا باتصافه بها ، ولو عَلِمَ اتصافه بها لَـحَمِدَهُ ؛ فإنه يحمد من اتصف بصفات الكمال ، ويجهل وجودها فيه ، فهو في الحقيقة حامدٌ له.
وهو ص اختُصَّ من مُسَمَّى الحمْد بما لم يجتمع لغيره ؛ فإنه اسمه محمَّد وأحمد ، وأمته الحمَّادون ، يحمدون الله في السراء والضراء ، وصلاتُه وصلاةُ أمَّتِه مفتَتَحة بالحمد ، وخطبته مفتَتَحة بالحمد ، وكتابه ـ أي القرآن الكريم ـ مفتَتَح بالحمد ، هكذا عند الله في اللوح المحفوظ أن خلفاءه وأصحابه يكتبون المصحف مفتتحًا بالحمد.
* وبيده ص لواء الحمد( ) يوم القيامة ، ولما يسجد بين يدي ربه ﻷ للشفاعة ، ويُؤْذَنُ له فيها ، يحمد ربه بمحامد يفتحها عليه حينئذ ، وهو صاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون ، قال تعالى:( وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ) (الإسراء:79).وإذا قام في ذلك المقام حَمِدَه حينئذ أهل الموقف كلهم مسلمُهم وكافرُهم أولهم وآخرهم.
* وهو محمود ص بما ملأ الأرض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعمل الصالح ، وفتح به القلوب ، وكشف به الظُلمة عن أهل الأرض ، واستنقذهم من أسر الشياطين ، ومن الشرك بالله والكفر به والجهل به ، حتى نال به أتباعه شرف الدنيا والآخرة ، فإن رسالته وافت أهل الأرض أحوج ما كانوا إليها ، فإنهم كانوا بين عُبَّادِ أوْثان وعُبَّادِ صُلْبَان وعُبَّادِ نيران وعُبَّاد الكواكب ، ومغضوبٍ عليهم قد باؤوا بغضب ، وحَيران لا يعرف ربًا يعبده ، ولا بماذا يعبده ، والناس يأكلُ بعضُهم بعضًا ، مَنْ استحسن شيئًا دعا إليه ، وقاتل مَن خالَفه ، وليس في الأرض موضع قدم مُشرقٌ بنورِ الرسالة.
وقد نظر الله سبحانه حينئذٍ إلى أهل الأرض ، فمقَتَهم عرَبَهم وعَجَمَهم إلا بقايا على آثار مِن دينٍ صحيح ، فأغاث الله به البلاد والعباد ، وكشف به تلك الظُلَم ، وأحيا به من الجهالة ، وكثر بعد القلة ، وأعز به بعد الذلة ، وأغنى به بعد العَيْلة ، وفتح به أعينًا عُميًا ، وآذانًا صمًا ، وقلوبًا غلفًا ، فعرف الناس ربهم ومعبودهم.
وعرَّفهم الطريق الموصل لهم إلى ربهم ورضوانه ودار كرامته ، ولم يدَعْ حسنًا إلا أمرهم به ، ولا قبيحًا إلا نهى عنه ، كما قال ص:« إنَّه لَيْسَ شَيْءٌ يقرِّبُكُمْ إلى الجنَّة إلا قَدْ أمَرْتُكُمْ بِهِ ، ولَيْسَ شيءٌ يقرِّبُكُمْ إلى النَّارِ إلا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْه » (حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).
وعرَّفهم حالهم بعد القدوم على ربهم أتم تعريف ، فكشف الأمر وأوضحه ، ولم يدَعْ بابًا من العلمِ النافع للعباد المقرِّبِ لهم إلى ربهم إلا فتحه ، ولا مشكلًا إلا بينه وشرحه ، حتى هدى الله به القلوب من ضلالها وشفاها به من أسقامها ، وأغاثها به من جهلها ، فأي بشر أحق بأن يحمد منه ص وجزاه عن أمته أفضل الجزاء.
* ومما يحمد عليه ص ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم ، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه ص علم أنها خيرُ أخلاق ، فإنه ص كان أعلم الخلق ، وأعظمهم أمانة ، وأصدقهم حديثًا ، وأجودهم وأسخاهم ، وأشدهم احتمالًا ، وأعظمهم عفوًا ومغفرةً ، وكان لا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلمًا.
كما روى البخاري في (صحيحه):عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ب قُلْتُ:أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللهِ ص فِي التَّوْرَاةِ.
