إهداء
إلى أخي في الله. ... حفظه الله ورعاه
وقع في نفسي أن أقدم هذا الكتيب وما فيه من فوائد ومنافع إليك يا أخي - كباقة زهر يانعة - لتكون ممن حالفهم الحظ بأن تبث شذا عطرها الفواح بإذن الله عليك وعلى من وقع بيده من أحبتنا المسلمين كافة.
محبك في الله

* * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد قرأت الكتيب الذي جمعه وأعده الأخ محمد بن عبد الرحمن العريفي، فوجدته كتيبًا جميلاً جمع فيه مؤلفه قصصًا جميلة ومفيدة فيها من العبر والدروس الشيء الكثير، ولولا صدق من نقل إلينا هذه الأخبار لقلنا في بعضها أنها ضرب من الخيال، لكنه الإسلام الذي يصنع من البشر غير البشر، ويرفعهم إلى قمم عالية ليكونوا قدوة للأجيال المتعاقبة، ولا يزال في الأمة خير كثير.
ولعل بطَرْق هذه الأمثلة ونشر هذه القصص بين شباب الأمة أن يوقظ فيهم الهمم ويبني فيهم العمل لخدمة هذا الدين.
فأسأل الله أن يثيب أخينا محمد على قيامه ببعض الدور في ذلك من خلال ما جمعه في هذا الكتيب النافع، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ناصر الأحمد
إمام وخطيب جامع النور بالخبر
* * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد: فإن من أعظم أساليب رفع الهمم ذكر القصص وضرب الأمثال، وهذا هو المنهج الرباني القرآني، قال الله تعالى: ?وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ? فالقصة سبب من أسباب الثبات على منهج رب البريات. ولقد ساق كاتبنا في هذا الكتيب الجميل قصصًا وأخبارًا من أخبار الرجال الذين غيَّروا المجتمعات، وأخرجوها من الظلمات إلى النور بإذن ربهم، ولقد وجدت في هذه القصص والأخبار أثرًا جميلاً على نفسي والذي أظن أنه سيكون على نفس كل من قرأ هذه الأخبار.
فأسأل الله أن يحيى بهذه الأخبار شبابنا وفتياتنا، وأن يثيب الكاتب خير الجزاء، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
خالد بن محمد الراشد
إمام وخطيب
جامع فهد بن مفلح السبيعي بالثقبة

مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف الخلق أجمعين محمد بن عبد الله عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:
يقول الله تعالى: ?لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ? ولكن لماذا؟ لنتأسى بهم ونسير على نهجهم.
فالعظمة الباهرة التي نراها على هذه الصفحات لأولئك الرجال الأبطال ليست أساطير!! وإن بدت من فرط إعجازها كالأساطير!!.
ففي هذه الصفحات نرى مواقف مشرفة،ـ وبطولات نادرة في أغلب الجوانب: في الثبات... وفي الصبر.. وفي التربية... وفي اليقين بالله.. وغير ذلك.
وقد آثرتُ أن أكتفي بكتابة عبرة واحدة مختصرة قصيرة وأترك استنتاج باقي العبر لك أخي القارئ الكريم.
والله أسأل أن ينفع بهذه الصفحات لعلها تصلح قلوبنا وتشحذ هممنا، إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.
كتبه
محمد بن عبد الرحمن بن عبد اللطيف
* عند وجود أي ملاحظة أو اقتراح على الكتاب يُرجى مراسلتي على البريد الإلكتروني: [email protected]

مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد منَّ الباري تبارك وتعالى علي بطباعة هذا الكتيب «بطولات هزت الجبال» الطبعة الثانية وما ذاك إلا بتوفيق الله جل وعلا فله الحمد أولاً وأخيرًا.. وفي هذه الطبعة الجديدة قمت بعمل بعض الإضافات والصفحات الجديدة ولعلي أختصرها في النقاط التالية:
1- رسالة «إهداء» في بداية الكتاب... حيث يمكن للأخ الكريم إهداء الكتاب لمن أراد من إخوانه مع كتابة اسمه واسم المهدى إليه.
2- إضافتان بطوليتان جديدتان بعنوان «ذهب من عند الله؟!» والأخرى بعنوان «لؤلؤة في جوف سمكة؟!».
3- وضع قسم جديد تحت مسمى «كم من الدرر حصدت؟».. يحتوي على بعض الأسئلة التي تمكن القارئ الكريم من معرفة مدى استيعابه لما قرأه وأيضًا لكي يُستفاد منه في عمل المسابقات في المدارس والمساجد ونحوها من خلال هذه الأسئلة.
4- وضع بعض الأبيات الجميلة في آخر الكتاب بعنوان «هؤلاء قدوتنا» من كتاب «المشتاقون إلى الجنة».
يُرمى بسهم فلا يقطع صلاته
البطل: عباد بن بشر ?.
البطولة: قيام الليل.
تفاصيل البطولة:
بعد أن فرغ رسول الله ? من غزوة ذات الرقاع نزل مع أصحابه مكانًا يبيتون فيه واختار رسول الله ? نفرًا من أصحابه يتناوبون الحراسة بالليل، وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة.
ورأى عباد صاحبه عمارًا مُجهدًا فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه قسطًا من الراحة تمكنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو.
ورأى عباد أن المكان من حوله آمن فلِمَ لا يشغل وقته بالصلاة إذن؟ فيذهب بثوابها مع ثواب الحراسة؟ وقام يصلي.
وبينما هو قائم في صلاته.. في ظلمة الليل.. يقرأ بعد فاتحة الكتاب سورة من القرآن الكريم.. إذ بسهم قادم من بعيد يخترف عضده - ساعده - ويسيل دمه.. فما تظنون أنه فعل؟!.. لقد نزع السهم وأكمل صلاته!!.. وكأن شيئًا لم يكن.. فظن ذلك المشرك أن السهم لم يصبه... فأخذ سهمًا آخر من كنانته وصوب نحوه.. ثم رمى السهم فاستقر في عضدة مرة أخرى.. فأخذ الدم ينزف بغزارة.. حينئذ أنهى عباد تلاوته للسورة... ثم ركع.. ثم سجد وكانت قواه قد بددتها الآلام والإعياء.. فمد يمينه وهو ساجد إلى صاحب عمار النائم بجواره.. وظل يهزه حتى استيقظ... ثم قام من سجوده وتلا التشهد وانتهى من صلاته.. واستيقظ عمار ? على كلماته المتعبة تقول له: «قم للحراسة مكاني فقد أُصبت».
ووثب عمار محدثًا ضجة وهرولة أخافت المتسللين ففروا، ثم التفت إلى صاحبه عباد الذي قال كلمات سطرها التاريخ قال: «كنت في صلاتي أتلو آيات من القرآن ملأت نفسي روعة.. فلم أحب أن أقطعها.. ووالله لولا أن أضيع ثغرًا أمرني رسول الله ? بحفظه لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها»!!.
* العبرة المنتقاة:
أن من دخل الصلاة بقلب خاشع منكسر ذليل مستشعرًا عظمة من يقف بين يديه فإن جميع ما كان دون ذلك يهون عليه. حيث إن: عباد بن بشر رُمي بسهم وهو في صلاته فما التفت إلى ذلك ولولا خوفه على المسلمين لقُتل قبل أن يكمل صلاته.( )
* * * *

