قُطوفٌ من هامش السيرة { الفصل التاسع } الرِّدَّة

ورث عرشَ حِمْيَر(حسَّان) أكبر أبناء الملك( تُبَّع ) كما ورث عنه التُّقى والوَرَع.وورِث الميلَ القديم للحرب والغزو والفتح.فامتزجت هذه الطباع والميول وأصبحت ميلا واحدا.فدعا الحبرين( وكان مُعظِّما لهما)وقال: يُلِحُّ علىَّ داعٍ قوى فى النوم واليقظة أن جَرِّد نفسك وجيشك لقتال الكافرين ونشر الدين فى الشرق والغرب. ليحكمَ(التوْراةُ) الناسَ جميعا. فعزمتُ أن أستجيبَ له.وأن أخرج بالجيش غازيا فى سبيل الله. ودهش(حسَّان) حين نصَحَهُ الحبران فى إلحاح: ألاَّ يستجيب لهذا الهاتف ثم قالا:أيُها الملك إياكَ والغرور الذى يصيبُ الملوك فيُغْرِيهم بالحرب.قال الملك(حسَّان)كنتُ أنتظر منكُما تشجيعا على المُضِىِّ فى الجهاد لنشر الدين.فإذا أنتما تخذُلانى:فقالا: إن الصوْتَ الذى يُلِحُّ عليك هو صوْتُ الكبرياء لا صوت الطاعة.فيدفعك إلى الحرب باسم الدين ـ إننا نجدُ فيما عندنا من العلم أنَّ اليهوديَّة ليست للناس جميعا ـ ونجدُ مكتوبا عندنا أن الدين الذى سَيبْسُطُ سُلطانه على الأرض فيملؤها عدلا وعزَّا وحُرِّيَّة وكرامة للبشر ويُحقِقُ الأخوّة بين الناس لن يخرج من صنعاء. وإنما سيهبطُ به الوحىُ على رَجُلٍ بمكة من قُريْش.ثم يخرج من يثرب لينتشرَ فى الأرض ـ صرفهما الملك مُعْرِضا عن قوْلهما وبدأ التهيُؤ للحربِ . واندفع الملكُ فى حربه حتى بَلغَ البحرين. وبعُدتْ الشُّقَّة(المسافة) بينه وبين اليمن.( وضاق الأقْيالُ والأذواء) زُعَماء اليمن وقادة الجيش ـ بهذه الحرب الطويلة وثقُلت عليهم فتآمروا مع إخيه (عمرو) إن يقتُله . وعاهدوه على المُلْك إن قتل أخاه وعاد بهم إلى اليمن { وكان عمرو مُتعجِّلا للمُلْكِ سريعا إلى اللهو غير مخلصٍ للدين} ونشط عمرو لقتل أخيه ولم يجد من يُخَوِّفُهُ من هذا الشر ويُحذرُهُ من قتل الرّحِم (قتل أخيه) إلاّ رجُلا واحدا من الأذواء يقال له( ذو رُعَيْن ) خوَّفَهُ من البغى على أخيه وسفك دمِهِ. وذكَّرَهُ بالرّحِم وشرفِ المُلوك. فلما يئس ذو رُعَيْن دفع إليه كتابا مختوما وقال: احفظ لى هذا الكتاب ليكون براءة لى يوْما.

أتمَّ عمرو كَيْدَهُ فأغْمَدَ النصْلَ فى صدر أخيه. وارتقى على جُثَّتِهِ إلى العرش وأسرع عائدا بالجيش إلى صنعاء وأبْطَلَ ما كان أبوه وأخوه قد أقاماه من معالم الدين الجديد.وأراد أن يقتل الحبرين. لكنه علم أنهما هلكا بعد خروج أخيه بالجيش.

 لم يستمتع عمرو بالملك ولم يذُقْ لذَّةَ السُّلْطان. فقد لَزِمَهُ الحزْنُ والغَمُّ فلا يفارقه ما ابْيَضََّّ النَّهارُ. ولا يُفارِقُهُ ما اسودَّ الليلُ. وأخذ يشتدُّ ويقسُو فجعل الملك لاينام ليلا ولا يهدأ نهارا. وأحاطه الغمُ بِصًوَرٍ مُفْزِعَةٍ مرَوِّعَةٍ. من حَيَّاتٍ(أفاعى) ذوات رءوسٍ كثيرة يخرج من أفواهها اللهبُ تُسْرِعُ إليه تُرِيْدُ أن تبتلِعه. ومن أنهارٍ من الدم تنحَدِر ولها هديرٌ وزئيرُ تُريدُ أن تُغْرِقَه أو أشباحٍ تُكشِّرُ عن أنيابها وتمدُّ إليه أظافرها الدامية وأثناء ذلك كله يسمع أنينَ أخيه ويرى الدم يتفجّرُ من صدره.فأخذ يستشير الأطباء فلا يجد دواءً ويستعين بالكُهان فلا يَجِدُ عَوْنا.ويَسْألُ العرّافين فلا يجد جوابا.

وأخيرا دخل عليه رجُلٌ حكيمٌ فقال للملك: لأنْبِئنَّكَ (أخبرك) بالحقِّ وإن كان من دونه الموت: إنه واللهِ ما قتل رَجُلٌ أخاه ولا غمس رجلٌ يده فى دم ذى رَحِم إلا سَلَّطَ الله عليه الحُزْنَ والغمَّ والأرَقَ حتى يقضى(يموت) فقال الملك: له انصرف راشدا فلا بأس عليك . إنما السبيلُ على هؤلاء الذين كادوا الكيد ومكروا المكر السيىء بى وبحسان. ثم أمعن فى خاصته ومُشِيِريه قتلا وتمثيلا حتى انتهى إلى آخرهم{ ذى رُعيْن } فلما قُدِّمَ للقتل قال للملك: إنَّ لى عندك براءة . قال الملك: وما ذاك؟ قال ذو رُعَيْن: ذلك الكتاب المختوم الذى دفعْتُهُ إليك : وأخرج الملكُ الكتاب وقرأ فيه بَيْتَيْن. 

 ألا مَنْ يشْترى سَهَرَا  بِنَوْمِ......................سعيدٌ من يَبيتُ قَريرَعين

 فأمَّـا حِمْيَرٌ غدَرَتْ وخانت.......................فمعذِرَةُ الإلهِ لذى رُعَيْنِ

قال الملك عمرو : لا بأس عليك نصحتَ وبَرَرْتَ ، وبرِئت ذمَّتُكَ . فليتنى قبلْتُ نُصْحَكَ . فقال ذو رُعَيْن :ولَيْتَ  أخاك قَبِلَ نُصْحَ الحَبْرَيْن. أصبح القصر ذات يوم فإذا عمرو مُلْقى على الأرض مُدرّجا بدمائه وقد أُغْمِدَ فى صدره ذلك النصل الذى أغمده فى صدر أخيهِ يوما ....وتفرَّق أمرُ حِمْيَر وعادت إلى شَرِّ ما عُرِفت فى قديم الزمان من الفساد والاضطراب........ فسبحان من له الدَّوام ......فماذا بعد ؟

عبد القدوس عبد السلام العبد  موبايل  01092255676 ُ

المصدر: كتاب على هامش السيرة ( د / طه حسين )
abdo77499

مدير مرحلة تعليمية بالمعاش بدرجة مدير عام

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 164 مشاهدة
نشرت فى 5 يناير 2011 بواسطة abdo77499

ساحة النقاش

HAKIM

أعدت الحياة لعميد الأدب العربى

Abd Elkodous Abd Elsalam

abdo77499
»

فهرس موضوعات المقالات

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

75,038