طغيان الإعلانات في القنوات الفضائية
لا تكاد تمضي دقائق معدودة وانت مستغرق في مشاهدة برنامجك او مسلسلك المفضل خلال شهر رمضان حتى يصدمك ظهور لوحة تحمل عبارة "فاصل اعلاني ونعود" لتجد نفسك قد امسكت الريموت كنترول سلاحك الوحيد لتنتقل بواسطته الى قناة اخرى حتى ينتهى ذلك الفاصل الذي قتل متعتك.
وأضحت الاعلانات التي تخترق البرامج من دون استئذان مصدر ازعاج شديد للكثير من المشاهدين الى حد انتشار الطرفة التى تقول ان "القنوات الفضائية اصبحت تذيع اعلانات تتخللها برامج ومسلسلات" في اشارة الى طغيان الجانب الاعلاني على بث هذه القنوات.
وبطبيعة الحال فان حجج مسؤولي القنوات الفضائية اصبحت معروفة ومستهلكة حيث تشير دائما الى ان الاعلانات تمثل الجانب التمويلي الاساسي لهذه القنوات وبدونه فانها لا يمكن ان تحيا او تجد التمويل الذي يمكنها من شراء او انتاج برامجها المختلفة.
والواقع ان الانفاق الاعلاني في الشهر المبارك وحده يعادل ما يتم انفاقه في العام كله وما اكد ذلك قيام شركات اعلانية معروفة بتقدير هذا الانفاق في رمضان مبينة انه يمكن ان يصل الى حوالي 50 في المئة من اجمالي الانفاق طوال السنة في بعض الدول العربية.
واجمع عدد من المتخصصين في لقاءات متفرقة مع وكالة الانباء الكويتية (كونا) ان زيادة الانفاق الاعلاني في الكويت لاسيما القنوات الفضائية يمكن النظر اليه كمؤشر ايجابي كونه تجاوز ضغوط الازمة مع توافر الكثير من المعطيات الايجابية التي تحفز الانفاق الاعلاني بشكل استثنائي والتي تتزامن مع قدوم الشهر المبارك وعودة المقيمين وتحسن مستويات الانفاق في الشركات وظهور بوادر حقيقية على تعافي الاقتصاد.
وقال مدير عام احدى الشركات المتخصصة في حجز الاعلانات طلال ابراهيم ان مثل هذه العوامل المحفزة للانفاق الاعلاني ستساهم في تحقيق موسم اعلاني جيد مشيرا الى أن شهر رمضان يمثل أهم مواسم الاعلانات في المنطقة.
واوضح ابراهيم ان الوكالات الاعلانية تعول على نشاط الشهر الفضيل أملا في زيادة عائداتها وتعويض فترة التراجع في مستوى الانفاق الاعلاني التي استمرت منذ بداية العام الحالي.
واشار الى وجود ارتباط وثيق بين زيادة الانفاق الاعلاني ونشاط الانتاج التليفزيوني خلال رمضان حيث يساهم الانتاج الفني الغزير بارتفاع نسبة المشاهدة مما يحفز المعلنين على رفع ميزانياتهم.
من جانبه قال مدير التسويق في احدى شركات الاعلان حازم سنيد ان وجود المئات من القنوات الفضائية التى اصبح يزدحم بها البث الفضائي أدت الى ظهور موجة اعلانات مكثفة ومتوالية مضيفا أن ذلك العدد الكبير من القنوات خلق تنافسا شرسا نتج عنه ما يسمى بحرب أسعار أدت الى خفض تكلفة الاعلان وتكثيف ظهور المادة المعلنة.
واوضح ان شهر رمضان المبارك يعتبر من الشهور التي يزداد فيها الانفاق من قبل الأسر الكويتية والمقيمين وبالتالي يكون شهرا مميزا ومغريا لتسويق المنتجات الغذائية وغيرها مما يؤدي الى زيادة الانفاق الاعلاني للتأثير على قرارات الشراء وزيادة حصة بيع المنتجات والخدمات.