ساقه في الزيت وقلبه مع الله
البطل: عروة بن الزبير رحمه الله.
البطولة: الصبر على قضاء الله وقدره.
تفاصيل البطولة:
في عهد الخليفة الوليد بن عبد الملك طلب الخليفة من عروة زيارته في دمشق مقر الخلافة الأموية آنذاك، فتجهز عروة للسفر وأخذ أحد أولاده معه وتوجه إلى الشام، وفي الطريق أصيب بمرض في رجله وأخذ المرض يشتد عليه ويشتد حتى أنه دخل دمشق محمولاً بعد أن لم تعد لديه القدرة على المشي.
انزعج الخليفة حينما رأى ضيفه يدخل عليه بهذه الصورة.. فجمع له أمهر الأطباء لمعالجته، فاجتمع الأطباء وقرروا أن به مرض الأكل (تسمى في هذا العصر: الغرغرينا) وليس هناك من علاج إلى بتر رجله من الساق.
فحزن لذلك الخليفة واغتم ولسان حاله يقول: (كيف يخرج ضيفي من عند أهله بصحة وعافية وأعيده لهم أعرج؟) ولكن الأطباء أكدوا أنه لا علاج له إلا ذلك وإلا سرت إلى جسمه وقتله... فأخبر الخليفة عروة بقرار الأطباء.. فماذا تعتقدونه فعل؟ أجزع؟ أشق ثيابه؟ ألطم خدوده؟ كلا والله، بل إنه لم يزد على أن قال: (اللهم لك الحمد).
فاجتمع الأطباء على عروة وقالوا له: اشرب كأسًا من الخمر حتى تفقد شعورك.. فأبى مستنكرًا ذلك وقال: كيف أشربها وقد حرمها الله في كتابه؟! ولكن دعوني أصلي فإذا سجدت فشأنكم وتما تريدون.
فقام يصلي وتركوه حتى سجد.. فكشفوا عن ساقه ثم قطعوها وفصلوها عن جسده وهو ساجد لم يحرك ساكنًا وكان الدم ينزف بغزارة فأحضروا زيتًا مغليًا وسكبوه على ساقه ليقف النزيف.. فلم يحتمل عروة حرارة الزيت فأغمي عليه.
وفي هذه الأثناء أتى الخبر من خارج القصر أن ابن عورة كان في اسطبل الخليفة يشاهد الخيول.. فرفسه أحد الخيول فقضى عليه.
فاغتم الخليفة من هذه الأحداث المتتابعة على ضيفه، واحتار كيف يوصل له الخبر المؤلم عن موت أحب أبنائه إليه... فلما أفاق عروة، اقترب منه الخليفة وقال له: أحسن الله عزاءك في ابنك، وأحسن الله عزائك في رِجلك.
فقال عروة كلمات سطرها التاريخ... بل كلمات حق لها أن تُكتب بمداد من ذهب قال: (اللهم لك الحمد، وإنا لله وإنا إليه راجعون.. أعطاني سبعة أبناء وأخذ واحدًا، وأعطاني أربعة أطراف وأخذ واحدًا، وإن ابتلى فطالما عافى، وإن أخذ فطالما أعطى.. فله الحمد على ذلك كثيرًا).
ثم قدموا له قدمه المبتورة فقال: (إن الله عز وجل يعلم أني ما مشيت بك إلى معصية قط وأنا أعلم).
* العبرة المنتقاة:
إن المؤمن بالله عز وجل إذا أتته المصائب والمحن فلا تزيده إلا إيمانًا بالله ويقينًا به وثباتًا على الحق.
حيث إن: عروة بن الزبير رحمه الله ابتُلي بفقد أحد أبنائه، وأحد أطرافه، فلم يزد على أن قال: اللهم لك الحمد.
وصدق الله عز وجل حيث قال: ?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ? [البقرة: 155، 156].( )