قَالَ:« أَجَلْ ، وَالله إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا) وَحِرْزًا لِلْأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي ، سَمَّيْتُكَ المتَوَكِّلَ لَيْسَ بِفَظٍّ ، وَلَا غَلِيظٍ ، وَلَا سَخَّابٍ فِي الْأَسْوَاقِ ، وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ ؛ بِأَنْ يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَيَفْتَحُ بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا ».
(شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا):أَيْ شَاهِدًا عَلَى الْأُمَّة وَمُبَشِّرًا لِلْـمُطِيعِينَ بِالْجَنَّةِ وَلِلْعُصَاةِ بِالنَّارِ ، أَوْ شَاهِدًا لِلرُّسُلِ قَبْلَهُ بِالْإِبْلَاغِ.
( وَحِرْزًا) أَيْ حِصْنًا ، وَالْأُمِّيِّينَ هُمْ الْعَرَب.
(سَمَّيْتُكَ الْـمُتَوَكِّل) أَيْ عَلَى اللهِ ؛ لِقَنَاعَتِهِ بِالْيَسِيرِ ، وَالصَّبْر عَلَى مَا كَانَ يَكْرَه.
( لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظ) هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِه تَعَالَى ( فَبِمَا رَحْمَة مِنْ اللهِ لِنْتَ لَـهُمْ ، وَلَوْ كُنْت فَظًّا غَلِيظ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) وَلَا يُعَارِض قَوْله تَعَالَى:( وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) ؛ لِأَنَّ النَّفْي بِالنِّسْبَةِ لِلْـمُؤْمِنِينَ ، وَالْأَمْر بِالنِّسْبَةِ لِلْكُفَّارِ وَالْـمُنَافِقِينَ كَمَا هُوَ مُصَرَّح بِهِ فِي نَفْس الْآيَة.
(وَلَا سَخَّاب)السَّخَب وَيُقَال فِيهِ الصَّخَبُ بِالصَّادِ بَدَلَ السِّينِ:هُوَ رَفْع الصَّوْتِ بِالْخِصَامِ.
(وَلَا يَدْفَع السَّيِّئَة بِالسَّيِّئَةِ)هُوَ مِثْل قَوْله تَعَالَى:( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ).
(وَلَنْ يَقْبِضه) أَيْ يُمِيته.
(حَتَّى يُقِيم بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ) أَيْ مِلَّةَ الْعَرَبِ ، وَوَصَفَهَا بِالْعِوَجِ لِمَا دَخَلَ فِيهَا مِنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، وَالْـمُرَاد بِإِقَامَتِهَا أَنْ يَخْرُجَ أَهْلُهَا مِنْ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ ويَنْفِيَ الشِّرْك وَيُثْبِت التَّوْحِيد.
قَوْله:(فَيَفْتَح بِهَا) أَيْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيد (أَعْيُنًا عُمْيًا) أَيْ عَنْ الْحَقّ.
وَقَوْله:(وَقُلُوبًا غُلْفًا)أَي مُغَشَّاة مغطاة.وقيل:لا تفقه.
وقيل:عليها غشاوة.وقيل:عليها غلاف ، وهو الغطاء.
صَلّى عليكَ اللهُ يا خــيرَ الورَى ما حنَّ مشتاقٌ إلي رؤْيَاكَا
وعلى صحابتِك الكرامِ جميعِهِم والتابعينَ وكُلِّ مَن وَالاكَا
* قال الحسن البصري /:«إن المؤمنَ رُزِقَ حلاوةً ومهابة».
يعني يُحَب ويُهَاب ويُجَلّ بها ، ألبسه الله ـ من ثوب الإيمان المقتضي لذلك ، ولهذا لم يكن بشرٌ أحبَّ إلى بشرٍ ولا أهيب وأجَلَّ في صدره من رسول الله ص في صدر الصحابة ي.
قَالَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ ت:« مَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ ص وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ ؛ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ » (رواه مسلم).
فلما كان رسول الله ص مشتملًا على ما يقتضي أن يحمد مرة بعد مرة سمي محمدًا ، وهو اسم موافق لمسماه ، ولفظ مطابق لمعناه.