وأضاف أن المنتجات الغذائية بطبيعة الحال تتصدر حجم الانفاق الاعلاني مؤكدا أن شهر رمضان المبارك باتت تنظر اليه شركات الأغذية العالمية وبالذات الشركات الكبيرة أو صاحبة المنتجات المعروفة أو الجديدة منها كنقطة انطلاق يتم على ضوئها قياس وتأكيد تواجد المنتج أو انحساره من السوق.
وحسب رصد (كونا) مصادر اعلامية وتجارية فان الانفاق الاعلاني بالدول العربية في شهر رمضان هذا العام شهد تزايدا ملحوظا عن السنوات السابقة اذ ارتفعت التعاقدات الاعلانية في الامارات بنسبة 15 في المئة مقارنة بالشهر ذاته العام الماضي مسجلة رقما قياسيا بلغ 913 مليون درهم (حوالي 260 مليون دولار) حسب المركز العربي للبحوث والدراسات (بارك).
وارتفع حجم الانفاق الاعلاني في السعودية الى 400 مليون دولار بحسب غرفة جدة التجارية ووصل في مصر الى مليار جنيه (حوالي 200 مليون دولار) في فرع السلع الغذائية والاستهلاكية فقط كما أوردت بعض وسائل الاعلام.
وبصفة عامة فان دول الخليج وما اصبح يطلق عليها وسائل الاعلام العابرة للدول العربية (بان عرب) دائما ما تستحوذ على النصيب الاكبر من الانفاق الاعلاني العربي والذي بلغ حوالي 3ر8 مليار دولار العام الماضي.
وكشفت دراسة صادرة عن الشركة العربية للدراسات والبحوث أن حصة (بان عرب) بلغت حوالي 6ر3 مليار دولار وبلغت حصة الامارات 98ر1 مليار دولار والسعودية مليار دولار والكويت 717 مليون دولار وقطر 355 مليون دولار وسلطنة عمان 252 مليون دولار والبحرين 109 ملايين دولار.
ويظل الاعلان المطبوع هو المسيطر في الأسواق المحلية وتتراوح حصته بين 91 في المئة في عمان و72 في المئة في الكويت وفي قطر 89 في المئة والامارات 86 في المئة والسعودية 83 في المئة والبحرين 82 في المئة.
وتوزعت نسب الاعلان بين القطاعات المختلفة بنسبة بلغت 14 في المئة للهيئات والمؤسسات الحكومية 12 في المئة لمستحضرات النظافة الشخصية والمنزلية والتجميل و11 في المئة للعقارات والتأمين و10 في المئة للاتصالات والمرافق العامة و7 في المئة للاغذية والمشروبات والتبغ و6 في المئة لكل من قطاع المطبوعات ووسائل الاعلام و قطاع مراكز التسوق والمتاجر.
وكان خبراء الاعلان قد حذروا من ان صناعة الاعلان في المنطقة ستواجه في العام الحالي أكبر تحد تواجهه منذ حوالي العقدين وهو ما يتطلب تضافر جهود كل أطراف العملية الاعلانية من معلنين ووسائل اعلام وكالات اعلان ووكالات الشراء الاعلاني للبحث عن فرص وحلول وبدائل وعروض مبتكرة للتعامل مع أزمة غير مسبوقة في العالم ودول المنطقة.
والمعلن بالتأكيد لا يرغب في وقف حملاته الاعلانية وهو على يقين بأن الأزمة ستأخذ مداها أو دورتها قبل أن تعود عجلة الاقتصاد الى نشاطها مجددا لذا فهو يبحث خلال هذه الفترة عن أفضل البدائل أو أفضل مردود استثماري أو قيمة اضافية لميزانية اعلانية متواضعة أو محدودة لعدد من القطاعات التي بدأت تتأثر بهذه الازمة مثل المؤسسات المالية والمصرفية ومشاريع التطوير العقاري والهيئات والمؤسسات الحكومية.
ساحة النقاش