* * * *
انكسرت سفينته فنجا على خشبة
البطل: القاضي محمد بن عبد الباقي البزاز رحمه الله.
البطولة: الأمانة والصدق مع الله.
تفاصيل البطولة:
يروي لنا القاضي محمد بن عبد الباقي بن محمد البزاز فيقول:
كنت مجاورًا لمكة المكرمة فأصابني يومًا من الأيام جوع شديد لم أجد ما أدفع به عني هذا الجوع، فوجدت كيسًا من إبريسم - نوع من الديباج - مشدودًا بشرابة من إبريسم أيضًا.. فأخذته وجئت به إلى بيتي، فحللتُه فوجدت فيه عقدًا من لؤلؤ لم أرَ مثله.
فخرجت فإذا بشيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول: (هذا لمن يرد علينا العقد الذي فيه اللؤلؤ) فقلت في نفسي: أنا محتاج وأنا جائع فآخذ هذا الذهب فأنتفعه به، وأرد عليه الكيس.
فقلت له: تعال إلي، فأخذته وجئت به إلى بيتي... فأعطاني علامة الكيس وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به، فأخرجته ودفعته إليه.. فسلم إلي خمسمائة دينار، فما أخذتها وقلت: يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء، إنما الجزاء من عند الله.. فقال لي: لابد. وألح علي كثيرًا فلم أقبل ذلك منه فتركني ومضى.
ثم إني خرجت من مكة وركبت البحر فانكسر المركب، وغرق الناس، وسلمت أنا على لوح من خشب فبقيتُ في البحر مدة لا أدري أين أذهب.
فوصلت إلى جزيرة فيها قوم فقعدت في المسجد فسمعوني أقرأ القرآن فلم يبقَ في تلك الجزيرة أحد إلا جاء إلي وقال: علمني القرآن. فحصل لي من أولئك القوم شيء كثير من المال.
ثم إني رأيت في المسجد أوراقًا من مصحف فأخذتها لأقرأ فيها وأكتبها فقالوا لي: تحسن الكتابة؟ قلت: نعم. فجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب فكنت أعلمهم، فحصل لي أيضًا من ذلك شيء كثير من المال.
فقالوا لي بعد ذلك: عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا - أي من المال والجمال - تريدك أن تتزوج بها، فامتنعتُ. فقالوا: لابد، فألزموني، فأجبتهم إلى ذلك، فلما زفوها إلي مددت عيني أنظر إليها.. فوجدت ذلك العقد معلقًا في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلى النظر إليه... فقالوا: يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد، ولم تنظر إليها!.
فقصصت عليهم قصة العقد، فصاحوا وصرخوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة، فقلت: ما بكم؟ فقالوا: ذلك الشيخ الذي أخذ منك هذا العقد هو والد هذه الصبية وكان يقول: (ما وجدت في هذه الدنيا مسلمًا كهذا الذي رد علي هذا العقد)، وكان يدعو ويقول: (اللهم اجمع بيني وبينه حتى أوزوجه ابنتي) والآن قد حصل ما أراد.
فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين، ثم إنها ماتت بعد ذلك، فورثت العقد أنا وولداي، ثم مات الولدان فحصل العقد لي، فبعته بمائة ألف دينار.. وهذا المال الذي ترونه معي من بقايا ذلك المال.
* العبرة المنتقاة:
أن من صنع معروفًا طالبًا الأجر من الله لا من الناس فإن الله عز وجل لن يضيعه أبدًا بل سيكون معه دائما بتأييده ونصرته.
حيث إن: القاضي محمد البزاز أعاد ذلك العقد لصاحبه ورفض أخذ مقابل على ذلك.. فعوضه الله عز وجل بأن أصبح ذلك العقد كله له.
وقد ورد في الأثر: «من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه».( )

* * * *
يصدع بالقرآن فيدمى وجهه
البطل: عبد الله بن مسعود ?.
البطولة: الجهر بالحق.
تفاصيل البطولة:
عن الزبير بن العوام ? قال: كان أول من جهر بالقرآن الكريم بمكة بعد رسول الله ? عبد الله بن مسعود ?.
وذات يوم اجتمع أصحاب الرسول ? فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر به قط فمن منكم رجل يسمعهم؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا. فقالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن أرادوه. فقال: دعوني، فإن الله سيمنعني.
فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام فقال رافعًا صوته: بسم الله الرحمن الرحيم ?الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ?.
فاستقبلهم وقرأ بها.. فتأملوا برهة ثم قالوا: ماذا يقول ابن أم عبد؟ فقالوا: إنه يتلو بعض ما جاء به محمد. فقاموا يضربونه في وجهه والدماء تسيل منه وهو يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.. ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه حينما رأوا الدماء تسيل منه... فقالوا: (هذا الذي خشينا عليك منهم).
فقال ? كلمات سطرها التاريخ: (ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن.. ولئن شئتم غاديتهم بمثلها غدًا).
أي إيمان هذا؟! أي يقين هذا؟! أي ثبات هذا؟!
فقالوا له: (حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون).
* العبرة المنتقاة:
إن الداعية إلى الله عز وجل سوف يلقى الأذى في سبيل دعوته ولكن الواجب عليه أن يتحلَّى بالصبر، وأن لا يضعف ولا يتخاذل لأن الحق معه، ولأنه ماضٍ على الطريق الصحيح.
حيث إن: عبد الله بن مسعود ? يجهر بالقرآن أمام قريش فيضربونه ويؤذونه ثم يذهب لأصحابه ويقول: لئن شئتم غاديتهم بمثلها غدًا ( ).

* * * *
يُرمى في النار فلا تضره
البطل: أبو مسلم الخولاني رحمه الله.
البطولة: اليقين بالله عز وجل.
تفاصيل البطولة:
ادَّعى الأسود العنسي النبوة باليمن والتف حوله جمعٌ كبير من الناس، فقام وذبح من المسلمين من ذبح، وأحرق منهم من أحرق، وطرد منهم من طرد، وفرَّ الناس بدينهم، عذب من الدعاة من عذب، وكان من هؤلاء أبو مسلم الخولاني رحمه الله، حاول أن يثنيه عن دينه قال: كلا والذي فطرني لن أرجع عنه فاقض ما أنت قاض، إنما تقضي هذه الحياة الدنيا.. فما كان منه حينئذ إلا أن جمع الناس وقال لهم: إن كان داعيتكم على حق فسينجيه الحق، وإن كان على غير ذلك فسترون.
فأمر بنار عظيمة فأضرمت ثم جاء بأبي مسلم الخولاني رحمه الله فربط يديه ورجليه ووضعوه في مقلاع ثم رموه في ألسنة النار ولظاها التي كان يقال عنها أن الطير كان يمر فوقها فيسقط فيها من عِظَم ألسنة لهبها، وأبو مسلم بين السماء والأرض لم يذكر إلا الله جل وعلا وكان يقول: ?حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ? فيسقط في وسط النار، وانتظر الناس والنار تخبو شيئًا فشيئًا... وإذا بأبي مسلم قد فكت النار وثاقه، وثيابه لم تحترق... رجله حافيتان يمشي بهما على الجمر ويتبسم.. ذُهل الطاغية فخاف أن يسلم من بقي من الناس فقام يهددهم ويتوعدهم.
أما أبو مسلم فانطلق إلى المدينة إلى أصحاب رسول الله ? في خلاف أبي بكر ?، فيصل إلى المسجد ويصلي ركعتين فيسمع عمر ? بخبره فينطلق إليه ويقول له: أأنت أبو مسلم؟ فيقول: نعم. فيعتنقه ويبكي ويقول: الحمد لله الذي أراني في أمة محمد ? من فعل به كما فُعل بإبراهيم الخليل ?.
* العبرة المنتقاة:
أن من حفظ الله عز وجل في الرخاء بفعل أوامر واجتناب نواهيه... حفظه الله عز وجل في الشدة.
حيث إن: أبا مسلم الخولاني رحمه الله يُرمى في النار فلا تضره وذلك كله بسبب حفظ الله جل وعلا له.
وصدق الله تعالى حيث قال: ?الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ? [آل عمران: 173، 174].( )

