لكي يكون مدخلنا صحيحا وعلميا وتربويا لابد لنا من وضع تعريف للمسرح التربوي بأنماطه المتعددة لكي يتسنى لنا الوقوف على الفهم الدقيق والعلمي لمسرح الأطفال ومن نرسم السبل الكفيلة بالنهوض فيه :
أولا: هناك عدة تعريفات لمسرح الأطفال وضعها فنانون عالميون ولكننا سنقتصر على ما ورد في دليل أكسفورد لأنه يلم بجميع جوانب مسرح الأطفال (ان مسرح الأطفال يطلق على العروض التي يقدمها ممثلون بالغون أو محترفون أو هواة وفنانو الدمى سواء في المسارح أو في القاعات المدرسية ، وهو لا يشمل أبداً التمثيل ألاحترافي للأطفال أو عروض الهواة التي يقدمها الأطفال في المدارس للجمهور). ويقوم هذا المسرح على نصوص مسرحية للأطفال من الأدب العالمي أو مسرحيات غنائية أو محلية يمثل فيها ممثلون من (الكبار) وفي بعض الأحيان ممثلين صغار حسب متطلبات النص ، لان هناك جملة محاذير في حالة تمثيل (الصغير للصغير) منها المنافسة والغرور والغيرة ، لدى الأطفال من غير المشاركين في العمل الفني ، ويستخدم هذا النوع جميع تقنيات المسرح (إضاءة ، ديكور ، مؤثرات صوتية ، ... الخ) وتعرض المسرحية في مسارح محترفة بحيث يكون الجمهور جالسا في مكانه مشاهدا غير مشارك في الحدث الدرامي في المسرحية إلا انه يتفاعل فكريا وعاطفيا مع الحدث مما يثير عند الطفل المشاهد آراء وأفكاراً مختلفة يمكن أن يناقشها مع تلاميذه في غرفة الصف .
ثانيا: المسرح المدرسي
يعتمد على نصوص مسرحية يختارها المدرس من الكتب المدرسية إن وجدت أو من مصادر أخرى تكون لها علاقة بأمور حياتية تغني المنهاج وتعالج قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية يمثل المسرحية ويخرجها طلبة المدرسة بإشراف المدرس ، ويشاهدها الطلبة والمدرسون وأهالي الطلبة ، وينحصر تقديم هذا النمط في المرحلة الثانوية ، ذلك لتشجيع الطلبة على التأليف المسرحي وتنمية المواهب الفنية وتطويرها لديهم مثل الكتابة والتمثيل والإخراج .
ثالثا: الدراما التعليمية هذا النموذج يعتمد على غريزة الطالب الفطرية وإمكانياته وقدراته على تأسيس مشاهد ارتجالية لا تعتمد المخطوطة المسرحية أو الإعداد ولا تستعين بالتقنيات المسرحية ، وتنفذ داخل الصف ، كعملية تواصلية فاعلة تعمل على إثارة مواقف درامية للكشف والتعبير عن أفكار حواراته من خلال الأداء الجسدي والصوتي للتلميذ فهي وسيلة لتحقيق أغراض تعليمية .
رابعا : أما هذا البرنامج يعتمد على مسرحيات معبرة برفقة ورشات عمل بأسلوب الدراما مع الطلبة يعدها خصيصا للمدارس مختصون في مجال المسرح والتربية ، ويعتمد شكله على تقنيات مسرحية عادية بحيث يسهل عرضه في أية قاعة مدرسية ، وتعرض لمراحل عمرية محددة لتعالج موضوعات ضمن المنهج أو أمور حياتية أو اجتماعية لها علاقة بتطوير الطالب واهتماماته ، ويتكون فريق (المسرح في التعليم) من (مخرج وكاتب وممثلين محترفين أو ما يسمى الممثل / المعلم) وتكون للمثل المحترف خبرة في مجال التعليم حيث يستطيع التعامل مع الطلبة بمرونة وإبداع .
