الفضائيات الناطقة بالعربية ساحة للاستقطاب الفكري في المنطقة
تتزايد قنوات التلفاز الأجنبية وتلك الناطقة باللغات المحلية للإقليم بهدف الوصول إلى جمهورها ولا سيما في العالم العربي، ولهذا يتنبأ خبراء الإعلام بازدياد حدة الصراع حول الاستقطاب الفكري في المنطقة فضلا عن احتمالات التاثير الاجتماعي الذي تبث مواده تلك القنوات على العالم العربي. في حين تشتد منافسة صريحة بين قنوات التلفاز الأجنبية الناطقة باللغة العربية حول الاستيلاء على أسواق وسائل الإعلام في المنطقة العربية.
دخول أوربا على الخط..
وتكاد تكون الصحافيّة ناهدة نكاد، المشرفة على قناة "فرانس 24" الناطقة باللغة العربية، متفائلة عندما صرحت أن البثّ سيمتد إلى خمسة عشر ساعة بدلاً من الساعات العشر الحالية، وتقول أن الهدف يتمثل في الوصول إلى البث على مدار 24 ساعة.
ولهذا سوف تقوم الحكومة الفرنسية بزيادة الميزانية الحالية من سبعة إلى عشرة مليارات يورو. وليست قناة "فرانس 24" هي الوحيدة التي لديها خطط توسّع مستقبلية، فنفس الشيء يلاحظه المرء على قناتي "بي بي سي" البريطانية و"دويتشه فيله" الألمانية، الناطقتان باللغة العربية.
وبهذا انخرط الأوربيون في تطور جديد بدأ مع اجتياح القوات الأمريكية للعراق، ففي عام 2004 أسست إدارة بوش قناة تلفازية ناطقة باللغة العربية تحت اسم "الحرة". وقبيل ذلك بدأت قناة "العالم" الناطقة باللغة العربية بتمويل من إيران، ثم تبعهم الروس عام 2007 ومن بعدهم الصينيون عام 2009.
معدلات مشاهدة متباينة
قناة "الحرة" الأمريكية الناطقة باللغة العربية "ليس لها صدى في أي مكان" لأنها افتضحت على أنها"قناة دعاية" للأمريكان. إن المحايد من دافعي الضرائب قد يظن أن هناك طلباً هائلاً على البثّ باللغة العربية وذلك لوجود حوالي 320 مليون مشاهد عربي. وإن لم يكن الأمر كذلك، فكيف يمكن للمرء أن يوضح أن قناة "الحرة" كلّفت المواطن الأمريكي حتى الآن ما يزيد على 600 مليون دولار؟ لكن الإحصائيات أظهرت نتائج مغايرة، ففي استطلاع للرأي قام به مركز جالوب الأمريكي عام 2007 كان 30 في المائة من الشعب السعودي يشاهد قناة "الجزيرة" في حين أن 2 في المائة منهم فقط يشاهدون قناة "الحرة".
وفي عام 2009 كانت نتائج الاحصائيات التي أجرتها شركة الزغبي العالمية وجامعة ميريلاند متشابهة، حيث صرح 55 في المائة من المصريين الذين شاركوا في الاستفتاء، أنهم يفضلون قناة "الجزيرة".
مهام أيدلوجية واضحة
وترى ناهدة نكاد أن التكليفات بالنسبة لقناة فرانس 24 تعتمد على ثلاثة محاور، أولها أن "الصحافة الفرنسية التي نتابع فيها الأحداث اليومية من وجهة نظر المجتمع أولاً ثم نتوجه فيما بعد إلى أصحاب القرار". وثانيها أن فرنسا يسودها مفهوم أن الثقافة لها أيضاً أهمية كبيرة مثل السياسة والاقتصاد. وثالثهاً أن الرؤية الفرنسية لا تتبع أي مشروع سياسي بعينه، وتؤكد ناهدة نكاد على ذلك قائلة: "على الرغم من أننا قناة تمولها الحكومة إلا أننا نتمتع بالاستقلال في عملنا".
ويقول أسعد أبو خليل: "إن القنوات المحلية تُمطر المشاهد بالمسلسلات والبرامج الموسيقية والرياضية وكل شيء ما عدا السياسة حتى تُبعد المشاهد عنها".هذه الادعاءات جعلت أسعد أبي خليل يبتسم ابتسامة عريضة، ففي الحقيقة يرى الخبير الإعلامي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ستانسلاوس في ولاية كاليفورنيا أن جميع هذه القنوات تعمل وِفق مهمة أيدلوجية واضحة: "فالولايات المتحدة تبحث عن تأييد لأعمالها الحربية وسياستها، والآخرون يفعلون نفس الشيء. وفي الوقت نفسه يريدون ألا يتركوا الساحة خالية أمام الأمريكان، سواء اتفقوا مع الولايات المتحدة أم لا". بحسب موقع قنطرة.
ويشيع تصور أن هناك منافسة صريحة تأججت حول الاستيلاء على الرأي العام العربي. وعلاوة على ذلك فقد ركزت الدول الأوروبية مثل فرنسا وألمانيا على نشر ثقافاتها وذلك على ضوء العولمة الأمريكية. لكن المعركة الأساسية تدور على النطاق السياسي، ومثال ذلك إيران، ففي ذكرى الثورة الإسلامية في منتصف فبراير/ شباط هذا العام قطعت إيران إرسال قناة "صوت أمريكا" و"بي بي سي" و"دويتشه فيله".