* * * *

قتل سبعة ثم قتلوه
البطل: جليبيب وامرأته رضي الله عنهما.
البطولة: المبادرة إلى طاعة الله ورسوله ?.
تفاصيل البطولة:
عن أبي برزة ? أن جليبيبًا كان امرأً من الأنصار وكان رجلاً دميمًا في خلقته، وكان أصحاب النبي ? إذا كان لأحدهم ابنة لم يزوجها حتى يعلم النبي ? هل له فيها حاجة أم لا؟
فقال رسول الله ? ذات يوم لرجل من الأنصار: «يا فلان زوجني ابنتك». قال: نعمة ونعمة عين. قال: «إني لست لنفسي أريدها». قال: لمن؟ قال: «لجليبيب». قال: يا رسول الله حتى أستأمر أمها.
فأتاها وقال: إن رسول الله ? يخطب ابنتك. قالت: نعم ونعمة عين زوج رسول الله ?. قال: إنه ليس لنفسه يريدها. قالت: لمن؟ قال: لجليبيب. قالت: لجليبيب؟! لا لعمر الله لا أزوج جليبيبًا.
فلما قام أبوها ليأتي النبي ? قالت الفتاة من خدرها لأبويها: من خطبني إليكما؟ قالا: رسول الله ?. فقالت: أفتردان على رسول الله ? أمره؟! ادفعوني إلى رسول الله ? فإنه لن يضيعني.
فذهب أبوها إلى النبي ? فقال له: شأنك بها (أي أنه وافق على تزويج ابنته لجليبيب) فزوجها رسول الله ? جليبيبًا، ودعا لها بقوله: «اللهم صب عليها الخير صبًا صبًا، ولا تجعل عيشها كدًا كدًا» فكان الرزق يأتيها وهي لا تعلم من أين جاء.
قال ثابت: فلم تمض مدة يسيرة حتى نادى المنادي: حي على الجهاد، فلبى جليبيب النداء وخرج للجهاد.
وبعد انتهاء المعركة أخذ النبي ? يقول: هل تفقدون من أحد؟ قالوا: نفقد فلانًا ونفقد فلانًا. فقال مرة أخرى: «هل تفقدون من أحد؟» قالوا: لا؟ فقال: «لكني أفقد أخي جليبيبا، فاطلبوه في القتلى». فوجدوه إلى جنب سبعة من المشركين قد قتلهم ثم قتلوه.
فأخذه النبي ? على ذراعيه وقال: «هذا مني وأنا منه، قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه» ثم حفروا له، وما له من سرير إلا ساعدي رسول الله ? فوضعه في قبره ثم واراه بالتراب.. فرحم الله جليبيبًا، ورحم الله امرأة جليبيب.
* العبرة المنتقاة:
من صفات المؤمنين بالله عز وجل سرعة استجابتهم لأوامر الله ورسوله بدون تردد وبدون تشاور.
حيث إن تلك الفتاة عندما طلب منها رسول الله ? أن تتزوج من جليبيب وأخذ والداها يتشاوران ويترددان في ذلك... خرجت إليهم قائلة: (أتردان على رسول الله أمره؟).
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه: ?وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ? [الأحزاب: 36].( )

تنفق ثلاثين ألفًا على العلم
البطل: أم ربيعة رحمها الله.
البطولة: في التربية.
تفاصيل البطولة:
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز بالإسناد، عن مشيخة أهل المدينة، أن فروخًا أبا ربيعة بن أبي عبد الرحمن خرج في البعوث إلى خراسان غازيًا، وربيعة في بطن أمه لم يولد بعد، وترك فروخ عند زوجته أم ربيعة ثلاثين ألف دينار.
فقدم المدينة بعد سبع وعشرين سنة، وهو راكب فرسًا، وفي يده رمح فنزل عن فرسه، ثم دفع الباب برمحه فخرج ربيعة فقال له: يا عدو الله، أتهجم على منزلي؟ فقال: لا. وقال فروخ - والد ربيعة -: أنت رجل دخلت على حرمي وبيتي فتواثبا.. وتلبب كل واحد منهما بصاحبه حتى اجتمع الجيران.
فبلغ مالك بن أنس والمشيخة فأتوا لينظروا في الأمر، فجعل ربيعة يقول: والله لا أفارقك إلى عند السلطان. وجعل فروخ يقول: والله لا أفارقك إلا عند السلطان، وأنت مع امرأتي. وكثر الضجيج فلما بصروا بمالك سكت الناس كلهم فقال مالك: أيها الشيخ لك سعة في غير هذه الدار - أي أن هذه الدار ليست لك -. فقال الشيخ: هي داري، وأنا فروخ مولى بني فلان، فسمعت امرأته كلامه فخرجت فقال: هذا زوجي، وهذا ابنه الذي تركه وأنا حامل به. فاعتنقا جميعًا وبكيًا، فدخل فروخ المنزل، فقال لامرأته: هذا ابني؟ قالت: نعم. قال: فأخرجي المال الذي عندك، وهذا معي أربع آلاف دينار. فقالت: المال قد دفنته وأنا أخرجه بعد أيام.
فخرج ربيعة إلى المسجد وجلس في حلقته وأتاه مالك بن أنس وابن أبي علي اللهبي والمساحقي وأشراف المدينة، وأحدق الناس به، فقالت امرأته: اخرج فصل في مسجد رسول الله ?. فخرج فنظر إلى حلقة كبيرة يجتمع فيها عدد كبير من الناس، فأتاه فوقف عليه ففرجوا له قليلاً، ونكس ربيعة رأسه يوهمه أنه لم يره. فقال: من هذا الرجل؟ فقالوا: ربيعة بن أبي عبد الرحمن - أبو عبد الرحمن هو عينه فروخ - فقال فروخ: لقد رفع الله ابني. فرجع إلى منزله.. وقال لامرأته: لقد رأيت ولدك في حالة ما رأيت أحدًا من أهل الفقه والعلم عليها. فقالت أمه: فأيما أحب إليك ثلاثون ألف دينار أو هذا الذي رأيته؟ قال: لا والله إلا هذا. قالت: فإني أنفقت المال كله عليه. قال: فوالله ما ضيعته.
* العبرة المنتقاة:
احرص على تربية ابنك على طلب العلم وأنفق على ذلك المال الكثير، فإن هذا هو الاستثمار الأمثل للمال.
حيث إن: أم ربيعة أنفقت كل مالها على ابنها ليتعلم ويتفقه في دين الله فأثمر ذلك المال بأن أصبح ابنها عالمًا يُشار إليه بالبنان. ( )
* * *

