قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل الحادى عشر } ـ المذبحة والأخْدود

كانت الوُجوهُ تدْنو من الموتِ باسمةً له.والموتُ يدْنو منها عابسا لها.حتى يكون اللقاءُ المُنْكرُ الشنيعُ، فإذا عُبوسُ الموْتِ قد استحال إلى ابتسام، حين مسَّ هذه الوجوه الباسمة ـ وذلك حين جُمِعَ النصارى(المسيحيون) رجالا ونساءً وشبابا وشِيبا من كلِ مكان حَيْثُ كانوا يجتمعون للصلاة والدُعاء ـ فَحُشِدَ منهم المئاتُ فعُذِبوا ليعودوا إلى وثنية الإمبراطورية الرومانية وعبادة القَيْصر( الملك) فلما ثبتوا على نصرانيتهم(المسيحية) نُكِلَ بهم أشدّ التنكيل. ثم قُتِّلوا فَعَبَثتْ بهم السُيوفُ والخناجر ولَعِبتْ بهم السهامُ والحِرابُ.

وكان الشابُ الثَّرِىُّ( كِيمون ). فى الصفِّ الأول من الأشراف والنُّبلاء المُتعصِّبين المستمتعين بجمال المنظرِ البشع حتى انتهت المجزرة التى كانت قُرْبانا لإله روما العظيم( جوبيتر ) فتساءل( كيمون ): كيف قَوِيت قلوبُ هؤلاء الضحايا بعد ضعفٍ؟ وكيفَ عزَّتْ بعد ذِلَّة؟ وكيفَ تحمَّلوا هذا الصَّبْرَ الأليم؟!!! ـ : إنه الإيمان ـ فلما عاد إلى قصْرِهِ لم يجد إلى النوم سبيلا!!! ـ ثم عاد يتساءل: ما هذا الإله الذى يعبُدون؟ وأين يكون؟ وما السبيل إليه؟ ثم ألقى بنفسه على سريره عَلَّهُ يجد إلى النوم سبيلا. فرأى وهو بين النوم واليقظة ( رأى جماعة من الفرسان يَعْتلون ـ يركبون ـ صَهَواتِ جِيادٍ عربيةٍ مُجَنَحةٍ تعبُرُُ البحرَ لا يدرى أهى طائرة أم سابحة فإذا هم أربعة. رَجُلان و امرأتان . يشبهون تماثيلَ الآلِهَةِ المَنْصُوبَةِ فى ميادين ومعابدِ روما . فأعلنوا غضَبَهُم على هذه المدينةِ الظالمةِ وأعلنوا براءتهم من وحْشّيَتِها المُتَعصِبَةِ . وحزِنوا على الدماء والأشْلاءِ وأعلنوا أنَّ روما لا تتعَصَبُ للآلهةِ ولكن لقيصر ولسيادتها واستعلائها ثم رَحَلَ الفرسانُ بلا عوْدة ) . فاستيقظ الشابُ فزعا وقَرَرَ الرَحيلَ عن هذه المدينةِ الظالم أهلها. وفى الليلةِ التاليةِ تسَلَلَ من قصرِهِ تحت أستار الظَلام ورحل إلى الخلاء والصحراء بحثا عن الإله الجديد. ( لكنه لم يجدْ إلا آياتِهِ وخَلْقََه ) فآمنَ بِهِ وخافَ منْهُ . ثم وجد وسط خلاِء الصحراء بناءً وحين دنَا منه سمع أصواتا عذبة تُرَتِلُ ترْتيلا عذبا. يصدُرُ عن جماعةٍ من الرُهْبانِ فانْضَمّ إليهم. فقد كان البناءُ دِيراً بَناهُ الرُّهْبانُ فى الصحراء . فرارا بدينهم من الإمبراطور وآلهته. وتعلَّم كيمون دين المسيح من الرُهبان فأصبح من أصحاب الكراماتِ . وظلَّ يتنقل من دِرٍ إلى دِير حتى وصل إلى الشام فتعرَّفَ على رجُلٍ صالح اسمه صالح ونشأتْ بينهما صداقة. فلما ظهرت كراماتُ كيمون بالشام رحلا مع قافلة مُتَّجهة إلى اليمن. لكن القافلةَ عَدَتْ عليهما واتخذتهما بضاعة( عبيدا أو رقيقا للبيع )