وقد شهد هذا النمط – مؤتمر المركز العالمي للمسرح في التعليم – في الأردن عام 2000 وتضمن المؤتمر مجموعة أبحاث وتجارب تؤشر كيفية التعامل مع هذا الأسلوب الحديث نصا وتمثيلا وإخراجاً وتقنيات :-
وألان وبعد أن قدمنا التعريفات المارة الذكر ، ترى أن مسرح الأطفال ما هو إلا فرع واحد من فروع المسرح التربوي المختلفة والتي تتطلب الماما بأسلوب وكيفية عمل منظوماته اللغوية والفنية والفكرية والتقنية ، وسنحاول تفكيك تلك المنظومات والآليات في مقالات أخرى إن شاء الله .
إن التركيز في الوطن العربي والعراق عبر (قرن وربع القرن) من بدء مسيرة المسرح (انصب على نمط مسرح الأطفال) الذي أولاه النقاد والباحثون والفنانون اهتمامهم غافلين عن الأشكال الأخرى التي لا تقل أهمية وضرورة عن مسرح الأطفال إن لم تكن أهم وأجدى وانفع كون إن نمط (مسرح الأطفال) يقدم فنانين محترفين وفرق محترفة ، وهذا الخلط في المفاهيم والطروحات متأت من نقص في الاطلاع على المصادر الأجنبية التي فصلت القول في هذا المجال منذ الثلاثينيات في القرن العشرين ورسمت الأطر المناسبة لكل نوع وبرز باحثون ومفكرون وفنانون في تلك الأشكال أمثال (براين وي ، وبيتر سليد دوروشي هيثكون ، ووينفريد وارد ، وجيرالدين برايم سكس ، وجون الن واخرين) وكل له منهجه وطريقته وفلسفته ، التي لم تخلط بين (مسرح الأطفال والدراما التعليمية) أو بين (المسرح المدرسي ومسرح الأطفال) وهناك العشرات من الكتب والمراجع في هذا الميدان ولكنها لم تترجم إلى العربية في عموم الوطن العربي إلا كتاب واحد هو (مسرح الأطفال – لوينفريد وارد) وبعض الأبحاث المتناثرة من هنا بقي النقاد والباحثون العرب يرتجلون في طروحاتهم ويسرعون في أحكامهم وتخطيطهم ويخلطون بين تلك الأشكال – ويرجعون كل نشاط إلى (المسرح الأطفال) متناسين أو جاهلين بالأنماط الأخرى (الدراما التعليمية ، المسرح المدرسي ، المسرح في التعليم) ودائما يتناولون تاريخ مسرح الأطفال وعروضه وكتابه .. الخ وتتم محاكمته على وفق أسلوب (المسرح المحترف) تأليفاً وتمثيلاً واخراجاً . والحقيقة إننا نفتقد إلى المتخصصين فعلا في تلك الأشكال في عموم الوطن العربي وان الموجودين اقل من أصابع اليد الواحدة واحدهم كاتب هذه السطور ، انطلاقا مما تقدم وبناء على ما جاء في المقالين المذكورين أنفاً وانسجاما مع الطروحات التي وردت في الحلقة النقاشية لمهرجان مسرح الأطفال الثاني نود أن نثير بعض التساؤلات التي ربما ستلقى بعض الاهتمام لدى الفنانين المسرحيين ولجنة المسرح العراقي والجهات الأخرى ذات العلاقة :-
1- لمن يقام احتفال مسرح الأطفال هل للأطفال أم للمسرحيين ؟
فان كان للأطفال ! فالأطفال ليسوا بحاجة إلى احتفال ولا يمكن حضورهم للعرض أو العروض المسرحية سواء بصحبة عوائلهم أم بمعية معلميهم ! ومن جهة أخرى فالطفل لا يستطيع استيعاب وهضم وتبني (عشرة عروض) في (خمسة أيام) والاصوب أن يشاهد الطفل (عمل أو عملين) في العلم الواحد ثم إننا لم نسمع باحتفال (مخصص لمسرح الأطفال) في الوطن العربي أو العالم لأنه وبلغة الأرقام لا يمكن حضور مثل هذا الاحتفال سوى واحد من مئة ألف طفل سواء في العراق أم أي بلد آخر ، أما إذا كان الاحتفال للمسرحيين فما الجدوى ؟ ولماذا الهدر في الجهد والوقت والمال والتوجه مشكوك في صحته !