يبيع بستانه بنخلة
البطل: أبو الدحداح ?.
البطولة: المبادرة إلى الخيرات.
تفاصيل البطولة:
عن أنس ? أن رجلاً أتى النبي ? فقال: يا رسول الله، إن لفلان نخلة وإني لا أستطيع أن أقيم حائطي إلا بها. فاطلب منه أن يعطيني إياها حتى أقيم حائطي - حائط البستان - فقال له النبي ?: «أعطه النخلة ولك بها نخلة في الجنة»، فأبى.
فقام أبو الدحداح وقال للنبي ?: يا رسول الله، هل لي نخلة في الجنة إذا اشتريت نخلته وأعيطتها هذا اليتيم؟ فقال له النبي ?: «لك ذلك». فما كان من أبي الدحداح ? إلا أن لحق بذلك الرحل وقال له: أتبيعني نخلتك ببستاني كله؟ - وكان له بستان به ستمائة نخلة - فقال الرجل: نعم. وباعه إياه.
ثم أتى النبي ? وقال له: يا رسول الله، إني قد بعت النخلة ببستاني كله فاجعلها بذلك الرجل ففرح النبي ? وقال: «كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة.. كم من عذق رداح لأبي الدحداح في الجنة..» قال: فأتى أبو الدحداح امرأته فقال: يا أم الدحداح، اخرجي من بستاني فقد بعته بنخلة في الجنة. فقالت رضي الله عنها: ربح البيع أبا الدحداح، ربح البيع.
ثم ذهبت إلى صبيانها تخرج ما في أفواههم من التمر وتخرج ما في أكمامهم وتقول: قد بعناه الله. ثم ترميه في البستان.
* العبرة المنتقاة:
من صفات المؤمن بالله عز وجل: أنه سباق إلى الخيرات، فلا يدع أي فرصة تفوته، فما إن يسمع عن أي باب من أبواب الخير إلا وتجده أول الطارقين له.
حيث إن: أبا الدحداح ? ما إن سمع من رسول الله ? أن نخلة في الجنة تُعطى لمن يعطي ذلك اليتيم النخلة بعد شرائها من ذلك الرجل إلا وقام مسرعًا واشتراها ببستانه كله.
يقول جل وعلا في كتابه العزيز: ?وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ?
[آل عمران: 133].( )
* * * *

يقطع جسده من أجل كلمة
البطل: حبيب بن زيد ?.
البطولة: الصبر.
تفاصيل البطولة:
أرسل النبي ? حبيب بن زيد بكتاب إلى مسيلمة الكذاب بعد أن ادعى النبوة، فلما جاء حبيب إلى مسيلمة قام مسيلمة بتقييد حبيب بالقيود والأغلال، مع العلم أن الرسل في عرف الناس لا يُفعل بها ذلك.
ثم أوقفه بين الجموع الكافرة ممن آمنوا بمسيلمة وقال له: أتشهد أن محمد رسول الله؟ فقال: نعم. فقال له: وتشهد أني رسول الله؟ فقال له مستهزئًا وساخرًا: إن في أذني صممًا عن سماع ما تقول.
فقال مسيلمة لجلاده اقطع قطعة من جسده فهوى الجلاد بكل فظاظة وغلظة على حبيب بسيفه وقطع قطعة من جسده وألقاها أمامه.
ثم عاد مسيلمة ليسأله: أتشهد أن محمدًا رسول الله؟ قال: نعم. فقال له: وتشهد أني رسول الله؟ فقال: إن في أذني صممًا عن سماع ما تقول.
فأمر أن تقطع قطعة أخرى من جسده.. وهكذا مضى مسيلمة يقطع حبيب ? قطعة قطعة، وحبيب ? لا يلوي على شيء، ثابت في إيمانه، صابر في سبيل ربه، حتى انفلق جسده إلى فلقتين، وكل ذلك في سبيل الله عز وجل.
فما زال الجلاد به يقطعه قطعة قطعة، حتى فاضت روحه إلى بارئها، وهو ثابت لم يتزحزح.
بعد ذلك وصل الخبر إلى أمه نسيبة المازنية فما تظنون أنها فعلت؟ أجزعت؟ أشقت ثيابها؟ ألطمت خدودها؟. لا والله، ما كان لقلب مِِلؤه الإيمان واليقين بالله عز وجل أن يفعل من ذلك شيئا، بل قالت: من أجل هذا أعددته. وعند الله احتسبته.
* العبرة المنتقاة:
إن من دخل الإيمان قلبه وذاق لذته فإنه لن يضعف بأي حال من الأحوال أمام أعدائه؛ لأن الله تعالى معه، يثبته في الحياة الدنيا إلى أن يلقاه يوم القيامة على إيمانه وثباته.
حيث إن حبيب بن زيد ?، لم يستجب لطلب مسيلمة حتى وهو يقطع قطعة قطعة.
وصدق الله جل وعلا إذ يقول: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ? [سورة إبراهيم: 27].( )
* * * *

لا وقت عنده لأكل التمر
البطل: عمير بن الحمام ?.
البطولة: الجهاد في سبيل الله.
تفاصيل البطولة:
عن أنس بن مالك ? قال: انطلق رسول الله ? وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى موضع عند بئر بدر.
فلما اقترب المشركون قام النبي ? وقال: «قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض»؛ فقال عمير: جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: «نعم» فقال عمير ?: بخٍ.. بخ.. فقال رسول الله ?: «ما حملك على قول: بخ بخ؟» قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها. قال: «فإنك من أهلها».
قال أنس: (فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن حُييت حتى آكل تمراتي هذه.. إنها لحياة طويلة). فرمى ما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل ? فكان هو أول قتيل قُتل من الأنصار في الإسلام.
* العبرة المنتقاة:
إن الدنيا في قلب المؤمن حقيرة لا تستحق منه أي اهتمام؛ لأنه يعلم أنها دار زوال لا دار قرار.
حيث إن: عمير بن الحمام ? ألقى تلك التمرات التي بيده لأنه إن أكلها فسوف تؤخره ثوان معدودة عن نيل مراده وهو الشهادة في سبيل الله.
قال تعالى: ?إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ? [التوبة: 111].( )

