كيف نوظّف الاقمار الصناعية لصالح رؤانا وأفكارنا
قبسات من فكر الامام الشيرازي
يؤكد العارفون والمختصون بأن تجاهل المشكلة او العمل المضاد لا يشكل حلا مناسبا وناجعا له، بمعنى أن الانسان (فردا وشعوبا وأمما) لا ينبغي له تجاهل المضادات او اهمالها او الهروب منها من اجل التخلص منها، بل يكمن الحل في مواجهتها.
بكلمة أخرى، إن منع الشيء المضاد لأفكارنا او اعمالنا وما شابه ربما يجعله أمرا مرغوبا من لدن الناس وفقا لقاعدة (كل ممنوع مرغوب) ولذلك فإن تمحيص هذا الفكر المضاد وكشف اسراره ووسائله واهدافه وكل ما يتعلق به، سيحقق المثل الذي يقول إن فلانا من الناس (أصاب عصفورين بحجر واحد)، فعندما تستقبل هذا الفكر او العمل المضاد فإنك كشفته وتعرفت على بواطنه وغوامضه وبإمكانك أن تضع العلاج اللازم لمكافحته، هذا أولا، وثانيا أن هذا الفكر او العمل المضاد لم يعد مرغوبا به لأنه ليس ممنوعا بل مكشوفا بسوءاته للجميع.
وما نريد أن نصل إليه في هذا الصدد هو ما ركّز عليه الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) بكتابه القيّم المعنون (الافلام المفسدة في الاقمار الصناعية.. وقاية وعلاجاً) حيث قال في هذا المجال:
(إنّ -صحون الأقمار الصناعية- كالتلفزيون والراديو والفيديو، أجهزة يمكن استثمارها في الأمور النافعة ويمكن استخدامها في الأمور الضارة.
كما أن الكثير من الأسر الإسلامية التي تعيش في المهجر في الدول الأوربية تستخدم -صحون الأقمار الصناعية- لتعليم أبنائها اللغة العربية أو للاستفادة من بعض المحطات القرآنية التي تبث عبر الأقمار الصناعية.
ومثلما يستخدم أعداء الدين هذه الوسائل للترويج للقيم المنحلة والأفكار الهدامة، فبمقدور المسلمين أيضاً استخدامها للهداية والإرشاد).
إن هذا القول ينطبق تماما مع رؤية العارفين والمتخصصين في مجال مكافحة الافكار المضادة، بمعنى إن منع الاقمار الصناعية سيقود الى حرمان المسلمين والانسانية عموما من العناصر المفيدة والايجابية التي يمكن أن تقدمها للآخرين، بيد أن الامر سيظل مشروطا بوعي الانسان فردا كان او عائلة.
وهنا سيظهر لنا جليا دور التنوير وزيادة الوعي لدى الناس عموما (مع التركيز على شريحتي المراهقين والشباب) ومن يكون أكثر ضعفا وتأثرأ ازاء هذه الافكار والاعمال معا، وهنا تم استخدام إسلوب المواجهة وليس الهرب، فمنع الافكار المضادة يعني الهروب منها وعدم القدرة على مواجهتها وبالتالي إعطائها هالة كبيرة تقود الآخرين للبحث عنها واللهاث وراءها لأنها اكتسبت صفة (المرغوب بسبب منعه).
ولعلنا نؤشر تقصيرا واضحا من لدن المسلمين في هذا الصدد، فقد تمكن الغربيون من احتكار هذه المكتشفات ووظفوها لصالحهم مقبل حالة النكوص والتراجع لدى المسلمين حيث يقول الامام الشيرازي في هذا المجال:
إن (تقاعس المسلمين أدى إلى احتكار الغربيين لهذه الأجهزة واستخدامها في أهدافهم المعادية للقيم والأديان).
بمعنى أنهم حين بذلوا وبحثوا ووظفوا امكانياتهم العقلية والصناعية وغيرها، فإنهم سبقوا المسلمين في اكتشاف هذه الاقمار ومواصفاتهاووظائفها، وأبقوا أسرار صناعتها وتطورها محصورة في انشطة شركاتهم وما شابه، وهذا نوع من الاحتكار الذي نتج عن تلكؤ المسلمين في المثابرة والبحث والصناعة وما شابه.
فأصبح الامر مرهونا بالغرب، وتم استخدام هذه المكتشفات لصالح رؤاهم وافكارهم ومن ثم محاولاتهم الحثيثة لتحقيق اهدافهم المعروفة من خلال الافادة مما تقدمه الاقمار الصناعية ومقومات العولمة الاخرى.
لذا علينا أن نعي بأن العيش خارج الفضاء العولمي أصبح أمرا مستحيلا، لكن الامر الذي لم يخرج من أيدينا بعد، هو إمكانية مكافحة الفكر المضاد بالفكر الذي نؤمن به ونراه منسجما مع مبادئنا وطرائق عيشنا وتفكيرنا واعمالنا كافة، ويقترح الامام الشيرازي بكتابه المذكور حلولا بهذا الصدد منها:
(ليس هناك علاج أفضل من أن يتقدم المسلمون، وأن يشقوا طريقهم في الحياة، ويأخذوا مكانتهم في هذا العالم الواسع، كما كانوا في السابق).
فالتقدم والتطور والتعليم يتحقق بالجهد الخلاق الذي يعتمد المواجهة وليس الهروب:
(لأن الأمم التي تتقدم حضارياً هي القادرة على فرض وجودها على الأمم المنهزمة والمتخلفة).
ثم ينتهي الامام الشيرازي (رحمه الله) الى القول:
إن (هذه الرسالة المعنونة بـ -الأقمار الصناعية وقايةً وعلاجاً- كتبت لأجل ذكر طرق المواجهة مع المخاطر الناجمة عن الأفلام غير الأخلاقية المنبعثة من الأقمار الصناعية، التي تنتشر عبر الفضاء ولا تعرف قانوناً ولا حدوداً.
وهكذا تتضح الرؤية والنظرة الى عالم اليوم وكيفية العيش فيه مع الاحتفاظ بفرص التطور التي يمكن اقتناصها ببذل الجهود الفكرية والعملية المطلوبة من خلال درء خطر الافكار والاعمال المضادة ليس بتجاهلها وانما باقتحامها وفضح أساليبها الخاطئة واضرارها
ساحة النقاش