وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ

عائض بن عبد الله القرنـــي

 

الحمد لله ربِ العالمين.

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسوله، بلّغ الرسالةَ وأدى الأمانةَ، ونصح الأمة، وجاهد في اللهِ حتى أتاه اليقين، فصلى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه وسلّم تسليما كثيرا.

أيها الناس!

إن في وقائعِ اللهِ عبرا، وفي أيامِ اللهِ عظات، وإن الذي لا يتدبرُ في الحوادثِ ولا بالأيامِ ولا بتصريفِ الأمورِ لهو أحمقُ بليد.

وقبل أيامٍ ضربَ زلزالُ عنيفُ أمريكا، ضربَها على أنفِها من الله الواحدِ الأحد، زارَها في الليل، أمست في ليلةٍ هادئةٍ، معها قوتُها وجيوشُها، ومصانعُها، وطائرتُها، ولكن لم يخبرُهم اللهُ أنه سوف يدمرُهم، أتاهم العذابُ بغتة:

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ.

أتاهم في ما يقاربُ الساعةَ الثامنة، وهذا موعدُ لمن يعرفُ ذاك التوقيت بعد أن ينتهوا من أعمالِهم بالساعةِ والنصف، فلما باتوا ما بيتَهم الله، لم يخبرُهم جهازُ الإنذار، ولا الرادار أن هناكَ جزاءً لهم موعودا عند الواحدِ الأحد، بل وصل الموعودُ من الله لأمةٍ تهتكت في حدودِ الله، أتاهم في أكبرِ مدينِهم، في سانفرانسسكو، ومن يعرفُها يعلمُ أنها من أكبرِ المدن، اكتظت بالسكان، وهدرت بالمصانع فأرسل اللهُ عليها زلزالا. كم أخذ من مدة؟ اثنتي عشرةَ ثانية:

ما بين طرفةَ عينٍ وانتباهتِها........ يغيرُ اللهُ من حالٍ إلى حال

أين القصورُ التي كانت مشيدةً ...... أين العماراتِ من رئل ورئبالِ

صاروا هباءً منثورا، اثنتي عشرةَ ثانيةً فتحولت الجسورُ إلى الأرض، والقصورُ إلى الساحات، وارتفعت أصواتُ النساءِ العاهراتِ في الفنادق، وكبكبتِ الخمورُ على رؤوسِ المجرمين، وتحطمتِ السياراتُ، وتعطلتِ الطائراتُ، وفرقعتِ القطاراتُ، وتوقف الناسُ يقولون ما لنا؟

ما لكم؟: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ 0

أمريكا! أتدرون ماذا فعلت؟

صنعتِ الطائرة، قدمتِ الثلاجة، أنتجتِ البرادة، صنفتِ الصواريخ، لكنها فسدت في عالمِ الروح:

يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ.

ما استعدوا للقاءِ الله، نجاسةُ وعهرُ وزنىً وربىً وفحشُ ونهبُ وسلب، أمريكا! فسدت في عالمِ الروح:

بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ.

أمريكا! يقولُ عالمُهم مؤلفُ كتاب "الإنسانُ لا يقومُ وحدَه": إن أمريكا تسعى إلى الهاويةِ 100% لأنها ما عرفت الله. وفي كتابِ "اللهُ يتجلى في عصرِ العلم" وقد أللفَه نخبةُ من الأمريكان الذينَ أسلموا يحذرونَ شعبَهم العارَ والدمار والنار، ولكن من يعي!

في أوكلاهوما وقد رأينا تلكَ البلدة، وأخبرنا مسلمُ أمريكيُ من تلك الولايةِ انه ثبت في التقاريرِ أن جامعةَ أوكلاهوما فيها عشرونَ ألف فتاةِ كلُهنَ حبلى من الزنى، عشرون ألف فتاةٍ يدرسنَ في تلكَ الجامعةِ كلُهنَ حبلى من الزنى.

أي حضارة!

في بلدٍ أفكارُه منكوسـة ....... تُثقلُه بصائرُ مطموسـة

يقدسون الكلبَ والخنزيرَ ...... ويبصرونَ غيرَهم حقيرا

ما عرفوا اللهَ بطرفِ ساعة ... وما استعدوا لقيامِ الساعة

فهم قطيعُ كشويهاتِ الغنم ..... جدٌ وهزلٌ وضياعٌ ونغم

من دمرَ العمال في بولندا ...من سحق الشعوبَ ومن أتى في الرقِ في بولندا

من الذي ناصر إسرائيلَ ... حتى تصبَ عُنفَها الوبيلَ

استيقظوا بالجدِ يومَ نمنا ... وبلغوا الفضاءَ يوم قمنا

منهم أخذنا العودَ والسيجارة... وما عرفنا نصنعُ السيارة

إننا آثمون يومَ ما صنعنَا كما صنعوا، وإنهم آثمونَ يومَ ما أسلموا كما أسلمنا، نقصوا في الإسلامِ ونقصنا في العمل، ولا يعُفينا نقصنا، وأما هم فكفارُ ملاحدَةُ زنادقَه.

أمريكا التي تقدمَ رجلُ فيها يشتكي رجلاً ضربَ كلبَه حين اعتدى عليه في المطار، والكلبُ عندَهم آيةُ من الآيات، يغسلونَه في الصباحِ ويقبلونَه في المساء، ينامُ على السريرِ ويستيقظُ مبكرا على الإفطار، ويركبُ السيارةَ مع أكبر أميرٍ أو مسئولٍ منهم، ضُربَ كلبُ فقدمَت عريضةُ فيه فقال العالم:

وأين شعبُ فلسطين؟

ضُربوا بالهروات، كُسرت رؤوسَ الآباءِ والأمهات، اسقطَ الشيوخُ على الأرصفةِ، هُدمت المساجدَ وسُحقَت الدور،دُمرَت القصورَ ولا احتجاج!