* * * *
يتوسد التراب لحديث واحد
البطل: عبد الله بن العباس ?.
البطولة: طلب العلم.
تفاصيل البطولة:
عن عكرمة عن ابن عباس ? قال: لما قبض رسول الله ? قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله ?، فإنهم اليوم كثير. فقال الرجل: واعجبًا لك يا ابن العباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله ? من فيهم؟ قال: فتركت قوله، وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله ? عن الحديث، فإن كان الحديث ليبلغني عن الرجل فآتي بابه وهو نائم وقت القيلولة فأتوسد التراب. فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله ? ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحق أن آتيك، فأسأل عن الحديث.
فعاش ذلك الفتى الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألونني، فيقول: (هذا الفتى كان أعقل مني).
وعن أبي صالح قال: لقد رأيت الناس قد اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحدهم يقدر أن يجيء ولا أن يذهب من ازدحام الناس. قال: فدخلت على ابن عباس فأخبرته بمكانهم على بابه، قال: فتوضأ وجلس، ثم قال: اخرج فقل لهم: من أراد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم أكثر مما سألوا عنه. ثم قال: إخوانكم. فخرجوا ليفسحوا الطريق لغيرهم.
ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم عنه وزادهم أكثر مما سألوا عنه.. ثم قال: إخوانكم. فخرجوا ليفسحوا الطريق لغيرهم.
ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل. قال: فخرجت فقلت لهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله. ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا.
ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض والمواريث وما أشبهها فليدخل. قال: فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوا عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله.. ثم قال: إخوانكم. قال: فخرجوا.
ثم قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر فليدخل. قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله.
قال أبو صالح: فلو أن قريشًا فخرت بذلك لكان ذلك لها فخرًا.
* العبرة المنتقاة:
اطلب العلم ولا تلتف لأقوال المثبطين بل سِر في ذلك الطريق متخطيًا العوائق، فإن ذلك هو سبيل الرفعة في الدنيا والآخرة.
حيث إن: عبد الله بن عباس ? لم يلتفت إلى قول ذلك الفتى الأنصاري؛ بل مضى في طلبه للعلم إلى أن أصبح في علمه بحرًا يصعب إدراكه.
وصدق الله عز وجل حيث يقول: ?يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ? [المجادلة: 11]. ( )

* * * *
يتمنى أن يُلقى في الزيت
البطل: عبد الله بن حذافة السهمي ?.
البطولة: في الثبات على دين الله.
تفاصيل البطولة:
قال أبو رافع: وجَّه عمر بن الخطاب ? جيشًا إلى الروم، فأسروا عبد الله بن حذافة ? فذهبوا به إلى ملكهم فقالوا: إن هذا من أصحاب محمد.
فأمر به ملكهم فحبسه في بيت ليس فيه إلا خمر ولحم خنزير ليأكله ويشرب منه وتركه ثلاثة أيام، فلم يفعل ? فأخرجوه من ذلك البيت حين خشوا موته، فقال: والله لقد أحله الله لي، ولكني كرهت أن أشمتكم بدين الإسلام.
فقال له ملكهم: هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي؟ قال: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد ? طرفة عين ما رجعت. قال: إذًا أقتلك. قال: أنت وذاك.
فأُمر به فصُلب وقال للرماة: ارموا قريبًا من بدنه. وهو يعرض عليه النصرانية فيأبى، فأنزلوه.
فدعا ملكهم بقِدْر فصب فيها زيتًا حتى احترق غليانًا، ودعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيها حتى طفت عظامه على الزيت، وهو يعرض على عبد الله بن حذافة النصرانية ويأبى، ثم أمر بآخر فألقي فيها فطفت عظامه على الزيت أيضًا.. وعبد الله بن حذافة ? يأبى، فلما هموا بإلقائه بكى ?.. فقيل للملك: إنه بكى. ففرح وظن أنه قد جزع، فقال: ردوه، فلما جاءه قال: ما أبكاك؟ قال: هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب فكنت أشتهي بأن يكون بعدد شعري أنفس تلقى كلها في النار في سبيل الله عز وجل. فقال له ملكهم: هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك؟ فقال له عبد الله: وعن جميع أسرى المسلمين؟ قال: نعم. فقبل رأسه وقدم بالأسرى على عمر بن الخطاب ? فأخبره بخبره، فقال عمر ?: حَقٌّ على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ به. فقبل رأسه.
* العبرة المنتقاة:
إن المؤمن بالله عز وجل إذا أتته المحن والفتن والابتلاءات فلا تزيده إلا ثباتًا على الحق فلا يتزلزل ولا يتقلب بل يكون كالجبل الأشم في ثباته على دينه وتمسكه به.
حيث إن: عبد الله بن حذافة ? يُؤسر ثم يحبس ثم تأتيه الفتن والمحن ليرتد ويرجع عن دينه فلا يرضخ لها بل يثبت في مكانه ثبات الأبطال.
وصدق الله عز وجل حيث يقول: ?يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ? [إبراهيم: 27].( )

يؤثر صاحبه وهو يحتضر
البطل: ابن عم حذيفة وهشام بن العاص.
البطولة: الإيثار.
تفاصيل البطولة:
قال أبو جهم بن حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك بعد انتهاء المعركة أطلب ابن عم لي ومعي قليل من الماء وإناء فقلت: إن كان به رمق سقيته من الماء ومسحت به وجهه، فإذا أنا أسمع صوتًا يقول: آه.. آه. فأتيته فإذا هو ابن عمي فقلت له: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، فإذا بصوت رجل آخر يقول: آه.. آه.. فأشار ابن عمي أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص فأتيته وقلت له: أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم.. فإذا بصوت رجل آخر يقول: آه آه... فأشار هشام أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو قد مات، ثم رجعت إلى هشام إذا هو قد مات، ثم أتيت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات!!.
* العبرة المنتقاة:
إن من أخلاق المؤمن الإيثار الذي هو تفضيل الغير على النفس حتى وإن كان في أشد الحاجة لذلك الشيء، وهذه هي الأخوة الحقَّة. قال تعالى: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ? [الحشر: 9].
حيث إن: هؤلاء الأبطال آثر كل واحد منهم الآخر في شربة الماء التي ربما كانت سببًا في حياته. ( )