وَصَلَتْ القافلة إلى نجران باليمن وباعتهُما إلى رجُلَيْنِ من أشراف اليمن. فأمَّا صالح فقد انتهى أمره فى الفتنة فقد أُحرِقَ فى الأُخْدود(حُفْرة مستطيلة فى الأرض) حَيْثُ أُحرقَ النصارى فى نجران بعد ذلك بأعوام. وأما كيمون فقد أكرْمَ سَيِدُهُ مثواه وأفْرَدَ له حُجْرَة فى داره حيْثُ يعملُ ِلسَيِدِهِ بَيَاضَ النهار ويقوم للصلاة أكثرَ الليل. ورأى سَيِدُهُ أن حُجْرَتَهُ مُضِيئةٌ فى الليل دونَ مِصْباحٍ فسأله سَيِدُهُ. فحدَثَهُ كيمون عن المسيحية(النصرانية).فقال سَيِدُهُ: إننا نعبُدُ نَخْلَةً فقال كيمون:النخلة لا تُعْبَدُ إنما هى نخلة فحَسْب ولو دعَوْتُ الله لأراكم فيها ما تكرهون. فقال سَيِدُهُ : لو فعلت لاتَبعْناك جميعا.ودخلْنا فى دينك، فدعا كيمون . فإذا عاصفة تقتلع النخلة من أصلها فآمن السَّيِدُ للعبد(دخل فى دينه) ودخل اهلُ نجران جميعا فى النصرانية(دين المسيح) ـ ولمَّا ظهرت كراماتُ كيمون هرب إلى الصحراء وعاش فى خيمة وكان الناسُ يترَََّّدُدون عليْهِ لِيُعَلِمَهُمْ . فخاف يهودُ نجران ونَشَبََ الخلافُ فرفع اليهودُ الأمر إلى الملك( زُرْعة بن تُبَع ) الذى رفع شأنَ اليهوديةِ فى اليمن كما فعل أبوه تُبَع.( زُرْعة ـ هو ذو نُواس ـ وهو يوسف) فلما بَلَغَهُ أمْرُ النصرانية فى نجران هاجمهاوحاصرها بجيش كبير.

ثمَّ جَمَعََ أشراف النصرانية(المسيحية) وخيَّرهم بين الموْتِ واليهوديَّة فاختاروا الموت. فأمر المُنادين أن يُؤذِنوا فى المدينة : أنَّ الملك خَيَّرَ  أشْرافكم بين الموت واليهودية فاختاروا الموتَ.فأيكم اختار اليهوديةَ فله أن ينحاز(ينضم) إلى الجيش. فلم ينحز(ينضم) إلى الجيش أحد من أهل نجران وكلهم آثر(فضَّل) الموْتَ ـ وأمر الملك ذو نُواس بن تُبَع فاحتُفِرتْ الأخاديد( الأُخدود شق مستطيل فى الأرض ) وجُمِعَ فيها الحطبُ والخشبُ وأُلْقِىَ فيها الزيت وأُضْرِمتْ فيها النيران ودُفِعَ أهْلُ نجران إليها دفْعا. وأطلق الملك أيْدى اليهود فى أهْل نجران ينالونهم بالقتل والتعذيب وهتك الأعْراض ونهب الأموال والتمثيل بالجُثثِ. فجَرَتْ الدماء وانتشرت الأشلاء وارتفع اللهيب فى السماء بنُفوس الشُهداء.

رأى العجوزُ كيمون ما يحدُثُ فى الأُخْدود وتذكَرَ الماضى البعيد فى روما وأخذ يُقارنُ بين مَشْهَدِ الأمس ومشْهَدِ اليوم. فاندفع إلى النار لينال الشهادة مع الشُهداء فيصل إلى الخُلود. ـ. وقد أُحْرقَ من النَصارى فى هذا اليوم أكثر من عشرين ألفا. **(ولم يكن العجوز كيمون يدرى أن الشرَّ سيُعيد نفسه فى صورة ابتلاء آخر حين يقوم التكفيريون الدواعش بذبح 21 عاملا من نصارى مصر يوم الاثنين 16فبراير2015م ممن لا ذنب لهم إلا أنهم خرجوا لطلب الرزق ولقمة العيش فى ليبيا , فذبحوا على شاطئ مدينة سِرت قرب طرابلس لتمتزج دماؤهم بمياه البحر طالبة للقصاص الذى لم يتأخر حين قال الجيش الغربىُّ كلمته [جيش الكنانة] بضربات جوية ماحقة استهدفت أوكار الدواعش من كلاب أهل النار ـ وقد ظهر على وجوه النصارى السكينة والهدوء وهم يرتلون فى مواجهة السكين!! حيث ألقيت جُثثهم فى مياه البحر المتوسط لتعبر دماؤهم إلى روما ولتذكرنا بالمذبحة القديمة . وقد مضى كيمون وترك لنا مهمة المقارنة بين المشاهد جميعاً)*  ـ وقد ا ستطاع رجُلٌ واحدٌ أن يجِدَّ فى الهرب فنجا ومعه إنجيلٌ قد مسَّته النار وانطلق به عبْر البحر إلى النجاشى بالحبشة مستغيثا...... فماذا بعد .... عبد القدوس عبد السلام على العبد  موبايل 01092255676 ت 0472712574 إبيانة ـ مطوبس ـ كفر الشيخ

المصدر: كتاب على هامش السيرة ( د / طه حسين )**إضافات عبد القدوس عبد السلام*
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 167 مشاهدة
نشرت فى 7 يناير 2011 بواسطة abdo77499

ساحة النقاش

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,283