تنصفونَ كلبا يا أعداءَ اللهِ من أنفسِكم ولا تنصفونَ شعبا كاملا!

إن هذا درسُ للمسلمينَ عام، ودرسُ للفلسطينيينَ خاص أن هيئةَ الأممِ لن تنتج لهم نصرا ولن تقدمَ لهم طائلا.

ولقد ظنَ الروسُ أن أفغانستانَ سوف يتقدمونَ إلى هيئةِ الأممِ، لكن كفروا بهيئةِ الأمم، لم يقدموا شكوى بل قدموا الصواريخَ، لم يقدموا عريضةَ بل حملوا الكلاشنكوف:

يا مجلس الأمنِ هد اللهُ ركنَك ...... ما تزالُ للأمن دوما غلتَ مغتصبا

أنت الذي حرمَ المسلوبُ دمعتَه .... وأنت أرضيتَ أهلَ الفحشِ والغُرباء

هذا لمن يحتكمُ بالطاغوت، ودرسُنا اليوم:

كيف نأخذُ عبرا من ذلكم الزلزال الذي ضرب أمريكا على أنفِها؟

قامَ جهازُ (رختر) فسجلَ سبعةً وواحد من عشرة، ولو سجلَ عشرة لدُمرت أمريكا، قوةُ عُظمى ولكن اللهَ أعظم، صواريخُ ولكن: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

قدرةُ الواحدِ الأحد، من الذي يعترضُ على الله! ومن الذي يريدُ أن يحاربَ الله؟ وكيف حاربوا الله؟

حاربوا اللهَ يومَ كفروا.

حاربوا اللهَ يوم أخرجوا الفتاةَ عاريةً عاهرةً زانيةً سافرةً في الجيشِ وفي المصانعِ وفي الوظائفِ.

حاربوا اللهَ يومَ سيروا الدعارةَ والخمرَ والزنى والربى في العالم.

حاربوا اللهَ يومَ قاموا مع الأقوياءَ فسلبوا حقوقَ وتراثَ وجاه الشعوب.

قال سبحانَه: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

يقولُ أحدُ التقاريرِ من هناك: خرج كبارُ الموظفينَ في المدينةِ وأخبروا أهاليِهم عبر هاتفَ السيارةِ أنعم سوفَ يصلون إلى بيوتِهم بعد دقائقَ، لكن اللهَ لم يمكنَهم دقائق، كتب أن لا يصلوا فضربَهم بالزلزالِ فدمرَ القادمُ، ودُمرَ المستقبِلُ فأصبحوا شذر مذر.

وقف رئيسُهم (بوش) قبل أيامٍ ونظر إلى العِماراتِ وهي منكسةُ فقال: خطأ من علماء الهيئةِ يومَ ما قرءوا تقاريرَ التربةِ والقشرةِ ألرضية.

قلنا يا (بوش) ويلَك من الله! لأمرُ أعظمُ من ذلك، القدرةُ من السماء: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.

أنتمُ الذين تسببتم في هذا، وهذا قليلُ من عقابِ الله:

وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ.

وقال سبحانَه: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً.

واللهُ يقولُ وهو يصنفُ الأقوامَ على مسرحِ الحياةِ كما يقولُ بعضُ المفكرين: كلما كشفت أمةٌ ووقفت على المسرح أهلكَها، ثم يرفعُ الستارُ عن أمةٍ أخرى فيهلِكُها، ثم يقولُ اللهُ في الأخير: وعادا!

يعني اسمعوا يا امةَ محمدٍ، يا أمةَ الإسلام، يا أيتُها الأمةُ الخالدةُ أسمعوا إلى العقوبات:

وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ.

وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ.

انظروا إلى الأحقاف، أنظروا إلى سواحلِ اليمن، انظروا إلى قُرى قومَ ثمود، انظروا إلى أراضي المؤتفكات:

وَعَاداً وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ.  ومن؟ وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ.

هذا موجز وإليكم التفصيل:

فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

يا مسلمون!

من ينجينا من الزلازلِ والفتن!

من ينجينا من البراكينِ والمدلهماتِ!من ينجينا من عذابِ الله ومن لعنةِ الله ومن عقابِ الله ومن أخذِ الله!

من ينجينا من نارٍ تلظى!

الأيمان، لا ينجينا إلا الأيمان، المساجد، الصلواتُ الخمس، القرآن، سنةُ محمدٍ عليه الصلاةُ والسلام، التواصي بالمعروف، التناهي عن المنكر، فعلُ الخير، هذا هو النجاة:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.

ولكن نسألُ الذين ينهارونَ وينهالونَ وينسحقونَ ويسرعون إلى حضارةِ الغربِ بأرواحِهم ونقولُ لهم:

أتريدونَ أن يتحولَ المجتمعُ المسلمِ إلى مجتمع

المصدر: عائض القرني
abdosanad

الاختيار قطعة من العقل

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 43 مشاهدة
نشرت فى 5 أكتوبر 2011 بواسطة abdosanad

ساحة النقاش

عبدالستار عبدالعزيزسند

abdosanad
موقع اسلامي منوع »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

308,482