صُلب فأخفى الله جثته
البطل: خبيب بن عدي ?.
البطولة: محبة رسول الله ? (صدق المحبة).
تفاصيل البطولة:
بعث النبي ? عشرة أعين من الصحابة وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت ?، فلما كانوا بين مكة وعسفان أحاط بهم مائة رجل رام - أي يحسن الرماية - من هذيل، فقالوا لهم - وكانوا قد التجأوا إلى جبل -: انزلوا، فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا.
فقال عاصم: (أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر... اللهم أخبر عنا نبيك). فرموهم بالنبل وقتلوا سبعة، منهم عاصم بن ثابت، وبقي ثلاثة وهم خبيب بن عدي، وزيد بن الدِّثنَّة، ورجل آخر.
فنزلوا فاقترب الرماة فأطلقوا قِسيهم وربطوهما بها، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر. فقرر أن يموت حيث مات أصحابه، واستشهد حيث أراد.
وانطلقوا بخبيب وزيد رضي الله عنهما وباعوهما بمكة، فابتاع بنو الحارث بن عامر خبيبًا (وكان خبيب قد قتل الحارث بن عامر في بدر) فحبسوه في بيت إحدى بنات الحارث، فدخلت عليه يومًا فوجدته يأكل قطفًا من عنب في يده، وإنه لموثق بالحديد وما بمكة كلها ثمرة عنب وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا.. ثم بعد ذلك خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل - موضع بمكة - فقال لهم خبيب: دعوني أصلي ركعتين لله عز وجل قبل أن تقتلوني.. فأذنوا له وتركوه فركع ركعتين ثم قال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت. ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تبق منهم أحدًا. ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أقتل مسلمًا

على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع
ولقد أعدوا من جذوع النخل صليبًا كبيرًا ثبتوا فوقه خبيبًا، وشدوا فوق أطرافه وثاقه.
وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: أتحب أن محمدًا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك؟ فرد عليه خبيب ? بكلمات سطرها التاريخ قائلاً: والله ما أحب أني في أهلي وولدي، ويُشاك رسول الله ? بشوكة.
ما هذه الكلمات؟! وما هذا الحب؟! وما هذا التفاني والإخلاص؟!.
إنها لبطولة لا يصنعها إلا الإيمان بالله عز وجل.
ثم قام عقبة بن الحارث فأدخل الرمح في صدره فقتله فعلم النبي ? بذلك فأرسل عمرو بن أمية عينًا إلى قريش لينظر ما حل بأصحابه، يقول عمرو: فجئت إلى خشبة خبيب ? وأنا أتخوف العيون، فرقيت فيها وحللت خبيبًا من جذع النخلة التي علق فيها فوقع على الأرض، فخفت أن يراني أحد فابتعدت عنه غير بعيد ثم التفتُ، فلم أرَ خبيبًا وكأنما ابتلعته الأرض فلم يُرى لخبيب أثر حتى الساعة.
* العبرة المنتقاة:
أحب الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله ? حبًا تمكن من قلوبهم، فأصبحوا لا يتمنون لرسول الله ? أدنى وأصغر نوع من الأذى ولو كان ذلك مقابل حياتهم وهذا ما ينبغي أن نسير عليه.
حيث إن: خبيب بن عدي ? تأسره قريش ثم تصلبه وتسأله هل يتمنى أن رسول الله ? مكانه وأنه في أهله وماله فيجيبهم بالنفي الشديد. ( )

* * * *
يحطم كبرياء رستم
البطل: ربعي بن عامر ?.
البطولة: في العزة.
تفاصيل البطولة:
في غزوة القادسية أرسل رستم قائد الروم إلى سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين أن ابعث إلينا رجلاً نكلمه ويكلمنا، فأرسل سعد ربعي بن عامر إليهم.
فدخل ربعي عليهم وقد زين رستم مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابي المبثوثة وأظهر اليواقيت والوسائد المنسوجة بالذهب والزينة العظيمة وغير ذلك من الأمتعة الثمينة.. وعليه تاج من الذهب ويجلس على سرير من الذهب.
فدخل عليه ربعي بثياب صفيقة ومعه سلاحه وسيفه الذي وضعه في خرقة وترس وفرس قصيرة .. ولم يزل راكبًا الفرس حتى داس بها على البساط.. ثم نزل وربط حبل فرسه بوسادتين شقهما، فلما اقترب من رستم قال له الجنود: ضع سلاحك. فقال: إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم ولكني أتيتكم حين دعوتموني فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت. فقال رستم: ائذنوا له.
فأقبل ربعي وهو يمشي ويمزق الوسائد والنمارق التي في طريقه فلم يدع لهم وسادة ولا نمرقًا إلا أفسدها وهتكها، فلما أقبل عند رستم قال له: ما جاء بكم؟
فقال ربعي كلمات سطرها التاريخ، كلمات حُقَّ لها أن تكتب بمداد من ذهب، قال: (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضي إلى موعود الله).
فقال رستم: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى الدخول في الإسلام والنصر لمن بقي.
فقال رستم: قد سمعنا مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا. فقال: نعم .. ولكن كم أحب إليكم؟ يومًا أو يومين؟ قال: لا، بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا ونتشاور في أمرنا .. فقال له ربعي: ما سن لنا رسول الله ? أن نؤخر القتال أكثر من ثلاث ليال فانظر في أمرك وأمر قومك ثم اختر واحدة من ثلاث بعد ثلاث ليال: إما الإسلام، وإما القتال، وإما الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وأنا كفيل بذلك عن أصحابي.
فتعجب رستم وقال له: أسيدهم أنت حتى تقرر؟
فقال: لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم.
فاجتمع رستم برؤساء قومه فقال: هل رأيتم قط أرجح وأعظم عزًا من كلام هذا الرجل؟ فقالوا: معاذ الله أن تميل إلى شيء من هذا وتدع دينك إلى هذا الكلب - أي تدخل في الإسلام - أما ترى إلى ثيابه؟
فقال رستم: ويلكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة، إن العرب يستخفون بالثياب والمأكل ويصونون الأحساب.
* العبرة المنتقاة:
إن المؤمن بالله عز وجل لا يذل ولا يخنع لأي أحد سوى الله؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله تعالى هو المدبر لهذا الكون القائم بأمره .. إذا فلم يذل نفسه لغير الله بل يذل نفسه لبشر مثله؟! حتى وإن كان في يد هذا البشر مظاهر القوة المادية إلا أنه ضعيف أمام الله عز وجل.
حيث إن: ربعي بن عامر ? يقف أمام رستم قائد الفرس وهو في زينته وبين جنوده وحرسه فلا يذل له.. بل يقف أمامه كالليث أمام فريسته. ( )
* * * *