وعلى العكس من ذلك كانت مصر والسعودية المتحالفتان مع الغرب قد حذفتا بالفعل قناة "العالم" التلفازية الإيرانية قبل شهور من أقمارها الصناعية. ويرى فيصل عبد الستار، المتحدث الرسمي لقناة "العالم" أن ذلك يرجع إلى قرارات سياسية على أعلى مستوى، ويقول: "صحيح أن السعودية تسمح لنا بإعادة البث مرة أخرى، لكن ذلك لا يأتي إلا لأن حجم الصراع بينها وبين إيران أكبر من مثيله بين مصر وإيران". ويرى عبد الستار أن منعاً مستمراً سيحدث ضجة كبيرة.
تي آر تي نافذة تركيا على العالم العربي
ومؤخراً احتفلت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية "تي آر تي" بإطلاق قناة "التركية" الجديدة الناطقة باللغة العربية. وأعلن القائمون على القناة أن هدفهم ليست الدعاية وإنما إقامة جسور ثقافية بين العالم العربي وتركيا.
وقال منسق القناة،" لقد عقدت تركيا العزم على تأسيس قناة "التركية" بعدما قامت مؤسسات إذاعية عالمية مثل "بي بي سي" و"سي إن إن" وأيضا التلفاز الحكومي الصيني والروسي بإطلاق قنوات ناطقة باللغة العربية".
وأضاف،" إننا لا نتخذ موقفاً منحازاً في نشراتنا الإخبارية، فنحن ننشر الخبر ببساطة كما هو ونترك للمشاهد حرية التقييم."
وتابع،" يوجد في الوقت الحالي حوالي 750 قناة تلفازية تقدم برامج ناطقة باللغة العربية. والسؤال عن "سبب إيثار المُشاهد لنا" سؤال مهم نطرحه على أنفسنا عندما نقوم بتقديم برامجنا. إننا قناة عائلية، وهذا يعني أننا نقدم كل أنواع البرامج. وحتى إذا كان ذلك يشكل بالنسبة لنا تحديات كبيرة إلا أننا نعتقد بوجود فراغ يمكننا أن نملأه بهذا النوع من البرامج العائلية، وهذا هو هدفنا بالضبط. بحسب موقع قنطرة.
علاوة على ذلك فإن سياسة تركيا الخارجية النشطة جدا أدّت إلى إثارة فضول الناس تجاه بلدنا. هذا الفضول لا ينصب فقط على سياستنا بل أيضا على ثقافتنا وتقاليدنا والفن التركي والجغرافيا التركية، وينبغي علينا أن نتعامل مع هذا الفضول. ومما يفرحنا أننا لنا جمهور كبير في العالم العربي حتى وإن كان البثّ لم يبدأ إلا في هذه الساعات، لكننا بالطبع تحت ضغط كي نبرز أنفسنا أمام القنوات الأخرى الناطقة باللغة العربية، وهذا كما قلت تحدٍ كبير لكننا استطعنا التغلب عليه.
وعن سبب اختياره شخصيا لإدارة التنسيق قال" هذا السؤال لا يمكنني الإجابة عنه من وِجهة نظري الشخصية، ويمكن أن يجيب عنه آخرون أمثال زملائي أو الأحزاب الكبيرة المعارضة التي طالبت بتحقيق برلماني ضد تقلّدي هذه الوظيفة. وعندما يلقي المرء نظرة على سيرتي الذاتية فإنه يرى أن تاريخي الصحافي بدأ عام 1985 كمذيع ومترجم لدى راديو وتلفزيون القاهرة، ومنذ ذلك الحين بقيت في مجال الصحافة. وعلاوة على ذلك اشتغلت في الاثني عشرة عام الماضية كصحافي في كثير من البلاد العربية".
وتابع،" من جهة أخرى إن عدد الأتراك الذين يتكلمون العربية ويتقنون العمل بالصحافة والتلفاز يعتبر محدوداً جداً، لهذا فكل موظفينا من العرب، وهم من جميع الدول العربية، من مصر والسودان وسوريا وفلسطين والجزائر والأردن. وقد أردنا ذلك لأن لغتنا الرئيسية المستخدمة هي العربية الفصحى، ولكننا نريد أيضا بثّ برامج باللهجات المحلية من حين لآخر.."ومما يفرحنا أننا لنا جمهور كبير في العالم العربي حتى وإن كان البثّ لم يبدأ إلا في هذه الساعات، لكننا بالطبع تحت ضغط كي نبرز أنفسنا أمام القنوات الأخرى الناطقة باللغة العربية"إذا كان الوضع يتعلق بقدرات بلدنا فلا بد أن نتحدث بالطبع عن اقتصادنا وانجازاتنا. ففي تركيا توجد الآن سلسلة كاملة من الماركات الشهيرة، وسوف ينعكس ذلك بطريقة أو بأخرى على شاشتنا التلفازية في إطار مهامنا الصحافية واللوائح العامة للتلفاز.
وختم المنسق للقناة التركية الناطقة بالعربية بالقول،" إننا سنقول للمستثمرين العرب "تفضلوا واستثمروا في تركيا". ولأن الرؤى الاقتصادية مهمة بالنسبة لنا نقوم يومياً ببث برامج اقتصادية، وعلى الرغم من عدم وجود دعاية في الوقت الحالي إلا أننا سوف نقدمها يوماً ما.
ساحة النقاش