2-هل عرض مسرحي واحد في العام أجدى أم عشرون عرضا ؟ فان كان الجواب بالإيجاب ، إذاً لماذا ننشئ فرقة مركزية مع حاجتنا أليها ، أليس الاصوب أن نلزم جميع الفرق المسرحية في بغداد والمحافظات بتقديم عرض واحد سنويا ضمن برنامجها موجها للطفل ، وبهذا سنحقق اكبر عدد من العروض لأكبر عدد من المتلقين واقصد هنا (عروض مسرح الأطفال) الذي يرتاده الطفل لقاء ثمن أو بطاقة مع عائلته أو معلميه .
3-هناك شبه إجماع من قبل الباحثين والفنانين على عدم توفر النص المخصص للطفل ، وهنا نقول إن كل أشكال المسرح التربوي ليست بحاجة إلى نص ! بل الطالب هو الذي ينشئ نصه الخاص به إلا في مسرح الأطفال وهنا تجب مراعاة أسس وشروط الكتابة الدرامية على وفق القاموس اللغوي للطفل والمراحل العمرية.
4-إن من المحرمات لدى منظري المسرح التربوي أن تكون هناك مخطوطة (نص) في مرحلة الروضة والابتدائية لان التخطيط المنهجي السليم في هذه المراحل يعتمد (الدراما التعليمية) المستمدة من اللعب والارتجال والأفكار الحرة المنطلقة من ذهن التلميذ وبنيته النفسية والذهنية والاجتماعية ذائقته ومقدرته الفنية والجمالية وأرائهم في الحياة والفن والقضايا الأخرى .
5-لقد تسال الفنان القدير سامي عبد الحميد في الحلقة النقاشية الاحتفال مسرح الطفل ، عن إننا لم نستطع أن ننشئ تقليدا مسرحيا حتى ألان منذ بداية الحركة المسرحية في الوطن العربي ولم يصبح المسرح ضرورة عضوية لدى الفرد العربي لا يمكن الاستغناء عنها ؟
فما السبيل إلى ذلك ؟ نقول إن أردنا أن ننشئ هذا التقليد فلا مناص من إدخال حصة (الدراما التعليمية) في المرحلة الابتدائية ، و(المسرح التربوي) في الثانوية ، أسوةً ببعض الدول العربية (كالمغرب العربي) وبعد (12) عاما سنرى إننا نمتلك تقليدا عربيا وطنيا صميما ، وسيخلق الجيل القادم مسرحه الذي يرتايه المنطلق من اللعب والارتجال في المراحل الأولى ومن ثم الكتابة والتمثيل والإخراج والنقد في المراحل المتقدمة .
6-أرى إن المسؤولية في كل هذا تتحمله وزارة التربية وليست وزارة الثقافة ، ذلك لان معاهد الفنون الجميلة على وفق منهجها ألان تخرج الطالب لكي يكون ملما بالدراما والفنون الأخرى ، وكذلك كليات الفنون التي تتضمن أقسام التربية الفنية فيها مناهج تهتم بالمسرح التربوي وكيفية تدريسه في المراحل الدراسية المختلفة ، لكن وزارة التربية لم تدخل هذه المواد ضمن المنهج الدراسي في المرحلتين الابتدائية والثانوية – منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى ألان
المصدر: www.ahlabaht.com
نشرت فى 6 مايو 2010
بواسطة abdelaliem
عدد زيارات الموقع
159,940
ساحة النقاش