لؤلؤة في جوف سمكة
البطل: رجل من المسلمين لم يُذكر اسمه.
البطولة: الإصلاح بين الناس.
تفاصيل البطولة:
عن الفضيل بن عياض رحمه الله قال: حدثني رجل: أن رجلاً خرج من بيته ومعه غزل ليبيعه ويشتري بثمنه دقيقًا لأهله، فباعه بدرهم ثم مضى، فمر على رجلين يقتتلان في درهم.. فقام ذلك الرجل وأعطاهما ذلك الدرهم الوحيد الذي يملكه لكي يصلح بينهما، وليس له شيء غيره.
فأتى إلى امرأته... فأخبرها بما جرى له، فجمعت له أشياء من البيت فذهب ليبيعها.. فكسدت عليه، فمر على رجل ومعه سمكة قد انتنت وتغيرت رائحتها، فقال له: إن معك شيئًا قد كسد ومعي شيء قد كسد فهل لك أن تبيعني هذا بهذا؟ فباعه.
وجاء الرجل بالسمكة إلى البيت وقال لزوجته: قومي فأصلحي أمر هذه السمكة فقد هلكنا من الجوع.
فقامت امرأة تصلحها فشقت جوف السمكة، فإذا هي بلؤلؤة في جوفها، فتعجبت المرأة وقالت لزوجها: قد خرج من جوف السمكة شيء أصغر من بيض الدجاج، وهو يقارب بيض الحمام، فقال: أريني فنظر إلى شيء ما رأى في عمره مثله.. فطار عقله وحار لبه، فقال لزوجته: هذه أظنها لؤلؤة. فقالت له: أتعرف قدر اللؤلؤة؟ قال: لا، ولكني أعرف من يعرف ذلك. ثم أخذها وانطلق بها إلى أصحاب اللؤلؤ.. إلى صديق له يشتري الجواهر ويبيعها فسلم عليه، فرد عليه السلام وجلس إلى جانبه يتحدث، وأخرج تلك اللؤلؤة وقال: انظر كم قيمة هذه. قال: فنظر زمانًا طويلاً ثم قال: لك بها علي أربعون ألف، وإن طلبت الزيادة فاذهب بها إلى فلان فإنه أثمن لك بها مني.. فذهب بها إليه فنظر إليها واستحسنها وقال: لك بها ثمانون ألفًا وإن شئت الزيادة فاذهب بها إلى فلان فإنه أثمن لك بها مني، فذهب بها إليه فقال: لك بها على مائة وعشرون ألفًا ولا أرى أحدًا يزيدك فوق ذلك شيئًا. فقال: نعم، فوزن له المال.. فحمل الرجل في ذلك اليوم اثنتي عشرة بدرة، في كل بدرة عشرة آلاف درهم، فذهب بها إلى منزله فلما وصل إذا بفقير واقف عند الباب يسأل.. فقال له الرجل: ادخل. فدخل الفقير ثم حكى ذلك الرجل قصته لذلك الفقير والحالة التي كان عليها، ثم قال له: حذ نصف هذا المال الذي عندي، فأخذ الفقير نصف المال (أي ست بدر) فحملها ثم مضى غير بعيد، ثم رجع إليه وقال: والله ما أنا بمسكين ولا فقير، وإنما أرسلني إليك ربك عز وجل لأختبرك وهو الذي أعطاك بالدرهم عشرين قيراطًا، فهذا الذي أعطاك قيراطًا منه وقد ذخر لك تسعة عشر قيراطًا عنده.
* العبرة المنتقاة:
أوصى الإسلام بضرورة الإصلاح بين الناس، وجعل على ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل، لما في ذلك من توحيد الصف وجمع الكلمة؛ لتبقى أمة الإسلام أمة قوية عزيزة على مر الأزمان.
حيث إن: ذلك الرجل عندما علم أن سبب الخلاف الذي بين الرجلين كان بسبب درهم، أعطاهما ذلك الدرهم رغم حاجته فأبدله الله بذلك الدرهم قيراطًا من المال في الدنيا وذخر له تسعة عشر قيراطًا في الآخرة.
يقول الله عز وجل في كتابه: ?لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ? [النساء: 114].
( )

* * * *
ذَهَبٌ من عند الله
البطل: أبو أمامة ?.
البطولة: الصدقة والإنفاق في سبيل الله.
تفاصيل البطولة:
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رحمه الله قال: حدثتني مولاة أبي أمامة ? وقد كانت نصرانية قالت: كان أبو أمامة يحب الصدقة ويجمع لها المال وما يرد سائلاً قط... ولو ببصلة أو بتمرة أو بشيء مما يأكل فأتاه سائل ذات يوم ولم يكن أبو أمامة يملك أي شيء إلا ثلاثة دنانير.. فسأله فأعطاه دينارًا وبقي معه ديناران.. ثم لبث قليلاً فأتاه سائل آخر فأعطاه الدينار الثاني.. ثم لبث قليلاً فأتاه سائل آخر فأعطاه الدينار الثالث والأخير ولم يبق معه أي شيء.. قالت: فغضبت لذلك غضبًا شديدًا، وقلت له: لماذا لم تترك لنا شيئًا.. فلم يلتفت أبو أمامة ? لها.. ووضع رأسه لنومة الظهيرة، قالت: فلما نودي لصلاة الظهر أيقظته.. فقام وتوضأ ثم راح إلى المسجد وقد كان صائمًا قالت: فلما قرب أذان المغرب أشفقت عليه... فاقترضت مالاً واشترت له به عشاء.. وأسرجت له سراجًا.. ثم توجهت إلى فراشه لأمهده له، فإذا بكيس من الذهب تحت الفراش فتعجبت من ذلك ثم عدتها فإذا هي ثلاثمائة دينار فقلت في نفسي: ما صنع أبو أمامة الذي صنع إلا وقد وثق بما ترك.
فأقبل أبو أمامة بعد العشاء فلما رأى المائدة وعليها الطعام ورأى السراج تبسم وقال: هذا خير من عند الله.. قالت: فجلست عنده حتى انتهى من عشائه فقلت له: يرحمك الله تركت كل هذا المال في مكان يمكن أن يضيع فيه.. ولم تخبرني فأحفظه لك في مكان آمن. فتعجب أبو أمامة ? من كلامها وقال: وأي مال؟! والله ما تركت أي شيء. قالت: فرفعت الفراش فلما رأى الذهب تعجب وفرح واستبشر وحمد الله عز وجل، قالت: فلما رأيت ذلك وعلمت أنه لم يكن يعلم عن ذلك الذهب أي شيء قمت وقطعت زناري وأسلمت.
قال ابن جابر: فأدركتها في مدينة حمص، وهي تعلم الناس القرآ

المصدر: الاسلام للجميع
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 64 مشاهدة
نشرت فى 14 نوفمبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

325,772