كثيرة هي الظواهر التي رافقت المتغيرات السياسية التي حدثت بالعراق في العام 2003، وقد لاحظ المراقبون صورا مستجدة في الواقع العراقي توزعت على مجالات الحياة كافة، وقد كان للمتغير السياسي قصب السبق في ذلك، بيد ان هذا المتغير الهام قاد بدوره الى متغيرات شملت منظومة السلوك والفكر العراقي في مجمل الأنشطة الراكزة والمتداولة بين الناس، وقد عرف بسطاء الناس بحاستهم الفطرية بأن العراق مثله مثل البناية او العمارة الشاهقة التي تمّ تقويضها فجأة فتهاوت فوق الارض ولم يبق منها سوى أساس مندثر تحت الركام، ثم بدأ البناء الجديد وفقا لنظرية (الفوضى البنّاءة) التي عملت على تفكيك القديم المتعارف، وتأسيس الجديد المختلف في كل شيء.
ومن بين هذه المستجدات ظاهرة أو حالة تم رصدها من لدن المتابعين تتمثل بالتكتلات الاعلامية في هذا المرفق الاعلامي او ذاك او في هذه المؤسسة الاعلامية او تلك حكومية كانت او أهلية، فنرى أن من يقود ويغذي هذه المؤسسات فرق اعلامية مكونة من عدد من الافراد يمكن أن نطلق عليهم تسمية (الثُلل أو الشُلل)، وتتميز هذه الفرق بالتكتل والتقارب والانسجام الذي يمتص الخطأ الفردي او يغطّي عليه تماما ناهيك عن الرفض التام (للاجسام القريبة) التي قد تحاول التسلل إليها طلبا للعمل او التوظيف وما شابه ذلك.
وثمة وجهات نظر متضاربة حول هذا الموضوع، فهناك من يرى أحقية أن تكون هذه الفرق الاعلامية منسجمة ومتفاهمة مع بعضها من اجل إنجاح المشروع الاعلامي الذي تكفّلت به، وهي بذلك تبني حولها سورا من حديد يمنع المتسللين إليها من اجل العمل كما ذكرنا، وغالبا ما يكون هذا المنع بحجج واهية الهدف منها حماية النزعة (الشللية) التي تحمي افراد المؤسسة الاعلامية وتضاعف من الامتيازات التي يحصل عليها أفرادها، وقد يصل الأمر بأن المتضررين من هذه الحالة يصفون مثل هذه التكتلات بـ (العصابات) التي تستأثر بالفوائد والمكتسبات المادية والمناصبية لنفسها والمقربين منها حصرا.
ومن المؤسف حقا أن تنعكس الوقائع السياسية على عمل وأنشطة وأهداف هذه المؤسسات الاعلامية، بمعنى أن الحزب الفلاني لن يستقبل في مؤسسته الاعلامية من هم غير منتمين لهذا الحزب وأن الكتلة السياسية الفلانية لاتقبل عمل من لاينضوي تحت جناحها السياسي.
ولعل الامر الأكثر أذى حين يتعلق الامر بالمؤسسات الاعلامية التابعة او المدعومة من لدن الدولة، حتى أصبح الأمر كالسباق المتواصل للاستئثار بالوظائف والمناصب وما شابه مما جعل للمحسوبية والعلاقات الشخصية وربما (الرشا أحيانا) دورا في الوصول الى هذه المؤسسات، بغض النظر عن الخبرة او الموهبة وما شابه ذلك.
ولعل إلصاق هذه التهمة السياسية او تلك بهذا الشخص او ذاك او تجييرها لصالحه هي أسوأ السبل التي استخدمها الاعلاميون للحصول على هذا المنصب او تلك الوظيفة، ومع ان هذه الظاهرة تكاد تكون شاملة لجميع مؤسسات الدولة او الاهلية منها، إلاّ انها تطفو على السطح حين يتعلق الامر بالاعلام عموما كونه غالبا ما يقع تحت أسماع وأبصار العامة ولا يمكن التستر عليه كما في الدوائر والمؤسسات الاخرى غير الاعلامية.
وربما لا ينحصر هذا الامر في العراق تحديدا، حيث ذكرت بعض وسائل الاعلام البحرينية على سبيل المثال شكاوى عديدة لإعلاميين هناك تتعلق بتسيّد النزعة الشللية في اوساطها الاعلامية والثقافية بصورة عامة، ما يدل على أن الاعلام هو الوسط الاكثر تداولا لهذه الحالة، وثمة من الاعلاميين من يؤمن بصحة هذا الاسلوب لكنه في واقع الامر ينم عن صراع سلبي ولهاث غير نزيه نحو الاستئثار بالوظائف والمناصب.
وكلنا يعرف أو يسمع بأن عددا غير قليل من الاعلاميين يتقاضى عدة رواتب من مؤسسات اعلامية متعددة على الرغم من الاختلاف الذي يقع بين هذه المؤسسات سواء في التوجهات او الاهداف وما شابه، وهنا قد يتساءل البعض كيف يحدث هذا فنقول: أن مساوئ الشللية هي التي تقف وراء ذلك، حيث يتميز مثل هؤلاء الاعلاميين بأساليب التقرّب المتنوعة فيمكّنهم ذلك من اختراق (الشلة) ليصبحوا بعد حين جزءً لا يتجزأ منها.
ولهذا السبب يُستحسن أن نتخلص من هذه الحالة التي لا تليق بالاعلام كونه مرآة تعكس تطور المجتمع وسجاياه وخصاله، وليس من الصحيح أن نبرر شيوع مثل هذه الحالات بكونها جزء لا يتجزء من منظومة سلوك راسخة، إذ من الممكن ان تتغير الأساليب وفقا لسعي المعنيين في تغييرها نحو الافضل
ساحة النقاش