ذكر إبراهيم خليل الرحمن ؛:
جعل الله ـ إبراهيم الأب الثالث للعالم ، فإن أبانا الأول آدم ، والأب الثاني نوح ، وأهل الأرض كلهم من ذريته ، كما قال تعالى:(وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) (الصافات:77).والأب الثالث إمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلًا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته ، ذاك خليل الرحمن.
ولم يأمر الله رسوله ص أن يتبع ملة أحد من الأنبياء غيره ، فقال تعالى:( ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْـمُشْرِكِين) (النحل:123) ، وأمر أمَّتَه بذلك فقال تعالى:(وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْـمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ ) (الحج:78).
وكان رسول الله ص يوصي أصحابه ي إذا أصبحوا أن يقولوا:« أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَعَلَى كَلِمَةِ الْإِخْلَاصِ ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ص ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْـمُشْرِكِينَ ».(صحيح رواه الدارمي وغيره).
وسماه الله ـ إبراهيم:إمامًا وأمة ، وقانتًا ، وحنيفًا.وقال تعالى:(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(البقرة:124) ، فأخبر سبحانه أنه جعله إمامًا للناس ، وأن الظالم من ذريته لا ينال رتبة الإمامة ، والظالم هو المشرك ، وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به.
وقال تعالى:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْـمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَآَتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) (النحل:120-121).
فالأمَّة:هو القدوة المعلم للخير ، والقانت:المطيع لله الملازم لطاعته ، والحنيف المقبل على الله ، المعرض عما سواه.
وكان خير بَنِيه ـ سيد ولد آدم محمد ص ـ يُجِلّه ويعظمه ويبجله ويحترمه ؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ص فَقَالَ:يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ الله ص:« ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ ؛».(رواه مسلم).
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بعَنْ النَّبِيِّ ص قَالَ:« إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا» ، ثُمَّ قَرَأَ ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) ، وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ » (رواه البخاري).(غُرْلًا):غَيْر مَخْتُونِينَ.
وكان رسول الله ص أشبه الخلق بإبراهيم ؛ ، كما في الصحيحين عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ الله ص قَالَ:«رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ ـ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ـ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ » يَعْنِي نَفْسَهُ».
وكان ص يُعَوِّذ أولاد ابنته:حَسَنًا وحُسَيْنًا ب بتعويذ إبراهيم لإسماعيل وإسحاق † ؛ ففي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ب قَالَ:كَانَ النَّبِيُّ ص يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ:«إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ:أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ »
(إِنَّ أَبَاكُمَا) يُرِيد إِبْرَاهِيم ؛.
(بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ) الْـمُرَاد بِالتَّامَّةِ:الْكَامِلَة ، وَقِيلَ:النَّافِعَة ، وَقِيلَ:الشَّافِيَة ، وَقِيلَ:الْـمُبَارَكَة ، وَقِيلَ:الْقَاضِيَة الَّتِي تَمْضِي وَتَسْتَمِرّ وَلَا يَرُدّهَا شَيْء وَلَا يَدْخُلهَا نَقْص وَلَا عَيْب.
وكَانَ الْإِمَامُ أَحْمَد / يَسْتَدِلّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ كَلَام اللهِ غَيْر مَخْلُوق ، وَيَحْتَجّ بِأَنَّ النَّبِيّ ص لَا يَسْتَعِيذ بِمَخْلُوقٍ.
( مِنْ كُلّ شَيْطَان ) يَدْخُل تَحْته شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ.
( وَهَامَّة ) وَاحِدَة الْـهَوَامّ ذَوَات السَّمُوم ، وَقِيلَ:كُلّ مَا لَهُ سُمٌّ يَقْتُل ، وَقِيلَ:الْـمُرَاد كُلّ نَسَمَة تَهُمُّ بِسُوءٍ.
قَوْلُهُ:(وَمِنْ كُلّ عَيْن لَامَّة)قَالَ الْخَطَّابِيُّ:الْـمُرَاد بِهِ كُلّ دَاء وَآفَة تُلِمّ بِالْإِنْسَانِ مِنْ جُنُون وَخَبَل.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تقال:(حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ ؛حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ ص حِينَ قَالُوا:( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (رواه البخاري).
معنى قول:اللَّهم بارك على محمّد وعلى آل محمّد:
البركة:النماء والزيادة.والتبريك:الدعاء بذلك.ويقال:باركه الله وبارك فيه ، وبارك عليه ، وبارك له.
وفي القرآن الكريم:(وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاق)(الصافات:113) ، وفيه:(وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) (الأنبياء:71).
وقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ ب:عَلَّمَنِي رَسُولُ الله ص كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ:« اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ».(صحيح رواه أصحاب السنن).
والْـمُبَارَك:الذي قد بارَكه الله سبحانه ، كما قال المسيح ؛:( قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا)(مريم:30-31).
وكتاب الله مبارَك ، قال تعالى:( وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ) (الأنبياء:50) ، وقال:(كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص:29) ، وهو أحق أن يسمى مباركا من كل شيء ؛ لكثرة خيره ومنافعه ، ووجوه البركة فيه.
والرب تعالي يقال في حقه:« تبارك » ، ولا يقال:مبارك.
وقال الحسن:«تبارك»:تجيء البركة من قِبَله.
وقال الضحاك:تبارك:تعاظم.وقال الخليل بن أحمد:تمجد.
وقال الحسين بن الفضل:تبارك في ذاته ، وبارك فيمن شاء من خلقه.
قال الإمام ابن القيم:وهذا أحسن الأقوال.
ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله ـ ، ولا تتصرف هذه اللفظة في لغة العرب ، لا يستعمل منها مضارع ولا أمر.
وقول:« وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ »:هذا الدعاء يتضمن إعطاءه من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم ، وإدامته وثبوته له ، ومضاعفته له وزيادته ، هذا حقيقة البركة.
وقد قال تعالى في إبراهيم وآله:( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) (الصافات:112-113) ، وقال تعالى فيه وفي أهل بيته:( قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) (هود:73).
وتأمل كيف جاء في القرآن:( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ) (الصافات:113) ولم يذكر إسماعيل ؛ إيذانًا بما حصل لبَنِيهِ من الخير والبركة ، لا سيما خاتمة بركتهم وأعظمها وأجلها برسول الله ص ، فنبهَهُم بذلك على ما يكون في بنيه من هذه البركة العظيمة الموافية على لسان المبارك ص.
اختتام الصلاة على النبيص باسْمَيْن من أسماء الرب ـ وهما:الحميد والمجيد:
وذكر هذين الاسمين:الحميد والمجيد عقب الصلاة على النبي ص مطابق لقوله تعالى:( رَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ )(هود:73).
ولما كانت الصلاة على النبي ص ـ وهي ثناء الله تعالى عليه وتكريمه والتنويه به ، ورفع ذكره ، وزيادة حبه وتقريبه ـ كانت مشتملة على الحمد والمجد ، فكأن المصلي طلب من الله تعالى أن يزيد في حمده ومجده ، فإن الصلاة عليه هي نوع حمد له وتمجيد ، هذا حقيقتها ، فذكر في هذا المطلوب الاسمين المناسبين له ، وهما اسما الحميد والمجيد.
والداعي يُشرَع له أن يختم دعاءه باسم من الأسماء الحسنى مناسب لمطلوبه ، أو يفتتح دعاءه به ، وهذا من قوله ﻷ:( وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْـحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )
(الأعراف:180) ، وقال سليمان ؛ في دعائه:( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (ص:35) ، وقال الخليل وابنه إسماعيل إ في دعائهما:(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (البقرة:128).
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ تقَالَ:كَانَ يُعَدُّ لِرَسُولِ الله ص فِي الْـمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةُ مَرَّةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقُومَ:«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ» (صحيح رواه الترمذي)
وعَنْ عَائِشَةَ لقَالَتْ:قُلْتُ:يَا رَسُولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ:«قُولِي:اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» (صحيح رواه الترمذي).
ولما كان المطلوب للرسول ص حمدًا ومجدًا بصلاة الله عليه ، ختم هذا السؤال باسمي الحميد والمجيد.
وأيضًا فإنه لما كان المطلوب للرسول ص حمدًا ومجدًا ، وكان ذلك حاصلًا له ، ختم ذلك بالإخبار عن ثبوت هذين الوصفين للرب ـ بطريق الأولى ، وكل كمال في العبد غير مستلزم للنقص ، فالرب أحق به.
وأيضًا فإنه لما طلب للرسول ص حمدًا ومجدًا بالصلاة عليه ـ وذلك يستلزم الثناء عليه ـ خُتم هذا المطلوب بالثناء على مُرسِله ﻷ بالحمد والمجد ، فيكون هذا الدعاء متضمنًا لطلب الحمد والمجد للرسول ص ، والإخبار عن ثبوته للرب ـ.
ساحة النقاش